وسط التحولات الإعلامية المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم، حيث تتصدّر المشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومنصات التواصل الاجتماعي، وصنّاع المحتوى، غابت فئة كان لها دور جوهري في تشكيل الوعي العام منذ فجر التاريخ، فئة لم تكن فقط جزءاً من الإعلام، بل كانت أساسه الحقيقي... إنهم الشعراء.
قبل أن تُخترع أدوات التصوير، وقبل أن يُعرف الميكروفون والاستوديو والبرامج الحوارية، كان الشاعر هو المصدر الأول للأخبار، والناقل الفوري للحدث، لم تكن القصيدة مجرد وسيلة للتعبير الجمالي، بل كانت خطاباً إعلامياً متكاملاً، يصنع الرأي العام، ويوثّق المواقف.
كان الشعر الوسيلة الأهم لنقل المعلومة، وحفظ الرواية، وكان الشاعر يُستدعى في المحافل الكبرى، لأنه يحمل السلاح الأقوى: الكلمة.
في العصر الجاهلي، كانت القصائد تُستخدم للفخر وتسجيل الانتصارات، وفي صدر الإسلام، برز شعراء تركوا بصمتهم الواضحة في المشهد الدعوي، وعلى رأسهم حسان بن ثابت، الذي اشتهر بلقب «لسان الدعوة»، لم يكن دوره مجرد شاعر في ساحة أدبية، بل كان صوته الإعلامي يحمل مضامين الدعوة، ويدافع عن الإسلام بالكلمة، كما كان الصحابة يدافعون عنه بالسيف، كان ينظم القصائد للرد على الهجمات اللفظية، ويعزز مواقف المسلمين في أسلوب بلاغي قوي.
وفي العصرين الأموي والعباسي، تحوّل الشعر إلى أداة إعلامية راقية، تؤرّخ للواقع بأسلوب أدبي خالد،
لم تكن القصيدة مجرد مدح أو هجاء، بل كانت نافذة سياسية وثقافية، يلتفّ حولها الناس كما يلتفون اليوم حول المنصات المرئية، وكان الخلفاء يحيطون أنفسهم بالشعراء تماماً كما يحيط القادة اليوم أنفسهم بالصحفيين ومستشاري الإعلام.
ورغم هذا التاريخ العريق، تراجع دور الشعراء في زمننا الحاضر، لا لقصورٍ في أدواتهم، بل لأن الضوء الإعلامي اتجه نحو من يُجيدون الحضور أمام الكاميرا أكثر ممن يُجيدون التعامل مع المعنى واللغة.. تغيّرت المعايير، وأصبح البقاء للأكثر ظهوراً، لا للأكثر تأثيراً، فابتعد الشعر عن الناس، وتوارى الشعراء خلف جدران الاحتفالات الرسمية.
في زمن السرعة والمشاهد القصيرة، لم يعد هناك متسع للتأمل في بيتٍ من الشعر، أو التوقف أمام صورة بلاغية تحكي قصة أمة، أصبح النص السطحي هو الملك، والصورة اللامعة تطغى على المعنى العميق، وابتعد الجمهور شيئاً فشيئاً عن النصوص التي تحتاج إلى تذوق ووعي وهدوء.
لا نريد أن يبقى الشعر حبيس قاعات الاحتفالات، ولا حكراً على أعمدة المجلات المتخصصة، بل نريده أن يعود حياً في وجدان الناس، ناطقاً بلغتهم، قريباً من واقعهم، ما نحتاج إليه هو حضور حقيقي للشعراء في المشهد الإعلامي، كشركاء في التأثير، لا كضيوف شرف عابرين.
وفي زمن أرهقته السرعة وسطّحت فيه المعاني، ربما حان الوقت لنعود إلى من بدأوا الحكاية... إلى الشعراء.
[email protected]
اطبع المقال محمد سعيد القبيسي تابعوا حساب "الخليج" على منصة غوغل نيوز التقييمات 0 Rate قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات https://www.alkhaleej.ae/node/5969311 عن الكاتب محمد القبيسي كاتب المزيد من الآراء كلمات محمد القبيسي ديون المتقاعدين كلمات محمد القبيسي هدايا القيادة وفرحة العيد كلمات محمد القبيسي من متقاعد إلى ملهم كلمات محمد القبيسي هل البساطة مخجلة؟ إشترك بالنشرة الدورية للاشتراك بالنشرة الدورية يرجى إدخال بريدك الإلكتروني لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج" اشترك مقالات أخرى للكاتب كلمات ديون المتقاعدين كلمات هدايا القيادة وفرحة العيد كلمات من متقاعد إلى ملهم كلمات هل البساطة مخجلة؟ قد يعجبك ايضا عادي العرب قصف إسرائيلي مكثف على غزة.. ومجازر بين الجياع والنازحين عادي أخبار من الإمارات «ديوا» و«مايكروسوفت» تناقشان حلولاً رقمية لدعم الاستدامة عادي العالم مؤشرات على انتهاك إسرائيل لاتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي عادي أخبار من الإمارات «الواعد الصغير» ينطلق في رأس الخيمة عادي العالم معركة تجسس معقدة واختراقات تحرِّك حرب إيران وإسرائيل عادي العالم الاجتماع الأوروبي الإيراني يفتح نافذة للدبلوماسية لوقف الصراع المدمر عادي التربية والتعليم جامعة الإمارات الـ 229 عالمياً في تصنيف «كيو إس» عادي أخبار من الإمارات «أولياء أمور الوسطى» يضع خطط عمل للفترة المقبلة قائمة السفلي خدماتنا أعلن معنا الاشتراكات دليل المدينة مواقع أخرى حوارات The Gulf Today مجلة كل الاسرة عن الخليج اتصل بنا إشترك بالنشرة الدورية للاشتراك بالنشرة الدورية يرجى إدخال بريدك الإلكتروني لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج" اشترك اقرأ الصحيفة على مواقيت الصلاة Social icons RSS Youtube Instagram Twitter Facebook Linkedin NabdSecondary footer menu سياسة الخصوصية فهرس الموقع وظائف أخبار خاصة © 2025. حقوق النشر محفوظة "لصحيفة الخليج"
شارع الخان، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، ص.ب. 30
هاتف 0097165777777
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات محمد سعيد القبيسي بل کان
إقرأ أيضاً:
محمد بن راشد: 45 مليار دولار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للإمارات في 2024 بنمو 48%
أشاد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، بالثقة الدولية في الاقتصاد الإماراتي، حيث كشف تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد)، أن حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدولة في عام 2024، بلغ 167 مليار درهم (45 مليار دولار ) بنمو 48% عن العام الذي سبقه
وقال سموه في تغريدة عبر حسابه في «إكس»: «في تصويت دولي على الثقة في اقتصاد دولة الإمارات.. ووفقاً للتقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدولة في آخر عام 167 مليار درهم (45 مليار دولار ) بنمو 48% عن العام الذي سبقه».
وتابع سموه:«واستحوذت دولة الإمارات على 37% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي على مستوى المنطقة ... ( من كل 100 دولار تأتي كاستثمارات أجنبية للمنطقة 37 دولار منها تتجه لدولة الإمارات). كما جاءت الإمارات في المرتبة الثانية عالمياً في عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة بعد الولايات المتحدة».
وأضاف: «هدفنا الجديد هو جذب تدفقات استثمار أجنبية مباشرة تبلغ 1.3 تريليون درهم خلال الستة أعوام القادمة باذن الله. لدينا أجندة تنموية واضحة رسمها محمد بن زايد.. ولدينا فريق عمل واحد ملتزم بتعليماته.. ولدينا شعب ملتف حول قيادته.. هذا هو سر نجاحنا».
وتابع سموه:«ورسالتنا من الإمارات: التنمية هي مفتاح الاستقرار.. والاقتصاد هو أهم سياسة».