7 أسئلة: مادلين.. من الفكرة حتى إيصال الرسالة
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
في مطلع يونيو/حزيران 2025 انطلقت سفينة تحمل اسم "مادلين" من ميناء كاتانيا الإيطالي وعلى متنها 12 ناشطا من جنسيات متعددة، وكانت وجهتها قطاع غزة المحاصر والمجوّع، وهدفها كسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة ونقل مساعدات إنسانية رمزية إلى سكانه، لكن ما أن اقتربت السفينة من شواطئ غزة حتى اختطفتها إسرائيل وعملت على ترحيل عدد من الناشطين على متنها واحتجزت البعض الآخر.
فما هي قصة السفينة مادلين؟ وكيف انطلقت رحلتها؟ وما هي لحظات الرعب التي واجهها الركاب أثناء اعتقالهم، وهل وصلت في النهاية الرسالة التي أرادها هؤالاء الناشطون من رحلتهم المحفوفة بالمخاطر؟
من هي مادلين التي سميت السفينة باسمها؟سُميت السفينة على اسم مادلين كُلاب، وهي أول وأصغر امرأة فلسطينية تعمل في صيد الأسماك في غزة منذ عام 2014 حيث بدأت عملها في سن 15 عاما على قارب والدها، وسرعان ما أصبحت معروفة بين الصيادين في القطاع.
كانت مادلين تُبحر حتى حدود الحصار البحري الإسرائيلي، وتصيد الأسماك وتبيعها في الأسواق بهدف إعالة أسرتها، وقتل والدها أثناء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبعد استئناف العدوان الإسرائيلي على غزة في مارس/آذار 2025، دُمرت قوارب مادلين وزوجها، إلى جانب مستودع كانا يستخدمانه لتخزين أدوات الصيد، ما أدى إلى فقدان مصدر رزقهما.
إعلانوقد علمت مادلين عن سفينة كسر الحصار من إحدى صديقاتها الناشطات في أيرلندا، التي أخبرتها بأن الهدف من الرحلة هو إيصال مساعدات إلى قطاع غزة، متحدية بذلك الحصار الإسرائيلي، وقد تأثر النشطاء بقصتها، وقرروا إطلاق اسمها على السفينة تكريما لصمودها ونضالها.
من هم أصحاب الفكرة؟"مادلين" ليست فكرة جديدة، وإنما تأتي ضمن إطار "تحالف أسطول الحرية"، وهي حركة دولية تأسست عام 2010 بهدف كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، ويشرف على تنظيم الرحلة في هذا الإطار "اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة".
وكان الحافز الكبير وراء انطلاق هذه السفينة هو حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على سكان قطاع غزة، حيث شددت إغلاقها البري والبحري والجوي على القطاع بشكل غير مسبوق، مما أدّى إلى نقص حادّ في الغذاء والمواد الأساسية لأكثر من 90 يوما.
"ومادلين" هي السفينة رقم 36 في إطار محاولات تحالف أسطول الحرية لكسر الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ عام 2007، ومثلت رحلتها محاولة جديدة وشجاعة لمقاومة الحصار، وإعادة طرح ملفه على الساحة الدولية.
وقد أكد تحالف أسطول الحرية أن رحلة مادلين تمثل فعلا سلميا من المقاومة المدنية، مشيرا إلى أن جميع المتطوعين على متن السفينة توحدهم قناعة مشتركة بأن الشعب الفلسطيني يستحق نفس الحقوق والحرية والكرامة التي تتمتع بها شعوب العالم.
كيف بدأت الرحلة؟
انطلقت السفينة مادلين في الأول من يونيو/حزيران 2025 من ميناء كاتانيا في جزيرة صقلية الإيطالية بالبحر المتوسط، وبحسب التحالف، تأتي الرحلة بعد شهر واحد من قصف الطائرات المسيرة الإسرائيلية "سفينة الضمير العالمي" قبالة سواحل مالطا، وهذا يبرز الطابع الخطير للمهمة التي جندت لها سفينة مادلين.
وكانت السفينة تحمل على متنها وفق بيان ائتلاف أسطول الحرية إمدادات طبية والدقيق والأرز وحليب الأطفال والحفاضات، ومنتجات النظافة النسائية ومجموعات تحلية المياه، والعكازات والأطراف الاصطناعية للأطفال.
إعلانويبلغ طول السفينة مادلين نحو 18 مترا، وتُقدر المسافة التي قطعتها في محاولة الوصل إلى القطاع بنحو 1250 ميلا (أي ألفي كيلومتر)، واستغرقت رحلتها قبل اختطافها 7 أيام متواصلة.
وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا رفضت طلبا إسرائيليا لمنع انطلاق السفينة، رغم أنها ترفع العلم البريطاني، ما اعتُبر مؤشرا سياسيا على عدم شرعية منع الرحلة قانونيا، من جهة، وعلى ما ستسعى إسرائيل للقيام به من أجل منع وصولها إلى وجهتها، من جهة أخرى.
ما هدف المتطوعين من رحلة مادلين؟
منذ اللحظة الأولى لصعود الناشطين إلى متن السفينة وهم يدركون حجم الخطر الذي ينتظرهم، ويعلمون أن إسرائيل لن تسمح لهم بالوصول إلى قطاع غزة وأنها ستعتقلهم، لكن إرادتهم كانت أقوى من كل خوف.
فالسفينة مادلين بالنسبة إليهم تمثل صرخة في وجه استمرار حصار عمره الآن قرابة 17 عاما، أطلقتها مجموعة من نشطاء المجتمع المدني نتيجة تخلي حكومات العالم عن أداء واجباتها القانونية والأخلاقية.
يقول زاهر بيراوي، رئيس اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة والعضو المؤسس في تحالف أسطول الحرية، إن السفينة تحمل على متنها رسالة الحب والسلام والدعم والتضامن، ورسالة الاحتجاج على حكومات دول العالم التي تسكت على بقاء الحصار وتعجز عن إدخال الطعام وأساسيات الحياة لأكثر من مليوني فلسطيني يتعرضون للإبادة في غزة.
وقال بيراوي في حديثه للجزيرة نت "على الرغم من صغر حجم السفينة فإن رسالتها كبيرة وهي تعبير عن الشعور بالمسؤولية على مستوى الشعوب الحرة، ودعوة للجميع لبذل الجهد الممكن، ومحاولة عمل أي شيء لوقف هذه الجريمة بحق غزة وأهلها."
كيف تم اختطاف السفينة؟فجر الاثنين 9 يونيو/ حزيران 2025 انطلقت صفارات الإنذار على متن السفينة مادلين، وقالت النائبة في البرلمان الأوروبي، ريما حسن، التي كانت ضمن النشطاء على السفينة، في بث مباشر "إنهم هنا" في إشارة إلى اقتحام قوات كوماندوز إسرائيلية السفينة "مادلين" أثناء وجودها في المياه الدولية، بالقرب من شواطئ غزة.
إعلانوأفادت تقارير بأنّ السفينة تعرضت لتشويش في الاتصالات ورش بمادة بيضاء مهيجة من طائرات مسيرة قبل عملية الاقتحام. ووثّق النشطاء على متن السفينة اللحظات الأخيرة قبل انقطاع الاتصال، حيث ظهروا وهم يرتدون سترات النجاة ويستعدون للاعتقال، مع دعوات لإلقاء الهواتف المحمولة في البحر.
ونقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله إنه تم اقتياد السفينة مادلين نحو ميناء أسدود بعد السيطرة عليها، كما بث الجيش الإسرائيلي صورا للحظة اعتقال جميع الأفراد من النشطاء الأجانب على متن السفينة مادلين.
كيف تعاملت إسرائيل مع المتضامنين على متن السفينة؟اعتقلت إسرائيل الناشطين الـ12 الذين كانوا على متن السفينة مادلين، ومن بينهم مصور قناة "الجزيرة مباشر" الصحفي عمر فياض، وقال مصدر عسكري إسرائيلي إنه تم التحقق من هويات الأفراد على متن السفينة ومن ثم اقتيادهم إلى قاعدة تابعة لسلاح البحرية في ميناء أسدود لاستجوابهم.
ووصفت إسرائيل رحلة السفينة مادلين لكسر الحصار الإسرائيل على قطاع غزة بأنها "استعراض إعلامي"، وقالت إن المساعدات على متنها سيتم تحويلها إلى غزة عبر "القنوات الإنسانية الرسمية"، وأن الركاب سيُعادون إلى بلدانهم الأصلية.
وفي اليوم التالي غادر 4 من نشطاء السفينة مادلين إسرائيل، بينما ينتظر 8 منهم العرض على المحكمة لرفضهم التوقيع على أوامر ترحيل، وقالت القناة 13 الإسرائيلية إنه سيتم تحويل هؤلاء إلى الحجز تمهيدا لترحيلهم قسريا.
هل وصلت الرسالة؟من الناحية العملية البحتة، تمتلك إسرائيل تفوقا عسكريا مطلقا في البحر المتوسط جعل من المستحيل لسفينة صغيرة كسفينة "مادلين" اختراق الدفاعات البحرية والوصول إلى شاطئ غزة عنوة، وأثبتت التجارب أن إسرائيل ستستخدم كل ما لديها -من وسائل دبلوماسية وضغوط على الدول وحتى القوة العسكرية المباشرة- للحيلولة دون رسوّ أي مركب دولي في غزة دون إذنها.
إعلانوبالفعل سيطرت إسرائيل على السفينة واقتادتها إلى ميناء أسدود واعتقلت النشطاء على متنها وسط إدانات دولية واسعة لهذا الإجراء، واعتُبر هذا الاعتراض انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
لكن الرسالة التي أُريد من هذه الرحلة إيصالها لا تقاس بالنجاح الفعلي لوصول السفينة إلى قطاع غزة وإنما تُقاس بأثرها السياسي والإعلامي وبما تحدثه من حراك دبلوماسي وضغط شعبي على الحكومات.
فإبحار مثل تلك السفن، مهما كانت صغيرة، إلى قطاع غزة، في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي، يساهم في إبقاء مأساة غزة حيّة في الضمير العالمي، وعدم تطبيع الحصار كأمر واقع، فقد نجح النشطاء في فضح السياسات الإسرائيلية ووصفها بصوت عالٍ بأنها غير شرعية بل وإبادة بطيئة كما لمحت الناشطة السويدية التي شاركت في رحلة السفينة مادلين، غريتا تونبرغ وآخرون، وساعدوا في تعبئة الرأي العام الدولي عبر حملات التضامن والإعلام البديل.
ومن المنظور القانوني، تُمثّل هذه المحاولات المدنية السلمية رسالة واضحة بأن الحصار الإسرائيلي يفتقر إلى أي غطاء دولي أو قبول قانوني، وأن هناك من يجرؤ على تحدّيه باسم القانون وحقوق الإنسان. فحين يواجه متطوّعون عزّل قوة بحرية كبرى، فإنهم يعرّون تقاعس المجتمع الدولي، ويجسدون واجبًا إنسانيًا أهملته الحكومات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات تحالف أسطول الحریة الحصار الإسرائیلی على متن السفینة السفینة مادلین سفینة مادلین إلى قطاع غزة على قطاع غزة لکسر الحصار على متنها
إقرأ أيضاً:
كيف سعت إسرائيل إلى تحويل سفينة مادلين لفخ إعلامي؟
في مشهد وُصف إعلاميا وسياسيا بـ"الاعتراض"، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اختطاف سفينة "مادلين"، التي كانت تقل ناشطين ومساعدات في محاولة رمزية لكسر الحصار البحري المفروض على غزة.
وجرت العملية في المياه الدولية قرب شواطئ القطاع، حيث منعت البحرية الإسرائيلية السفينة من استكمال رحلتها، واقتادتها إلى ميناء أسدود.
لكن ما بدا حادثا أمنيا -بحسب الصحافة الإسرائيلية- سرعان ما كشف عن أبعاد أعمق، حيث تبين أن العملية كانت جزءا من خطة إعلامية ودبلوماسية محكمة، نسّقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية مع الجيش لتطويق أي انتقادات محتملة.
وكشفت وسائل إعلام عبرية عن حملة استباقية، تضمنت التحضير الميداني واللغوي للسيطرة على المشهد الإعلامي، بما فيها ترويج رواية تعتبر النشطاء "مجرد مؤثرين يسعون إلى الضجة"، مع تعمد نشر صور ومقاطع فيديو تهدف إلى إبراز ما وُصف بـ"الوجه الإنساني" لإسرائيل.
منذ انطلاق "مادلين" من إيطاليا مطلع يونيو/حزيران، كانت البحرية الإسرائيلية في حالة استنفار، حيث شرعت في تدريبات مكثفة على سيناريوهات اعتراض السفينة.
إعلانورافق هذه التحضيرات الميدانية تهديدات علنية أطلقها وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ضد النشطاء على متن القارب، مؤكدًا أن إسرائيل ستمنعهم من الوصول إلى غزة بأي وسيلة.
ووجّه للجيش الإسرائيلي تعليماته لاتخاذ "أي إجراء ضروري" لصد القافلة ومنعها من كسر الحصار، زاعمًا في بيان رسمي، أن الهدف من الحصار هو منع تسلّل الأسلحة إلى حركة حماس.
وأضاف كاتس مخاطبًا الناشطة السويدية غريتا تونبرغ ورفاقها "من الأفضل أن يعودوا أدراجهم، لأنهم لن يصلوا إلى غزة".
وعلى الجانب الآخر، عمل جيش الاحتلال على توصيل رسالة إستراتيجية بما وصفته الصحافة المحلية بـ"الخدعة الإعلامية" التي دارت وراء الكواليس لإدارة أحداث قرصنة سفينة "مادلين"، إذ لم تكتف إسرائيل بتنفيذ العملية، بل استغلت التغطية الإعلامية لنشر صور وفيديوهات تهدف إلى تصوير الحدث على أنه استجابة إنسانية هادئة، وفق موقع "واينت" العبري.
بل وصلت الأمور إلى عرض مشاهد من عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما قرأها خبراء أنها محاولة واضحة للتشويش على القضية، ومحاولة لإبعاد الأنظار عن الهدف الإنساني للسفينة، وفقا للموقع ذاته.
وعلى عكس حادثة سفينة مرمرة عام 2010، التي شهدت اعتداء واضحا من الجيش الإسرائيلي أسفر عن ضحايا مدنيين على متنها، ودفعت لانتقادات دولية واسعة، اتخذت إسرائيل هذه المرة خطوات مدروسة ومختلفة للتحكم بالرواية الإعلامية والسيطرة على المشهد مسبقا.
إذ تولت وزارة الخارجية الإسرائيلية بالتنسيق مع الجيش المهمة، مع حصر التصريحات في الوزارة، ما يعكس محاولة واضحة لتجنب تكرار الأضرار الإعلامية التي لحقت بها سابقًا، وفقا لموقع "واينت".
رواية مزيفة وواقع مختلف
وعملت منظومة الدعاية الإسرائيلية من داخل غرف العمليات الإعلامية المشتركة على إدارة تدفق المعلومات إلى وسائل الإعلام العالمية في إحكام، كما حافظت وزارة الخارجية على اتصال مستمر بحكومات الدول التي ينتمي إليها الناشطون، لضمان نقل الرواية الإسرائيلية فورا وفي إحكام، ومنع انتشار أي روايات معاكسة.
إعلانفي الوقت نفسه، وثّق المتحدث باسم الجيش تفاصيل عملية السيطرة على السفينة، بما فيها لحظات تقديم السندويشات والمياه للناشطين، والتي كانت جزءًا من خطة ممنهجة تهدف إلى تعزيز صورة إسرائيل كدولة ذات سيادة، تتصرف بهدوء ورباطة جأش تجاه ما تصفه بـ"الاستفزازات".
وتفسيراً لذلك، يرى استشاري الطب النفسي، الدكتور عبد الرحمن مزهر، أن ما قامت به إسرائيل يعكس اعترافا غير واع بالهزيمة، إذ إن تبني الاحتلال أساليب تشبه تلك التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية في تعاملها مع الأسرى يكشف عن تقليد لا واعٍ للمنتصر. فالطرف المهزوم، في كثير من الأحيان، يسعى إلى تقليد من ألحق به الهزيمة، ليس فقط عسكرياً، بل أيضاً في البعد المعنوي والنفسي، في محاولة يائسة لاستعادة السيطرة على صورته أمام العالم.
وأضاف مزهر في حديثه للجزيرة نت، أن هذه الحملة الإعلامية الإسرائيلية اعتمدت على مزيج مقصود من العنف والمنحنى الإنساني الزائف، في محاولة لخلق حالة من التشوش العاطفي والمعرفي لدى الجمهور العالمي، فمشاهد توزيع المياه والشطائر كانت جزءاً من إستراتيجية متعمدة لتبييض صورة الاحتلال وتضليل الرأي العام، بتصدير صورة "القوة الهادئة والإنسانية"، في الوقت الذي يُمارس فيه القمع والاحتجاز على مدنيين عزّل.
رغم المحاولات الإعلامية الإسرائيلية لعرض هذه الصورة، كشفت المعلومات لاحقًا عن معاناة النشطاء المحتجزين في ظروف قاسية وغير صحية. حيث أعلن الناشط البرازيلي تياغو أفيلا، الذي كان على متن السفينة، عن بدء إضرابه عن الطعام منذ ساعات الصباح الباكر من يوم الاثنين.
وقد أبلغ عدد من النشطاء عن تفشي بق الفراش داخل مركز الاحتجاز، وتوفير مياه غير صالحة للشرب، ما يعكس انتهاكًا صارخًا لحقوق المحتجزين، وطلبت السلطات الإسرائيلية إبقاء النشطاء رهن الاحتجاز حتى موعد ترحيلهم، وسط قيود قانونية تقضي بحجزهم حتى 72 ساعة قبل الترحيل القسري، ما لم يوافقوا على المغادرة طواعية.
إعلانوفي خطوة قانونية، تمكن محامو مركز "عدالة" من مقابلة عشرة من النشطاء، بينما حصل الصحفيان عمر فياض من قناة الجزيرة ويانيس محمدي على محامين خاصين.
واعتبر ائتلاف أسطول الحرية، أن ترحيل 4 من أصل 12 ناشطًا بعد انقطاع الاتصال بهم يشكل انتهاكًا واضحًا لحقوقهم، ويكشف زيف الصورة التي حاولت إسرائيل تسويقها عن "الاحتجاز الإنساني" والظروف المريحة.
في مواجهة الأسئلة القانونية والأخلاقية، لجأت إسرائيل، بحسب مراقبين، إلى سلاح التحكم بالمصطلحات، فقد سعت منظومة الدعاية الإسرائيلية إلى إعادة توصيف ما جرى بعبارة "اعتراض" بدل "قرصنة"، محاولة بذلك الالتفاف على القانون الدولي، وتلطيف صورة الجريمة.
هذا التلاعب اللفظي – وفقاً لخبراء – لم يكن تفصيلا عابرا، بل جزءا من خطة مدروسة لإعادة تشكيل الرؤية العامة. وفعلا، تبنّت وسائل إعلام غربية كبرى هذه الرواية، متجاهلة أن العملية وقعت في المياه الدولية، وأن السفينة لم تكن تحمل سلاحا أو تشكّل تهديدا عسكريا.
لكن هذا التوصيف لا يصمد أمام القواعد القانونية الصريحة التي يقرّها القانون الدولي للبحار. فـ"الاعتراض" يعدّ إجراء مشروعا فقط إذا جرى في المياه الإقليمية لدولة ما أو ضمن شروط استثنائية في المياه الدولية، مثل حالة المطاردة الحثيثة لسفينة خرقت قوانين الدولة المعتَرِضة.
في هذا السياق، يؤكد أستاذ القانون الدولي الدكتور خالد خويلة، أن العملية التي استهدفت سفينة "مادلين" تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، لكونها وقعت في المياه الدولية، حيث لا تملك إسرائيل أي ولاية قانونية إلا بتفويض صريح من مجلس الأمن، وهو ما لم يحدث.
ويضيف خويلة في حديثه للجزيرة نت، أن ما حدث يشكّل خرقا مباشرا لحرية الملاحة المنصوص عليها في المادة 87 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (1982)، والتي تحظر اعتراض السفن المدنية في أعالي البحار، باستثناء حالات محددة مثل القرصنة أو الاتجار بالبشر، وهي لا تنطبق على قافلة إنسانية.
إعلانكما يوضح أن حمل السفينة لمساعدات إنسانية يجعل اعتراضها انتهاكا للمادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، التي تُلزم الدول بالسماح بمرور الإغاثة إلى السكان المدنيين، خصوصًا في ظل الحصار.
ويرى خويلة، أن ما جرى يعدّ قرصنة بحرية بحسب المادة 101 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لاستخدام إسرائيل القوة ضد سفينة مدنية في عرض البحر دون أي سند قانوني. ويشير أيضًا إلى أن مصادرة الأجهزة الإلكترونية والتشويش على الاتصالات يعدان خرقا واضحا للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تكفل حرية التعبير.
ويختتم، تأكيد أن التبريرات الإسرائيلية، كادعاء "منع كسر الحصار" غير قانونية، لأن الحصار نفسه غير قانوني بحسب بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق. ويضيف أن الهدف الحقيقي من العملية هو منع الشهود من الوصول إلى غزة والتعتيم على الانتهاكات الجارية، في تجاوز صريح للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر العقوبات الجماعية بحق المدنيين.
رغم نجاح إسرائيل في فرض روايتها في بعض وسائل الإعلام الغربية، إلا أن الشارع العالمي لم يصمت. فقد شهدت عدة عواصم أوروبية وعربية مظاهرات ووقفات تضامنية مع نشطاء سفينة "مادلين"، رُفعت خلالها لافتات تطالب بالإفراج عن المحتجزين وإنهاء الحصار المفروض على غزة.
ففي نيوزيلندا، نظم ناشطون وأحزاب معارضة مثل حزب الخضر مظاهرة أمام سفارة إسرائيل في ويلينغتون، مطالبين بإطلاق سراح الناشطين وضمان وصول المساعدات. كما خرجت احتجاجات في روما ومدريد، إلى جانب مظاهرات حاشدة في فرنسا وتركيا، تندد بالاعتراض وتطالب بحرية الملاحة ورفع الحصار.
على الصعيد الرسمي، اتسمت المواقف الغربية بالتردد والحذر. ففي إيطاليا، طالبت النائبة ستيفانيا أسكاري باتخاذ موقف واضح ضد اعتراض السفينة واعتبرت العملية خرقًا خطِرًا للقانون الدولي. وفي إسبانيا استدعت وزارة الخارجية القائم بأعمال السفير الإسرائيلي للاحتجاج على الاعتراض في المياه الدولية، بينما اكتفت ألمانيا بضمان سلامة مواطنيها دون إدانة قوية لإسرائيل.
إعلانتجنبت معظم الدول الغربية اتخاذ إجراءات حازمة، مما يعكس موقفًا يميل إلى التهدئة أو حتى التواطؤ السياسي، بحسب مراقبين يرون في هذا سابقة خطِرة. منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، أكدت أن الاعتراض انتهاك صارخ للقانون الدولي، ودعت إسرائيل لاحترام التزاماتها الإنسانية وضمان وصول المساعدات.
المحلل السياسي نضال أبو زيد يؤكد، أن المواقف الرسمية الغربية الغامضة تعكس قبولًا ضمنيًا للإجراءات الإسرائيلية التعسفية، وهو ما قد يزيد من نشاط التضامن العالمي مع غزة، عكس ما تريده إسرائيل.
وتساءل ناشطون عن رد الفعل، لو كانت السفينة محتجزة لدى دولة غير حليفة، مؤكدين أن التخاذل الغربي الحالي لا يساهم فقط في شرعنة الانتهاكات، بل يعزز استمرار الحصار. ورغم محاولات إسرائيل الحثيثة لتشكيل الرواية الإعلامية والسياسية عن حادثة سفينة "مادلين"، إلا أن صوت المعاناة الإنسانية يبقى هو الأعلى والأكثر تأثيرا، لا سيما لدى الشعوب.