بدر بن خميس الظفري

@waladjameel

"اللهم من أراد كيدًا بالإسلام والمسلمين، فردَّ كيده في نحره". يتكرر هذا الدعاء على ألسنة الخطباء والدعاة كل خطبة جمعة وبعد الصلوات الخمسة، مما يعكس إحساسًا متجذرًا بأنَّ الإسلام مُستهدف، وأن مؤامرات خفية تحاك ضد المُسلمين، ليل نهار، فى مشارق الأرض ومغاربها.

وبين من يرى "الكيد بالمسلمين" حقيقة تستند إلى شواهد دينية وتاريخية، ومن يعدّه وهمًا يغذي عقلية الانغلاق وتبرر الإخفاق، تظل مسألة "المؤامرة على الإسلام والمسلمين" موضوعًا مثيرًا للجدل، تستدعي تحليلاً دقيقًا ومتوازنًا.

يشيع مصطلح "الحرب على الإسلام" باعتباره وصفًا لجهود مُتضافرة، عسكرية وثقافية، تهدف إلى النيل من المجتمعات الإسلامية. ورغم أن استخدامه ازداد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن جذوره تعود إلى عقود سابقة، حين بدأ مفكرون مسلمون يتحدثون عن استهداف الغرب للإسلام كمنظومة عقائدية وثقافية.

المُفكر المصري سيد قطب، ذكر في كتابه "معالم في الطريق" المنشور عام 1964 أنَّ الفكر الغربي يحمل عداءً واضحًا للإسلام، وأنَّ هذا العداء ليس شعورًا عابرًا؛ بل "مخطط مدروس جيدًا هدفه زعزعة أساسات المعتقدات الإسلامية ثم هدم بنية المجتمع الإسلامي تدريجيًا". من جهته، رأى آية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، أن الغرب يعمل على تقويض الإسلام لأنه العائق الرئيس أمام سرقة ثروات المسلمين، مؤكدًا أن "الإمبرياليين الغربيين يسعون لسرقة موارد المسلمين… وكان عليهم أولًا أن يقللوا من شأن الإسلام لأنه يقف في طريق هذه السرقة".

في السعودية، أكد الشيخ عبد العزيز بن باز، مُفتي عام المملكة الراحل، على وجود أعداء للإسلام يتربصون بالأمة ويتغلغلون في مجتمعاتها، مستندًا إلى آيات قرآنية مثل: ﴿وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ و﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُواۚ﴾. أما الأديب والمفكر المصري أنور الجندي، فقد رأى، في كتابه "المؤامرة على الإسلام"، أن هناك جهات مُحددة تقف خلف المؤامرة، وهي الاستعمار الغربي، والصهيونية، والشيوعية، تسعى جميعها لإسقاط الدول الإسلامية وإذابة الإسلام في الأطر الأممية.

وامتد هذا التصور ليشمل شخصيات وتنظيمات مثل أسامة بن لادن، وأنور العولقي، وتنظيمي القاعدة وداعش، الذين رأوا أنَّ العالم غير المسلم بأسره متآمر على الإسلام، يبيت على الحقد ويصحو عليه، وأن "ملة الكفر واحدة"، وأن المسلمين يعيشون حالة اضطهاد دائم مقابل ماضٍ وردي مزعوم.

في المقابل، برزت أصوات مفكرين غربيين وعرب يشككون في صحة هذه التصورات. العالم السياسي الفرنسي أوليفييه روا وصف خطاب سيد قطب بأنه يحمل كراهية راديكالية للغرب، معتبرًا أن التركيز على المؤامرات يُشل الفكر السياسي الإسلامي، ويمنع المسلمين من التعامل الجاد مع أزماتهم الداخلية. بينما ذهب الباحث الأمريكي الدكتور جوناثان شانزر إلى أن الكراهية ضد الغرب لم تكن موجودة في التاريخ الإسلامي القديم، لكنها تصاعدت بعد التفوق العسكري والتقني للغرب، ما أحدث حالة من الإحباط في العالم الإسلامي الذي بات يتوق إلى "عودة المجد" أكثر من مواجهته للواقع.

موقع "العربية نت” نشر مقالا للكاتب الأردني مالك العثامنة أكد فيه أن أصحاب نظرية المؤامرة لا يقتنعون بالحجج مهما بلغت قوتها، ويعيشون داخل تصور دائري مغلق للعالم، يرون فيه الغرب كتلة موحدة متفرغة فقط للقضاء على الإسلام. وأكد الكاتب أن الحل يكمن في ترسيخ الوعي العلمي والموضوعي منذ المراحل التعليمية المبكرة. أما موقع “الجزيرة نت”، فقد نشر مقالا للكاتب فراس داده تناول فيه الجذور التاريخية لنظرية المؤامرة في المجتمعات العربية، معتبرًا أنها ترسخت بعد الاستقلال عن العثمانيين، حين لجأت الأنظمة الشمولية إلى تبني هذه السردية لتبرير فشلها. ورغم إقرار كاتب المقال بوجود تضارب مصالح على المستوى الدولي، إلا أنه يؤكد أن العوامل الداخلية، من وعي وثقافة وإرادة نهوض، هي الأهم. ويضرب مثلًا باليابان وألمانيا اللتين تجاوزتا الدمار بعد الحرب العالمية الثانية، بينما لا تزال الدول العربية غارقة رغم ما تملكه من ثروات وموقع استراتيجي.

وفي سياق مشابه، يقول المدون المغربي عادل أعياشي في مقاله المنشور على مدونات الجزيرة إن "الترويج الدائم لفكرة أن الإسلام مستهدف هي محاولة لتخدير وعي المسلمين وشحنهم بالغضب بدلًا من دفعهم للنهوض الحقيقي"، مؤكدًا أن "الخلل في داخلنا أكثر من أن يُفسّر بمؤامرة خارجية"، وأن الخطاب المتكرر عن الاستهداف "يُنتج شعورًا دائمًا بالضعف، ويلغي مسؤولية الإنسان عن مصيره".

وتظهر نظريات المؤامرة في العالم العربي بأشكال محددة، غالبًا ما تتمحور حول الصهيونية والولايات المتحدة. الصهيونية تُتهم في الأدبيات العربية بالترويج للأوبئة والانقسامات، بل وحتى بالتسبب في الثورات الكبرى واغتيال رؤساء مثل كينيدي ولينكولن. وتُعد “بروتوكولات حكماء صهيون” مرجعًا متكررًا في هذا السياق، رغم أن مصداقيتها محل شك واسع.

أما الولايات المتحدة، فغالبًا ما يُنظر إليها كطرف رئيسي في “المؤامرة”، وتُتهم مثلًا بالتدخل في نتائج الانتخابات المصرية عام 2012 لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ضمن سردية أوسع عن دعم أمريكا لمشاريع التقسيم والفوضى في العالم الإسلامي.

إن المؤامرة على الإسلام ليست سوى حالة ذهنية تسهّل الهروب من المسؤولية، وتغذي عقلية الاتكال وتبرير الفشل. والتعامل العقلاني مع هذه القضية يتطلب وعيًا تحليليًا، يبتعد عن التبسيط، وينطلق من أساس علمي يدعو إلى نقد الذات قبل اتهام الغير، ويؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، لا من مواجهة عدو خارجي فقط.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أسامة الدليل: لسنا في مرحلة المؤامرة ونحن داخل «المخطط» فعليًا

أكد الكاتب الصحفي أسامة الدليل، أن الحديث عن «نظرية مؤامرة» تجاه مصر لم يعد دقيقًا، مشيرًا إلى أننا تجاوزنا هذه المرحلة، قائلاً: «نحن الآن داخل مخطط يُنفّذ بالفعل».

وفي تصريحاته ردًا على سؤال حول وجود مؤامرة على الدولة المصرية، قال الدليل خلال لقاء ببرنامج «ستوديو إكسترا»، المذاع على قناة «إكسترا نيوز»: «ما يجري حاليًا ليس مجرد نظرية، بل هو تنفيذ فعلي لمخططات تقسيم، والدليل أن هناك دولاً بالفعل تتعرض للتفتيت، مثل السودان، وهذا واضح للجميع، وسوريا على شفا التقسيم، أما ليبيا فقد تصل إلى نفس المصير إذا استمر الوضع كما هو».

وأشار إلى أن هناك خرائط جديدة تُرسم على أسس مذهبية وعرقية، محذرًا من الاستخفاف بهذه التغيرات، وقال: «ما يحدث ليس وهمًا، فمنذ أقل من قرن، لم تكن هذه الخرائط موجودة، إذ لم يمضِ على التقسيم الحالي أكثر من مئة عام».

وأضاف أن هناك قوى إقليمية تتصارع لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالحها، قائلاً: «المشروع الإقليمي الحالي تقوده ثلاث قوى: إيران، وتركيا، وإسرائيل، ولكل منها رؤية مختلفة—مشروع إيراني، وآخر عثمانلي، وثالث صهيوني».

وأوضح الدليل أن أخطر أدوات هذا المخطط هو استغلال العاطفة لدى شعوب المنطقة، وقال: «يُستغل ميل الناس للعاطفة لاستخدامهم مرة ضد دولهم، ومرة أخرى لإثارة الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، أو بين العرب والأكراد والدروز، وهكذا تستمر اللعبة».

واختتم بقوله إن المؤلم في المشهد أن من يشارك في هندسته هم بعض أبناء المنطقة أنفسهم، مضيفًا: «ليس لأنهم الأعلم، بل لأنهم مغيبون، ويرفضون مواجهة الحقيقة».

اقرأ أيضاً«مصطفى بكري» يكشف خطة التنظيم الدولي للإخوان الإرهابية وإسرائيل لإرباك الدولة المصرية «فيديو»

مصطفى بكري: الدولة المصرية تواجه مؤامرات عديدة.. وهناك حملات ممنهجة وأدوات تحركها قوى خفية

مقالات مشابهة

  • أسامة الدليل: لسنا في مرحلة المؤامرة ونحن داخل «المخطط» فعليًا
  • التعاون الإسلامي: اقتحام المسجد الأقصى استفزاز لمشاعر المسلمين في العالم وتهديد خطير لأمن المنطقة
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين اقتحام مئات المستوطنين رفقة مسؤولين إسرائيليين المسجد الأقصى
  • رابطة العالم الإسلامي تُدين اقتحام مئات المستوطنين رفقة مسؤولين إسرائيليين المسجد الأقصى المبارك
  • أمين رابطة العالم الإسلامي يدشِّن حزمةً من المشروعات الرائدة للرابطة
  • رابطةُ العالم الإسلامي تدعو دولَ العالم إلى تأييد الوثيقة الختامية لمؤتمر حلّ الدولتين
  • رابطة العالم الإسلامي: وثيقة مؤتمر حلّ الدولتين فرصة تاريخية للسلام
  • ما سر اعتراف الغرب المفاجئ بمجازر إسرائيل في غزة؟
  • منظمةُ العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة تطلق مسابقة مدن القصائد
  • أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وجودي وحقوق الإنسان استُخدمت أداة هيمنة