جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-13@04:27:58 GMT

النور والروح

تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT

النور والروح

 

 

لينا الموسوي

 

في صباح باكر، وبينما كنتُ أحتسي قهوتي المُعتادة مستمتعةً بدفء أشعة الشمس تحت ظل نخلة، تملّكني شعورٌ عميقٌ بأهمية نور الشمس الطبيعي في حياتنا. هذا الشعور دفعني للتساؤل: من أي زاوية يُمكنني أن أتناول هذا الموضوع المُهم؟

كـمُهندسة معمارية ومصممة داخلية، أرى في نور الشمس عنصرًا أساسيًا لا غنى عنه في تصميم المساحات التي نعيش ونعمل فيها.

هو ليس مجرد إضاءة، بل هو أداة لخلق الأجواء، وتحسين الصحة، وربطنا بالعالم الخارجي.

وفي الوقت ذاته، كـكاتبة لمقالات اجتماعية، أرى في نور الشمس رمزًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا، يُؤثر في مزاجنا وسلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية. إنه يذكرنا بأهمية العودة إلى بساطة الطبيعة وتأثيرها الإيجابي في حياة الإنسان.

في الحقيقة يعتبر نور الشمس الطبيعي أحد أهم العناصر التي تؤثر على حياة الإنسان وحالته النفسية والجسدية ونشاطاته الاجتماعية حيث خلق الله تعالى الشمس لتنير أشعتها نهاره وتمده بالطاقة اللازمة ليعمل ويجتهد ويسعى ويطور حياته، على الرغم من أنها تختلف في درجاتها وإشراقاتها حسب مواقع الدول واتجاهاتها فنجدها ساطعة قوية في دول ونادرة الظهور في أخرى كما هو الحال في هولندا الدولة التي قضيت فيها مُعظم سنوات حياتي مفتقده نورها مدركة أهمية تأثيرها على روح وسعادة الإنسان وانتشاله من أمراض الاكتئاب المزمنة.

الإضاءة الطبيعية لها فوائد كثيرة ومتعددة تؤثر بصورة واضحة على حياتنا الشخصية وسلوكنا اليومي؛ حيث تعد أحد أهم الشروط الإنسانية التي يجب أن تتوافر في الأبنية السكنية والتجارية التي لطالما حرصت قوانين بعض الدول على توفيرها بمساحة كافية والتشديد على وجودها في الفضاءات التي يتواجد فيها الإنسان، بصورة مدروسة وموجهة وغير عشوائية؛ حيث نجد أحيانًا أن بعض الأبنية خالية من الحلول المعمارية الصحيحة التي تدخل الضوء الطبيعي بمساحة مدروسة فأما تكون صغيرة وغير إنسانية أو كبيرة فتكون أجواؤها كالحمامات البخارية.

في اعتقادي أن إيجاد الحلول المعمارية المناسبة في توفير الإنارة الطبيعية المعتمدة على الحسابات العلمية الصحيحة هي مسؤولية المهندس المعماري بالدرجة الأولى؛ حيث يبدأ دوره من تخطيط المدينة، وذلك بتحديد وتوجيه المواقع المناسبة للأبنية حسب وظائفها الاجتماعية ومن ثمَّ المخططات المعمارية.

والمخططات المعمارية ليست استنساخًا لفضاءات أو صور تتداول عبر المنصات الاجتماعية ولا أشكال جميلة لواجهات خارجية، وإنما دراسة وبحث قائم على تحديد الوظائف الاجتماعية ودراسة علاقات الفضاءات الداخلية والخارجية والاهتمام بالحالة النفسية لكل فئة عمرية تعيش فيها أو تستخدمها.

وأي خلل في التصميم المعماري وعدم مراعاة الأسس الصحيحة في توزيع الإضاءات الطبيعية داخل المباني أو ترتيب الحركات الوظيفية يؤدي إلى أضرار نفسية كالشعور بالاكتئاب أو الهروب من المكان أو نشوء خلافات اجتماعية لا يدركها أفراد المجتمع.

وإذا رجعنا قليلًا إلى تاريخ تخطيط العمارة العربية الإسلامية، لوجدنا أن في محتواها أجمل الحلول المعمارية التي تمد الأسر بالصحة النفسية والترابط الاجتماعي؛ وذلك بخلق الفناءات الداخلية والذي يُسمى بالحوش أو الحديقة الداخلية التي بدورها تحل الكثير من المشكلات المناخية والنفسية والاجتماعية.

وتوفير الحدائق الداخلية في أبنية مجتمعاتنا العربية والتي يجدها البعض مضيعة للمساحات الداخلية، هي من أجمل الحلول المعمارية التي تساعد على إدخال الإضاءة الطبيعة الصحية والحفاظ على الخصوصية الاجتماعية التي هي جزء من التقاليد العربية.

وتخطيط المدينة والهندسة المعمارية، علمٌ يساهم في توفير حلول تخدم أفراد المجتمع، وتختلف بدورها من مكان لآخر، حسب حاجة المجتمع واختلاف المكان والعادات والتقاليد والمواد وغيرها؛ فلا نستطيع استنساخ العمارة الغربية التي تعالج المشكلات المناخية والاجتماعية الغربية إلى مجتمعاتنا العربية وحلول أجوائنا المناخية؛ حيث تختلف كل الاختلاف ومن كل النواحي وإن تقدمت وتوحدت الحلول التكنولوجية.

وهنا يظهر دور السياسات الدولية على حث المؤسسات التنظيمية والإعلامية وغيرها في نشر الحملات التوعوية الاجتماعية وتحمل المسؤولية في تخطيط المدن وإنشاء عمارة قائمة على أسس وحلول معمارية صحيحة تخدم الحالة النفسية لأفراد المجتمع وبدورها تؤثر إيجابا على الإنتاجية المجتمعية، وأن يتفهم أفراد المجتمع طبيعة عمل ودور المهندس المعماري والمصمم الداخلي ومسؤولياته.

إنها ليست تقديم مخططات ذات أشكال جمالية أو حساب لأعمدة إنشائية متينة فقط؛ وإنما هي بحث ودراسة كل الجوانب الحياتية والاحتياجات الشخصية والعلاقات الوظيفية المدروسة، من حيث التوجه والحركة وتوفير القدر الكافي من الإضاءة الطبيعية، ومن ثم يتعمق في باقي التفاصيل الجمالية والشكلية والحسابات الاقتصادية.

علينا أن ندرك أن في كل ما خلقه الله تعالى لنا من نعم كونية ما هي إلا عناصر مسخرة لخدمة وفائدة الإنسان، تغذي روحه وحياته، وتنعم عليه بالراحة والسعادة الذاتية.

وأخيرًا أتمنى للجميع حياة مليئة بالأنوار والسعادة والراحة النفسية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الملتقى الثقافي العائلي في مشتى الحلو بطرطوس يطلق مبادرة تعليمية مجانية

طرطوس-سانا

لتعويض الفاقد التعليمي للطلاب المقبلين على شهادة التعليم الأساسي والشهادة الثانوية، أطلق الملتقى الثقافي العائلي في مشتى الحلو بطرطوس مبادرة تعليمية مجانية، تستهدف طلاباً من صفي الثاني الإعدادي والثاني الثانوي، وذلك بعد انتهاء امتحانات الفصل الدراسي الثاني لهذا العام.

مدرسة اللغة الإنكليزية والمتطوعة بالملتقى رانيا عنتر أوضحت لـ سانا، أنه نتيجةً للظروف التي مرت بها البلاد، وكثرة العطل المدرسية، تشكل لدينا خوف على الطلبة، وخصوصاً في المواد التي ترتبط ببعضها في كل السنوات كاللغة الإنكليزية واللغة العربية والرياضيات.

وتابعت عنتر: “إن المبادرة أطلقت لصفي الثاني الإعدادي والثاني الثانوي، كونهما أساساً لما يأتي بعدهما من الشهادتين، وليتمكن الطالب من البدء بالسنة الدراسية وهو ملمّ بجميع القواعد والمعلومات المهمة”.

ولفتت عنتر إلى أن جميع المدرسين رحبوا بالمبادرة، وكانوا متعاونين جداً، حيث قدموا كل خدماتهم وجهودهم بشكل مجاني، بهدف دعم الطلاب نفسياً والتخفيف من ضغط الدراسة عليهم.

من جهتها، بينت مدرسة اللغة العربية كاتيا عبد النور أهمية المبادرات التي يطلقها الملتقى، لترميم ما يحتاج الطالب في أعوامه الدراسية قبل الشهادة، لتكون جسر عبور لسنته الجديدة بكل ثقة وعزيمة.

ولفتت عبد النور إلى أن الشق الاجتماعي الذي تحمله المبادرة يكمن في احتضان الطلاب المهتمين ولا يسمح وضعهم المادي التسجيل في دورات أو معاهد خاصة، لتوقظ في اذهانهم أهمية فكرة العلم والدراسة وعدم الانقطاع عنها مهما كانت الظروف.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • استشاريون: اكتئاب المواسم ظاهرة متكررة ترتبط بالمناسبات الاجتماعية والضغوط النفسية
  • «الوطنية لحقوق الإنسان» تحمل «داخلية الدبيبة» مسؤولية الانتهاكات التي ارتكبها «العمو»
  • تقرير دولي: الشبكات الاجتماعية تفاقم أزمة الصحة النفسية للأطفال
  • تقرير يدق ناقوس الخطر حول مخاطر الشبكات الاجتماعية على الصحة النفسية للأطفال
  • تشبع المقابر بالجزائر العاصمة ..وزير الداخلية يُقدم الحلول
  • العقل والروح.. طه عبد الرحمن وسؤال الأخلاق في مشروع النهضة (2)
  • وهران.. حريق بالطابق الأول لعمارة سكنية بحي النور
  • سيرين عبد النور تحتفل بيوم ميلاد ابنتها تاليا وسط أجواء عائلية مميزة .. فيديو
  • الملتقى الثقافي العائلي في مشتى الحلو بطرطوس يطلق مبادرة تعليمية مجانية