لا تُمارس السياسة نفوذها في أروقة الحكم فقط، بل تمتد بأذرعها إلى الفنون والإعلام، لتُعيد صياغة الوعي الجمعي وتوجّه الرأي العام. والصراعات، مهما كانت جغرافية المنشأ، لا تبقى حبيسة الحدود، بل تجد طريقها إلى الشاشات، لتُصبح جزءا من "حرب الرواية" التي تسعى كل أمة من خلالها إلى ترسيخ سرديتها الخاصة.

ينطبق هذا بشكل جلي على الصراع المستمر بين الهند وباكستان، الذي اندلع منذ ولادة الدولة الباكستانية عام 1947، مخلفا 3 حروب كبرى وعددا من المواجهات العسكرية.

وعلى مدار العقود، لم تقتصر المواجهة بين الجارتين النوويتين على ميادين القتال فحسب، بل تسللت إلى تفاصيل الحياة اليومية، وكان للفن والسينما دور بارز في تأجيج الشعور القومي وتغذية الانقسام.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فيلم "ريستارت".. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراءlist 2 of 2فيلم "المخطط الفينيقي".. كم تدفع لتصبح غنيا؟end of list

وكثيرا ما كانت آلة الإعلام موازية لآلة الحرب في الصراعات بين أي بلدين، وينعكس ذلك في الفن والسينما، فالفيلم ليس مجرد قصة، بل خطاب سياسي مموه، ينقل العداء القومي تحت قناع الدراما، ويعيد تعريف الهوية ووضع الحقائق في السياق الذي يخدم صناع السياسة.

من بوليود (صناعة الأفلام الهندية) إلى لوليود (صناعة الأفلام الباكستانية)، كان الصراع الباكستاني الهندي حاضرا في صناعة الأفلام، إذ لا يتوقف هذا الصراع، بل يواصل تجذره في اللاوعي الجماعي من خلال الأفلام والسينما.

ولم يتوقف الصراع عند تشويه الطرف الآخر، بل وصل إلى تبادل حظر الأعمال الفنية في كلا البلدين، فمنذ عام 1965 الذي شهد الحرب الثانية بين البلدين، بدأ مسلسل حظر الأعمال الفنية، فقد كانت تحظر الهند المحتوى الفني الباكستاني، وتقابله باكستان بنفس الإجراء.

وأحدث موجات الحظر المتبادل بين البلدين كانت الشهر الماضي في ظل التوتر العسكري بين البلدين -والذي انتهى في العاشر من مايو/أيار الماضي بعد التوصل لاتفاق وقف لإطلاق النار- حيث حظرت الهند المحتوى الباكستاني. وكانت باكستان قد حظرت المحتوى الهندي منذ عام 2019 بعد أحداث بالاكوت في كشمير وإجراء مماثل من الجانب الهندي. كما شهد عام 2016 أيضا موجة حظر بعد اشتباكات متبادلة على خط السيطرة في كشمير.

إعلان السينما مرآة الصراع

يؤكد صانع الأفلام ووزير الثقافة الباكستاني الأسبق، جمال شاه، أن السينما لطالما كانت مرآة تعكس التوترات والتناقضات التي تشوب العلاقة بين الهند وباكستان. ويقول في حديثه لـ"الجزيرة نت": "لم يكن انفصال باكستان عن الهند حدثا سهل القبول لدى الجميع، فقد خلّف وراءه قضايا عالقة، أبرزها ملف كشمير، إلى جانب مشكلات أخرى لم تُحل. ولهذا، كانت السينما وسيلة فعالة في التعبير عن تلك التناقضات المتجذرة بين الجارتين".

ويتابع شاه، الذي يرأس حاليا مركز طريق الحرير الثقافي في إسلام آباد، قائلا: "في بداياتها، لم تكن السينما ذات طابع دعائي، بل كانت أقرب إلى الفن الخالص، تُعنى بالثقافة والترفيه. لكن مع تعقّد العلاقات بين البلدين، بدأت الأفلام، خاصة في الهند، تتبنى خطابا أكثر سياسية، يعكس التوترات القائمة، وينقل رسائل تتعلق بالقضايا الخلافية بين الدولتين".

صانع الأفلام ووزير الثقافة الباكستاني السابق جمال شاه (الجزيرة)

ويشير جمال شاه إلى أن نسبة كبيرة من الإنتاج السينمائي في بوليود تتبنى خطابا معاديا لباكستان، موضحا: "إذا ألقينا نظرة على السينما الهندية، سنجد أن ما بين 30 إلى 35% من أفلامها تحمل رسائل سلبية تجاه باكستان، وغالبا ما تربطها بالإرهاب أو التطرف، في محاولة لتشويه سمعتها أمام العالم".

ويضيف أن هذه الأعمال تتعمد تقديم الشخصيات الباكستانية أو المسلمة -حتى وإن كانت هندية- بطريقة نمطية ومبالغ فيها، تظهرهم كأنهم أشرار يتحدثون بلهجات مصطنعة وسلوكيات مشوهة، بعيدا عن الواقع الثقافي والاجتماعي لهؤلاء. ويؤكد أن السينما الباكستانية بدورها لم تكن بمنأى عن هذا التوجه، إذ لجأت في أحيان كثيرة إلى تقديم الشخصيات الهندية على نحو سلبي، في تبادل سردي يعزز العداء ويهمش الحقيقة المشتركة بين الشعبين.

من جانبه، يرى صانع الأفلام والمخرج رافع محمود أن هذا الخطاب السينمائي أصبح أكثر وضوحا في عهد حكومة ناريندرا مودي، حيث تحولت بوليود، حسب وصفه، إلى منصة لإنتاج أفلام دعائية تخدم توجهات سياسية معينة. ويقول: "بات من المعتاد أن يظهر في كل عدة أفلام شخصية "الشرير الباكستاني"، أو يتم تشويه صورة المسلمين، خاصة في الأعمال التي تعرض على منصات البث الرقمي، وكأننا أمام سينما دولة تمارس التمييز على أسس عرقية ودينية.

وأضاف رافع محمود في حديث للجزيرة نت: "بسبب كل هذه الدعاية الهندية المستمرة من خلال بوليود، أشعر أن الجمهور الهندي بدأ يرى الباكستانيين من خلال عدسة بوليود". ويتابع: في عهد مودي الأخير، استخدمت السينما كسلاح في الهند، وعلى سبيل المثال تدور العديد من أفلام أكشاي كومار وهريثيك روشان حول هزيمة باكستان.

ويعتقد محمود أن باكستان لم تكن تنتج أفلاما كافية للدعاية، وخاصة الدعاية الحربية ضد الهند، حتى إن ذلك تضاءل نوعا ما منذ أن أصبح لباكستان أعداء كثر على مستوى الجماعات المسلحة داخل باكستان. ويؤكد رافع، أن باكستان لم تستخدم السينما كوسيلة صراع ضد الهند، لكن الهند استخدمتها باستمرار.

تفوق هندي

المتابع لقطاعي السينما في كلا البلدين، يلاحظ بشكل واضح أن السينما وصناعة الأفلام الهندية تتفوق على نظيرتها الباكستانية بمراحل، لعدة عوامل، أهمها الميزانيات الضخمة وانتشار السينمات بشكل كبير في الهند، والدعم الحكومي.

وفيما يتعلق بالأفلام ذات الطابع السياسي، يقول جمال شاه: "في باكستان، نعم، أنتجنا أيضا بعض الأفلام، لكنها كانت سيئة للغاية مقارنة بالأفلام الهندية، ذات الميزانيات الضخمة، والتي بدت أكثر إقناعا، لكنها لم تكن مبنية على الحقيقة والواقع، لأنها حاولت تنميط الباكستانيين أو المسلمين".

إعلان

ويشير جمال شاه إلى التراجع الحاد الذي تشهده صناعة السينما الباكستانية، بالمقارنة مع جارتها الهند، قائلا إن القطاع يكاد يكون "معدوما" حاليا، رغم الكثافة السكانية الكبيرة في البلاد. ويوضح أن باكستان لا تمتلك سوى نحو 140 إلى 150 دار عرض فقط، في حين تضم الهند ما يقدر بين 40 إلى 50 ألف دار سينما، ما يعكس الفجوة الهائلة في البنية التحتية والدعم المؤسسي.

ويرى شاه أن أحد أهم أسباب ازدهار السينما الهندية هو الدعم الحكومي المتواصل. ويقول: "في الهند، يمكن لصانعي الأفلام الحصول على قروض من البنوك لتمويل مشاريعهم، في حين يفتقر صناع السينما في باكستان إلى مثل هذا الدعم المالي والمؤسسي".

ويؤكد أن النهوض بالسينما الباكستانية يتطلب استثمارات حكومية كبيرة، ويقدّر أن البلاد بحاجة إلى ما لا يقل عن 3 آلاف دار سينما لتتمكن من بناء صناعة قوية ومستدامة.

من جانبه، يعتقد المخرج رافع محمود أن آخر فترة ازدهار حقيقية للسينما الباكستانية كانت بين أواخر العقد الأول من الألفية وحتى عامي 2017-2018، مشيرا إلى أن أحد أبرز أسباب هذا الانتعاش المؤقت كان السماح بعرض أفلام بوليود في دور السينما الباكستانية، ما ساهم في جذب الجمهور وتنشيط السوق.

تأثير التوتر الأخير

رغم الخلاف الجيوسياسي بين باكستان والهند، إلا أن التقارب الثقافي والعرقي بين البلدين، خلق تبادلا ثقافيا وفنيا بينهما، حيث إن الأفلام والأغاني الهندية رائجة جدا في باكستان وكذلك الأعمال الفنية الباكستانية رائجة في الهند، وهو ما يثير التساؤل حول مستقبل هذا التبادل الثقافي والفني في ظل دمج السياسة في الأعمال الفنية.

وفي هذا السياق، عبّر جمال شاه عن خوفه، من أن التوتر الأخير بين البلدين، سيكون له تأثير كبير على قبول الشعب الباكستاني للأفلام الهندية وأيضا أن يكون له تأثير على التبادل الثقافي والفني في الأدب والأغاني والمسرحيات والأفلام.

ويتوقع شاه أن الشعب الباكستاني سيرفض المحتوى الهندي بشكل عام لأن المشاعر السائدة معادية لباكستان، ومعادية للمسلمين، حيث سيكون التأثير على جاذبية المحتوى للمشاهد.

من جهته يعتقد رافع محمود أن الأفلام التي تعرض في باكستان ستحقق نجاحا أكبر بكثير، لأن هناك شعورا ليس فقط بالوطنية، بل أيضا بملكية الجمهور لكل ما هو باكستاني، ويتابع قائلا إن الهند قد قدمت خدمة جليلة لصناعة السينما الباكستانية وللصناعة الإبداعية في باكستان.

وقال محمود إنه يوجه تقديره لكل الذين حاولوا إنجاز أعمال فنية مشتركة بين ممثلين باكستانيين وهنود، لكن يستطرد قائلا، إنه يشعر أن عرض الأفلام الهندية في باكستان سيُمثل إهانة كبيرة للبلاد، لا سيما "كيف تنمرت علينا الهند وعاملتنا وشوّهت صورة المسلمين حول العالم من خلال إعلامها".

امرأة كشميرية تمرّ أمام ملصقات الفيلم الباكستاني "باسم الله" (رويترز) أبرز الأفلام

فيما يلي نستعرض أبرز الأفلام الباكستانية والهندية التي عكست الصراع بين البلدين:

الأفلام الباكستانية: "قلب الأسد" (Sherdil)

يروي قصة طيار مقاتل باكستاني وهو حفيد طيار قُتل في مواجهات جوية مع الهند، يحقق حلمه في الالتحاق بأكاديمية القوات الجوية الباكستانية، حيث يواجه طيارين هنود في سياق تصعيدات جوية بين البلدين.

"الحرية" (Azaadi)

فيلم إثارة وحرب يركّز على صراع كشمير، حيث يجسد دور رجل كشميري يكرس حياته للنضال والحرية في كشمير، ويعلم ذلك للأجيال الصغيرة.

"الهجوم" (Yalghaar)

يستند الفيلم إلى قصة حقيقية حول عملية عسكرية ضد الإرهاب في منطقة سوات بإقليم خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان، ويشير الفيلم ضمنيا إلى دعم خارجي من الهند. وقد ساعد الجناح الإعلامي للجيش في إنتاج الفيلم.

"الشهيد غازي" (Ghazi Shaheed)

فيلم درامي وإثارة يتحدث عن فقدان الغواصة البحرية الباكستانية "غازي" في خليج البنغال، في ديسمبر/كانون الثاني 1971.

إعلان الأفلام الهندية "أوري: الضربة الجراحية" (Uri: The Surgical Strike)

فيلم أكشن مستوحى من الهجوم المسلح (أوري) عام 2016 على كشمير، حيث يتناول الفيلم رد الهند عبر "ضربة جراحية" ضد "المعسكرات الإرهابية" في الشطر الباكستاني من كشمير.

"راضية" (Raazi)

يتحدث الفيلم عن قصة حقيقية لفتاة هندية تعمل في جهاز الاستخبارات الهندي وتتزوج من ضابط باكستاني لتتجسس لصالح الهند في حرب 1971.

"حدود" (Border)

تدور أحداث الفيلم خلال الحرب الهندية الباكستانية عام 1971، وهو مستوحى من أحداث معركة لونجوالا (1971).

"خط السيطرة: كارجيل" (LOC: Kargil)

يروي قصة معركة كارجيل عام 1999 بين الهند وباكستان.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأفلام الهندیة الأعمال الفنیة صناعة الأفلام بین البلدین فی باکستان فی الهند محمود أن من خلال لم تکن

إقرأ أيضاً:

مسلسل المحتالون يجمع بوراك دينيز وهلال ألتنبيليك في دراما مشوقة

تستعد الساحة الدرامية التركية لاستقبال عمل جديد يحمل بصمة التشويق والإثارة بعنوان "Sahtekârlar" (المحتالون)، من إنتاج فريق مسلسل "القضاء" (Yargı) الشهير. المسلسل من تأليف وإخراج علي بلجين، وكتابة سيما إرجينكون، وتنتجه شركة Ay Yapım الرائدة في الأعمال الدرامية الناجحة.

اقرأ ايضاًبستمسو أوزدمير تعلن انفصالها عن بوراك دينيز.. وتعلق: أنا من برج السرطان

بطولة العمل تجمع بين النجم بوراك دينيز في دور المحامي إرتان أيدين، والممثلة المتألقة هلال ألتنبيليك التي تجسد شخصية ريحان، امرأة قوية وذكية تعيش في ضاحية فقيرة وتعاني من أعباء الديون بسبب إخوتها الثلاثة الذين يعملون كباعة ورق. في محاولة يائسة للخروج من أزمتها، تلجأ ريحان إلى الاحتيال لاستغلال أزمة اقتصادية تعصف بالحي الذي تسكن فيه.

View this post on Instagram

A post shared by Birsen Altuntaş (@1birsenaltuntas)

في المقابل، يظهر المحامي إرتان أيدين كشخصية عادلة ونزيهة، يعمل في مكتب محاماة يديره مع والده قادير، ويكرّس جهده للدفاع عن الضحايا. تنقلب حياة إرتان رأسًا على عقب بعد أن يُكلَّف بمهمة حساسة من قبل رجل النفوذ الغامض هدايت كوتمن، والذي يجسد دوره النجم تامر ليفنت. هدايت يطلب من إرتان العثور على ابنته غير الشرعية التي وُلدت قبل سنوات في ظروف غامضة.

اقرأ ايضاًموعد عرض مسلسل "حكاية ليلة" للنجم بوراك دينيز.. وقناة العرض

المسلسل يعد بمزيج آسر من الغموض، والتوتر، والخداع المتبادل، حيث "الجميع يكذب على الجميع". ومن المتوقع أن يحمل العمل مفاجآت درامية عديدة تُبقي الجمهور مشدودًا أمام الشاشات، وسط لعبة ذكية من الأوهام والحقائق.

كلمات دالة:بوراك دينيزأخبار المشاهيرأعمال المشاهيرهلال أنتيليك تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

هيا أبو جبارة محررة في قسم باز بالعربي

محررة في قسم باز بالعربي

الأحدثترند مسلسل "المحتالون" يجمع بوراك دينيز وهلال ألتنبيليك في دراما مشوقة أطعمة مثالية للعرسان لمنح الطاقة والحفاظ على الهدوء إذا شعرت أن رزقك متوقف ردد هذه الأدعية طريقة عمل عصير الشمام المنعش قواعد إتيكيت الرحلات مع العائلة Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • بيت شعبي عمره 200 سنة يتحول لمقهى جاذب للسياح بالأحساء
  • باكستان تعلن مقتل 33 مسلحا تدعمهم الهند حاولوا العبور من أفغانستان
  • باكستان تعلن مقتل 33 مسلحا تدعمهم الهند حاولوا العبور من باكستان
  • الحاجة للعودة لقراءة التاريخ ..في ظل قومية ومواطنة شمالية في طور التبلور
  • مقتل ثلاثة أشخاص جراء تفجير استهدف الشرطة الباكستانية
  • مسلسل المحتالون يجمع بوراك دينيز وهلال ألتنبيليك في دراما مشوقة
  • بسبب النفط الروسي.. ترامب يفرض ضرائب إضافية بنسبة 25% على الواردات الهندية
  • مدبولي: نُعد تصورًا دقيقًا لرؤية مصر حتى عام 2030
  • بين ماسك ومودي.. كواليس الصراع على حرية الإنترنت في الهند
  • قوات الإنقاذ الهندية تبحث عن مفقودين جراء فيضانات ضربت شمالي البلاد