الأسبوع:
2025-06-17@04:31:02 GMT

هل تحوّل الفن من «فعل حي» إلى «ملف صوتي» بلا روح؟!

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

هل تحوّل الفن من «فعل حي» إلى «ملف صوتي» بلا روح؟!

في زمن اختلطت فيه كل المفاهيم حتى باتت الحقيقة مجرد شيء نسبي، زمن تخطى فيه البشر فكرة الزمن نفسها، وتقاطعت التكنولوجيا مع الذاكرة، وتماهى الماضي مع الحاضر حتى بدا وكأنهما ذابا معاً في بوتقة "عالم افتراضي"، زمن أصبح فيه كل شيء ممكنًا حتى أن خبر إقامة "حفل أم كلثوم" أو "العندليب الأسمر"، أصبح أمراً عادياً، برغم مرور عشرات السنين على رحيلهما عن دنيانا، حيث استعانت إدارات مهرجانات وفعاليات موسيقية، بتقنية "الهولوجرام" لإحياء رموز التراث الفني، و"نفخ صورهم" على خشبة المسرح، إذا جاز التعبير، وتحريكهم يميناً ويساراً، و"استنطاق" شفاههم بأشهر الأغاني، بهدف إمتاع الجماهير، أو بمعنى أدق "إبهارهم"، والنتائج لا يصدقها عقل، ولا تخضع لمنطق واضح.

"إن وأخواتها" درسناها ونحن صغار في مبادئ النحو، ومنها "كأن"، هذا الحرف الناسخ الذي يفيد "التشبيه"، يبدو أن هذا الحرف "ملهم" تكنولوجيا ما بعد الحداثة، ذات الأبعاد المتعددة، والقادرة، بفضل معادلات فيزيائية معقدة، على "تجسيد" أو "تصوير" هيئات أشخاص من كافة زواياهم، ليبدوا "كأنهم هم"، برغم "كونهم" رحلوا منذ زمن بعيد، وهكذا صار "الحرف الناسخ" مبدأ أو قانون العصر الرقمي بشكل عام، وأصبحنا نتعاطى الواقع الافتراضي كأنه حقيقي، ونتعامل مع "شات جي بي تي" كأنه مساعد شخصي، يقوم عنا بالمهام، بل ويلجأ بعضنا إليه من أجل "الفضفضة"، ليقدم "الدعم النفسي" وكأنه "طبطبة حقيقية على قلب متعب".

وبدون السفر بعيداً عن حدود العقل، نعود لتقنية "الهولوجرام"، التي تعد "ثورة بصرية" تدغدغ ذاكرة الجماهير، وتبيع لهم "الوهم"، فيصدقون أنهم أمام "قمم الطرب في الزمن الجميل"، كأنهم عادوا إلى الوراء، لتثور آلاف الأسئلة حول جوهر التجربة الفنية، وهل الفن يعتبر "أداءً حيًّا" بتجلياته العفوية وانفعالات أصحابه، أم أنه في عصر الثورة الرقمية مجرد "ملف صوتي بلا روح"؟

في خلال أسبوع من الآن، سوف يقف العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، أو "كأنه سوف يقف" على خشبة مسرح مهرجان "موازين"، بالمغرب، وهو الأمر الذي فجّر أزمة في بلادنا، بسبب اعتراض ورثة حليم، أسرته، على انتهاك حقوق الملكية الفكرية واستخدام "هيئة" و"صوت" و"أغاني" الراحل، دون موافقتهم، في الوقت الذي أكد القائمون على إدارة المهرجان، أن ثمة تعاقد سارٍ مع الشركة المالكة لحقوق استغلال أغاني العندليب، وبعيداً عن "موازين"، وبين ترحيب بعض ورثة الفنانين، بهذه العروض "الهولوجرامية"، وبين اعتبارها "إحياءً للذكرى"، و"تكريماً للتاريخ"، وتحقيقاً لمكاسب مادية، تظل الفجوة التشريعية في القانون المصري، بشأن التعامل مع "إرث الفنان" الذي امتد من استخدام أغانيه وتسجيلاته الصوتية الأصلية، إلى توليد "صوته وصورته وهيئته بشكل رقمي"، فلا يوجد نص صريح في القانون المصري يمنع أو ينظّم إعادة تمثيل هيئة الفنان المتوفى، واستخدام صوته المولّد رقمياً، وتركيب وجهه أو حركاته على ممثل حي، ولا يوجد نص قانون يحمي "الهوية البصرية والصوتية" للفرد.

ولا يمكن إنكار أن تقنية "الهولوجرام" تفتح آفاقًا جديدة للعرض الفني، واستخدامها كوسيلة لإحياء الذاكرة بوعي نقدي وجمالي يحترم الزمن والإنسان، ولكن يتساءل مراقبون، حول ذاك "الهولوجرام" الذي يعيد لنا الصورة، ويجرّنا "جرًّا" إلى الماضي الذي يتمنى البعض أن يُعاد ويُعاش من جديد، وما جدوى تلك التقنيات "فنيًّا"، حين يتم استخدام التراث كعروض ترفيهية، لملء "فراغ معاصر"، وفارق شاسع بين الحنين كحالة شعورية إنسانية، وبين استغلال عاطفة الحنين للنوستالجيا كأداة اقتصادية، ففي السنوات الأخيرة، لم يستطع أحد إخفاء دهشته حين جاءت أول إطلالة لكوكب الشرق بجسدٍ "من ضوء" ضمن فعاليات شتاء "طنطورة" بالسعودية، تغني "أمل حياتي"، و"إنت عمري"، أمام جمهور مذهول!

وكانت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة السابقة، قد دافعت عن تقنية "الهولوجرام"، ووصفته بمساعد ذكي لإحياء الفنون الراقية التي شكلت الهوية المصرية، مؤكدة أن مشروع تحديث مصر، التابع لوزارة الثقافة، يضم في جزء منه، استخدام تلك التقنية، المناسبة لجمهور الشباب، أما الكثيرون من "محبي" العندليب، أو "كوكب الشرق"، أو غيرهما من رموز الفن الخالد، فتتجدد تساؤلاتهم حول "نظرة صناع الفن" للفنان، وهل جرّدته من "جوهر إنسانيته"، وحوّلته التقنيات إلى مجرد "محتوى"، أو "وسيلة" لا أثر لها، ولا قيمة إنسانية، في عملية أشبه بـ"التحنيط"، و"فصل التراث عن صاحبه"، دون النظر لـ"روح الفنان" ومزاجه ومشاعره حين أدى هذه الأغنية، أو تلك، في لحظة درامية حقيقية عاشها بكل جوارحه، فالعندليب، أو غيره، كان يقف على خشبة المسرح، أمام الجمهور، يتفاعل، يبكي، يضحك، ينسى أحيانًا كوبليهات، إذا به الآن يتحول هذا الأداء الوجداني إلى "نسخة مكررة ملونة" يتم توليدها، ويعاد تشغيلها وقت الحاجة، أو بمعنى أدق إعادة إنتاج الفنان كـ"براند"، لتحقيق أهداف تجارية دون رسالة جمالية حقيقية، باختصار تحويل الذكريات إلى "سلعة رابحة"، وإخضاعها لمنطق العرض والطلب في أسواق "آلية" لا تعترف بكينونة الإنسان، حين يتحول الفن من "فعل حي" إلى "ملف قابل للتشغيل"!

فيزيائيًّا، ظهرت أول صورة هولوجرامية لطيور عام 1962، على يد عالمين بجامعة ميتشجان الأمريكية، ثم ظهر أول هولوجرام لصورة إنسان في 1967، واعتمدت على تجارب العالم البريطاني دنيس جابور، الذي حصد جائزة نوبل في الفيزياء، عام 1971، والطريف أن أول حفل غنائي بتقنية الهولوجرام، ابتدعته اليابان، 2007، لمغنية "رقمية" أطلقوا عليها هاتسوني ميكو، حصدت إعجاب الملايين ممن حفظوا أغانيها، رغم كونها مجرد "أفاتار"، شخصية افتراضية، والأطرف، أن عدداً من مطربي العالم، ممن لا زالوا على قيد الحياة، لجأوا لتقنية "الهولوجرام"، لإقامة حفلات غنائية لهم في عدد مختلف من دول العالم، في نفس الوقت، توفيرًا للمجهود، ورغبة في "تجديد شبابهم"، ومنهم ماريا كاري، وألتون جون، وفريق "آبا" السويدي، الذي اشتهر في السبعينيات، واختار بنفسه "وهم العودة للماضي البعيد"، وكانت حفلات مغني الراب الأمريكي "توباك"، وأسطورة البوب مايكل جاكسون، بين عامي 2012، و2014، بتقنية الهولوجرام، قد أثارتا زوبعة استغلال حقوق الملكية الفكرية، تشبه، إلى حد كبير، ما يحدث حاليًا، في مهرجان "موازين"!

اقرأ أيضاًاليوم.. الأوبرا تحتفل بذكرى العندليب الأسمر «عبد الحليم حافظ»

بعد تصدره التريند.. الجهة المنظمة لحفل العندليب في مهرجان موازين ترد على أسرة عبد الحليم حافظ

بسبب أسرة العندليب.. تفاصيل وقف عرض إعلان دقوا الشماسي

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: السعودية عبد الحليم حافظ كوكب الشرق مايكل جاكسون القانون المصري موازين شتاء طنطورة

إقرأ أيضاً:

حرب إيران وإسرائيل: انقلاب موازين أسواق النفط والاقتصاد العالمي

في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط واحدة من أكثر فتراته اضطرابا خلال السنوات الأخيرة، اندلع نزاع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل خلّف آثارا فورية على الأسواق العالمية، خاصة سوق الطاقة. فالهجمات المتبادلة التي وقعت خلال الساعات الماضية حرّكت الأسعار والأسواق بطريقة تُذكّر بالأزمات النفطية الكبرى في العقود الماضية.

وكما كان متوقعا، اشتعلت الأسواق العالمية نتيجة القلق المتزايد من تعطل إمدادات الطاقة، وخصوصا تلك التي تمر عبر مضيق هرمز الحيوي.

فقد ارتفع سعر خام برنت بنسبة 5.9 في المئة ليصل إلى 74.2 دولارا للبرميل، مع توقعات بصعود الأسعار إلى ما بين 90 و120 دولارا للبرميل إذا استمرت الحرب أو شملت منشآت نفطية داخل إيران، أو في حال إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو 20 في المئة من إمدادات النفط العالمي المنقول بحرا.

من المتوقع أن يتعرض سوق النفط لهزة هي الأعنف منذ غزو العراق للكويت عام 1990. وفي المقابل، إذا ما تم احتواء الأزمة دبلوماسيا خلال أسابيع، فإن الأسعار قد تهدأ تدريجيا، لكن من غير المتوقع أن تعود إلى مستويات ما قبل حزيران/ يونيو.

كما امتدت تأثيرات الحرب إلى الأسواق المالية والاقتصادات العالمية، إذ سجلت مؤشرات الأسهم العالمية تراجعا. فعلى سبيل المثال، انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 1.8 في المئة، وقفز سعر الذهب بنسبة 1.7 في المئة ليصل إلى مستويات تفوق 3,400 دولار للأونصة، مدفوعا بمخاوف المستثمرين من فقدان الاستقرار المالي. وارتفعت أسعار البنزين في عدة دول، أبرزها أستراليا التي شهدت زيادة قدرها 12 سنتا للتر الواحد، وهو ما يُتوقع تكراره في أوروبا والولايات المتحدة.

ومن المتوقع أن يتسبب استمرار الأزمة في رفع معدلات التضخم الأمريكية إلى 5 في المئة أو أكثر، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية إلى إعادة النظر في سياساتها.

وأيضا، بلا شك سترتفع تكاليف الشحن نتيجة تحوّل طرق الملاحة وزيادة أقساط التأمين، مما سيؤثر على أسعار السلع الاستهلاكية. كما أن المخاطر الجيوسياسية العالمية ستشكّل ضغطا إضافيا على الاستثمار والنمو الاقتصادي العالمي.

أين ليبيا من كل ذلك؟

في هذا المشهد الاقتصادي المعقد، تبرز ليبيا ذات الاقتصاد المنكشف على الخارج كلاعب يمكن أن يملأ جزئيا الفجوة التي قد تتركها صادرات إيران. بقدرة إنتاج تتجاوز 1.2 مليون برميل يوميا، بإمكان ليبيا بلا شك أن تقدم جزءا من الحل، ما سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد الليبي.

النفط الليبي قد يحقق مكاسب مباشرة من ارتفاع الأسعار، مما يعني دخولا إضافية قد تتجاوز 10–15 في المئة مقارنة ببداية العام. وإذا ما استغلت ليبيا هذه الفرصة بتحسين كفاءة التصدير، وتثبيت الاستقرار، ودعم قطاع النفط، وتعزيز الشراكات الاستثمارية الليبية-الأجنبية في القطاع، وتجاوزت القيود البيروقراطية، فقد تكون الأزمة مصدرا نادرا للتحفيز الاقتصادي وفرصة لاستدعاء رؤوس الأموال الأجنبية، وداعما نسبيا لقوة الدينار الليبي الذي تهاوى خلال الأشهر الأخيرة.

ختاما

الصراع الإيراني-الإسرائيلي لا يدور فقط في سماء طهران وتل أبيب، بل تمتد تداعياته إلى جيوب المستهلكين، وخزائن الدول، ومؤشرات الأسواق في طوكيو ونيويورك وطرابلس.

وفي حين أن الحرب تجلب معها الخوف والدمار، فإنها تفتح أحيانا نوافذ نادرة لبعض الدول للاستفادة الاقتصادية، إذا ما أحسنت إدارة الموقف. ويبقى النفط، كما كان دائما، ليس مجرد سلعة، بل سلاحا سياسيا ومحرّكا خفيا لعالم لا يعرف الاستقرار.

مقالات مشابهة

  • في ذكرى ميلاده.. سعد عبد الوهاب الفنان الذي اختار الفن بشروطه وترك بصمة خالدة (تقرير)
  • في ذكرى ميلاده.. سعد عبد الوهاب رأى الفن حرام ورفض التقبيل في الأفلام
  • أفراح الكرامة.. مهرجان للفن التشكيلي في جمعية بيت الخط العربي والفنون
  • استعدادا لعرضه.. طرح البوستر الرسمي لمسلسل 220 يوم للنجم كريم فهمي
  • 10 آلاف متفرج يعودون لزمن الفن الذهبي.. نوستالجيا فورها يشعل جدة
  • حرب إيران وإسرائيل: انقلاب موازين أسواق النفط والاقتصاد العالمي
  • صراع المصالح بين إيران وإسرائيل.. تحليل يستعرض موازين القوة والضعف
  • أخبار الفن.. رؤية رشوان توفيق لـ ياسمين عبد العزيز وتطورات حالة آدم تامر حسني
  • في عيد ميلاده.. كريم محمود عبدالعزيز يتحدث عن فترة الاكتئاب ولقاء أحمد زكي