جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@22:29:18 GMT

النور والروح

تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT

النور والروح

 

 

لينا الموسوي

 

في صباح باكر، وبينما كنتُ أحتسي قهوتي المُعتادة مستمتعةً بدفء أشعة الشمس تحت ظل نخلة، تملّكني شعورٌ عميقٌ بأهمية نور الشمس الطبيعي في حياتنا. هذا الشعور دفعني للتساؤل: من أي زاوية يُمكنني أن أتناول هذا الموضوع المُهم؟

كـمُهندسة معمارية ومصممة داخلية، أرى في نور الشمس عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه في تصميم المساحات التي نعيش ونعمل فيها.

هو ليس مجرد إضاءة، بل هو أداة لخلق الأجواء، وتحسين الصحة، وربطنا بالعالم الخارجي.

وفي الوقت ذاته، كـكاتبة لمقالات اجتماعية، أرى في نور الشمس رمزًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا، يُؤثر في مزاجنا وسلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية. إنه يذكرنا بأهمية العودة إلى بساطة الطبيعة وتأثيرها الإيجابي في حياة الإنسان.

في الحقيقة يعتبر نور الشمس الطبيعي أحد أهم العناصر التي تؤثر على حياة الإنسان وحالته النفسية والجسدية ونشاطاته الاجتماعية حيث خلق الله تعالى الشمس لتنير أشعتها نهاره وتمده بالطاقة اللازمة ليعمل ويجتهد ويسعى ويطور حياته، على الرغم من أنها تختلف في درجاتها وإشراقاتها حسب مواقع الدول واتجاهاتها فنجدها ساطعة قوية في دول ونادرة الظهور في أخرى كما هو الحال في هولندا الدولة التي قضيت فيها مُعظم سنوات حياتي مفتقده نورها مدركة أهمية تأثيرها على روح وسعادة الإنسان وانتشاله من أمراض الاكتئاب المزمنة.

الإضاءة الطبيعية لها فوائد كثيرة ومتعددة تؤثر بصورة واضحة على حياتنا الشخصية وسلوكنا اليومي؛ حيث تعد أحد أهم الشروط الإنسانية التي يجب أن تتوافر في الأبنية السكنية والتجارية التي لطالما حرصت قوانين بعض الدول على توفيرها بمساحة كافية والتشديد على وجودها في الفضاءات التي يتواجد فيها الإنسان، بصورة مدروسة وموجهة وغير عشوائية؛ حيث نجد أحيانًا أن بعض الأبنية خالية من الحلول المعمارية الصحيحة التي تدخل الضوء الطبيعي بمساحة مدروسة فأما تكون صغيرة وغير إنسانية أو كبيرة فتكون أجواؤها كالحمامات البخارية.

في اعتقادي أن إيجاد الحلول المعمارية المناسبة في توفير الإنارة الطبيعية المعتمدة على الحسابات العلمية الصحيحة هي مسؤولية المهندس المعماري بالدرجة الأولى؛ حيث يبدأ دوره من تخطيط المدينة، وذلك بتحديد وتوجيه المواقع المناسبة للأبنية حسب وظائفها الاجتماعية ومن ثمَّ المخططات المعمارية.

والمخططات المعمارية ليست استنساخًا لفضاءات أو صور تتداول عبر المنصات الاجتماعية ولا أشكال جميلة لواجهات خارجية، وإنما دراسة وبحث قائم على تحديد الوظائف الاجتماعية ودراسة علاقات الفضاءات الداخلية والخارجية والاهتمام بالحالة النفسية لكل فئة عمرية تعيش فيها أو تستخدمها.

وأي خلل في التصميم المعماري وعدم مراعاة الأسس الصحيحة في توزيع الإضاءات الطبيعية داخل المباني أو ترتيب الحركات الوظيفية يؤدي إلى أضرار نفسية كالشعور بالاكتئاب أو الهروب من المكان أو نشوء خلافات اجتماعية لا يدركها أفراد المجتمع.

وإذا رجعنا قليلًا إلى تاريخ تخطيط العمارة العربية الإسلامية، لوجدنا أن في محتواها أجمل الحلول المعمارية التي تمد الأسر بالصحة النفسية والترابط الاجتماعي؛ وذلك بخلق الفناءات الداخلية والذي يُسمى بالحوش أو الحديقة الداخلية التي بدورها تحل الكثير من المشكلات المناخية والنفسية والاجتماعية.

وتوفير الحدائق الداخلية في أبنية مجتمعاتنا العربية والتي يجدها البعض مضيعة للمساحات الداخلية، هي من أجمل الحلول المعمارية التي تساعد على إدخال الإضاءة الطبيعة الصحية والحفاظ على الخصوصية الاجتماعية التي هي جزء من التقاليد العربية.

وتخطيط المدينة والهندسة المعمارية، علمٌ يساهم في توفير حلول تخدم أفراد المجتمع، وتختلف بدورها من مكان لآخر، حسب حاجة المجتمع واختلاف المكان والعادات والتقاليد والمواد وغيرها؛ فلا نستطيع استنساخ العمارة الغربية التي تعالج المشكلات المناخية والاجتماعية الغربية إلى مجتمعاتنا العربية وحلول أجوائنا المناخية؛ حيث تختلف كل الاختلاف ومن كل النواحي وإن تقدمت وتوحدت الحلول التكنولوجية.

وهنا يظهر دور السياسات الدولية على حث المؤسسات التنظيمية والإعلامية وغيرها في نشر الحملات التوعوية الاجتماعية وتحمل المسؤولية في تخطيط المدن وإنشاء عمارة قائمة على أسس وحلول معمارية صحيحة تخدم الحالة النفسية لأفراد المجتمع وبدورها تؤثر إيجابا على الإنتاجية المجتمعية، وأن يتفهم أفراد المجتمع طبيعة عمل ودور المهندس المعماري والمصمم الداخلي ومسؤولياته.

إنها ليست تقديم مخططات ذات أشكال جمالية أو حساب لأعمدة إنشائية متينة فقط؛ وإنما هي بحث ودراسة كل الجوانب الحياتية والاحتياجات الشخصية والعلاقات الوظيفية المدروسة، من حيث التوجه والحركة وتوفير القدر الكافي من الإضاءة الطبيعية، ومن ثم يتعمق في باقي التفاصيل الجمالية والشكلية والحسابات الاقتصادية.

علينا أن ندرك أن في كل ما خلقه الله تعالى لنا من نعم كونية ما هي إلا عناصر مسخرة لخدمة وفائدة الإنسان، تغذي روحه وحياته، وتنعم عليه بالراحة والسعادة الذاتية.

وأخيرًا أتمنى للجميع حياة مليئة بالأنوار والسعادة والراحة النفسية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كلية التمريض جامعة الإسكندرية تنظم اليوم العلمي السنوي وتوصيات بتفعيل آليات التعامل مع الضغوط النفسية

نظم قسم التمريض النفسي والصحة النفسية بكلية التمريض، جامعة الإسكندرية اليوم العلمي السنوي للقسم تحت عنوان «النهج الإنساني في التمريض النفسي» (Humanistic Approach in Psychiatric Nursing)، وذلك بمشاركة نخبة من الأساتذة والمتخصصين من جامعات الإسكندرية والمنصورة ودمنهور ومستشفى المعمورة للطب النفسي وطلاب الكلية.
وأكدت الدكتورة حنان حسني الشربيني عميد كلية التمريض، أن النهج الإنساني يمثل جوهر الممارسة التمريضية، وأن الاهتمام بالصحة النفسية بات ضرورة ملحة لتعزيز جودة الرعاية الصحية وتحقيق التكامل في الخدمات المقدمة للمرضى، مشيرة إلى الدور الحيوي للممرض النفسي في دعم المريض نفسيًا وإنسانيًا إلى جانب الرعاية العلاجية.
وأشادت الدكتورة سحر منصور لماضة، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، بأهمية اليوم العلمي في نشر الوعي المجتمعي بقضايا الصحة النفسية، وتعزيز قيم الرحمة والتسامح، ودعم المبادرات الهادفة إلى خدمة المجتمع، مؤكدة حرص الكلية على الربط بين المعرفة الأكاديمية والتطبيق العملي بما ينعكس إيجابًا على المجتمع.
كما رحبت الدكتورة مايار عز الدين النقيب القائم بأعمال رئيس قسم التمريض النفسي والصحة النفسية، بالحضور، موضحة أن اختيار عنوان هذا العام يعكس رؤية ورسالة القسم في تعزيز التواصل الإنساني، والاهتمام بالجوانب الوجدانية والنفسية للمريض باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من العملية العلاجية، وأكدت أن اليوم العلمي يمثل منصة علمية مهمة لتبادل الخبرات ومناقشة أحدث التوجهات في مجال التمريض النفسي. 
واستعرضت الدكتورة مها الباشا نائب مدير مستشفى المعمورة للطب النفسي، جهود المستشفى في مجال الصحة النفسية، وأوجه التعاون والشراكة المثمرة مع كلية التمريض بما يسهم في الارتقاء بالخدمات المقدمة للمرضى.
تضمن اليوم العلمي برنامجًا علميًا ثريًا اشتمل على عدد من المحاضرات المتخصصة التي تناولت أبعاد النهج الإنساني في الرعاية النفسية من زوايا طبية ونفسية ومجتمعية، حيث قُدمت محاضرة حول الدور الطبي الحاسم للخدمات التمريضية في الإدارة الشمولية لمرض ألزهايمر، ومحاضرات تناولت آليات فهم التسويف من منظور نفسي وتأثيراته الصحية، ومفهوم المناعة النفسية واستعادة التوازن الداخلي، إلى جانب استعراض نماذج تطبيقية لبرامج التمريض النفسي المجتمعي، وأساليب نقل الأخبار الصعبة، وسبل الوصول إلى السلام النفسي، وتعزيز الصحة النفسية المجتمعية، والتعامل الفعّال مع الشخصيات الصعبة.
وعلى هامش البرنامج العلمي، أُقيمت ورشتا عمل متخصصتان تناولتا مفاهيم «المشاعر الصحية» و«التسامح والتراحم»، وركزتا على تنمية الوعي بالممارسات الإيجابية الداعمة للصحة النفسية، كما عُقدت جلسة نقاشية بعنوان Affection and Mental Health ناقشت أهمية الدعم الوجداني في تعزيز الصحة النفسية، وأكدت أن الإنسانية كانت محورًا أساسيًا لفعاليات اليوم منذ بدايتها وحتى ختامها.
واختُتمت فعاليات اليوم العلمي بمجموعة من التوصيات التي أكدت ضرورة تفعيل آليات التعامل مع الضغوط النفسية وتعزيز الصلابة النفسية، والاهتمام بالأساليب الطبيعية الداعمة للصحة النفسية مثل ممارسة الرياضة والتعرض لأشعة الشمس، والاعتماد على الدعم الاجتماعي الإيجابي، والتمسك بالعلاقات المحفزة واتباع الأساليب الودية في مواجهة الضغوط، إلى جانب الالتزام باستراتيجيات التعامل مع الشخصيات الصعبة، ودعم أسر كبار السن نفسيًا لمواصلة تقديم الرعاية، وتعزيز مفهوم التسامح مع التأكيد على أهمية وضع حدود واضحة في العلاقات الإنسانية، بما يسهم في تحقيق السلام النفسي للفرد والمجتمع.

طباعة شارك كلية التمريض جامعة الإسكندرية التعامل مع الضغوط النفسية جامعة الإسكندرية

مقالات مشابهة

  • دعوى قتل خطأ تُلاحق OpenAI وتفتح ملف الذكاء الاصطناعي والصحة النفسية
  • كلية التمريض جامعة الإسكندرية تنظم اليوم العلمي السنوي وتوصيات بتفعيل آليات التعامل مع الضغوط النفسية
  • من شبح المصحة النفسية إلى بر الأمان.. القصة الكاملة لأزمة سيدة مع أشقائها بسبب الميراث
  • الإغاثة الطبية في غزة تحذر: الأزمة الإنسانية تتفاقم
  • أبو سنة: مصر تدعو لتحويل الحلول البيئية إلى إجراءات قابلة للتنفيذ
  • الصحة: ملف الإدمان والصحة النفسية يلقى اهتماما كبيرا من قبل الوزارة
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • تعليم بورسعيد : افتتاح أول فصل لمتعددي الإعاقة بمدرسة النور للمكفوفين .. صور
  • افتتاح أول فصل لمتعددي الإعاقة بمدرسة النور للمكفوفين ببورسعيد
  • الداخلية تحتفي باليوم العالمي لحقوق الإنسان بشعار حقوق الإنسان جوهر حياتنا اليومية