الحرب مع إسرائيل والداخل الإيراني: هل تكرّس سيطرة النظام أم تسرّع بنهايته؟
تاريخ النشر: 20th, June 2025 GMT
مع دخول الحرب بين إيران وإسرائيل أسبوعها الثاني، تعود إلى الواجهة تساؤلات جوهرية حول مدى تماسك النظام الإيراني تحت وقع التهديدات الخارجية وتصاعد الضغوط الداخلية. اعلان
فبينما تسعى القيادة الإيرانية إلى استثمار المواجهة بوصفها فرصة لتعزيز خطابها الوطني والتمسك بالسلطة، تُظهر الوقائع على الأرض أن هذه الحرب قد تكون سيفًا ذا حدين، يحمل إمكانات التعبئة الشعبية من جهة، ويكشف هشاشة داخلية من جهة أخرى.
لطالما كان النظام الإيراني محاطًا بتحديات داخلية، لكنه واجه أقسى اختباراته في السنوات الأخيرة بعد مقتل الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022 أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق". قادت الواقعة إلى واحدة من أوسع الموجات الاحتجاجية منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وشملت شرائح اجتماعية واسعة، من نساء وطلاب ونقابيين، وامتدت إلى مختلف المحافظات الإيرانية، بما فيها مناطق الأقليات.
رغم القمع الشديد الذي واجهت به السلطات تلك الاحتجاجات، والذي أسفر عن مئات القتلى وآلاف المعتقلين بحسب منظمات حقوقية دولية، أظهر النظام قدرة على احتواء الانفجار، ولو مؤقتًا، مستفيدًا من تشتت المعارضة وعدم قدرتها على تشكيل بديل سياسي متماسك.
Relatedإطلاق سراح مغني الراب الايراني توماج صالحي بعد إلغاء حكم سابق باعدامهماذا نعرف عن الشخصيات العسكرية التي عينها المرشد الإيراني علي خامنئي حديثا؟مع اقتراب الذكرى الثانية لوفاة مهسا أميني.. نساءٌ يتحدّين السلطة ويخرجن إلى شوارع طهران دون حجابالرئيس بازكشيان: اختيارٌ خارج العباءة التقليديةجاء انتخاب مسعود بازكشيان رئيسًا في يونيو 2025 بمثابة مفاجأة نسبية داخل المعادلة الإيرانية، كونه لا ينتمي إلى الدائرة الضيقة للمحافظين الموالين للمرشد الأعلى. الطبيب الإصلاحي المنحدر من أصول أذرية- كردية، والمعروف بمواقفه الانتقادية خلال فترة عمله كنائب في البرلمان، جاء كخيار قد يُراد منه امتصاص جزء من الغضب الشعبي، أو على الأقل، تقديم واجهة أكثر مرونة أمام الداخل والخارج، دون أن تمس جوهر السلطة بيد الحرس الثوري ومكتب المرشد.
ورغم ذلك، فإن هامش المناورة أمام بازكشيان يبقى محدودًا في ظل تركيبة السلطة المعقدة، حيث تتحكم المؤسسات غير المنتخبة، لا سيما مجلس صيانة الدستور والحرس الثوري، بالمفاصل الحقيقية للدولة.
المتاعب الاقتصادية: العقوبات والحصار يرهقان الشارعتشكل العقوبات الغربية، خاصة الأميركية، ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد الإيراني منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018. ويعاني الإيرانيون من ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وانهيار قيمة العملة المحلية، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية، خصوصًا في الأقاليم المهمّشة.
زاد الأمر سوءًا مع اشتداد المواجهة العسكرية مع إسرائيل، إذ ازدادت التوقعات بانكماش اقتصادي أعمق، فيما تراجعت قيمة الريال مجددًا بنسبة 15% خلال أسبوعين فقط، وفق تقارير مراكز اقتصادية مستقلة.
قبضة الحرس الثوري على بلد متعدد الأعراقيلعب الحرس الثوري الإيراني دورًا مركزيًا في الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية للبلاد، لكنه أيضًا أصبح أداة قمع رئيسية في يد النظام لضبط الداخل، خصوصًا في المناطق ذات الأغلبية الكردية أو البلوشية، والتي تشهد توترات مستمرة.
وقد انتقدت منظمات حقوقية دولية، كـ"هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، الأساليب المستخدمة من قبل الحرس في قمع التظاهرات، مشيرة إلى استخدام الذخيرة الحية والتعذيب والاعتقالات العشوائية، في بلد يعاني أصلًا من انقسامات اجتماعية وإثنية تهدد وحدته الداخلية في ظل أي فراغ سياسي محتمل.
الهوية القومية: درع داخلي في وجه التصعيد الخارجيفي موازاة الضغط الداخلي وتنامي التحديات الأمنية، يراهن النظام الإيراني على تعبئة شعبية قائمة على فكرة الهوية القومية الغير القابلة للتفاوض، في العقلية الفارسية، حيث ينظر إلى هذه النزعة باعتبارها أحد أعمدة الصمود في وجه الحرب الحالية والضغوط الدولية.
وهذا ما بدا ظاهراً بشكل جلي في البيان الصادر عن مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، الذي ركز على قاعدة مفادها أن "أي تصور بشأن استسلام الشعب الإيراني أو قبوله بسلام مفروض هو وهم وخيال".
البيان أكد أيضاً على أن الشعب الإيراني "سيواصل الدفاع عن معتقداته وهويته الوطنية بقيادة المرشد الأعلى".
ورأى المجمع في تصريحات الرئيس الأميركي مثالًا على سوء فهمٍ متكررٍ لصلابة الداخل الإيراني، مضيفًا أن "الرئيس الأميركي لم يفهم صلابة الشعب الإيراني ولا مكانة المرجعية الدينية"، وقال إن خطاب ترامب إلى "العقلانية وبُعد النظر".
تأتي هذه اللغة الصدامية كجزء من استراتيجية أيديولوجية تسعى إلى تحويل التهديدات الخارجية إلى رافعة تماسك داخلي، لا سيما في ظل تنوع قومي وإثني واسع يشكل تحديًا دائمًا أمام مركزية السلطة في طهران.
اختراقات أمنية متواصلة رغم الحربرغم تركيز النظام على الجبهة الخارجية، إلا أن الداخل الإيراني شهد في الأسابيع الأخيرة حوادث أمنية لافتة. فقد أعلنت السلطات عن تفكيك شبكات "عملاء" لإسرائيل والولايات المتحدة، بينها مجموعات كانت تنشط في طهران وشيراز وأصفهان، وفق ما نقله الإعلام الإيراني الرسمي.
لكن اللافت أن هذه الاختراقات تكررت رغم حالة "الطوارئ غير المعلنة" المفروضة على البلاد منذ بداية الحرب. ما يثير تساؤلات جدية حول قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الداخل، ومدى التغلغل الاستخباري الإسرائيلي، خاصة بعد اغتيال شخصيات رفيعة داخل إيران في السنوات الماضية.
لا تبدو الحرب الجارية مع إسرائيل مجرد مواجهة عسكرية خارجية، بل هي امتحان داخلي عميق للنظام الإيراني في لحظة حرجة من تاريخه. وبينما يحاول النظام تصدير صورة الصمود والوحدة، تبقى التحديات الداخلية كالأزمات الاقتصادية، والانقسامات الاجتماعية، والاختراقات الأمنية، عوامل تهدد تماسكه من الداخل. فهل تكون الحرب أداة لترميم الشرعية، أم بداية لتآكلها؟
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل النزاع الإيراني الإسرائيلي إيران البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب هجمات عسكرية إسرائيل النزاع الإيراني الإسرائيلي إيران البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب هجمات عسكرية مهسا أميني الحرس الثوري الإيراني النزاع الإيراني الإسرائيلي مظاهرات في إيران علي خامنئي إسرائيل النزاع الإيراني الإسرائيلي إيران البرنامج الايراني النووي دونالد ترامب هجمات عسكرية تلفزيون الحرس الثوري الإيراني الشرق الأوسط باكستان روسيا الاتحاد الأوروبي النظام الإیرانی الحرس الثوری
إقرأ أيضاً:
معركة الديمقراطية والتحرير.. تلازم الشروط والنتائج
عقولنا الباطنة كنت ترفض رؤية الحرب قادمة، ففزعنا إلى التكذيب وتهوين الإشارات.. كأننا لم نتعلم من كل الدروس السابقة، لم نعرف عدونا بما يكفي لنوقن بأن الحرب هي عمق تفكيره وسلوكه وأنه لا يعيش إلا منها، بل يعيش لأجلها واجبا حيويا وومهمة وجودية. ها نحن في الحرب ولا نفلح في توقع المصير، فنجنح إلى مداعبة مشاعرنا بنصر تقول عقولنا أن شروطه غير متوفرة.
لقد كان اختراق حزب الله واصطياد قيادته كالعصافير سخطة أصابت منا مقتلا وظننا من غفلة أن الأمر وقف هناك، لكن الضربة تكررت في عمق دار قيادة الممانعة والإسناد، فكان الذهول المدمر؛ لماذا كانت إيران هشة أمنيا إلى هذا الحد؟ هل يعقل أنه لليوم السادس من المعركة ما زال الأمن الإيراني يطارد مصنعي المسيرات الخائنة من داخل العاصمة طهران نفسها؟ لماذا تم ضرب القلعة من الداخل؟ لكن هل كانت قلعة فعلا؟
نعيد اكتشاف إيران
بتأثير من الدعاية الإيرانية ومن حماس أنصارها العرب بنينا صورة عن دولة قوية مسلحة ومستعدة لحروب من الجيل الرابع، تملك مقومات الصمود الكامل في وجه عدو نعرفه جميعا يبدأ بالغدر ويكمل بالنذالة، وغفلنا عن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وبعضها سببه الحصار وكثيرها سببه توجيه إمكانات البلد لمعركة خارج إيران وبعيدا عن شعبها، ولم نسأل يوما هل أن الشعوب الإيرانية منخرطة فعلا في معركة تقودها نخبتها السياسية الحاكمة طبقا لمشروع غير متفق عليه في الداخل؟
غفلنا عن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وبعضها سببه الحصار وكثيرها سببه توجيه إمكانات البلد لمعركة خارج إيران وبعيدا عن شعبها، ولم نسأل يوما هل أن الشعوب الإيرانية منخرطة فعلا في معركة تقودها نخبتها السياسية الحاكمة طبقا لمشروع غير متفق عليه في الداخل؟
الاختراق كان ضربة على اليافوخ نبهتنا إلى أن في إيران فئة تتربص بخيار الدولة، تريد أن تخرج إيران من معركة لا تراها معركة إيرانية، ونقول الآن إن الاختراق جاء من هناك، إذ وجد العدو من يشتغل لصالحه من الداخل رفضا للنظام ومشروعه.
هنا نحن أمام حالة مدرسية مستعادة من تجارب كثيرة وكثيرها عربي؛ الاستعانة بعدو الخارج (الذي يصير صديقا) ضد عدو الداخل (العدو الوحيد). لقد أنتجت سياسات بلدان كثيرة لا تستشير شعوبها في ما تفعل ولا تقدر حاجاتها الأساسية؛ فئات لا ترى غضاضة في التحالف مع عدو الخارج والاستنصار به على أنظمة بلدانها، فيسقط الجميع. نيكارغوا، فنزويلا، العراق، أفغانستان، ليبيا، سوريا.. وأخيرا إيران؛ مشروع النظام في معاداة الإمبريالية (زعما أو صدقا) لم يتداخل مع مشروع بناء ديمقراطية تحمي النظام من الداخل. هذه بوابة عودة السؤال: هل يمكن الانخراط في معركة تحرير وبناء ديمقراطية في ذات الوقت؟ هذه بوابة تفكير لما بعد هذه الحرب أو أي حرب تشببها؛ لأن الحروب لم تنته خاصة في منطقة الشرق الأوسط؛ عقدة العالم ومفتاح الاستراتيجيات الكبرى. نكتشف إيران دولة مسلحة بلا حماية داخلية، لأنها ليست دولة ديمقراطية فلم تؤلف قلوب كل شعوبها حول مشروعها التحريري.
ممنوع النقد وقت الحرب
رجمنا المنخرطون في المعركة برجوم كثيرة زاعمين أن نقد القيادة وقت المعركة تخذيل وأعاداو لنا لازمة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وهو الشعار الذي دمر أمة العرب تحت أنظمة زعمت معركة التحرير فانتهت في الخيانات. مطلوب منا الصمت والاتباع فالقيادة معصومة. كان هذا الشعار وسيلة تدمير الديمقراطية ولو بحدها الأدنى، فكان إطلاق يد النظام (الأنظمة) بلا رادع ولا رقيب، والنتائج منشورة بعد الربيع العربي.
الربيع قال لنا جملته الحاسمة من مصر "لن نترك غزة وحدها"، وهذا شعار تحرير أطلق بالتزامن مع بناء نظام ديمقراطي في مصر وفي تونس، أُسقط الشعار والمشروع مرة أخرى بعنوان "لا صوت يعلو فوق المعركة"، فكان حصار غزة ومنع القوت عن أطفالها باسم تحريرها.
قافلة التضامن المغاربية على صغر حجمها أعادت توضيح الواضحات، حيث نبت زرع الحرية ولم يجف نهائيا، سارت القافلة بين أحضان الناس الذين كشفوا الاستعداد الأقصى للتضحية (جامعة التحرير والحرية صنو الديمقراطية). وكم كان عظيما إغماد أهل ليبيا لأسلحة الاحتراب الداخلي من أجل قضية التحرير الكبرى، مؤمنين غير مغصوبين ولا مخدوعين. على حدود الدكتاتورية رُدت القافلة على أعقابها باسم عدم التشويش على المعركة (تحرير غزة بقتل شعبها جوعا وعشطا).
سيوجد مثلنا كثير يسلم في اللحظة الحرجة لشعار لا صوت يعلو، من أجل نصر عزيز على النفوس ولو بغمط شروطه السياسية، وسيوجد بيننا دوما من يحقد على أنظمة القهر فيستسهل الخيانة ويضع يده في يد العدو، لكن الشوق إلى الديمقراطية سيظل معلقا فوق الرؤوس
شعوب أوروبا الحرة التي تتحرك في قضية إنسانية؛ تتحرك تحت الديمقراطية فتنخرط في قضايا الإنسانية ولا تخرب بلدانها كما تزعم أنظمة "لا صوت يعلو". هل كان الإيرانيون في جملتهم سيرفضون الانخراط في معركة تحرير لو أن نظام بلادهم جمع صوت المعركة مع صوت الحريات في الداخل؟ من هنا جاء الاختراق الذي ما زال ينذرنا بأن الأرض ليست مخلصة للنظام، وأن ضربة من الداخل لا تزال تهدد خطوطه الخلفية وقد تعصف به ولو صمد في القتال الخارجي.
لن يهرب أحد من الاستحقاق الديمقراطي
قلوبنا الواجفة وعقولنا المقهورة تؤلف روايات عن النصر، حتى أننا نكذب المؤشرات الموضوعية عن تفاوت القوة، فيرافق الناس الصواريخ بالدعاء، لكن المعركة ستنتهي وتسفر عن حقيقة واضحة. التحرير معركة الشعوب كلها وهي لن تنخرط بكلياتها في هذه المعارك دون حرياتها ودون احترام إراداتها. سيوجد مثلنا كثير يسلم في اللحظة الحرجة لشعار لا صوت يعلو، من أجل نصر عزيز على النفوس ولو بغمط شروطه السياسية، وسيوجد بيننا دوما من يحقد على أنظمة القهر فيستسهل الخيانة ويضع يده في يد العدو، لكن الشوق إلى الديمقراطية سيظل معلقا فوق الرؤوس.
العدو يعلمنا برغمنا أن القوة في بناء الجبهة الداخلية بالديمقراطية، فتخاض الحروب بظهر محمي من الشعب نفسه ولو كانت مهجته في غير الحرب. انتهى طريق قهر الشعوب باسم معارك التحرير، فلا معنى لتحرير شعب (ولو كان صديقا) باستعباد الشعب الذي يدفع كلفة المعركة.
قيلت لنا على لسان أكثر من مفكر قومي وإسلامي أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير الشعوب العربية في أقطارها من القهر والاستعباد الداخلي؛ لأنه وسيلة الحماية الأقوى وضمانة المنعة من الاختراق الخارجي والداخلي. ولا تحرير في الداخل إلا بالديمقراطية، هي وسيلة تحرير المواطن ليتقدم بارادته الحرة فيقبل تحمل كلفة المعارك ولا يضع يده في يد عدوه نكاية في نظام بلاده.
لكن لا بأس.. سنصمت قليلا لصوت المعركة.