لجريدة عمان:
2025-06-02@05:48:31 GMT

الرغبة في التاريخ

تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT

كان أحد المعلمين بالمدرسة يمعن في تأنيبنا كلما اكتشف مدى جهلنا بتاريخنا العماني وبأهم رموزه. فحين كان يكرر علينا السؤال عن ناصر بن مرشد، مثلًا، فإننا لا نكاد نستذكر شيئًا من سيرة الإمام اليعربي الأول سوى سلسلة مرتبة من المعلومات المحفوظة: بُويع بالإمامة وهو في العشرين من عمره، سعى لتوحيد القبائل العمانية وإنهاء الاقتتال الداخلي، ثم قاد حملة شهيرة لطرد البرتغاليين من سواحل عُمان.

إجابة نموذجية، منمقة، محفوظة بإتقان، وتستحق عليها العلامة الكاملة في الامتحان.

أستحضرُ مثال ناصر بن مرشد على وجه الخصوص لأن السؤال عنه كان دائمًا ما يتكرر، ولكن دون أن تخرج الإجابة عن تلك المعطيات التلقينية المعتادة إلى تناول سيرة الرجل بشكل أعمق، بطريقة تجعلنا نفكر في الرجل ذاته، في ظروفه، في اختياراته وتحالفاته، وحتى في إخفاقاته. هناك دائمًا سطر مقتضب جاهز للتكرار، يحدد نطاق معرفتنا بأي شخصية أو حدث تاريخي ويوجهها. وهنا تكمن سلطة المنهاج المدرسي على وعي أجيال متلاحقة من العمانيين بتاريخهم الوطني، وهي -لا شك- سلطة معرفية تنتج تاريخًا يقوم على الانتقائية والاختزال والأدلجة. وكما هي عادة التاريخ الرسمي دائمًا، فإنه يعرض الشخصيات التاريخية بوصفها «نماذج» لا بشرًا.

لا أدري حجم التغييرات الجوهرية التي طرأت على منهاج «هذا وطني» الذي درسته قبل نحو عشر سنوات. ولكن حينما تصفَّحت المنهاج الجديد الذي يدرسه اليوم طلاب الصف الثاني عشر وجدتُ ما أثار انتباهي بدءًا من فهرس الموضوعات، حيث تشير الوحدة الأولى من الكتاب أن الطلاب سيدرسون ثلاث مراحل من التاريخ العماني معنونة على هذا النحو: 1. عُمان في عصر النباهنة.. حضارة وتواصل، 2. عُمان في عصر اليعاربة.. قوة وازدهار، 3. عُمان في عصر البوسعيد.. وحدة ومنجزات. يبدأ الأمر أولًا بسلطة المنهاج في فرض تحقيبه الخاص للتاريخ وفقًا لمنظور معين، وثانيًا فإنه يختصر كل عصر من العصور في كلمتين إيجابيتين، بل مفرطتين في الإيجابية إلى حد ينعكس سلبًا على ثقة الطالب الفضولي والشكاك بدرس التاريخ.

لا أبالغ لو قلت: إن ثمة شعورًا بالحرمان من تاريخ لم يُقرأ، بل من تاريخ لم يُكتب بعد. حركة الأدب في عُمان خلال السنوات الأخيرة، السردية على نحو خاص، نجدها مسكونة بالرغبة في كتابة التاريخ تحت ضغط هذا الشعور بالحرمان، إذ باتت «الرواية التاريخية» من أهم مساحات التعبير التي يحاول فيها العمانيون التقرُّب من ماضيهم، لا بوصفهم مؤرخين، بل بصفتهم ورثةً لحكايات ناقصة، يحاولون سد فراغاتها اعتمادًا على التخييل الأدبي. فالرواية التاريخية في عُمان لم تعد مجرد موضة أدبية، بل غدت وسيلة لاستعادة التاريخ الهارب من سلطة المناهج وغبار الوثائق.

لا يمكن للأدب أن يحل محل التأريخ، ولكن بوسع الشاعر والروائي والقاص طرح الأسئلة التي يتراجع عنها المؤرخ لأسباب علمية أو سياسية. إذ لا بد من التأكيد على ضرورة الإصغاء لوجهة نظر الأدب في التاريخ، مهما اختلفنا على درجة اتساقها مع الحقيقة التاريخية. تنبع هذه الضرورة من الاعتقاد بأن كتابة الأدب هي شكل من أشكال القراءة للتاريخ الإنساني؛ بكلمات أخرى فإن كتابة الأدب هي طريقة لقراءة التاريخ لا لكتابته.

الرغبة في التاريخ التي تحرك اليوم شريحة من الكتاب والقراء العمانيين، لا تأتي من فائض المعرفة بل من نقصها، رغبةٌ ولَّدها الغياب. فأن تتمكن أجيال متأخرة من العمانيين من قراءة ملامح متفرقة من تاريخ الناس والطبيعة في هذا المكان القاسي، في مرآة الأدب، فهذا بحد ذاته انتصار يجلب السعادة لمن يراقب المشهد، سعادة لا بد أن نعكرها بين الحين والآخر بالحديث عن ضرورة فك الاشتباك بين الأدب والتاريخ، لكي لا يصبح الأدب خادمًا لمهمة التوثيق المنوطة بالمؤرخين، أولئك الذين لم نعثر عليهم بعدُ في أقسام التاريخ بجامعاتنا.

غير أن اضطلاع الأدب العماني بمهمة تدوين ما يُنسى أو يُمحى من التاريخ هو انعكاس معاصر لاستمرار معضلة العمانيين التقليدية في تدوين تاريخهم وأخبارهم على مدى القرون الماضية، فقد ظل تاريخهم منثورًا في كتب الأدب والتراجم والفقه والأنساب، إذ لم يعتنوا به حقلَ كتابةٍ خاصاً له أصوله وقواعده.

لكن الأدب هو أيضًا مدعو للالتفات لحاضره. ففي خضم هذا الانشغال المتزايد بالماضي، حنينًا أو استفهامًا، ينبغي ألا يشيح الأدب بوجهه عن الحاضر. فالأدب ليس محكومًا بالهرع دائمًا إلى جهة الماضي بحثًا عن الخلاص أو الهوية، متناسيًا أن اللحظة الراهنة، بكل ما تحمله من تعقيد اجتماعي ضمن شروطها الاقتصادية والسياسية، تستحق هي الأخرى أن تُكتب، فالحاضرُ دائمًا وأبدًا هو المادة الخام لحبر الكتابة.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: تاریخ ا دائم ا

إقرأ أيضاً:

«الملك يودع عرش الأحمر برقصته الأخيرة».. تحليل بالأرقام يكشف رحلة علي معلول التاريخية مع الأهلي

بتنهيدة مفعمة بالمجد، ورقصة أخيرة رسمت الختام بأناقة ودمعة خفية في عيون الملايين، أسدل المحترف التونسي علي معلول، الستار على رحلة كروية لا تُنسى داخل النادي الأهلي، استمرت 9 سنوات من العطاء والانتصارات، منذ أن دخل إلى الأهلي لاعبًا وخرج منه أسطورة حيّة.

في الليلة الأخيرة، وبينما كانت عقارب الزمن تُعلن النهاية، صنع "معلول" هدفًا كالعادة، ثم احتفل مع زملائه برقصة وداعٍ هادئة لكنها موجعة، لم تكن مجرد لحظة نهاية عقد، بل فصلًا أخيرًا من ملحمة حب بين لاعب وجمهور، لم يعرف الفتور يومًا، بل ازداد توهجًا عامًا بعد عام.

علي معلول يرتدي شارة قيادة الأهلي

منذ ارتدى القميص الأحمر في صيف 2016، لم يكن "معلول" ظهيرًا أيسر تقليديًا، بل كان ملك الحلول في كل مأزق، وصانع الفرح في كل لحظة عصيبة، والجوكر الذي يُترك له الأمر حين تعجز الأدوات، دقّ أبواب البطولات بيسراه، وسكن قلوب جماهير الأهلي بروحه القتالية، وولائه الكامل للشعار فأصبح أحد أبنائهم دون أن يولد في مصر، بل تجاوز الانتماء إلى عشق متبادل عنوانه الوفاء.

جماهير الأهلي لم تكن تراه لاعبًا أجنبيًا، بل جزءًا من النسيج الأحمر، كأنما تدرّج في قطاع الناشئين، وتعلّم في مدرجات التالتة شمال، قبل أن يصعد إلى الفريق الأول ليصنع المجد.

وخلال مشوار معلول مع الأهلي على مدار 9 مواسم، لعب 284 مباراة مع المارد الأحمر في جميع البطولات، وسجل 39 هدفًا، وصنع أكثر من 60 هدفًا، وحقق 17 بطولة «3 دوري أبطال أفريقيا، 6 الدوري المصري، 3 كأس مصر، 4 السوبر المصري، السوبر الأفريقي مرة واحدة.

علي معلول مع لاعبي الأهلي

وفي السطور التالية يستعرض موقع الأسبوع، رحلة علي معلول مع الأهلي منذ انضمامه إلى الأحمر قادمًا من الصفاقسي التونسي، خلال صيف موسم 2015- 2016.

موسم 2015- 2016

في أول مواسم معلول مع الأهلي، لعب بقميص الأحمر مباراتين في دوري أبطال أفريقيا، ومباراة واحدة في كأس مصر، بإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 270 دقيقة، وصنع هدف واحد.

موسم 2016 - 2017

بدأت مشاركة معلول مع الأهلي في كافة المسابقات، حيث لعب في الدوري الممتاز 23 مباراة، وفي دوري أبطال إفريقيا 12 مباراة، وكأس مصر 4 مباريات، ليكون إجمالي مشاركته في الموسم 39 مباراة، سجل خلالها 3 أهداف وصنع 9، وحصل على 3 بطاقات صفراء، بإجمالي عدد دقائق لعب بلغت 3540 دقيقة.

علي معلول موسم 2017 - 2018

خاض معلول مع الأهلي 13 مباراة في الدوري الممتاز، مقابل 9 في دوري أبطال إفريقيا، ومباراة وحيدة في السوبر المصري، ليكون إجمالي مشاركته مع الأحمر في موسم 2017 - 2018 بكافة المسابقات، 23 مباراة وسجل هدف وصنع 8، وحصل على بطاقة صفراء واحدة، بإجمالي عدد دقائق لعب بلغت 2044 دقيقة.

موسم 2018 - 2019

لعب "ملك الحلول" مع الأهلي أفضل مواسمه، بواقع 26 مباراة في الدوري الممتاز، و8 في أبطال إفريقيا، وواحدة في كأس مصر، ومثلها في السوبر المصري، بإجمالي 36 مباراة، سجل خلالها 10 أهداف، وصنع 10، وحصل على 5 كروت صفراء، وبإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 3127 دقيقة.

موسم 2019 - 2020

واصل معلول تألقه مع الأهلي للموسم الثالث على التوالي، بعدما لعب 23 في الدوري الممتاز، و9 في أبطال إفريقيا، ومباراتين في كأس مصر، ومباراة واحدة في السوبر المصري، بإجمالي 35 مباراة، سجل خلالها 8 أهداف، وصنع 9، وحصل على 4 كروت صفراء، وبإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 3117 دقيقة.

علي معلول موسم 2020 - 2021

على نفس الخطى واصل النجم التونسي تألقه مع الأهلي ودافع عن ألوان الأحمر في 23 مباراة بالدوري الممتاز، و4 في دوري أبطال إفريقيا، و3 في كأس مصر، ومباراتين في مونديال الأندية، ومباراة في السوبر الإفريقي، ومثلها في السوبر المصري.

وتمكن معلول من تسجيل 6 أهداف خلال 34 مباراة لعبها مع الأهلي خلال موسم 2020 - 2021، وصنع 15 هدفًا في كافة البطولات، بينما حصل على 3 بطاقات صفراء، وبإجمالي عدد دقائق لعب وصل لـ 2914 دقيقة.

موسم 2021 -2022

لعب النجم التونسي مع الأحمر 21 مباراة في الدوري الممتاز، و12 بدوري أبطال إفريقيا، و3 بكأس العالم للأندية، ومباراتين بكأس مصر، ومباراة في السوبر الإفريقي، ومثلها في السوبر المصري.

وتمكن علي معلول خلال 40 مباراة لعبها مع الأهلي في موسم 2021 -2022، في كافة البطولات المحلية والقارية من تسجيل 9 أهداف، وصناعة 7، وحصل على 3 بطاقات صفراء، وبإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 3349 دقيقة.

علي معلول موسم 2022 - 2023

يعتبر هذا الموسم هو الأكثر مشاركة لـ علي معلول مع الأهلي على مدار 9 مواسم، حيث شارك مع الأحمر في 25 مباراة بالدوري الممتاز، و14 بدوري أبطال إفريقيا، و4 بكأس العالم للأندية، و4 بكأس مصر، ومباراة في السوبر المصري.

وعلى المستوى التهديفي تألق معلول مع الأهلي وسجل 12 هدفًا وصنع 16 في كافة المسابقات خلال موسم 2022 - 2023، بينما حصل على 3 بطاقات صفراء، وبإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 4231 دقيقة.

موسم 2023 -2024

تراجع مستوى علي معلول مع الأهلي خلال موسم 2023 -2024، على مستوى المشاركات بسبب الإصابة التي تعرض لها، حيث لعب 29 مباراة في كافة المسابقات، وسجل هدفين، وصنع 8، وحصل على 4 بطاقات صفراء، بإجمالي عدد دقائق لعب بلغ 2469 دقيقة.

لعب المحترف التونسي مع الأهلي 11 مباراة في دوري أبطال إفريقيا، و9 في الدوري المصري، 3 مباريات بكأس العالم للأندية، و2 في كأس السوبر المصري، ومباراة واحدة بكأس السوبر الإفريقي، 3 وبدوري السوبر الإفريقي.

موسم 2024 - 2025

يعتبر موسم 2025 الأخير لـ علي معلول في القلعة الحمراء، هو الأقل ظهورَا للنجم التونسي بقميص الأهلي، بسبب الإصابة التي تعرض لها وأبعدته عن الملاعب عدة أشهر، ولعب معلول خلال الموسم 5 مباريات فقط جميعها بالدوري المصري، وتمكن من صناعة هدفين، وبإجمالي عدد دقائق لعب 211 دقيقة.

اقرأ أيضًا..

الأهلي يفاضل بين ثلاثي الزمالك وسيراميكا وبتروجت لاختيار خليفة معلول

الأهلي يجهز مفاجأة لـ علي معلول وصدمة لعطية الله

مارسيل كولر يعلن إصابة علي معلول قبل القمة

مقالات مشابهة

  • الأهلي يكرم «رجال اليد» بعد السداسية التاريخية
  • «الذكاء الاصطناعي» أم الإنسان.. أيهما أفضل في كتابة المقالات؟ دراسة تكشف
  • لودفيغ تيك والموروث الشعبي.. من الحكايات إلى الأدب
  • وداعاً نغوجي واثيونغو
  • التوأمة الاقتصادية بين عمان ودمشق.. بوابة لإحياء العلاقات التجارية التاريخية
  • الإنتر يهدد بتحطيم حلم سان جيرمان في «الثلاثية التاريخية»!
  • غوتيريش يدعو للاعتراف بالمظالم التاريخية المرتكبة في أفريقيا
  • قضية مارادونا تعود للنقطة صفر.. إعلان بطلان المحاكمة التاريخية لـ7 من أطبائه
  • «الملك يودع عرش الأحمر برقصته الأخيرة».. تحليل بالأرقام يكشف رحلة علي معلول التاريخية مع الأهلي