في الثالث من يونيو 2011، وقعت واحدة من أعنف وأخطر الجرائم السياسية والأمنية في تاريخ اليمن المعاصر، حين استهدف تفجير غادر جامع دار الرئاسة في العاصمة صنعاء، أثناء تأدية رئيس الجمهورية الزعيم علي عبدالله صالح وعدد من قيادات الدولة صلاة الجمعة، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى من الصف الأول في سلطات الدولة: التشريعية والتنفيذية والاستشارية والعسكرية.

لم يكن التفجير مجرد محاولة اغتيال لرئيس، بل كان عدوانًا صريحًا على الدولة ومؤسساتها، وعلى استقرار الوطن ووحدته، وعلى العملية السياسية التي ظلت تتطور منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. 

ومع أن الرئيس صالح نجا من الحادثة، إلا أن آثارها المدمرة لم تتوقف عند حدود الإصابات الجسدية أو الفقدان، بل امتدت لتؤسس لمرحلة طويلة من الانهيار والفوضى والانقسام.

شكلت الجريمة لحظة فارقة انكشفت فيها النوايا الحقيقية لبعض القوى التي ادعت الثورة والتغيير، وهي في واقع الأمر كانت تتربص بالنظام الجمهوري والمكتسبات الوطنية، من أجل الوصول إلى الحكم عبر العنف وفرض القوة. فالمشهد الدموي في دار الرئاسة لم يكن سوى بوابة لانفجار أوسع، استغله تحالف الإخوان والحوثيين لاحقًا للانقضاض على الدولة ومؤسساتها.

استغلت مليشيا الحوثي حالة الفراغ والفوضى التي أعقبت محاولة الاغتيال، وصعدت تدريجياً حتى اجتاحت صنعاء في سبتمبر 2014، مدشّنة مرحلة من السيطرة القسرية على أجهزة الدولة، وفرض رؤيتها العقائدية بالقوة، معطّلةً الحياة السياسية ومصادرةً الإرادة الشعبية. ومع سقوط الدولة، لم يبقَ لليمنيين من اختيار ممثليهم شيء، بل بات القرار الوطني مرتهناً للعواصم الإقليمية والدولية، في ظل وصاية دولية أممية تحت مظلة الفصل السابع.

فيما كانت بعض التيارات السياسية تحتفي بالجريمة وتعتبرها انتصارًا لانقلاب 2011، سرعان ما اكتشف المواطن اليمني أن ما حدث كان وبالًا على الدولة والشعب. فبدلاً من "الوظائف والعدالة والحرية"، جُرّ اليمن إلى حرب طاحنة، وتشظٍ غير مسبوق، وتدهور اقتصادي وأمني شامل.

تتحدث الأرقام بمرارة عن حجم المأساة التي يعيشها اليمنيون منذ تفجير دار الرئاسة وما تبعه من فوضى وانهيار شامل. فقد أدى النزاع المستمر إلى نزوح أكثر من أربعة ملايين يمني من منازلهم، فيما بات نحو 80% من السكان تحت خط الفقر، يعانون انعدام الأمن الغذائي وتدهور سبل العيش. وتهاوى سعر صرف الريال اليمني بنسبة تجاوزت 300%، ما أدى إلى تضاعف أسعار الوقود والسلع الأساسية بأكثر من خمسة أضعاف، وسط غياب أي آلية حكومية للرقابة أو الحماية. أما رواتب الموظفين الحكوميين، فقد توقفت منذ أكثر من خمس سنوات في معظم مناطق البلاد، ما تسبب في معاناة معيشية قاسية لملايين الأسر. 

وتزامن هذا الانهيار الاقتصادي مع تدمير ممنهج للبنية التحتية، حيث خرجت قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم عن الخدمة في مناطق واسعة، تاركة المواطن فريسة للمرض والجهل والحرمان.

وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن اليمن يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث يواجه الملايين خطر المجاعة، ويعاني الأطفال من سوء التغذية والأوبئة، دون أفق واضح للخروج من المأزق.

انتهاك للحرمة... وغياب للعدالة

لم يكن التفجير فقط جريمة سياسية، بل خرقًا دينيًا وأخلاقيًا صارخًا، ارتُكب داخل بيت من بيوت الله، وفي شهر رجب الحرام. ورغم هذا الانتهاك الصارخ لكل القيم السماوية والدستورية والإنسانية، لم تتم محاسبة الجناة، ولم يُفتح تحقيق جاد يفضي إلى محاكمة علنية، بفعل التجاذبات السياسية والمكايدات الحزبية التي طغت على المشهد منذ ذلك اليوم الأسود.

إن غياب العدالة عن جريمة بحجم تفجير دار الرئاسة جعل منها الباب المفتوح لكل الجرائم اللاحقة التي تتابعت على اليمنيين، من الانقلابات المسلحة إلى الاغتيالات السياسية والانتهاكات اليومية التي تمارسها سلطات الأمر الواقع.

الشعب يدفع الثمن... إلى متى؟

يدفع المواطن اليمني منذ 14 عامًا ثمن غياب الدولة وغياب القانون. تحول البلد الذي كان يومًا ما يُضرب به المثل في التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، إلى ساحة صراع وفقر ونزيف دائم. وبينما تتمدد المليشيات، تتلاشى مؤسسات الدولة، وتتحول السيادة إلى ورقة في يد أطراف الخارج.

ورغم كل هذا، لا تزال قناعة اليمنيين راسخة بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن الحقيقة لا يمكن دفنها تحت ركام الحرب والفوضى. ستبقى جريمة دار الرئاسة شاهدًا على حجم الاستهداف الذي تعرّض له اليمن، ونقطة يجب التوقف عندها بكل صدق وشجاعة إذا ما أراد اليمنيون إعادة بناء دولتهم واستعادة جمهوريتهم.

خاتمة

في ذكرى تفجير دار الرئاسة، لا يسعى اليمنيون فقط إلى استعادة الذاكرة، بل إلى تحقيق العدالة، وإنهاء منطق العنف، والتأسيس لمصالحة وطنية شاملة لا تقوم على المحاصصة، بل على الاعتراف بالجرائم ومحاسبة مرتكبيها، حمايةً لمستقبل أجيال أنهكها الفقر والشتات والحرمان.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: تفجیر دار الرئاسة

إقرأ أيضاً:

محمد أبو العينين: الشعب لديه وعي بكل المخططات التي تدار ضد الدولة

أكد النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي رسم خطر أحمر بخصوص تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

النائب محمد أبو العينين يكشف مخططات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إلى سيناءأبو العينين: مصر تواجه حرب شائعات والشعب يقف خلف قيادتهتفتيت للدول وانهيار للدول من خلال الشائعات

وأضاف النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، في مداخلة هاتفية لبرنامج اكسترا نيوز، مساء اليوم الأحد، أن الشعب المصري لديه وعي بكل المخططات التي تدار ضد الدولة المصرية، متابعا أن هناك تفتيت للدول وانهيار للدول من خلال الشائعات ونشر الاخبار الكاذبة التي تنال من الدول.

وتابع النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يضرب الشائعات بقوة.

واكمل النائب محمد أبو العينين وكيل مجلس النواب، أن هناك حملات كبيرة تستهدف الدور المصري وقوة الدوري المصري، ومصر السند للقضية الفلسطينية، متابعا أن :"هذا الصمود عامل زعر للعالم برا ولا لتهجير الشعب الفلسطيني".
 

طباعة شارك أبو العينين النائب محمد أبو العينين قطاع غزة الشعب الفلسطيني معبر رفح

مقالات مشابهة

  • معيط: الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة من أكبر التحديات التي تواجه الدولة المصرية
  • ضياء رشوان: الأصوات التي تهاجم مصر لا تبحث عن الحقيقة بل عن التحريض
  • الأربعاء القادم..مياه الشرب ببني سويف: ضعف وقطع المياه عن المناطق التي تغذيها محطة أشمنت
  • بأعلام مصر.. مظاهرة دعم وتأييد للقيادة السياسية بمؤتمر الجبهة الوطنية بالجيزة
  • اليمن: العملة الحوثية المزورة «جريمة» تهدد الاقتصاد
  • العشرية السوداء”.. كتاب جديد  يوثق عقدًا من الانهيار الاقتصادي
  • القصير من الإسكندرية: كلنا خلف القيادة السياسية.. ومصر أولًا وفوق كل اعتبار
  • محمد أبو العينين: الشعب لديه وعي بكل المخططات التي تدار ضد الدولة
  • نائب بولندي ينتقد موقف بلاده من جريمة الابادة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة
  • تحقيق إسرائيلي: ما هي شركات الطيران التي لا تزال تحلق فوق اليمن وإيران؟ (ترجمة خاصة)