من قطع رأس "فاجنر"؟
تاريخ النشر: 27th, August 2023 GMT
ناجي بن جمعة البلوشي
بعد أن أصبح مقتل قائد مجموعة فاجنر الروسية حديث وسائل الإعلام العالمية، فإنَّ تحليل الوصول إلى من تسبب في قتله، يكاد يكون من أدق المهام الصعبة التي سيقوم بها المختصون في هذا الشأن من الجهات المعنية في روسيا، لكننا هنا نشارك بأفكارنا التحليلات التي يراد منها على أقل تقدير التصديق بالعقل الواعي والخروج من عالم الافتراضيات وتبادل التهم.
قُتِل قائد فاجنر يُفجيني بريجوجين إثر تحطم طائرته التي تقله و6 من مرافقيه من بينهم مساعده دميتري أوتكين في سماء منطقة تفير، بعد مُغادرتها موسكو متوجهة إلى سان بطرسبورغ، لكن أسباب تحطم الطائرة ما زالت غامضة مع وجود كثير من الشكوك حول سبب تحطهما. فمنهم من جعل زراعة عبوة ناسفة فيها هو السبب، ومنهم من قال إن المُضادات الأرضية الروسية هي التي أسقطت تلك الطائرة، ومنهم من يضع الرئيس فلاديمير بوتين نفسه وأجهزته الأمنية في دائرة الاتهام، من منطلق أنه أكد أنَّه لا يسامح على الخيانة، وفقًا لما ذكره في مُقابلة مصوّرة. وتتمثل الخيانة في زحف قائد فاجنر وجنوده إلى موسكو في يونيو الماضي بعد أن استولوا على المقر العام لقيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف المجاورة لأوكرانيا، وحيث إنَّ لفاجنر نفسها أعداءً من خارج روسيا؛ ففي محاولة الزحف إلى موسكو والتي نسب دعمها ماديًا للولايات المتحدة الأمريكية بأموال تقدر بمليارات الدولارات، ثم عودة قائد فاجنر إلى الولاء الروسي من جديد، كل ذلك يضع شكًا في تصفيته من قبل الأجهزة الأمنية الأمريكية، وهذا أحد الاحتمالات، كما إن وجود هذه المجموعة المُسلّحة في سوريا لتقديم خدماتها العسكرية هناك، يعني أن أعداءه من السوريين ومن المنظمات المُسلّحة التي تتواجد فيها، تبرر اغتيال قائد فاجنر؛ باعتباره هدفًا مشروعًا لها.
حلف شمال الأطلسي "ناتو" أيضًا عدو مباشر لمجموعة فاجنر؛ لما سببته من قلق معنوي بتواجدها في ليبيا، ومؤخرا بعد أن تواجد قائد فاجنر علنًا في القارة الأفريقية؛ حيث بث رسالة مصورة بتواجده هناك، ومن هنا فقد أمسى عدوًا مباشرًا لفرنسا خاصة بعد طلب قادة النيجر الجُدد المساعدة والعون بالاتفاق مع المجموعة في خدماتها العسكرية، وقد قدمتها لدول أفريقية أخرى قد تحررت من التبعية الفرنسية قبل بضعة أشهر، ناهيك عن التواجد الذي غيَّر شيئًا من معادلة الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث كانت مجموعة فاجنر سببًا في التقدم الروسي في باخموت، والاستيلاء عليها بعد معارك ضارية، مات فيها الكثير من جنود المجموعة.
أما الدولة المجاورة لأوكرانيا وبيلاروسيا، وهنا أعني بولندا، فإنها تعتبر قائد فاجنر هدفًا مشروعًا لها بعد أن وضع مجموعته على حدودها بدعم من روسيا، وهي على علم بأنَّ القوات التي حاربتها المجموعة في باخموت أكثر تدريبًا وقوة وكفاءة من قواتها.
وإذا كان كل من ذكرناهم هنا هم أعداء لزعيم فاجنر في الخارج، فإنَّ روسيا بلده الأم لا تخلو من الأعداء أيضًا؛ فزعيم فاجنر كان قد شبّه النخب الروسية بتشبيهات تدل على عداوته العلنية لهم. وفي تصريحات له قارنَ الرجل نفسه بالقادة الروس الذين يعملون لصالح الدولة الروسية ووضعهم بالمقابل له كقائد الجيش الروسي وقائد القوات الفضائية الروسية، لكنه نسي أنه يعمل معهم وباتفاق وقعوه هم مع شركته مقابل دفع المال.
أما عن القادة السياسيين في روسيا فهم أشد عداوة له وذلك من منطق "لا عدو دائم كما لا صديق دائم"؛ فالذي تجرأ بالاستيلاء على المقر العام لقيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف وقرر الزحف إلى موسكو العاصمة السياسية للدولة الروسية في وقت حربها مع دولة أخرى، فإنه في حكم السياسيين "عدوٌ" حتى وإن اعتذر أو تم نفيه من الدولة. وبمجرد أن تهدأ الأوضاع، فإن استبداله بالشخص الأكثر ولاءً، هدفٌ لا مناص عنه.
لكن يبقى السؤال: هل الوقت مناسب بعد أن تواجد جنوده في بيلاروسيا وخارج جبهات القتال؟ وإذا تساءلنا عمّا إذا كانت طائرته قد فُجِّرت بزراعة قنبلة أم لا؟ فإن الجواب يقول: إذا كان المقاتلون المرتزقة يؤمنون بعملهم لمن يدفع أكثر وأنهم سيموتون في سبيل المال عاجلًا أم آجلًا، فإنه قد يكون أحد المتواجدين في الطائرة ممن قُتلوا هو الذي كان يحمل القنبلة، وذلك لإيمانه بموته من أجل المال، فإن لم يمُت على متن تلك الطائرة؛ فإنه سيموت على جبهات القتال!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
قصة السنغالي مالك جوب.. أفارقة جندوا في الحرب الروسية الأوكرانية
لم يكن والد مالك جوب يتخيل، أن رحلة ابنه إلى روسيا للدراسة ستنتهي بمقطع فيديو صادم نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه محتجزًا من الجيش الأوكراني على جبهة دونيتسك.
وُلد مالك جوب عام 2000 في قرية كير مادومبي بمنطقة كافرين، وسط السنغال، التي تبعد عن العاصمة دكار 260 كيلومترًا. كان طالبًا متميزًا منذ صغره، حيث تابع تعليمه في المدارس القرآنية، ثم في النظام الفرنسي، ونجح في امتحانات الشهادة الإعدادية والثانوية.
التحق بجامعة عليون ديوب في بامبي، فدرس القانون وحقق نتائج متميزة أهلته للحصول على منحة دراسية إلى روسيا.
عند وصوله إلى روسيا، اصطدم مالك بعقبة معادلة الشهادات، واضطر لإعادة دراسته من الصفر. رغم ذلك، تفوّق من جديد ونال إشادات من أساتذته الروس.
وقد ظهر في مقطع فيديو وهو يُكرَّم من أحد أساتذته، ما شكّل مصدر فخر لعائلته في السنغال.
لكن في فبراير/شباط 2025، اتخذ مالك قرارًا مفاجئًا وهو الالتحاق بالجيش الروسي. والده، الحاج سيت ديوب، قال إنه تلقى مكالمة من ابنه يخبره بنيته الانضمام إلى صفوف القوات الروسية، تحت ضغط الظروف. وأضاف "كنت مترددًا، حذرته من المخاطر، لكنه أقنعني في النهاية، فباركت له قراره… وأنا نادم اليوم".
في منتصف مارس/آذار الماضي، ورد آخر اتصال من مالك، أخبر فيه والده بأن الاتصال سيكون محدودًا بسبب نقله إلى منطقة عسكرية. بعدها، انقطعت أخباره، إلى أن ظهر لاحقًا في فيديو تداوله الإعلام، وهو أسير لدى القوات الأوكرانية.
إعلانيقول والده "ابني ذهب لطلب العلم، لا ليُقاتل في حرب لا تعنيه"، ويضيف "هذه لم تعد مسألة عائلية. إنها قضية تهم الدولة السنغالية، التي نناشدها التحرك لإعادته حيًّا".
منظومة تجنيد غير معلنةلكن ما حدث مع مالك ليس حالة معزولة. وفق شهادة خادم كوليبالي إنيان، وهو طالب سنغالي في سانت بطرسبورغ، فإن هناك منظومة شبه سرّية تستهدف الأفارقة المقيمين في روسيا، خصوصًا أولئك الذين يعيشون في وضع إداري هش أو دون وثائق قانونية.
يقول تيونغان "كثير من هؤلاء يُجندون طواعية أو تحت التهديد، خاصة عندما تنتهي صلاحية تأشيراتهم. يُعرض عليهم راتبٌ شهريٌّ يقارب 400 ألف روبل (نحو 2.9 مليون فرنك إفريقي) مقابل الانضمام إلى الجيش. بعضهم يُخيَّر بين التجنيد أو الترحيل القسري، أو حتى السجن".
وأضاف أن "وفيات كثيرة سُجلت في صفوف شباب الجالية السنغالية، دون تغطية إعلامية أو تحرك دبلوماسي. لدينا مجموعة واتساب نتداول فيها أسماء وصور من ماتوا أو اختفوا. مالك ليس أولهم، ولن يكون الأخير إن استمر الصمت".
ساحة حرب بديلة للمهاجرينوليس السنغاليون وحدهم من وجدوا أنفسهم في أتون هذه الحرب. ففي أبريل/نيسان الماضي، تحدثت الصحافة التوغولية عن الطالب دوسيه كوليكباتو، الذي سافر إلى روسيا لدراسة الطب، لينتهي به المطاف أسيرًا وجريحًا في أوكرانيا، بعدما أُرسل إلى الجبهة دون دعم فعلي من القيادة العسكرية الروسية.
مثل هذه القصص، التي تتكرر بصمت، تؤكد الحاجة الملحة لتدخل دبلوماسي وإنساني، لا لحماية صورة الدول الإفريقية فقط، بل لحماية أرواح شبابها، الذين يجدون أنفسهم وقودًا في صراعات لا علاقة لهم بها.
أرقام وتحذيراترئيس منظمة "رؤية بلا حدود"، بوبكر سي، عبّر عن قلقه العميق بعد أسر مالك جوب، قائلاً "منذ اندلاع هذه الحرب، تم تسجيل أكثر من 2000 مقاتل أجنبي في منطقة دونباس، 75% منهم يقاتلون إلى جانب القوات الروسية".
إعلانوأضاف "أكثر من 3000 أجنبي حصلوا على الجنسية الروسية منذ بداية 2024 بعد انضمامهم للقتال. هؤلاء الشباب يُخدَعون بوعود واهية، لكنهم يغامرون بحياتهم في حرب لا تعنيهم".
وطالبت المنظمة من الطرفين المتنازعين، روسيا وأوكرانيا، إطلاق سراح المقاتلين الأجانب، لا سيما الأفارقة والسنغاليين، للتخفيف من معاناة عائلاتهم.
صرخة من كير مادومبيفي قرية كير مادومبي، ما زالت والدة مالك جوب ترفض تصديق الخبر، بينما يواصل والده الظهور الإعلامي في محاولة لإثارة الضغط، وسط مطالبات متزايدة بفتح تحقيق رسمي ومعالجة هذا الملف من جذوره.
القضية لم تعد فقط مأساة عائلة، بل إنذارًا لدولة بأكملها، بل ولمنظومة الهجرة والتعليم التي تضع شبابًا في مسارات خطِرة، تبدأ بالأمل، وتنتهي بالأسر، وربما بما هو أسوأ.