جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-17@10:11:38 GMT

الزمن

تاريخ النشر: 14th, June 2025 GMT

الزمن

 

 

د. صالح بن ناصر القاسمي

كم مرّة شعرت أن دقيقة واحدة كانت دهرًا؟ وكم مرة مرّ اليوم بأكمله كغمضة عين؟
ذلك ليس وهمًا، بل هو الزمن كما نعيشه، لا كما نعدّه. الزمن ليس مجرد عقارب تدور، ولا تواريخ تُطوى في التقويم، بل هو حالة شعورية، يسكننا أكثر مما نسكنه. حين نهمس بكلمة "الزمن"، فإن أول من يسمعها هو وجداننا، لا آذاننا؛ فهذه الكلمة لا تُنطق من اللسان فقط، بل تنبع من عمق التجربة، وتتشكل من نبض اللحظة، وارتجاف القلق، وهمس الأمل.


ومع ذلك، ما هو الزمن؟ وهل هو ثابت ومشترك لدى الجميع؟ أم أن له من المعاني ما يختلف بين الناس باختلاف تصوراتهم وتجاربهم؟ ثم هل الزمن هو ما تقيسه الساعات والعقارب، أم أنه أوسع وأعمق من ذلك بكثير؟
وبلا شك، فإن مفهوم الزمن ليس واحدًا عند كل البشر، بل هو شديد الخصوصية. إذ يختلف تعريفه وتقديره من شخص لآخر، بحسب نظرته للأشياء، وتفاعله مع الأحداث، وتأملاته الخاصة، وتوقعاته التي يبنيها في داخله. فهناك مَن يرى في الزمن نعمة متدفقة لا تتكرر، وهناك مَن يراه قيدًا يحاصره، بينما هناك مَن لا يشعر به أصلًا إلا حين تضيق عليه الحياة.
فنحن لا نعيش الزمن كما هو، بل نُعيد تشكيله وفق الصور التي نرسمها في أذهاننا. ولكل واحدٍ منا زمنه الخاص الذي يسكنه ويتلبّسه، حتى وإن كنا جميعًا نقف على أرض اللحظة نفسها، ونعدّ الثواني والدقائق ذاتها. فذلك الزمن الذي نعيشه ليس قالبًا جامدًا، بل مرآة شفافة تعكس ما نمرّ به من حالات شعورية.
وفي جوهره، فإن الزمن ليس حياديًا، بل يتلون بمشاعرنا. فالحزن يجعل الساعة دهرًا، والفرح يجعل اليوم ومضة. كما أن الألم يجعل الليل طويلًا موحشًا، بينما السعادة تسرق منا النهار بسرعتها الخفيفة. فالإنسان لا يحيا الوقت كما هو مسجَّل في جداول التوقيت، بل كما يشعر به في داخله، ولذلك فإن الزمن ذاته قد يبدو رحيمًا للبعض، وقاسيًا لغيرهم.
فمن الناس مَن يعيش في شعور زمني رائع، تغمره السكينة، ويملؤه الفرح، ويظن أن مَن حوله يشاركونه تلك الحالة النقية. ولكن في اللحظة نفسها، هناك مَن يتألّم بصمت، ويعيش وجعه الخاص ولا يجد مَن يلتفت إليه. فالزمن ذاته، والمكان ذاته، إلا أن النفوس متباينة؛ لذلك فإن الزمن لا يكون زمنًا واحدًا.
وبهذا، تتكرر التجربة مع بقية الحالات الشعورية، مثل الحزن، والألم، والقلق، وحتى الانتظار. فهذه المشاعر لا تكتفي بأن تسكن القلب، بل تخلق زمنها الخاص داخل الإنسان. فثمة مَن ينتظر لحظة، فيراها دهرًا، وثمة مَن يحيا ساعات الألم وكأنها قرون.
لذا فالزمن إذًا ليس كمًّا فحسب، بل هو كيفٌ داخلي، وعمق وجداني، وامتداد روحي يتصل بوجدان الإنسان أكثر مما يتصل بعقارب الساعة.
ومن أجل توضيح هذه الفكرة، يمكننا أن نستحضر الحديث القدسي الشريف، الذي رواه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن رب العزة جل جلاله: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر". ففي هذا الحديث نجد دعوة عظيمة لفهم الزمن على نحو أعمق، إذ إنه ليس عدوًّا ولا خصمًا، بل هو وجه من وجوه تدبير الله تعالى. فالله هو الذي يصرّف الأزمنة، وهو الذي يقدّر السعادة والألم، والفرح والحزن، وكل التفاصيل التي نحياها.
ومن هنا، فإن هذا المعنى يجعلنا أكثر تسليمًا ورضًا بالقضاء والقدر، ويعلّمنا ألا نحمل الزمن ذنبًا لا يملكه، وألا ننظر إليه وكأنه المتسبب في تعاستنا. فالزمن في حقيقته لا يظلم أحدًا، وإنما نحن الذين نغرق في حالاتنا فنحمّله وزر ما نشعر به.
وعند هذه النقطة بالتحديد، يكمن ما نود التأكيد عليه: أن الزمن ليس حالة خارجة عن الإنسان، بل هو حالة شعورية تتلون بتلوّن ما في داخله. فعندما يشعر الإنسان بالرضا، يتسارع الزمن وكأنه يطير، وعندما يشعر بالضيق، يتمدد الوقت وكأنه يأبى أن يمضي.
ويجب على الإنسان أن يدرك أنه - في كثير من الأحيان - هو الزمن ذاته، وأنه يشكّل لحظاته من الداخل. فما يمرّ به لا يعدو كونه انعكاسًا لتلك الحالات الشعورية التي تغلّفه، وتحيط به، وتؤثر على نظرته لكل ما حوله. وعندما يتصالح مع ذاته، ويعيش حالة التسامح مع نفسه، ويهذب مشاعره، فإنه بذلك يُعيد ترتيب الزمن في قلبه، ليصير أكثر اتزانًا، وهدوءًا، وقدرةً على التفاعل بإيجابية مع تقلبات الحياة.
ففي الحقيقة، الزمن ليس خصمًا يجب الانتصار عليه، ولا مطاردةً يجب اللحاق بها. بل هو فرصة لفهم الذات، وللتماهي مع لحظات الحياة دون مقاومة، دون قسوة، ودون نكران لواقعنا الشعوري.
ولهذا، فليكن تعاملنا مع الزمن تعاملَ مَن يدرك بأنه يتشكل فينا، لا خارجنا، وأنه أقرب إلينا من دقات الساعات، لأنه نتاج ما نحمل من سلام أو اضطراب.
وعليه، فإن أعظم ما يمكن أن نكسبه ليس المزيد من الوقت، بل المزيد من الوعي بكيف نحيا ذلك الوقت، وكيف نحوله من مجرد دقائق تمضي، إلى لحظات تُثمر فينا نضجًا وطمأنينة وسكونًا.
فلندرب أنفسنا على أن نعيش الزمن كما ينبغي، أن نحتويه، لا أن نخافه، أن نتأمله، لا أن نشتكي منه، وأن نسير معه بحكمة، لا برغبة عمياء في تجاوزه.
لأننا - إن لم نصنع زمننا كما نشاء - فسيصنعنا كما يشاء، وتلك معركة قد نخسر فيها معنى الحياة، إن لم نكن فيها واعين لحقيقتها.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

على حلبة كورنيش جدة| فيصل القباني يتوج ببطولة السعودية تويوتا كسر الزمن 2025

الرياض – هاني البشر

اختتمت مساء أمس الجمعة منافسات الجولة الثالثة والأخيرة من بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن لهذا العام 2025م، والتي أقيمت على حلبة كورنيش جدة بإشراف وزارة الرياضة، وتنظيم الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية، وبالتعاون مع الشريك الرسمي جميل لرياضة المحركات، ونادي منظمي السباقات السعودي، وسط أجواء تنافسية حماسية، وأداء مميز من المشاركين، مما يعكس التطور الملحوظ لرياضة المحركات في المملكة.

شهدت الجولة الختامية مشاركة 102 متسابقًا ومتسابقة، مما يعكس الاهتمام المتزايد برياضة المحركات في المملكة، وقد تم تصنيفهم إلى عشر فئات، وتمكن في نهايتها فيصل القباني من تسجيل أسرع زمن، ليتوج بالمركز الأول في الترتيب العام بعد إنهائه السباق بزمن بلغ دقيقة واحدة، و13 ثانية، و 930 جزءًا من الثانية، وجاء في المركز الثاني فيصل سعد بن لادن بزمن دقيقة واحدة، و14 ثانية، و 895 جزءًا من الثانية، فيما تمكن رائد أبو زنادة من تسجيل ثالث أسرع زمن، وهو دقيقة واحدة، و15 ثانية، و 191 جزءًا من الثانية، وبذلك يتوج السائق فيصل القباني بلقب بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن لعام 2025م.

وفي فئة G1 حقق عبدالكريم ريس المركز الأول بزمن دقيقة واحدة، و39 ثانية، و204 أجزاء من الثانية، تلاه في المركز الثاني حازم الحربي، فيما حجز عمر الديني المركز الثالث، أما فئة G1 بلس فقد حقق فيها السائق آبي وائل ظفر، المركز الأول بزمن دقيقة واحدة، و30 ثانية، و 195جزءًا من الثانية، وجاء البراء حكيم، في المركز الثاني، فيما حل إبراهيم حبيب في المركز الثالث، وفي فئة G2 تمكن ماجد الغامدي من تحقيق المركز الأول بزمن بلغ دقيقة واحدة، و26 ثانية، و 034جزءًا من الثانية، تلاه راكان الصهيل، وحسام بازيد في المركزين الثاني والثالث على التوالي.

وفي فئة G3 جاء حمزة باخشب في الصدارة بزمن دقيقة واحدة، و24 ثانية، و 252جزءًا من الثانية، وحل عبدالعزيز ساب في المركز الثاني، فيما جاء المهند الشريف في المركز الثالث، أما فئة G4 فقد تصدرها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن تركي بن سلطان بزمن دقيقة واحدة، و31 ثانية، و 070 جزءًا من الثانية، وجاء حاتم الحازمي في المركز الثاني، ثم فارس المطيري في المركز الثالث، وفي فئة G4 بلس حل سليمان الصهيل في المركز الأول، بزمن دقيقة واحدة، و22 ثانية، و 739جزءًا من الثانية، تلاه وسام خليل في المركز الثاني، ثم السائقة ريم العبود في المركز الثالث.

وفي فئة G5 استطاع عبدالمجيد الزهراني من انتزاع المركز الأول بعد وصوله أولًا بزمن دقيقة واحدة، و22 ثانية، و 610 أجزاء من الثانية، وجاء في المركز الثاني عبدالله الخريجي، فيما حجز محمد رجب المركز الثالث، أما في فئة G5 بلس فقد جاء سلطان كايلو في المركز الأول بزمن دقيقة واحدة، و25 ثانية، و 010 أجزاء من الثانية، تلاه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن تركي، في المركز الثاني، وجاء أحمد سقباني في المركز الثالث.

وفي فئة G6 حقق أحمد باجنيد المركز الأول بزمن دقيقة واحدة، و16 ثانية، و 750جزءًا من الثانية، وجاء يزيد الصهيل ثانيًا، ثم عبدالعزيز المهنا في المركز الثالث، وفي فئة G7 تصدر فيصل القباني المركز الأول بزمن دقيقة واحدة، و13 ثانية، و 930جزءًا من الثانية، وجاء فيصل بن لادن في المركز الثاني، ورائد أبو زنادة في المركز الثالث.

وبعد نهاية السباق عبر الرئيس التنفيذي للاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية الأستاذ خالد بن وليد السويدان عن سعادته بالنجاح الكبير الذي تحقق في بطولة السعودية تويوتا كسر الزمن لهذا الموسم، وأكد أن هذه البطولة، أثبتت بما شهدته من تنظيم احترافي، ومشاركة نوعية من نخبة السائقين والسائقات، أن المملكة العربية السعودية تمضي بثبات نحو ترسيخ مكانتها كمركز رئيس لرياضة المحركات على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وأضاف: لقد شهدنا خلال هذه البطولة تنافسًا حقيقيًا، مليئًا بالحماس والدقة والمهارة، وهو ما يعكس مدى الشغف والالتزام الذي يتحلى به المشاركون، ومما يدعو للفخر أن هذه البطولة لم تكن مجرد منافسة رياضية، بل منصة لصقل المواهب، وتحفيز الجيل الجديد من السائقين، وتعزيز الوعي برياضة المحركات داخل المملكة.

واختتم حديثه بتوجيه الشكر والتقدير إلى كافة الجهات، وفي مقدمتها وزارة الرياضة، والشريك الرسمي جميل لرياضة المحركات، ونادي منظمي السباقات السعودي، وكل من ساهم في إنجاح هذا الحدث، الذي عكس صورة مشرّفة عن قدرة المملكة على استضافة وتنظيم بطولات بمعايير عالمية، كما وجه شكره لجميع المتسابقين الذين أبدعوا بأدائهم، وقدموا عروضًا مميزة تعكس تطور المستوى الفني والاحترافي للسائقين السعوديين والعرب في هذه الرياضة.

انتهى

مقالات مشابهة

  • السيب يسابق الزمن للتأهب لموقعة ملحق دوري أبطال آسيا 2
  • كشتة من الزمن الجميل
  • الخضيري: من يعاني من الشحوب عليه بالغذاء المتوازن الذي يشمل كل نوع
  • ما المبلغ الذي سيحصل عليه الفائز بكأس العالم للأندية 2025؟
  • السجن موضوعًا ثقافيًا
  • أطراف الزمن
  • تقرير يحذر من خطورة "تحركات إيران".. حرب شاملة تلوح بالأفق
  • لتجنب تخفيف الأحمال.. الكهرباء تسارع الزمن لتشغيل خط الربط مع السعودية
  • على حلبة كورنيش جدة| فيصل القباني يتوج ببطولة السعودية تويوتا كسر الزمن 2025