جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-12@18:56:26 GMT

ظفار أرض اللبان والتباشير.. ولكن!

تاريخ النشر: 28th, May 2025 GMT

ظفار أرض اللبان والتباشير.. ولكن!

 

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

هبَّة جديدة من هبات ظفار حدثت في كل وسائل التواصل الاجتماعي ولم تهدأ بعد.. وذلك حول استبدال اللبان وشجرته كهوية وشعار للمُحافظة واستبداله بوسم وشكل التباشير.

كواحد من أبناء هذه المُحافظة تابعت كل ذلك دون أن أدلي برأيي حوله؛ فقد كنت متوقفًا عن الكتابة لظروف خاصة، إضافة إلى أنني منشغل حاليًا بإعداد كتابي الجديد "ظفار.

. ذاكرة زمان ومكان" الذي سيصدر قريبًا؛ لذا آثرت التروي حتى تهدأ النفوس فقد كفى ووفى الناشطون في وسائل التواصل وأصحاب الأقلام.. غير أن الكثير من الزملاء ومن قرائي ألحوا عليَّ بالكتابة عن هذا الموضوع المهم.

وإحقاقًا للحقيقة والتاريخ نقول إنَّ وسم "التباشير" لا يقل أهمية عن وسم "شجرة اللبان"؛ فكلاهما تاريخيًا من صميم إرث ظفار وقد سبق لي أن نشرت مقالًا في جريدة الرؤية الغراء، بتاريخ 4 ديسمبر 2021، عن التباشير واللبان بعنوان "التباشير والزاوية واللبان" كموروثات تاريخية ظفاريّة، وسأقوم بتذييل مقالي هذا برابط المقال القديم لمن أحب الاطلاع عليه، وسأضمنه كذلك كتابي الجديد المعزم نشره في فترة خريف هذا العام بإذن الله.

اللبان والتباشير كلاهما ارتبطا بظفار تاريخيا ولازالا إلى اليوم.

والتباشير هي من علامات ومميزات المعمار الظفاري القديم على أسطح بيوتها ومساجدها وزواياها وحتى أضرحة أوليائها والصالحين، ولا زالت شامخة إلى اليوم ولا تخطئها عين أي زائر للمحافظة، وهي مع منظرها الصوري الجمالي هذا كانت أيضًا قرينة اللبان وتستخدم لوضع مجامر بخور اللبان الكبيرة عليها وحرقه في الأجواء ترحيبا بالزائرين وفي المناسبات كما أن مجامر اللبان والبخور الظفارية يوجد على أعلاها شكل التباشير وهذا دليل الارتباط التاريخي بين الإثنين شكليا وعمليا أيضا.

لغويًا.. التباشير حسب المجامع اللغوية تعني البُشرى وأوائل الأشياء أو باكورتها؛ فيقال تباشير الخريف وتباشير الصباح، مثلما يُقال تباشير الرطب في محافظات عُماننا الحبيبة، وتباشير موسم الفتوح في ظفار الذي كان يترقبه أبناء ظفار بعد انتهاء فترة الخريف، وتهدأ زمجرة أمواج بحره العاتية، ويستقبلون السفن التجارية الخشبية القديمة إلى ظفار مُحمَّلة بمختلف البضائع وتحمل في ذهابها منتوجات ظفار من لبان وقطن وفلفل أحمر وجلود وسمن بلدي وأسماك سيسان مرباط المجففة (الصافي) والصفيلح وغيرها.

ومن المفارقات وأنا أكتب هذا المقال تتلبد كتل السحب الكثيفة سماء الشريط الساحلي لظفار وتحجب شمس هذا الأيام الحارة، فنحن في "نجم الكليل" أشد نجوم ظفار حرارة ورطوبة على الإطلاق، ما قبل موسم الخريف؛ وكأنها استجابة القدر للوحات شعار التباشير الذي زُيِّنت به صلالة وشوارعها وأبت إلّا أن تشاركهم وتُبشِّر بالخريف قبل حلوله فلكيًا بعد شهر من الآن؛ جعلها الله سحب غيث ماطر يروي الأرض وينبت الزرع ويدر الضرع والمرعى ليتواصل مع التوقيت الفلكي له في الثالث والعشرين من يوليو القادم.

أما اللبان، فهي شجرة مميزة تحمل ثمرتها اللبان وسط أحشاء سيقانها ويحسبها الظفاريون مباركة عليهم، وهذا لم يكن ينطبق على ظفار وعمان فقط  بل كانت كذلك لشعوب وحضارات قديمة منذ آلاف السنين وكانت مصدر رزق رئيس وثراء لظفار حتى حيكت حولنا أساطير وحكايات قديمة لديهم بأننا البلاد السعيدة وأرض العمالقة، ويحلو للبعض اليوم وصفه بالنفط الأبيض لتلك الحقب الزمنية ولا زال يقوم بهذا الدور مع الفارق طبعًا وإلى وقتنا الراهن، ويحرص كل من يزور ظفار في خريفها أو أي من مواسمها المعتدلة عموما على اقتنائه وأصبح حاليًا يدخل في صناعة العطور الراقية ومستحضرات التجميل والحلوى العمانية وحتى الدواء.

محافظة ظفار من المناطق القليلة جدًا على مستوى العالم بنمو هذه الشجرة ومن أفضله جودة وشهرة على الإطلاق، وقد ارتبط تاريخيًا اسمها به على مستوى العالم، بعكس التباشير التي تشترك معنا مناطق عديدة في العالم العربي فيها، ولا مقارنة بينهما تاريخيًا، فبيمنا تمتد شهرة اللبان الظفاري الذي كانت سمهرم شرقًا والمغسيل غربًا أهم موانئ تصديره للعالم قبل أكثر من 3 آلاف عام نجد بالمقابل أن مدينة البليد عاصمة ظفار القديمة قبل 700 عام تخلو مبانيها من التباشير وهذا دليل على دخوله إلى معمارنا بعد هذا التاريخ.

وإذا ذكر أمامك اسم مصر تستحضر مباشرة الأهرامات، واسم الصين سورها العظيم، وباريس برج إيفل، واليمن ناطحات سحابها، والإسكندرية منارتها، وكذلك ظفار أول ما يتبادر للذهن عند ذكر اسمها هو اللبان وخريفها، لا تباشيرها.

وإذا جاز لنا من اقتراح بهذا الصدد؛ فنتمنى أن يقتصر شعار التباشير على موسم خريف هذا العام فقط، خصوصًا وأنه قد تم نشر لوحاته على معظم شوارعنا الرئيسية، ونعتبره تباشير خريف هذا العام، أما اللبان وشجرته فيجب أن تظل الشعار والهوية للمحافظة؛ كي لا يُقال عننا- ومع الأسف الشديد لقول ذلك- "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير".

كنَّا نتمنى أن تنتشر شجرة اللبان في كل شوارعنا وعلى دوراتها وكل جوانبها جنباً إلى جنب، كما نعمل لنخلة النارجيل بدل أن نخرجها من المشهد والصورة لتنزوي؛ فأول ما يهُم الزائر لنا في المحافظة هو النخلة ومشلاها وكذا شجرة اللبان ولبانها وبخورها.

مبارك علينا جميعا تباشير خريف هذه السنة المبكر وكل عام وأنتم في خريف وتباشير وعبق لبان.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رأي إردام أوزان يكتب: الاقتصاد السياسي.. معركة قائمة بلا رايات ولكن بعواقب وخيمة

هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

تُخاض الحروب بالتعريفات الجمركية، وخطوط الأنابيب، والعقوبات، والخوارزميات. لقد برز الاقتصاد السياسي من الظل. ما كان في السابق تقنيًا بحتًا أصبح الآن مسألة بقاء.

القواعد الجديدة للسلطة

لا تدور النزاعات التجارية حول الرسوم الجمركية الهامشية، بل حول السيطرة على سلاسل التوريد. ففي عام 2025، رفعت واشنطن الرسوم الجمركية على النحاس بنسبة 50٪. وردّت بكين بفرض قيود على الغاليوم والأنتيمون. وهما ليسا معدنين نادرين، بل هما أساس أشباه الموصلات والبطاريات والذكاء الاصطناعي. لم يُخض هذا الصراع في بحر الصين الجنوبي، بل داخل دوائر الرقائق الإلكترونية. ساحة المعركة ليست الصحراء، بل قواعد البيانات. وليست الدبابة، بل الرسوم الجمركية.

تهدف العقوبات إلى العزل، لكنها في النهاية تُضاعف البدائل. سارعت روسيا بتدشين "نظام تحول الرسائل المالية" SPFS(البديل الروسي لسويفت)، ووسّعت الصين نطاق "نظام الدفع بين البنوك عبر الحدود" CIPS. 

كلما زاد استخدام التمويل كسلاح، ظهرت أنظمة موازية أكثر. المفارقة صارخة: العزلة تُؤدي إلى التكامل في أماكن أخرى.

يروي قطاع الطاقة القصة نفسها. فبعد أزمة خطوط الأنابيب الروسية، تحول الغاز بسبب تنافس أوروبا المحموم على الغاز الطبيعي المسال، من مجرد "وقود انتقالي" إلى شريان حياة حيوي. وارتفع الطلب في آسيا بشكل كبير. وسرّعت الصين وتيرة توسعها النووي، معتمدة على المفاعلات المعيارية الصغيرة. وأصبحت خطوط الأنابيب والمحطات بمثابة معاهدات. ومع مرور الوقت، تتلاشى المعاهدات، وتبقى خطوط الأنابيب.

مقالات مشابهة

  • دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط
  • رأي إردام أوزان يكتب: الاقتصاد السياسي.. معركة قائمة بلا رايات ولكن بعواقب وخيمة
  • حنان يوسف تنضم إلى مسلسل أب ولكن .. رمضان 2026
  • العملية لا تزال متواصلة.. إخماد حريق بمصنع تيزي وزو
  • مدبولي: من حق المواطن أن ينتقد ولكن ليس حقه الترويج لأكاذيب
  • جيرارد: صلاح أخطأ ولكن ليفربول مازال بحاجة له
  • منال عوض تستعرض إجراءات مواجهة نوبات تلوث الهواء الحادة خلال خريف 2025
  • خالد اللبان يتفقد المواقع الثقافية بالمنيا
  • اللبان يتفقد عددا من المواقع الثقافية بالمنيا
  • بالصور.. خالد اللبان يتفقد عدداً من المواقع الثقافية في المنيا