بين التصعيد والنفي| وساطة روسيا المرفوضة في صراع إيران وإسرائيل.. تفاصيل
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
في ظل التوتر المتصاعد بين إيران وإسرائيل، برزت مواقف دولية تحاول الحد من احتمالات الانزلاق نحو مواجهة إقليمية واسعة.
ويشهد الشرق الأوسط لحظات حرجة من التصعيد العسكري والتصريحات النارية، يبدو أن محاولات الوساطة، وعلى رأسها الروسية، لا تلقى صدى لدى الأطراف المعنية، خاصة من الجانب الإسرائيلي، بحسب ما أكده الكرملين مؤخرا.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، إنه في ظل التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، انشغل العالم بما بدا وكأنه بوادر لحرب إقليمية كبرى، لكن خلف هذا الضجيج الإقليمي تستمر في غزة جريمة الإبادة الجماعية ، حيث لم تتوقف بل تتصاعد ، مستفيدة من حالة الغفلة الدولية وانشغال الإعلام العالمي.
وأضاف أبولحية في تصريحات لـ "صدى البلد"، أنه في عمق هذا المشهد الدموي، يتضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يسعى إلى إنهاء الحرب، بل يحرص على إطالة أمدها، ليس فقط بدافع أمني أو عسكري، بل لخدمة مطامعه السياسية والشخصية. فهذه الحرب تمثل له طوق نجاة من أزماته الداخلية، ومن ملفات الفساد والمحاكم، وتوفر له فرصة لترسيخ حكمه وإرضاء شركائه في اليمين المتطرف.
وتابع: "اليمين الإسرائيلي المتشدد يرى في هذه الحرب فرصة لتحقيق الحلم القديم: إسرائيل الكبرى، وهي فكرة لم تغب أبدًا عن العقل الاستيطاني الصهيوني، بل تجد اليوم غطاءا أمنيا وعقائديا وسياسيا من قادة الدولة".
واختتم: "استمرار الحرب على غزة، بهذا الشكل الوحشي، يخدم هذا المشروع، عبر تفريغ الأرض من سكانها، وتدمير مقومات الحياة فيها، لفرض وقائع جديدة على الأرض".
ومن جانبه، أكد الكرملين، اليوم الثلاثاء، أن إسرائيل لا تبدو مهتمة حاليا بأي جهود وساطة لإنهاء التوتر المتصاعد مع إيران، واصفا ما يجري بين الطرفين بأنه "تصعيد سريع وخطير".
جاء ذلك في تصريحات رسمية أدلى بها المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة الروسية موسكو.
وقال بيسكوف إن "مستوى الضبابية بشأن تطورات الأوضاع بين إيران وإسرائيل بلغ حدا غير مسبوق"، مشددًا على ضرورة أن يتحلى الطرفان بضبط النفس لتفادي انزلاق المنطقة نحو مواجهات أوسع.
وأوضح أن روسيا لا تزال على استعداد للعب دور الوسيط إذا استدعت الظروف ذلك، لكنه أشار إلى أن "الجانب الإسرائيلي لا يُظهر أي اهتمام حاليًا بالسعي نحو تسوية سلمية".
في سياق متصل، أعلنت السلطات الروسية أنها وفرت لرعاياها الموجودين في إيران خيار الإجلاء عبر أذربيجان، في إجراء احترازي يعكس تنامي القلق من احتمال تصاعد الأعمال العسكرية.
وتأتي هذه التصريحات الروسية في وقت بالغ الحساسية، حيث أعلنت إسرائيل مؤخرا تنفيذ ضربات عسكرية على منشآت داخل الأراضي الإيرانية، في خطوة أثارت ردود فعل غاضبة وتوعدا من الجانب الإيراني بالرد، مما ينذر بتصاعد خطير قد يفضي إلى نزاع إقليمي واسع النطاق.
وفي خضم هذا التصعيد، كشف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الأحد، أنه "منفتح" على فكرة لعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور الوسيط بين طهران وتل أبيب.
وقال ترامب، في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي نيوز" الأميركية، إن "بوتين أبدى استعداده للوساطة، وقد أجرينا مكالمة طويلة ناقشنا فيها هذا الأمر بالتفصيل".
لكن، وبفعل التطورات المتسارعة على الأرض في الأيام الأخيرة، يبدو أن إمكانية تفعيل دور الوساطة الروسية باتت أبعد من أي وقت مضى، خاصة في ظل غياب مؤشرات على قبول إسرائيلي بهذه الجهود، واستمرار التصعيد الميداني والتصريحات التصعيدية من الطرفين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إيران غزة المساعدات الإنسانية رفح قطاع غزة الجيش الإيراني الفلسطينيين الولايات المتحدة إیران وإسرائیل
إقرأ أيضاً:
كيف نفهم إستراتيجية روسيا في البحر الأسود؟
تعكس إستراتيجية روسيا في البحر الأسود مزيجا من الطموحات الجيوسياسية والمصالح العسكرية، في منطقة تعد محورية لأمنها ونفوذها الإقليمي.
وتقول الباحثة ناتالي سابانادزه، وهي زميلة أبحاث أولى في برنامج روسيا وأوراسيا، والباحث جاليب دالاي، زميل استشاري أول في مبادرة تركيا ضمن برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، إنه على مدى جزء كبير من عقدين من الزمن، قللت أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من شأن روسيا ودوافعها للهيمنة على منطقة البحر الأسود.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بعد حرب الـ12 يوما مع إيران.. بماذا أوصت مراكز الأبحاث الإسرائيلية نتنياهو؟list 2 of 2"دبلوماسية التجارة لا المعونة".. إستراتيجية أميركية جديدة في أفريقياend of listويعتبر فهم أنماط الاستمرارية والتكيف في نهج موسكو في البحر الأسود أمرا أساسيا لتوقع سلوكها الإستراتيجي في المستقبل. فاستمرار روسيا في استخدام الحرب الهجينة والحرب الشاملة في البحر الأسود، إذا ما كتب له النجاح، ستكون له "تداعيات مدمرة" على المنطقة الأوسع نطاقا.
ويقول الباحثان إن الحفاظ على سيطرة أوكرانيا على أوديسا وساحلها المجاور يعد أمرا جوهريا لأمن البحر الأسود. ويجب أن تتضمن أي هدنة أو اتفاق سلام مستقبلي بنودا لضمان الردع طويل الأمد ضد أي محاولات روسية متجددة لقطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود. فمثل هذه الخطوة لن تقوض فقط الجدوى الاقتصادية لأوكرانيا، بل ستضعف أيضا أهميتها الإستراتيجية الأوسع نطاقا.
أهمية دور تركياوكان لالتزام أنقرة باتفاقية مونترو -التي تمنع دخول السفن العسكرية إلى منطقة البحر الأسود خلال زمن الحرب- تأثير كبير على طموحات روسيا.
وبالتالي، ستظل تركيا فاعلا محوريا في البحر الأسود وشريكا حيويا للغرب، نظرا لتحكمها في المضائق التركية، وامتلاكها لأطول شريط ساحلي في المنطقة، وثقلها الجيوسياسي الكبير.
ويرى الباحثان أن البحر الأسود يعد جزءا لا يتجزأ من إعادة روسيا تصور هويتها الإمبريالية الجديدة، وسعيها إلى مكانة القوى العظمى، وحساباتها الجيوسياسية الأوسع. ففي هذه المنطقة تحديدا يتجلى النزوع الروسي نحو المراجعة ما بعد السوفياتية بأوضح صوره. وإن فهم أنماط الاستمرارية والتكيف في نهج موسكو في البحر الأسود يعد أمرا أساسيا لتوقع سلوكها الإستراتيجي في المستقبل.
إعلانوتمثل الحرب في أوكرانيا، إلى حد كبير، محاولة من روسيا لتحقيق طموحها طويل الأمد في الهيمنة على البحر الأسود، بما في ذلك الممرات التجارية وممرات الطاقة الحيوية. ورغم أن هذه الحرب تشكل تصعيدا، فإنها لا تمثل تحولا جذريا في النظرة الإستراتيجية لموسكو، والتي تقوم أساسا على مقاومة النفوذ الغربي، ولا سيما نفوذ الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، من المرجح أن تكون روسيا أكثر عدائية تجاه احتمال انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي مما توحي به خطاباتها الرسمية. وفي هذا السياق، يجب تنفيذ إستراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة الخاصة بالبحر الأسود بشكل عاجل وفعال، بما يظهر التزاما راسخا بأمن المنطقة وسياسة الردع فيها.
ويقول الباحثان إن الحفاظ على سيطرة أوكرانيا على أوديسا وساحلها المجاور يعد أمرا محوريا لأمن البحر الأسود. وينبغي أن تتضمن أي هدنة أو اتفاق سلام مستقبلي بنودا تضمن الردع طويل الأمد ضد أي محاولات روسية متجددة لقطع وصول أوكرانيا إلى البحر الأسود. فمثل هذه الخطوة لن تقوض فقط الجدوى الاقتصادية لأوكرانيا، بل ستضعف أيضا أهميتها الإستراتيجية الأوسع نطاقا.
ويضيف الباحثان أن كلا من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، أساءا حتى وقت قريب، تقدير النوايا الإستراتيجية لروسيا، وقللا من شأن إصرارها على تحقيق تلك النوايا. ففي أثناء الحرب الباردة، كانت الوظيفة الأساسية لحلف الناتو هي الردع والدفاع ضد التهديد السوفياتي.
وبوصفها خليفة للاتحاد السوفياتي، لطالما نظرت روسيا إلى الناتو ليس فقط بوصفه تهديدا نتيجة لتوسع الحلف، بل كمنظمة عدائية تتكون من خصوم الكرملين في الحرب الباردة. فروسيا تعارض وجود الناتو ذاته. وبينما يواصل الردع الفعال منع اندلاع مواجهة تقليدية مباشرة مع أعضاء الحلف، تتجه موسكو بشكل متزايد إلى استخدام أساليب الحرب الهجينة، مثل التأثير السياسي وحملات المعلومات، لتحقيق أهدافها.
تزايد المخاطرومع تراجع الحضور الأمني الأميركي في المنطقة، تتزايد المخاطر التي تهدد البحر الأسود والأمن الأوروبي الأوسع. وفي هذا السياق، فإن تحديد آليات التعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتركيا بشكل واضح يعد أمرا بالغ الأهمية. كما أن تعزيز التعاون بين حلفاء الناتو المطلين على البحر الأسود بات أمرا ملحا.
وتشكل مبادرة إزالة الألغام الجارية بقيادة بلغاريا ورومانيا وتركيا نموذجا واعدا للتعاون العملي، وهو نموذج يمكن توسيعه ليشمل مجالات أخرى. وتدرك روسيا تماما مثل هذا التنسيق، ومن المرجح أن تسعى إلى تقويضه عبر التخريب وحملات التضليل.
ويقول الباحثان إنه بدلا من السعي إلى إنشاء بنية أمنية إقليمية تعاونية، تقوم الرؤية الروسية للبحر الأسود على ترتيبات فعلية تشبه تقاسم النفوذ مع تركيا، على غرار الديناميكيات التي سادت في حقبة الحرب الباردة، إذ تسعى موسكو إلى فرض سيطرتها على الحوض الشمالي، وتركيا على الجنوب.
ويتطلب هذا النهج من روسيا إدارة علاقة تبادلية مع تركيا تزداد تعقيدا، لا سيما في ظل مؤشرات على تقارب متجدد في سياسة أنقرة الخارجية والأمنية مع الغرب. وتبقى تركيا الفاعل المحوري في البحر الأسود، نظرا لسيطرتها على المضائق التركية، وامتلاكها لأطول شريط ساحلي في المنطقة، وثقلها الجيوسياسي الكبير.
إعلانوتعارض تركيا توسيع بصمة الناتو في البحر الأسود، لكنها ترفض في الوقت نفسه احتمال الهيمنة الروسية. لذا يتمحور الموقف الإستراتيجي لأنقرة حول الحفاظ على توازن القوى الإقليمي، من خلال دعم القدرات الأوكرانية ومواجهة الطموحات الهيمنية لروسيا، مع تجنب توسيع كبير في انخراط الناتو المباشر.
وفي ظل احتمال تقليص الدور الأميركي في المنطقة، فإن الدفاعات في منطقتي البلطيق والبحر الأسود بحاجة إلى إستراتيجية مشتركة لاحتواء روسيا. وستظل أوكرانيا القوية والمرنة، المدعومة باستمرار من قبل أوروبا وشراكات إقليمية متينة، عنصرا أساسيا لضمان أمن طويل الأمد في البحر الأسود.
تنافس مع الصينويرى الباحثان أنه إذا تمكنت روسيا من إعلان النصر في أوكرانيا، أو حتى إذا تم النظر إليها على أنها انتصرت، فإن مثل هذه النتيجة ستخلف عواقب خطيرة على جوار روسيا الأوسع. فمن المرجح أن تقوم موسكو مدفوعة بنشوة الانتصار، بانتهاج مقاربة أكثر حزما لإعادة تشكيل المنطقة كما تتخيلها.
وبالنسبة لكثير من الدول المجاورة، قد لا يبقى أمامها خيار سوى الاصطفاف مع روسيا تحت الضغط. وتعد مناطق البحر الأسود وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى مترابطة ضمن إطار الإستراتيجية الروسية المتطورة تجاه جوارها. ويجب أن يشكل هذا الواقع استجابة أورو-أطلسية منسقة، تهدف إلى بناء سياسات متماسكة ومترابطة عبر هذه المناطق لموازنة النفوذ الروسي وتعزيز القدرة الإقليمية على الصمود.
وعلى الرغم من أن الحضور الاقتصادي للصين في منطقة البحر الأسود لا يزال محدودا، فإنه يشهد توسعا مطردا، مما يسهم في تنامي التصور الإقليمي بوجود تعددية قطبية، وهي معادلة ستضطر روسيا بشكل متزايد إلى التعامل معها.
وعلى عكس موسكو، فإن بكين غير مثقلة بإرث إمبريالي، مما يسمح لها بالتعامل مع الفاعلين الإقليميين من دون قيود تاريخية كبيرة. وبينما لا تعرب الصين صراحة عن تأييدها لطموحات روسيا الإمبريالية الجديدة، فإنها لا تعارض رؤيتها للتعددية القطبية القائمة على مناطق نفوذ حصرية.
وبالنسبة لموسكو، فإن التعددية القطبية لا تتمحور حول تنوع مراكز القوة، بل حول بناء إطار مناهض للغرب لإعادة تشكيل النظام العالمي. وعلى المدى المتوسط، من المرجح أن تتسامح روسيا، بل وقد ترحب، بالحضور الصيني في المنطقة بوصفه ثقلا موازنا للغرب. أما على المدى البعيد، فقد تتحول هذه الشراكة البراغماتية إلى تنافس إستراتيجي، ولا سيما مع تعمق النفوذ الصيني.