محمد الأخضر حمينة سينمائي وثّق الثورة الجزائرية وفاز بسعفة كان
تاريخ النشر: 10th, June 2025 GMT
محمد الأخضر حمينة سينمائي جزائري بارز، دخل تاريخ الفن السابع عالميا عام 1975 باعتباره أول فنان عربي وأفريقي يفوز بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" الدولي للسينما في فرنسا.
وقد فاز بهذه الجائزة عن تحفته الفنية "وقائع سنوات الجمر"، وهي ملحمة سينمائية عن المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي من نهاية الثلاثينيات إلى اندلاع الثورة الجزائرية في نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
توفي حمينة يوم 23 مايو/أيار 2025 عن عمر ناهز 91 عاما، بعد مسيرة ثرية جمع فيها بين الممارسة الثورية على الأرض والريادة الفنية، سواء من خلال أعماله السينمائية أو عبر دوره الإداري في إرساء أسس الفن السابع في الجزائر.
الولادة والنشأةوُلد محمد الأخضر حمينة في 26 فبراير/شباط 1934 في مدينة المسيلة بولاية الأوراس، شمال شرق الجزائر (تبعد عن الجزائر العاصمة حوالي 242 كيلومترا)، وترعرع في بيئة قروية وسط عائلة متواضعة عاشت على الزراعة.
الدراسة والتكوين
أبدى حمينة منذ مرحلة الطفولة شغفا بالصورة، وبدأ مشواره الدراسي في مسقط رأسه ثم انتقل لمنطقة دلس في ولاية بومرداس (شرق العاصمة) لدراسة الصناعة.
تابع حمينة دراسته لاحقا في كلية زراعية بولاية قالمة (شمال شرق العاصمة)، قبل أن ينتقل إلى فرنسا لدراسة القانون في مدينة أنتيب (جنوب شرق البلاد) وهناك التقى بزوجته التي أنجب معها 4 أولاد.
في تلك الفترة فرضت عليه السلطات التجنيد في الجيش الفرنسي، لكنه تمكن من الفرار وانضم عام 1958 إلى صفوف المقاومة الجزائرية في تونس، وهناك تعلّم السينما بالممارسة، عن طريق تدريب في قسم الأخبار بالتلفزة التونسية، ومن تلك المحطة بدأت رحلته مع السينما عن طريق خلية الإعلام للحكومة الجزائرية المؤقتة في تونس.
إعلانأثناء حرب الجزائر (1954-1962)، خطف جيش الاحتلال الفرنسي والد حمينة وعذبه ثم قتله.
وفي عام 1959 أرسلت جبهة التحرير الوطني حمينة إلى تشيكوسلوفاكيا لمواصلة دراسته في مدرسة السينما العليا بالعاصمة براغ، وتخصص في فن التصوير.
وأثناء سنوات التكوين في براغ كان حمينة يسافر بانتظام إلى تونس لتصوير أوائل أفلامه الوثائقية عن الثورة الجزائرية، ومنها "ياسمينة" و"صوت الشعب" و"بنادق الحرية".
في تلك المرحلة التكوينية احتك حمينة برواد السينما في بلاده، من بينهم المخرج الجزائري جمال الدين شندرلي، الذي يعتبره كثيرون الأب الروحي لتوثيق الثورة الجزائرية بالصورة، إضافة إلى آخرين كانوا ينشطون في خلية السينما على الحدود التونسية الجزائرية.
بعد حصول الجزائر على استقلالها من الاستعمار الفرنسي عام 1962، عاد حمينة ليكون من مؤسسي السينما الجزائرية، إذ أسهم في إنشاء المكتب الوطني للصناعة السينماتوغرافية عام 1963، وأشرف على إدارته حتى عام 1974.
وفي عام 1981 تم تكليف حمينة برئاسة الوكالة الوطنية لتطوير السينما، وبقي في ذلك المنصب إلى عام 1984.
الأعمال السينمائيةطيلة نحو نصف قرن من الانخراط في العمل السينمائي أنجز حمينة 9 أفلام، بينها وثائقي واحد و7 أفلام روائية، أهمها:
فيلم "لكن في أحد أيام نوفمبر" (1964)، وهو عمل وثائقي دشن به حمينة مسيرته في عالم الإخراج. فيلم "ريح الأوراس" (1966)، وهو أول فيلم طويل أخرجه حمينة وصور فيه قصة أم يائسة تجوب السجون ومعسكرات الاعتقال التابعة لجيش الاستعمار الفرنسي، بحثا عن ابنها الذي خطفته الشرطة الاستعمارية. وفاز الفيلم بالجائزة الأولى لأفضل عمل في مهرجان "كان" السينمائي سنة 1967، مدشنا بذلك أول حضور للسينما الجزائرية على الساحة الدولية. فيلم "حسان طيرو" (1968)، وهو ثاني فيلم روائي طويل لحمينة، والعمل السينمائي الذي فتح له باب الشهرة في الجزائر. فيلم "ديسمبر" (1973)، وهو عمل سينمائي ندد بالانتهاكات الفرنسية في الجزائر، وخاصة ممارسات التعذيب البشعة. فيلم "وقائع سنين الجمر" (1974)، رسم فيه لوحة تاريخية لتشكل الثورة الجزائرية بدءا من تحركات المقاومة الأولى في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، إلى اندلاع حرب التحرير في نوفمبر/تشرين الثاني 1954. وفاز هذا الفيلم بالسعفة الذهبية في مهرجان "كان" سنة 1975. فيلم "رياح رملية" (1982). فيلم "الصورة الأخيرة" (1986). "شفق الظلال" (2014)، وهو آخر الأفلام الروائية الطويلة لحمينة. إعلانوإضافة إلى إنجازاته في الإخراج السينمائي، أنتج حمينة أفلاما ناجحة، من بينها الفيلم الشهير "زاد" سنة 1969 للمخرج الفرنسي اليوناني كوستا غافراس.
كما أظهر حمينة مواهبه في التمثيل عندما لعب بعض الأدوار في بعض أفلامه، لاسيما "وقائع سنين الجمر"، إذ جسد فيه شخصية "ميلود"، الراوي الصادق والعفوي الذي يعاني من تجاهل الآخرين له بسبب إصابته بالجنون.
السعفة الذهبيةأخرج حمينة رائعته السينمائية "وقائع سنوات الجمر" عام 1974، وهو فيلم يروي فيه قصة الجزائر التي كانت ترزح تحت الاستعمار الفرنسي وتحديدا في الفترة التي كان فيها "الجمر يتوهج تحت الرماد" منذ أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، وعلى إيقاع الحرب العالمية الثانية إلى غاية اندلاع شرارة الثورة الجزائرية.
ويروي الفيلم الرحلة التي قادت الشعب الجزائري إلى ثورة نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 من خلال رحلة البطل أحمد، وهو فلاح بسيط تفتق حسه الثوري ووعيه الوطني رغم الفقر وغادر قريته بسبب الجفاف، وواجه تحديات كثيرة في المدينة، حيث اكتشف ظروف العمال وظلم المستعمرين.
عاد أحمد لاحقًا إلى قريته ووجد عائلته يفتك بها مرض التيفوس، وهناك أقام سدا صغيرا يعينه على سقي الأرض، لكن الاستعمار اعتقله وفرض عليه التجنيد قسرا في صفوف الجيش الفرنسي وأرسله إلى الجبهة في أوج الحرب العالمية الثانية.
في تلك الفترة كان الجزائريون يأملون أن تنتهي تلك الحرب بهزيمة فرنسا أمام ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر، كي تبدأ رحلتهم نحو الحرية والاستقلال، لكن العكس هو ما حصل، إذ انهزم الألمان وتعثرت مطالب الشعب الجزائري، وفي تلك الفترة تأججت مشاعر الغضب في الجزائر تحت وقع المجازر التي اقترفها الفرنسيون في مدن عدة بشرق البلاد.
بعد عودته من الجبهة اقتنع أحمد وأصحابه أن الخيار الوحيد لتحقيق الاستقلال ليس العمل السياسي، بل المقاومة المسلحة، وهكذا لجؤوا إلى الأدغال وأطلقوا شرارة الثورة في نوفمبر/تشرين الثاني 1954. وفي إحدى المواجهات، لقي أحمد مصرعه لكن ابنه -الذي يمثل جزائر الغد- واصل النضال.
إعلانوفي أجواء الاحتفاء بالسعفة الذهبية، كتب الناقد السينمائي التونسي فريد بوغدير عن فيلم "وقائع سنين الجمر" في مجلة جون أفريك الفرنسية عام 1975 قائلا إنه "فيلم مميز بأسلوب ملحمي وتصوير رائع ينم عن حس إخراجي رفيع".
وأضاف أن "أسلوب محمد الأخضر حمينة في هذا الفيلم يتميز بالرصانة والابتعاد عن الميلودراما، وبالتركيز على الكرامة، وهي هاجس هذا المخرج الذي يدعو في جميع أفلامه إلى احترام الإنسان المضطهد".
واعتبر فوز "وقائع سنين الجمر" بالسعفة الذهبية لمهرجان "كان" السينمائي "نصرا ثقافيا للجزائر"، خاصة أنه جاء بعد نحو 13 عاما على حصولها على الاستقلال.
وقبل السعفة الذهبية فاز فيلم "رياح الأوراس" -الذي أخرجه حمينة أيضا- بجائزة الكاميرا الذهبية في المهرجان نفسه.
وبعد نصف قرن على السعفة الذهبية، عاد مهرجان "كان" السينمائي في دورته لعام 2025 لتكريم حمينة من خلال عرض عمله "وقائع سنين الجمر" بتقنية "فور كيه" ضمن برنامج "كان كلاسيك".
الوفاةبعد هذا المسار الطويل والحافل، توفي محمد الأخضر حمينة يوم 23 مايو/أيار 2025 في الجزائر العاصمة، وبها ووري جثمانه الثرى في اليوم الموالي بمقبرة سيدي يحيى.
وفي رسالة تعزية، عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن "بالغ الحزن والأسى" بوفاته ووصفه بـ"عملاق السينما العالمية" الذي ترك "بصمة خالدة في تاريخ السينما".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج نوفمبر تشرین الثانی الثورة الجزائریة بالسعفة الذهبیة فی الجزائر فی مهرجان فی تلک
إقرأ أيضاً:
محمد السادس يمدّ يده للجزائر.. ملك المغرب يدعو لحوار صريح ومسؤول ويجدد موقفه من ملف الصحراء
أدلى الملك المغربي محمد السادس بتصريحات تفتح الباب أمام الجزائر لحلّ الأزمة الدبلوماسية بين البلدين حيث دعا إلى حوار "صريح ومسؤول أخوي وصادق"، كما جدد دعمه لمبادرة الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء الغربية وأن بلاده تسعى لحل لا غالب ولا مغلوب فيه، وذلك في كلمته بمناسبة عيد العرش. اعلان
وفي كلمته السنويّة المسجّلة التي بثها التلفزيون الرسمي بعد مرور 26 عاماً على اعتلائه العرش خلفاً لوالده الحسن الثاني، أكد العاهل المغربي التزام بلاده بالانفتاح على محيطها الجهوي وخاصة الجوار المباشر.
وقال: "بموازاة مع حرصنا على ترسیخ مكانة المغرب كبلد صاعد، نؤكد التزامنا بالانفتاح على محيطنا الجهوي، وخاصة جوارنا المباشر، في علاقتنا بالشعب الجزائري الشقيق".
كلمة ملك المغرب محمد السادس التي بثّها التلفزيون الرسمي في البلاد العلاقة مع الجزائر: دعوة للحواروأضاف: "بصفتي ملك المغرب، فإن موقفي واضح وثابت وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين، والجغرافيا والمصير المشترك".
وتابع قائلا: "لذلك، حرصت دوما على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين".
وأردف الملك محمد السادس بالقول: "إن التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا سويا، على تجاوز هذا الوضع المؤسف، كما نؤكد تمسكنا بالاتحاد المغاربي واثقين بأنه لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر، مع باقي الدول الشقيقة".
في أغسطس/ آب 2021، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب بسبب ما وصفتها بـ"أفعال عدائية متواصلة" من المغرب ضد الجزائر.
قال حينها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إن "قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني بأي شكل من الأشكال أن يتضرر المواطنون الجزائريون المقيمون بالمغرب والمغاربة المقيمون بالجزائر من هذا القرار".
Related المغرب يمنع وفدًا برلمانيًا أوروبيًا من دخول العيون بالصحراء الغربية الجزائر تأسف لدعم بريطانيا مقترح المغرب بشأن الصحراء الغربيةبعد اعترافه بسيادتها على الصحراء الغربية.. ماكرون يزور المغرب لتعزيز المصالحة والتبادل التجاري قضية الصحراء الغربيةوأفاد العاهل المغربي بأن المملكة تعتز بالدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد للنزاع حول الصحراء الغربية.
وصرح بأن الرباط حريصة على إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.
وتقدم الملك بالشكر للمملكة المتحدة والبرتغال بعد إعلانهما مؤخرا تأييد المقترح المغربي، لتنضما بذلك إلى قائمة دول غربية بارزة مثل الولايات المتحدة في 2020 وفرنسا في 2024.
في المقابل، تواصل جبهة البوليساريو، بدعم جزائري، المطالبة باستقلال الإقليم الذي صنفته الأمم المتحدة ضمن المناطق غير المتمتعة بالحكم الذاتي، في وقت تدعو فيه مختلف الأطراف المعنية إلى استئناف المفاوضات المتوقفة منذ 2019 "من دون شروط مسبقة" للوصول إلى "حل سياسي دائم ومقبول".
عام 2007، قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل للنزاع حول منطقة الصحراء، حيث تهدف إلى منح الصحراويين حكمًا ذاتيًا موسعًا تحت السيادة المغربية، وهو ما رفضته البوليساريو وتمسكت بالاستقلال الكامل.
في بيان قطع العلاقات عام 2021، اتهمت الجزائر المغرب بالتخلي عن التعهد الرسمي لتنظيم "استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية الذي التزم به الملك الحسن الثاني والمدون في وثائق رسمية لمنظمتي الوحدة الافريقية والأمم المتحدة، بينما يعيش القادة الحاليون للمملكة على وقع وهم فرض إملاءاتهم على المجتمع الدولي فيما يتعلق بأطروحة الحكم الذاتي المزعومة"، بحسب البيان الجزائري.
الاتحاد المغاربيوجدد ملك المغرب تمسك بلاده بالاتحاد المغاربي، "الذي لن يكون إلا بانخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة"، على حد قوله.
ويوم 17 فبراير/ شباط 1989 تأسس الاتحاد المغربي في مدينة مراكش المغربية، ويتألف من 5 دول: المغرب والجزائر وليبيا وتونس وموريتانيا، ويهدف إلى فتح الحدود بين الدول الخمس، لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.
لكن في ظل خلافات بين بعض دوله، واجه الاتحاد منذ تأسيسه عقبات أمام تفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية، ولم تُعقد أي قمّة على مستوى قادته منذ قمة تونس عام 1994.
كما بقيت الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994، وسط خلافات سياسية بينهما.
عفو ملكيمن جهة أخرى، كشفت وزارة العدل المغربية عن صدور عفو ملكي استثنائي بمناسبة عيد العرش هذا العام، شمل ما يزيد على 19 ألفا و600 من المعتقلين والملاحقين أمام المحاكم. وهذا العفو الأوسع منذ عام 2009، حين استفاد منه نحو 25 ألف شخص تزامنا مع الذكرى العاشرة لاعتلاء الملك العرش.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة