فيلم السيد ك.. سريالية وكوميديا سوداء عن يوميات محاصرين في فندق معزول
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
يهتم الجمهور على مدار تاريخ السينما بذلك النوع من الأفلام الأكثر قربا منه وتعبيرا عن رغبته في المضي مع الشخصيات وهي تخوض مغامراتها أو وهي تكتشف ما هو جدير بالمتابعة وما ينطوي على الاختلاف والمفاجـآت لكن الأمر في بعض الأحيان يصل إلى درجة عالية من التبسيط والمباشرة كما في أفلام الحركة والعنف وبعض أفلام الإثارة.
أما في موازاة ذلك فهنالك نوع من الأفلام قد يساهم في تحريك ذهن المشاهد وتدفعه إلى التفكير والتحليل والاستنتاج وتخرجه من نمط ما هو سائد من أفلام ذات طابع تجاري وتنتهي نهايات سعيدة ترضي رغبات المشاهد وخاصة عندما تقدم نوعا من قصص المغامرات والتحولات المدعومة بكثافة في الجانب البصري من خدع ومؤثرات وتقنيات صارت سائدة في العالم الرقمي.
هنا يمكننا أن نتوقف عند هذا الفيلم للمخرجة النرويجية تالولا شواب وهو فيلمها الروائي الطويل الرابع، حيث تقدم لنا فيلما مختلفا على كافة الأصعدة من الفكرة إلى المعالجة والأحداث والشخصيات، فببساطة شديدة ها نحن مع "ك" الذي هو ساحر يستمتع بعمله متنقلا بين المدن لتقديم الفعاليات السحرية أمام الجمهور وخلال ذلك يقرر المكوث في أحد الفنادق ليقضي ليلته وهو في طريقه إلى مدينة أخرى، لكن ما جرى بعد ذلك هو الاستثناء الكامل.
وإذا بدأنا من المكان- الفندق، فإنه وهو يحاول مغادرته لا يجد الباب نفسه الذي دخل منه ويجد صعوبة في التعرف على مداخل ومخارج المكان، أي أنه يجد نفسه وهو حبيس المكان ثم ليدخل في دوامة مع متغيرات غرائبية، إذ يجد رجلا نائما في غرفته في الفندق تحت إحدى الطاولات ثم يجد عاملة في الفندق مختبئة في خزانة الملابس، ومن هذه الغرائبية والكوميديا السوداء سوف نكمل الرحلة مع جوق موسيقي يخرج من مدخل مجهول ليجول في ممرات الفندق وطوابقه ثم ليجد "ك" نفسه وسط حشد من الطهاة يدخلونه في العمل مباشرة فيما هو يحاول أن يشرح لهم انه مجرد نزيل ويريد منهم أن يدلونه على باب الخروج لا أكثر.
هذه الحلقة في البناء السردي ما تلبث أن تتكامل مع حلقة أخرى، إذ يعبر رئيس الطهاة - يقوم بالدور الممثل بجورن سنديكويست، عن سعادته بانضمام "ك" إلى مساعديه ويتوسل إليه أن يمارس عمله في تحضير الطعام لكنه يكتشف مجموعة طهاة متخصصين في فقس البيض وطبخه وهو يعجز عن العثور على تفسير لماذا كل هذا البيض.
على الجانب الآخر سوف يعثر "ك" على عجوزين تتشابهان مثل توأمين، ويفرحه أنهما مقيمتان في الفندق ولهذا يستبشر خيرا انه سوف ينضم إليهما في اليوم التالي عند المغادرة لكنهما تخبرانه فجأة انهما سعيدتان في الإقامة في هذا المكان وأن ليس في نيتهما الخروج منه.
أما الغرائبية الموازية فهي التي تجعل "ك" يعيش في دوامة مكانية تنتهي باستنتاج أن ذلك المكان يتعرض إلى قوة ما تجعل جدرانه تقترب من بعضها وانه جرّب ذلك عندما ربط حبلا بين جدارين، وفي اليوم التالي وجد أن الحبل المشدود قد ارتخي وهو ما سوف يخبر به الطهاة فيصاب الجميع بالدهشة ويعلنون "ك" منقذا لهم وينتشر اسم المنقذ مخطوطا على الجدران ثم رفعه على الأكتاف والهتاف له.
هذه الإحالات وما تلاها من أحداث مشحونة بالصخب والفوضى والتيه تعيدنا إلى نوع من التجريبية والسريالية السينمائية وبذلك غادر الفيلم القيود الزمانية والمكانية وحتى على صعيد الحبكة والبناء الفيلمي.
وبصدد هذه الأحداث الغرائبية وفي قراءتها للفيلم تقول الناقدة امبير ويلكنسون في موقع سكرين ديلي: " إذا كان هناك ما يميز هذا الفيلم الوجودي المركب انه ابتداء من عنوانه فيه إشارة واضحة إلى فرانز كافكا وبطله المحبط في روايته الأخيرة "القلعة".
أما من حيث العبثية المفرطة، فيتشابه الفيلم مع أعمال صموئيل بيكيت إلى حد كبير، ويعود الفضل في ذلك إلى نوع الكوميديا السوداء وتوظيفها في هذا الفيلم من خلال شخصية "ك" نفسه، الذي يجد نفسه، بعد تسجيل دخوله في فندق واكتشافه أنه لا يستطيع المغادرة أبدا، خاصة أن الفوضى ليست أمرا معتادا بالنسبة له فهو ساحر بالمهنة، يُرى لفترة وجيزة وهو يؤدي على خشبة المسرح، متحكما في عالمه الصغير.
ها هو "ك" يُعلن عن نفسه بأنه "لا أحد"، ولكن بينما هو يبدأ برسم مخارج ومداخل الفندق على أمل العثور على سبيل آمن للخروج، فإنه يعمل على مخطط معقد لرسم خريطة لممرات الفندق، فيما هو يدرك أن الجدران قد تنغلق عليه تدريجيا،
ليحيلنا إلى نوع من المحاكاة لرهاب الأماكن المغلقة الذي بدأ يحركه في من هم حوله حتى يشعرون به ومن ثم إسقاطه على الجمهور.
من جهة أخرى ما تلبث المخرجة أن توسع من دائرة الأزمة ومن ذلك الجحيم المكاني السريالي المغلق، ولهذا فإن الأزمة لن تقتصر على أن "ك" هو الوحيد العالق في هذا الكابوس، بل يجري زج شخصيات أخرى كانت قد اتخذت من الفندق مقرا لها، ثم تتكشف سلسلة من المبالغات التي خلاصتها أن معظمهم لم يخرجوا من الفندق منذ سنوات.
لقد اعتادوا تماما على حياتهم، سواء بالعمل الشاق كطهاة في مطبخ ملحق بالفندق، أو كونهم من النخبة الثرية التي تُقيم بين ليلة وأخرى حفلة صاخبة، أو ببساطة أنهم يعيشون أيامهم كنزلاء مرتاحين وراضين عن وضعهم.
هنا يتم طمس عنصر الزمن من وجهة نظر الشخصيات وخاصة بالنسبة لـ"ك" إذ لا يوجد مفهوم للوقت في المقاييس المعتادة في ذلك المكان المغلق، مما يُفاقم غرابة الفندق وسكانه، وهو ما يفاقم من أزمة "ك" ولهذا نجده وهو يغرق في حالة من الهذيان، ويغيب عن باله وجود مخرج يفضي به إلى مكان آخر، بل صار مستجيبا لتوسلات رئيس الطهاة بوصفه منقذا، ولهذا سوف يستجيب لتوسلاته ويشرع في اكتساب صفات الطاهي المتمرس لكنه سرعان ما يبدأ بالعودة إلى طبيعته المعهودة، إذ يبدأ برسم خريطة للفندق بنقوش على الجدران في محاولة يائسة لفهم ما يحدث من حوله، وينتهي به الأمر بتمزيق ورق الحائط ليكشف عن مخلوق غريب حيّ ويتنفس ولكنه متشعب مثل أخطبوط عبر الجدران.
والحاصل أن "ك"، هو تجسيد لأزمة كائن منفصل عن الواقع بالألعاب السحرية ليجد نفسه في دائرة هذيانية وتخريفات مثل مصاب بالحمى وصولا إلى دراما مليئة بمشاهد سريالية تُذكرنا بالمشاهد التي غالبا ما صوّرها ديفيد لينش، ممزوجةً بعناصر خيال علمي غريبة وغير قابلة للتفسير، بالإضافة إلى كونها مشاهد فيها مقاربات كثيفة للكوابيس البشرية القاتمة على طريقة كافكا حتى أصبح الفيلم أكثر تجريبية بطريقة تبدو في بعض الأحيان غير مفهومة للجمهور وعليه أن يحلل ويستنتج ويقيم سلسلة من الافتراضات ثم ليدخل في دوامة سريالية فانطازية جديدة طيلة المساحة الزمنية لهذا الفيلم.
...
سيناريو واخراج/ تالولا شواب
تمثيل/ كريسبين كلوفر في دور "ك"، بجورن سنديكويست في دور الشيف، فيونولا فلاناغان وديربلا مولوي في دوري الشقيقتين، ساني ميليس في دور غاغا، جان غونار رويس في دور أنطون.
مدير التصوير/ فرانك كريب
مونتاج/ مارتن جانسن
التقييم/ روتين توماتو 80%، أي أم دي بي 7 من 10، سي جي 4 من 5
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الفیلم فی دور نوع من
إقرأ أيضاً: