كيف تنبأت الاستخبارات التركية بتفوق المسيّرات الأوكرانية؟
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في الأول من يونيو/ حزيران الجاري قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي متباهيًا في كلمة مسجلة: "تكبدت روسيا خسائر فادحة وملموسة.. وهو أمر مبرّر".
كلمات زيلينسكي جاءت بعد قليل من هجوم شنته عشرات الطائرات المسيرة في العمق الروسي، استهدف قواعد جوية ما أدى إلى تدمير عدد من القاذفات الإستراتيجية، في هجوم هو الأقوى والأبعد تأثيرًا منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثلاث سنوات.
الهجوم سلط الضوء مجددًا على الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه المسيرات في المعارك الحديثة والذي برز خلال السنوات القليلة الماضية، وتطور سريعًا خلال عدة معارك مثل معركة العاصمة الليبية طرابلس 2020، حيث لعبت المسيرات دورًا بارزًا في إبعاد قوات خليفة حفتر وحلفائه عن العاصمة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من دخولها.
كما برز دور المسيرات واضحًا في حرب إقليم ناغورني قره باغ عام 2020، والتي حسمتها القوات الأذرية لصالحها عقب التوظيف الجيد للطائرات بدون طيار في تدمير خطوط الدفاع الأرمينية بالإقليم وتحقيق السيادة الميدانية.
من هنا فإن الهجوم الأحدث للمسيرات الأوكرانية، والذي يتوقع أن يشكل علامة فارقة في الحرب، نبّه بقوة إلى أهمية الطائرات بدون طيار في الحرب الروسية الأوكرانية.
إعلانوهو الأمر الذي اهتم به تقرير مهم نشرته أكاديمية الاستخبارات التركية في أبريل/ نيسان الماضي، وحمل عنوان: "استخدام الطائرات بدون طيار في الحرب بين روسيا وأوكرانيا: اللاعبون الجدد في الحرب الحديثة والتحول التكنولوجي للمستقبل".
التقرير تناول تأثير استخدام الطائرات المسيرة في الحرب، وكيف يمكن أن تؤثر على تكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
ورغم أن التقرير استعرض كيف استخدم كلا الطرفين المسيرات في الحرب، فإن الملاحظ هو تركيزه على التوظيف الجيد لها من جانب كييف، وكيف نجحت في إحداث توازن مع القوة العسكرية التقليدية التي تتمتع بها روسيا، كما سيأتي ذكره.
وبدا ما ذكره التقرير وفصّله من شرح هذه القدرات، بمثابة توقع مبكر من جانبه، لما يمكن أن تحدثه المسيرات من تأثير متصاعد على سير المعارك.
الأهمية الإستراتيجية للمسيراتيقول التقرير في فقرة مهمة وذات دلالة: " تُعدّ الحرب الروسية الأوكرانية مثالًا بارزًا على قدرة تقنيات الطائرات بدون طيار على إحداث تغيير جذري في طبيعة الحرب. فقد أثّرت المهام المتعددة للطائرات بدون طيار، مثل الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهجوم واللوجيستيات والحرب الإلكترونية، بشكل مباشر على النهج والممارسات الإستراتيجية التي طورتها الأطراف لتحقيق التفوق الميداني".
من هنا فقد عدّد التقرير الأهمية الإستراتيجية للمسيرات، وما أدّته من أدوار مهمة حاسمة في جميع مستويات العمليات العسكرية خلال الحرب الروسية الأوكرانية ومنها:
أولًا: استخدامها خصيصَى لمهام الاستطلاع والهجوم والدعم اللوجيستي، مما أثر بشكل مباشر على مرونة العمليات العسكرية، إضافة إلى عمليات صنع القرار. ثانيًا: نجحت أوكرانيا في تغيير التوجه الإستراتيجي للحرب من خلال استخدامها الفعال طائرة بيرقدار TB2 تركية الصنع.حيث تتميز هذه الطائرة بقدرتها على التحليق لفترات طويلة، وتنفيذ هجمات بعيدة المدى وعالية الدقة. فيما استهدفت روسيا البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بطائرات مسيرة انتحارية.
إعلان ثالثًا: تسريع عمليات صنع القرار داخل الجيش، حيث تلعب الصور اللحظية التي توفرها طائرات الاستطلاع بدون طيار، دورًا حاسمًا في مهام المراقبة الميدانية، وتوجيه نيران المدفعية، مما يُمكّن مراكز القيادة من اتخاذ قرارات سريعة ودقيقة. رابعًا: الآثار الاقتصادية للطائرات المسيرة، حيث تتميز بأعبائها المالية الأقل، مع قدرتها على إحداث تدمير واسع وكبير، ويأتي الهجوم الأوكراني الأخير ليثبت صحة ما ذهب إليه التقرير، حيث تمكّنت مجموعة من المسيّرات منخفضة التكاليف والأعباء المالية، من إلحاق خسائر ضخمة بالجانب الروسي، تقدرها أوكرانيا بنحو 7 مليارات دولار، إضافة إلى صعوبة تعويض موسكو هذه الخسائر خلال فترة وجيزة. استفادة كييف من المسيّراتاستبقت الدراسة التي أعدتها أكاديمية الاستخبارات التركية، الهجوم الأوكراني على القواعد الروسية الإستراتيجية، بالتأكيد على الآثار الحاسمة لاستخدام أوكرانيا المسيرات، وذلك قبل أكثر من شهر على تنفيذ الهجوم.
فقد أكد التقرير أن أوكرانيا "طورت حلولًا منخفضة التكلفة وعالية التأثير من خلال تعديل الطائرات المسيرة التجارية في العمليات العسكرية."
مشيرًا إلى أن مثل هذا التعديل أظهر أن "الأطراف ذات الموارد المحدودة يمكنها تحدي القوات العسكرية الكبيرة بإستراتيجيات طائرات مسيرة مبتكرة."
كما يؤكد التقرير أن أوكرانيا نجحت في تعطيل أنظمة الرادار والاتصالات الروسية باستخدام طائرات مسيرة مُدمجة مع تقنيات الحرب الإلكترونية، ما أضعف تنسيق القوات الروسية وحدّ من قدرتها العملياتية الإستراتيجية.
قدرات أوكرانيا الإستراتيجيةيقول التقرير إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا وصفت بأنها أول "حرب طائرات مسيرة، ورقمية وسيبرانية في تاريخ الحروب الحديثة."
ففي حين كان استخدام الطائرات المسيرة في الحروب السابقة من جانب واحد، استخدمت كل من أوكرانيا وروسيا في هذا الصراع بنشاط طائرات محلية وأجنبية مسيرة.
إعلانورغم اعتراف التقرير بتفوّق روسيا في عدد الطائرات المسيرة، حيث تمتلك ست طائرات مقابل كل طائرة أوكرانية مسيرة، فإن ما أماط عنه اللثام بشأن القدرات الإستراتيجية الأوكرانية في مجال الطائرات المسيرة، كان مذهلًا بالنسبة لدولة متوسطة القوة، كان البعض يتوقع أن يتم اجتياحها والسيطرة عليها في أشهر قليلة وربما بضعة أسابيع.
فخلال الحرب، ازدادت القدرة الإنتاجية العسكرية لأوكرانيا بشكل ملحوظ، حيث تعمل في قطاع الدفاع حوالي 70 شركة حكومية و400 شركة خاصة.
من بين هذه الشركات، تعمل 200 شركة على أنظمة برية وجوية وبحرية بدون طيار، و50 شركة تُطوّر أنظمة حرب إلكترونية، و150 شركة تُصنّع أنظمة أسلحة متنوعة.
وبما أن أوكرانيا لا تملك رفاهية الوقت خلال الحرب فقد لجأت إلى عمليات إنتاج واختبار سريعة للنماذج الأولية، حيث تختبر تلك النماذج ميدانيًا، ومن ثم تدخل إلى مرحلة الإنتاج إذا لاقت الاختبارات ردود فعل إيجابية.
كما شهدت صناعة الطائرات بدون طيار في أوكرانيا تطورًا كبيرًا خلال الحرب. فبينما تراوح الإنتاج السنوي للطائرات بدون طيار في عام 2022 بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف وحدة، وصل هذا العدد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف وحدة في عام 2023.
ووصلت طاقتها الإنتاجية السنوية إلى مليونَي طائرة مسيرة بحلول عام 2024، حيث يؤكد التقرير أن إنتاج أوكرانيا من الطائرات بدون طيار تجاوز إنتاج دول حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفيما يُعد إنتاج الطائرات بدون طيار في أوكرانيا منخفض التكلفة نسبيًا مقارنةً بالأنظمة المماثلة في الغرب. تتكبد روسيا تكاليف عالية قد تصل إلى مليون دولار تكلفة صواريخ الدفاع الجوي المكلفة بإسقاط مسيرة زهيدة الثمن.
ويؤكد التقرير أن دمج الذكاء الاصطناعي في المسيرات الأوكرانية، أتاح لها إمكانية تحدي الدفاعات الجوية الروسية، وتحييد صواريخ دفاعية باهظة الثمن، مع ارتفاع معدلات دقة الإصابة لديها إلى نحو 80%، مقارنة بقدرات طائرات أخرى قد يصل المعدل فيها إلى نحو 50%.
إعلانهذا التطور الكمي والكيفي أتاح لأوكرانيا تنفيذ عدد من الهجمات المنسقة باستخدام الطائرات بدون طيار ضد البنية التحتية العسكرية الروسية،
ففي أغسطس/ آب 2024 استهدفت أوكرانيا بأكثر من مائة مسيرة قاعدة مارينوفكا الجوية، مما تسبب في انفجار كبير. وسُجّل الهجوم واحدًا من كبرى العمليات التي وقعت حينها. لكن الهجوم الأخير المسجل مطلع يونيو/ حزيران الجاري، تخطى بأرقامه ومعطياته ما تحقق من قبل.
فقد استخدمت كييف 117 طائر مسيرة، استهدفت قواعد تبعد عن الحدود الأوكرانية الروسية بآلاف الكيلومترات، مثل قاعدة بيلايا في إيركوتسك التي تبعد عن الحدود 4500 كيلومتر، وقاعدة أولينيا بالقرب من مورمانسك في الدائرة القطبية الشمالية، على بُعد أكثر من 2000 كيلومتر، وقاعدة إيفانوفو الجوية، على بُعد أكثر من 800 كيلومتر.. إلخ.
الأمر الذي حمل مسؤولًا عسكريًا أميركيًا على القول إن "هجوم أوكرانيا أظهر مستوى من التطور لم يشهدوه من قبل."
لكن هذا التطور رصده التقرير التركي بدقة، حيث أشار إلى أن "ازدياد إنتاج أوكرانيا من الطائرات بدون طيار وقدراتها الهجومية أدى إلى زيادة الضغط على أنظمة الدفاع الجوي الروسية". متحدثًا بصراحة عن "ثغرات في أنظمة الدفاع الجوي الروسية"، وعدم قدرة روسيا على حماية مجالها الجوي الشاسع.
والخلاصةإن التقرير الذي أعدته أكاديمية الاستخبارات التركية، نجح في رصد تأثير الطائرات المسيرة في الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة من جانب أوكرانيا التي تنبهت إلى أهمية الطائرات بدون طيار في إحداث توازن مع القوة العسكرية الروسية الكبيرة.
كما أنه كشف ضعف الاستجابة الروسية لتلك التطورات، بحيث فشلت موسكو في رصد التطور الأوكراني في إنتاج واستخدام الطائرة المسيرة، والتباطؤ الواضح في تطوير منظومتها الدفاعية، حتى إنها تفاجأت بضرب قواعدها الجوية وقاذفاتها الإستراتيجية وهي رابضة على الأرض في أعماق الدولة الروسية.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج الحرب الروسیة الأوکرانیة الطائرات بدون طیار فی الاستخبارات الترکیة الطائرات المسیرة فی طائرات مسیرة خلال الحرب التقریر أن فی الحرب أکثر من
إقرأ أيضاً:
حرب بلا خنادق.. السلاح الفتاك الذي استنزف الجبهات في أوكرانيا
أعادت الحرب الروسية الأوكرانية تعريف موازين القوة في الحروب الحديثة، بعدما تحولت الطائرات المسيرة من أداة مساندة إلى عنصر حاسم في إدارة المعارك وحسم نتائجها.
ولعبت المسيرات دورا محوريا في تغيير التكتيكات العسكرية، ووسعت نطاقها من المواجهة المباشرة إلى فضاء رقمي وجوي مفتوح، ومع تصاعد الاعتماد عليها من الطرفين، لم تعد الحرب تقاس بعدد الدبابات أو الصواريخ وحدها، بل بقدرة كل طرف على الابتكار والإنتاج السريع، في صراع برزت فيه الطائرات المسيرة كأحد أكثر الأسلحة تأثيرا وفتكا.
وأشار تقرير سابق لمركز "جيمس تاون" للدراسات أن أوكرانيا أصبحت أكبر منتج للطائرات المسيرة في العالم، بإنتاج سنوي قُدّر بنحو مليوني طائرة مسيّرة، مع قدرة محتملة على بلوغ أربعة ملايين سنويا، متقدمة على جميع دول حلف شمال الأطلسي، بما فيها الولايات المتحدة.
ولم يقتصر تميز الطائرات المسيرة الأوكرانية على العدد، بل شمل أيضا انخفاض الكلفة وارتفاع الكفاءة، إذ تراوحت تكلفة الطائرات المسيرة الهجومية من نوع FPV بين 300 و400 دولار، بينما تراوحت تكلفة الطائرات المسيرة البحرية بين 50 و100 ألف دولار، مقارنة بتكاليف أعلى بكثير لدى الدول الغربية.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، تراوح الهدف الروسي الخاص بإنتاج الطائرات المسيّرة في عام 2025 بين 3 و4 ملايين، غير أن الطائرات المسيّرة الأوكرانية، مع بعض الاستثناءات المهمة، بدت أفضل تصنيعا وأكثر موثوقية وأكثر مقاومة لأهم وسيلة دفاع ضد الطائرات المسيّرة، وهي التشويش الراديوي.
طائرات FPV.. سلاح الاستنزاف على خط الجبهة
أشار تقرير لمجلة "فوربس" أن الطائرات المسيرة الانتحارية من منظور الشخص الأول، التي لا يزيد وزنها عن بضعة أرطال، ويقودها مشغلون عن بعد يرتدون نظارات تعرض بثا مباشرا من كاميرات الطائرات نفسها، وتمكنت من الطيران لمسافة تصل إلى ستة أميال، أصبحت مسؤولة عن أكثر من ثلثي الخسائر على خط الجبهة البالغ طوله 800 ميل في الحرب الروسية الأوكرانية الأوسع التي دخلت شهرها السابع والثلاثين.
وتسببت هذه الطائرات الصغيرة القابلة للمناورة، والتي بلغ ثمن الواحدة منها بضع مئات من الدولارات، في قتل أو تشويه مئات الآلاف المحتملين من الروس والأوكرانيين، ودمّرت آلاف المركبات.
ونقلت المجلة عن مدون عسكري روسي قوله: "السبب الرئيسي لغياب النجاح لا يزال تفوق العدو الجوي، طائرات الاستطلاع المسيرة التابعة لهم في السماء على مدار الساعة، وأي حركة من جانبنا تقابل فورا بموجة هائلة من طائرات منظور الشخص الأول المسيرة".
According to Russian sources, they are bogged down and suffering serious losses in Chasiv Yar due to Ukraine’s significant drone advantage—essentially, they can't even lift their heads. The use of armored vehicles is extremely limited. EW is ineffective due to the rapid… pic.twitter.com/30oo9NN4bh — WarTranslated (@wartranslated) March 7, 2025
وفي المقابل، تعرضت القوات الأوكرانية للخطر بالقدر نفسه في القطاعات التي نشرت فيها روسيا أفضل مجموعات الطائرات المسيرة لديها، مشيرة إلى أنه في أحدى الهجمات أدت موجة من الضربات الدقيقة بالطائرات المسيرة الروسية إلى تدمير عشرات المركبات الأوكرانية على طول الطريق الرئيسي المؤدي إلى سودجا، البلدة التي كانت القاعدة الرئيسية للقوة الأوكرانية.
وبالنظر إلى قدرة الطائرات المسيّرة على حسم المعارك، بدا منطقيا أن يعطي الطرفان أولوية لإنتاج الطائرات المسيّرة الصغيرة، معتبرة أن ذلك بدا أكثر منطقية بالنسبة لأوكرانيا، التي وفرت لها الطائرات المسيرة أيضا قدرا عاليا مما وصفه المستشار الألماني المنتخب فريدريش ميرتس بـ"الاستقلال الاستراتيجي".
وأضافت "فوربس" أن مصانع الطائرات المسيّرة الأوكرانية استوردت مكونات، ولا سيما المكونات الصينية، واعتمدت جزئيا على التمويل الأجنبي، غير أن الإنتاج الواسع النطاق والممركز وطنيا للمركبات الجوية غير المأهولة في أوكرانيا حرر البلاد جزئيا من الاعتماد على حلفاء متقلبين مثل الولايات المتحدة.
طائرات اعتراضية محلية.. "الأخطبوط" ضد "شاهد"
ذكرت "رويترز" في 14 تشرين الثاني/نوفمبر أن وزارة الدفاع الأوكرانية أعلنت أن أوكرانيا بدأت الإنتاج الضخم لطائراتها المسيرة الاعتراضية الجديدة المطورة محليا لتعزيز الدفاعات الجوية، في وقت تعرضت فيه المدن والبلدات الأوكرانية البعيدة عن خط المواجهة لهجمات شبه يومية بمئات الطائرات الروسية بدون طيار مع اقتراب الحرب مع روسيا من مرور أربع سنوات.
وأوضحت الوزارة أن أول ثلاثة مصنعين بدأوا بالفعل الإنتاج، فيما استعد 11 مصنعا آخر لإنشاء خطوط إنتاج.
وقالت إن الطائرات المسيرة ستعتمد على تقنية محلية الصنع تُسمى "الأخطبوط"، وإن تقنية اعتراض طائرات "شاهد" المسيّرة اختبرت في ظروف قتالية وأثبتت فعاليتها "ليلا، وفي ظل التشويش، وعلى ارتفاعات منخفضة".
وأكدت "رويترز" أن الطائرات المسيرة الاعتراضية، التي كلفت بضعة آلاف من الدولارات لكل واحدة، كانت مهمة أيضا لأوكرانيا لأنها أتاحت لها توفير صواريخها الأعلى كلفة لمواجهة التهديدات الصاروخية الباليستية الأسرع والأكثر فتكاً.
تصعيد روسي: من مئات المسيّرات إلى 2000 في ضربة واحدة
أشارت تقديرات إلى أن روسيا اقتربت من امتلاك القدرة على إطلاق آلاف الطائرات المسيرة في وقت واحد، ليس على مدى أسابيع، بل في ضربة منسقة واحدة قد تطغى على شبكة الدفاع الجوي الأوكرانية بأكملها، بعدما تحولت الحملة خلال ثلاث سنوات من تهديد يمكن السيطرة عليه إلى حملة لا هوادة فيها هددت بإعادة تعريف الحرب الحديثة.
وبحسب كريستينا هاروارد، المحللة في معهد دراسات الحرب، أنتجت موسكو حاليا ما يقارب 2700 طائرة مسيرة من طراز شاهد شهريا، إلى جانب 2500 طائرة مسيرة تمويهية، وهو ما عنى أنها أصبحت قادرة بالفعل على إطلاق أكثر من 300 أو حتى 400 طائرة مسيرة في ليلة واحدة.
وأضافت أن الكرملين عمل بنشاط على بناء منشآت جديدة، وبات قريبا من القدرة على إطلاق ما بين 1000 و2000 طائرة مسيرة في وقت واحد، بينما واجهت أوكرانيا حربا بالطائرات المسيّرة وصفت بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم قياسا بالصراعات السابقة.
وتجلت مؤشرات التصعيد، وفق الأرقام الواردة، في أن روسيا أطلقت خلال عام 2024 نحو 11162 طائرة مسيرة بعيدة المدى على المدن الأوكرانية والبنية التحتية الحيوية والصناعات الدفاعية، وبشكل متزايد على المواقع العسكرية. وتمكنت الدفاعات الجوية الأوكرانية من تحييد 90.2 بالمئة من الطائرات المسيرة القادمة، غير أن نحو 1100 طائرة مسيرة وصلت إلى أهدافها.
توقعات 2025 واتساع الاعتماد على المسيرات
ذكر موقع "يوروميدان برس" في تقرير أن روسيا بنت قدراتها على شن هجمات ضخمة بالطائرات بدون طيار خلال ثلاث سنوات، عبر إنتاج نحو 2700 طائرة شاهد شهريا و2500 طائرة طعم، بما أتاح إطلاق أكثر من 300 أو 400 طائرة في ليلة واحدة واقترابها من القدرة على إطلاق 1000 إلى 2000 في ضربة واحدة.
وأضاف التقرير أن روسيا أطلقت في 2024 نحو 11162 طائرة بدون طيار بعيدة المدى، وصلت 1100 منها إلى أهدافها رغم إسقاط 90.2 بالمئة، بينما أصابت 58.5 بالمئة من 3063 صاروخا أهدافها، وهو ما اعتبره مؤشرا على ثغرات في الدفاع الجوي الأوكراني.
وتوقع التقرير نفسه إطلاق 78 ألف طائرة بدون طيار في 2025، أي سبعة أضعاف 2024، مشيرا إلى أن أوكرانيا أسقطت 85 بالمئة فقط من هذه المسيرات بسبب تكتيكات روسية متقدمة ونقص الإمدادات الغربية.
وعلى الجانب الآخر، تحدث التقرير عن استجابة أوكرانيا، قائلا إنها طورت إنتاج الطائرات بنسبة 900 بالمئة ليصل إلى 200 ألف شهريا، مستهدفة 4 ملايين طائرة تكتيكية و30 ألف بعيدة المدى في 2025، مع نمو صواريخ كروز بنسبة 800 بالمئة وإنتاج أول صاروخ باليستي أوروبي منذ الحرب الباردة، إلى جانب طائرات اعتراض أسقطت 650 طائرة شاهد في كييف وحدها.
جدار مسيرات في سماء أوكرانيا
تحدثت تقارير عن تشكل نمط جديد من الدفاع الجوي في أوكرانيا، لا يقوم على بطاريات صواريخ أو منظومات رادار، بل على "جدار حرفي" مصنوع من طائرات بدون طيار.
وطورت شركة "أتريد" الفرنسية المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع نظاما يستخدم أسرابا من الطائرات المسيرة الصغيرة المحملة بالمتفجرات لإنشاء حاجز متحرك في السماء، ووصفت الشركة هذا النظام بأنه "حقل ألغام طائر"، يتكون من ستارة من الطائرات الاعتراضية ذاتية التشغيل، صممت لتدمير طائرات الهجوم الروسية المسيرة والقنابل الانزلاقية قبل وصولها إلى محطات الطاقة أو المدن أو مراكز النقل.
وأوضح التقرير أن نظام "جدار الطائرات المسيرة" (DWS-1) اختلف عن الأنظمة المستخدمة حاليا في ساحة المعركة، إذ لم يعتمد إطلاق الصواريخ أو أشعة الطاقة، بل إطلاق العشرات وربما المئات من طائرات FPV من محطات أرضية فور رصد الرادارات أو أجهزة الاستشعار تهديدا قادما.
وتحمل كل طائرة شحنة متفجرة صغيرة وصعدت إلى ارتفاع محدد مسبقا لتشكيل نمط كثيف متعدد الطبقات، وعند اقتراب الهدف تنفصل طائرة أو أكثر من التشكيل وانفجرت قربه لتدميره أو تعطيله.
وبالمقابل، أشار التقرير إلى أن روسيا زودت طائراتها المسيّرة وقنابلها الانزلاقية بمحركات نفاثة صغيرة بشكل متزايد، ما رفع سرعتها وصعّب اعتراضها، غير أن "أتريد" قالت إن مرونة النظام وقدرته على التنسيق باستخدام الذكاء الاصطناعي سمحت له بمواجهة هذه الأسلحة المطورة.
قالت مؤسسة "ICDS"، وهي مؤسسة بحثية وتحليلية دولية مستقلة متخصصة في الأمن والدفاع والسياسة الخارجية، في تقرير إن انتشار طائرات "الكاميكازي" ذات منظور الشخص الأول وطائرات القصف ومنظومات الاستطلاع والهجوم التي جمعت بين أنظمة الطائرات المسيّرة وأنظمة المدفعية والصواريخ بلغ منذ صيف 2023 حد التشبع، ما أتاح قدرات ضرب تكتيكية دقيقة شبه غير محدودة ومنتشرة في كل مكان.
آثار المسيرات وهيمنتها على طول خطوط التماس
وأضاف التقرير أن الانتشار الكثيف لطائرات الاستطلاع والهجوم المسيّرة أنشأ "منطقة قتل" بعمق تراوح بين خمسة وعشرة كيلومترات على طول خط التماس، ما جعل التحصينات التقليدية مثل الخنادق الواسعة والملاجئ الكبيرة والنقاط الحصينة المركزة شديدة الضعف وغير قابلة للاستخدام بشكل متزايد.
وضرب التقرير مثالا بمعركة أفدييفكا التي امتدت من خريف 2023 إلى شباط/فبراير 2024، حيث سقطت مواقع أوكرانية محصنة تحصينا شديدا وذات موقع استراتيجي ممتاز إثر هجمات ممنهجة شنتها طائرات FPV وقاذفات قنابل، إضافة إلى قصف مدفعي موجه بطائرات بدون طيار وقنابل انزلاقية استهدفت معاقل وحصونا فردية ومراكز قيادة وخنادق وطرق إمداد، فيما أصبح تعزيز القوات وتناوبها هناك محفوفا بالمخاطر وصولا إلى الاستحالة في النهاية.
وتحولت الطائرات المسيرة إلى أداة عالية الدقة لاستنزاف الأفراد والمعدات، واختفى إلى حد كبير مفهوم المنطقة الخلفية الآمنة التي تبعد 10 إلى 15 كيلومترا عن خط التماس، بينما اقتصرت العمليات الهجومية على غارات محلية من دون أمل في اختراق عميق.
كما أشار التقرير إلى أن الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة رفع مستويات الضغط البدني والنفسي على جنود المشاة، إذ بات كل جندي هدفا معرضا لتهديدات دقيقة ومتواصلة على مدار الساعة، ما فرض تخطيطا دفاعيا تجاوز العقائد التقليدية التي لم تعد ملائمة للواقع العملياتي الجديد.
شاهد الإيرانية والتوطين الروسي
قال خبير الإلكترونيات سيرغي بيسكريستنوف لوكالة أسوشيتد برس إن معظم الطائرات المسيّرة الهجومية الروسية كانت سوداء اللون، غير أنه أوضح أن الطائرات الجديدة ظهرت باللون الأبيض، مضيفا أن هذه الطائرات لم تحمل علامات أو ملصقات داخلية تتطابق مع تلك المعتمدة في الطائرات الروسية الصنع، في حين اتبعت الملصقات المستخدمة فيها "نظام وضع العلامات الإيراني القياسي".
وقال خبراء تحدثوا للوكالة إن الملصقات لم تكن دليلا قاطعا، لكن الكلمات الإنجليزية اتسقت مع الطريقة التي تستخدمها إيران لتمييز طائراتها المسيّرة، مرجحين أن إيران باعت هذه الطائرة لروسيا لاختبارها في القتال.
وشنت موسكو غارات جوية مكثفة شبه ليلية على أوكرانيا باستخدام طائرات مسيرة إيرانية الصنع طوال فترة الحرب التي دخلت عامها الرابع، وأن هذه الطائرات حلقت بكثافة فوق المدن الأوكرانية وملأ صوتها المشابه لصوت الدراجات النارية الأجواء، بينما استعدت الدفاعات الجوية والقناصة للتصويب.
وذكرت "أسوشيتد برس" أن موسكو صنعت طائراتها بدون طيار "شاهد" بناء على نموذج إيراني في مصنع شديد الحراسة بوسط روسيا، هو مصنع ألابوغا في تتارستان، الذي تسلم أولى الطائرات الإيرانية في عام 2022 بعد توقيع صفقة بين روسيا وإيران بقيمة 1.7 مليار دولار. ثم أنشأ المصنع لاحقا خطوط إنتاج خاصة به وبدأ إنتاج آلاف الطائرات.
وأوضحت أن التحسينات التي جرى رصدها في الحطام داخل أوكرانيا جاءت ضمن سلسلة ابتكارات بدأت بشراء روسيا طائرات بدون طيار مباشرة من إيران في خريف 2022، وفق وثائق مسربة من ألابوغا سبق أن نشرتها الوكالة، مضيفة أن إيران شحنت في أوائل 2023 نحو 600 طائرة مسيرة مفككة لإعادة تجميعها في روسيا قبل توطين الإنتاج، ثم جرى تعديل التصميم في عام 2024.
وقالت الوكالة إن متخصصين أضافوا كاميرات إلى بعض الطائرات، ونفذوا خطة كشفت عنها في تحقيق حمل اسم "عملية الهدف الزائف"، استهدفت إنشاء طُعم لإرباك الدفاعات الجوية الأوكرانية. كما جمعت الوكالة بيانات عن غارات الطائرات الروسية بدون طيار على أوكرانيا على مدار عام تقريبا نشرها سلاح الجو الأوكراني على الإنترنت.
وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن فعالية نظام "شاهد" ربما نتجت عن إطلاق روسيا مزيدا من الطائرات، بما فيها الطائرات الوهمية، فضلا عن التغييرات في التكنولوجيا والتكتيكات. ومع ذلك، أكدت أن استمرار هذا النجاح ظل غير واضح.