هل تحب فلسطين وهي تقاتل.. أم تكتفي بالتعاطف معها وهي تنزف؟
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
منذ اندلاع الإبادة والتطهير العرقي والعقاب الجماعي في غزة، لم يكن الحراك الشعبي في أوروبا مجرّد موجة عابرة، بل ثورة عارمة عبّرت عن الملايين ممن رفعوا علم فلسطين، وأعلنوا تضامنهم مع أهلها، متجاوزين حدود التعاطف الافتراضي إلى فعل حقيقي ومطالبة سياسية واضحة بالعدالة والحرية.
هذا الحراك الشعبي دليل حي على أن الحب الحقيقي لفلسطين لا يقتصر على الوقوف مع الضحية، بل يتجسّد في الانحياز للحق في مقاومة الظلم والاحتلال.
وفي مقابل هذه المواقف القوية من الشعوب، بدأت بعض الحكومات الأوروبية مؤخرا تبدي مواقف أكثر جرأة، كالتلويح بفرض عقوبات على الاحتلال، واستدعاء سفرائه، وإصدار رسائل سياسية حازمة تجاه استمرار العدوان. لكن هذه التحركات -على أهميتها- لم تُترجم حتى اللحظة إلى خطوات رادعة حقيقية؛ فشحنات السلاح إلى تل أبيب لا تزال تتدفّق، والدعم السياسي والعسكري لم يتوقف.
بدأت بعض الحكومات الأوروبية مؤخرا تبدي مواقف أكثر جرأة، كالتلويح بفرض عقوبات على الاحتلال، واستدعاء سفرائه، وإصدار رسائل سياسية حازمة تجاه استمرار العدوان. لكن هذه التحركات -على أهميتها- لم تُترجم حتى اللحظة إلى خطوات رادعة حقيقية
وهنا يبرز السؤال المركزي: هل نحب فلسطين وهي تقاتل من أجل وجودها، أم نكتفي بالتعاطف معها وهي تنزف فقط؟
ولفهم أعمق لهذا التناقض بين تضامن الشعوب وازدواجية الأنظمة، نجد نموذجا حيا قادما من أمريكا اللاتينية، حيث تتقاطع الخطابات الرسمية مع الوعي الشعبي، ويظهر صوت نادر في وضوحه.. صوت الصحفي البرازيلي الكبير بابلو بوسكو.
خلال ندوة نظمها "منتدى فلسطين للإعلام والتواصل"، جلس الرجل المسنّ، لكنه لم يلبث أن وقف، رغم كِبر سنّه، ليحدثنا بحماسة لافتة عن تجربته ورؤيته للتضامن، قائلا:
"أنا صحفي كبير في السن، اسمي بابلو بوسكو. قضيت عمري في الصحافة في البرازيل، وشهدت الكثير من التحولات السياسية، لكن ما يحدث في فلسطين الآن فاق كل شيء.. إنه جرح مفتوح في ضمير العالم".
تحدّث بوسكو بإعجاب عن موقف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا الذي وصف العدوان على غزة بـ"الإبادة الجماعية"، معتبرا أن هذا الموقف ساعد في تغيير وعي قطاعات واسعة من الشعب البرازيلي، حيث أظهرت استطلاعات الرأي تضامنا كبيرا مع فلسطين.
لكن بابلو، كعادته، لم يكتف بنصف الحقيقة، فأشار بوضوح إلى التناقض في خطاب لولا، الذي رغم إدانته لجرائم الاحتلال، لم يتردد في وصف عمليات المقاومة الفلسطينية بـ"الهجوم الإرهابي".
ومن هنا انطلق بوسكو بسؤاله الجوهري: هل يُقبل الفلسطيني فقط حين يكون ضحية أعزل؟ وهل يُدان حين يحمل سلاحه دفاعا عن أرضه ورفضا للمجازر بحق نسائه وأطفاله؟ ويذكّرنا قائلا: "من دون المقاومة، لن تكون هناك فلسطين. لا معنى لتضامن لا يعترف بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم".
وسرد حادثة جرت مؤخرا حين مُنعت عائلة فلسطينية من دخول البرازيل رغم امتلاكها تأشيرات رسمية، بدعوى ورود أسمائهم على "قائمة سوداء" أمريكية تزعم انتماء أفرادها لحماس. لم تعترض السلطات البرازيلية، رغم خطابها الإنساني المعلن.
هذه الحادثة لم تكن تفصيلا صغيرا، بل تجسيدا للفجوة بين ما يُقال وما يُفعل، بين التعاطف مع الضحية، ومعاقبتها إذا قاومت.
ولا يتوقف الأمر عند المواقف العليا، بل يتجسد في السياسات المحلية. بلدية ساو باولو -كبرى مدن البرازيل- أصدرت مؤخرا قرارا بمنع فعاليات تضامنية مع فلسطين، تحت ذرائع "منع خطاب الكراهية" و"الحياد"، رغم أن العدوان الإسرائيلي لا يترك مجالا للحياد.
هذا المنع جاء رغم تنامي الوعي الشعبي المتضامن مع غزة، وكشف عن معضلة عميقة: يُسمح لك أن تتعاطف مع فلسطين.. ما لم تتحوّل عاطفتك إلى موقف علني أو فعل سياسي.
وما يجعل صوت بوسكو لافتا ليس فقط وضوحه، بل لأنه يأتي من فضاء ثقافي وسياسي غير غربي تقليدي، ويكشف عن عمق المأزق الأخلاقي الذي تعاني منه حتى بعض الحكومات المناصرة ظاهريا لفلسطين.
هذه المواقف "النصفية" تشبه في جوانب كثيرة ما نراه في الغرب: تأييد لفظي، وتضامن إنساني، لكن مع خطوط حمراء تُرسم بوضوح عندما يصل الأمر إلى دعم الفعل المقاوم أو مساءلة الاحتلال.
ومع هذا، فإن الغرب بدوله الكبرى يبدو أكثر تورطا، وأكثر ازدواجية، حيث يتحول التواطؤ إلى دعم مادي مباشر للآلة التي تقتل الفلسطينيين.
من يحب فلسطين حقا، لا يمكن أن يحبها فقط وهي تنزف.. بل يجب أن يحبها وهي تقاتل وفق ما كفلته لها المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية لأي شعب تحت الاحتلال
فالمواقف الغربية الأخيرة من المجاعة في غزة -رغم بعض مظاهر التعاطف والتدخلات المتأخرة- أظهرت حقيقة لا يمكن تغطيتها بأكياس دقيق القمح. نعم، ثمّة جهود تُبذل لإدخال المساعدات، وبيانات تصدر تندد بالمجاعة، لكن اليد الأخرى هي التي تسلّح وتمنع وقف إطلاق النار.
ولا يمكن نسيان الجملة التي لخّصت نفاق هذا المشهد، حين علّق أحد النشطاء البريطانيين على شحنة أسلحة أُرسلت إلى إسرائيل وسط أزمة الجوع في غزة، قائلا بسخرية سوداء: "دعوا الفلسطينيين يأكلوا قليلا من الطعام.. ثم اقتلوهم".
إنها العبارة التي تختصر المأساة: قليل من الشفقة، كثير من الرصاص.. قافلة مساعدات هنا، وشحنة صواريخ هناك.. ابتسامة دبلوماسية أمام الكاميرات، وصمت عن الجرائم خلف الكواليس.
وفي هذا السياق، يبرز صوت أمثال بابلو بوسكو لا كترفٍ فكري، بل كضرورة أخلاقية. فالمعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل على المعاني:
هل يمكن التضامن مع الضحية دون الاعتراف بحقها في الدفاع عن نفسها؟
هل نُدين الجوع دون أن نحاسب من يمنع الغذاء؟
وهل نناصر فلسطين كقضية إنسانية بينما نخذلها كقضية تحرر؟
في زمنٍ تتآكل فيه المبادئ وسط الحسابات، يُعيدنا صوت بوسكو إلى بوصلة الأصل برأيه:
من يحب فلسطين حقا، لا يمكن أن يحبها فقط وهي تنزف.. بل يجب أن يحبها وهي تقاتل وفق ما كفلته لها المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية لأي شعب تحت الاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة أوروبا فلسطين تضامن البرازيلي فلسطين غزة أوروبا البرازيل تضامن قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لا یمکن
إقرأ أيضاً:
فصل لتضامنه مع فلسطين.. موظف سابق يقاضي أرسنال الإنجليزي
رفع أحد الموظفين القدامى في أرسنال دعوى قضائية ضد النادي الإنجليزي بعد فصله من عمله بسبب تضامنه مع القضية الفلسطينية.
وأكد مارك بونيك، الذي خدم نادي أرسنال لمدة 22 عاما، أنه فُصل من وظيفته يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد أسابيع من مشاركته منشورات تنتقد جدار الفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مليون دولار أسبوعيا ومهلة أخيرة.. كواليس مفاوضات الهلال مع برونو فيرنانديزlist 2 of 2صلاح هداف ليفربول أفضل لاعب بالدوري الإنجليزي الممتاز للمرة الثانيةend of listكما عبّر في أخرى عن رعبه من جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة التي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين من بينهم أكثر من 700 رياضي، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقال بونيك "فُصلت من وظيفتي ليس بسبب سوء سلوك، بل لأنني عبّرت عن حزني وغضبي تجاه الإبادة الجماعية في غزة. لا أشعر بالندم، وعلى أرسنال أن يعتذر وأن يُعيدني إلى عملي وأن يتخذ موقفا داعما للفلسطينيين".
“I don’t regret speaking out about Palestine.”
Speaking to Middle East Eye, Mark Bonnick, former kit man for Arsenal FC, explains how he was dismissed from the football club for speaking out for Palestine pic.twitter.com/cfGez2QXC0
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) May 20, 2025
ويرى محاميه فرانك ماغينيس أن "فصله يبعث برسالة مرعبة إلى كل من يرفع صوته ضد الفصل العنصري والإبادة. وتجب محاسبة أرسنال".
إعلانومنذ ظهور القضية إلى العلن، طالبت شريحة عريضة من جماهير أرسنال النادي بتقديم اعتذار لبونيك، كما توحّدت منظمات حقوق الإنسان ومناهضو العنصرية ووجهوا رسائل تحث على إعادته إلى عمله.
كذلك انتقد كثيرون ما وصفوها بـ"ازدواجية المعايير" في أرسنال وبعالم كرة القدم عموما، خاصة بعد أن سارع الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" والمؤسسات الرياضية إلى إصدار بيانات تندد بالحرب الروسية على أوكرانيا بينما لم تُصدر مواقف واضحة مماثلة بشأن ما يحدث من إبادة جماعية في غزة.
Fans of @Arsenal display two banners outside the Emirates Stadium, London, to show the red card and support for Mark Bonnick.
Mark was shamefully sacked by Arsenal for criticising Zionism on X, after working for the club for over 20 years. pic.twitter.com/1Hl52JNmxG
— Lajee Celtic (@lajeeceltic) May 19, 2025
وتبّنى المركز الأوروبي للدعم القانوني -منظمة تدافع عن حقوق المؤيدين لتحرير فلسطين في أوروبا ويشتهر بدعمه لحرية التعبير والحريات المدنية- هذه القضية التي رفعها بدعوى "فصل غير عادل".
وأكد المركز أن فصل بونيك (61 عاما) من عمله جاء بعد حملة تشويه موجّهة شنّتها حسابات مؤيدة لإسرائيل على موقع إكس اتهمته بمعاداة السامية، لكن النادي لم يُثبت أيا من هذه المزاعم ورغم ذلك طرده من عمله.
ولم يكشف أرسنال الأسباب الذي دفعته لفصل هذا الموظف لكن وثائق داخلية اطلعت عليها شبكة "تي آر تي" التركية أشارت إلى أن النادي اتهم بونيك بجلب "السمعة السيئة" للغانرز بسبب منشوراته على مواقع التواصل.
Arsenal's former kitman is suing the club for unfair dismissal over pro-Palestine posts online.
Mark Bonnick was kitman for Arsenal for over 20 years when he was fired on Christmas Eve last year.
His dismissal followed a campaign accusing him of antisemitism for posts opposing… pic.twitter.com/xSDsXn5owA
— PoliticsJOE (@PoliticsJOE_UK) May 16, 2025
إعلانوقال أحد ممثلي النادي (لم يُذكر اسمه) "قد تُعتبر تعليقاته على منصة إكس تحريضية أو مسيئة وجلبت السمعة السيئة لنا"، وهو أمر مخالف لسياسة النادي بشأن مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلّقت تسنيم أودين مسؤولة المناصرة في المركز الأوروبي للدعم القانوني على قرار أرسنال بالقول إن "هذا قمع سياسي صريح. بينما يُقتل الرياضيون الفلسطينيون وتُدمَّر الملاعب في غزة، يُعاقب موظفو أرسنال لمعارضتهم الفصل العنصري. لا يمكنك ادعاء الحياد وأنت تُسكت المعارضة".