عربي21:
2025-06-23@05:40:58 GMT

ما هو أبعد من نتنياهو

تاريخ النشر: 22nd, June 2025 GMT

أتصور أن "الجرأة الهجومية" التي تحدث بها توماس باراك، سفير أمريكا في تركيا ومبعوثها إلى سوريا، عن خريطة "سايكس بيكو" في 25 أيار/ مايو الماضي، لم تكن انفعالا عارضا، في نقاش عابر، احتدم فسطعت فوق رؤوس أطرافه ذات فجأة خريطةٌ لكوكب الأرض، واكتشفوا سبب الكوارث التي تلاحق الشرق الأوسط، فصاح أحدهم: لقد وجدتها، أو "يوريكا يوريكا" كما صاح عالم الرياضيات أرشميدس في طرقات صقلية في القرن الثالث ق.

م؟

وهذه الحادثة بالمناسبة -والتي سنرى أنها طريفة في هذا الوقت بالذات- كانت من أجل اكتشافه، لقوة "الطفو" عند وضع جسم في الماء، ومعرفة كثافة الجسم. لكن الأهم حينها، أنه اكتشف "معضلة التاج" التي أطاحت برأس الصائغ، الذي صنع تاج الملك من ذهب مغشوش، مخلوط بالنحاس.

"ذهب خالص.. ذهب مغشوش" حالة ذات أهمية عتيقة، سيكون لها حضور كبير، دائما في الأزمات والإشكالات! ليس هذا فقط، بل ورؤوس سيُطاح بها في مجرى هذا الحضور الدائم للذهب والرجال! وسيُكشف كل شيء عن كل شيء في وقت ما، و"تأبى الأرض التكتم" كما يقال.

* * *
نحن الآن أمام تاريخ يسقط، ليقوم مكانه تاريخ جديد، والآن، كما يقول الفيلسوف الإيطالي المعروف جرامشي، نمر بمرحلة "الوحوش الضارية" لإعادة إنتاج "الهيمنة".. أو في وضع قريب من ذلك
فنحن مثلا، لا نعرف "أسرار" لقاء روزفلت بالملك فاروق في (14 شباط/ فبراير 1945م) على ظهر الفرقاطة "كوينسى" في البحيرات المُرّة، قرب الإسماعيلية، وكأنه كان هناك حرص شديد على عدم إعلانه موثقا، رغم التباين الشديد فيما ذُكر عن هذا اللقاء، ما بين "ملك" يعتز بأجداده، ويريد الحفاظ على استقلال وكرامة بلاده، أو "ملك" بدا كطفل يلهو بألعابه، ويتشكى من معاملة الإنجليز.

لكننا عرفنا بخاصية "الفهم والاستنتاج" ما دار في هذا اللقاء. متى؟ بعد "فصل" السودان عن مصر سنة 1954م، وبعد "عملقة" إسرائيل سنة 1967م.. نقطة ومن أول السطر..

* * *

لقد كان هذا هو "الهاجس الغربي" الدائم واللحوح، للنظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، ومن يريد أن يملأ "زكائب الهواء" بما يحلو له من "حكايات" فليفعل.

لكن التاريخ، لا يعبأ إلا بما هو قائم بالفعل من حقائق على الأرض، في الحدود المقبولة طبعا للخطأ والصواب في مجرى التاريخ، وما من شأنه أن يكون، أو لا يكون.

ولدينا الأستاذ هيكل رحمه الله نموذجا متكامل النمذجة للحكايات، نظرا لأنه أكثر من تعرض وتناول الفترة الأخطر والأهم في التاريخ العربي الحديث (الخمسينيات والستينيات)، ونظرا لقربه وقتها من المركز الحساس لأعصاب الدولة كلها.

تحدّث كثيرا وكتب كثيرا ليبرر ما حدث، لكن "الأسرار" كلها تكشفت في شكل نتائج، وبقانون التدرج السببي للأشياء، عرفنا وفهمنا من أي مقدمات أتت هذه النتائج.

* * *

في مدار "الحكايات" وفن أن تكون دائما على صواب! سيكون لدينا خبر قصف المستشفيات حاضرا طازجا، وما قالته إسرائيل عن قصفها للمستشفى الأوروبي في غزة يوم 9 حزيران/ يونيو الجاري، وبين ما قالته عن قصف إيران لمستشفى سوروكا في بئر سبع بعدها بعشر أيام فقط (19 حزيران/ يونيو)! وبلا أي خجل، بل وبلا أي تحسب لردود الفعل في الرأي العام الدولي، وكما قال السفسطائي الشهير جورجياس: إن أهم أداة للسيطرة على الآخر، هي الكلام..!

دون فكر، دون معرفة، دون حقيقة، كل ما تحتاجه فقط هو "البلاغة".. هو حيل القول والكلام وخداعاته، في مزايدة احترافية لعوبة، وأيضا مقززة.

* * *

لم يأخذنا أرشميدس بعيدا في كل الأحوال، إذ يبدو أنه هناك الآن حالة "تعويم" للشرق الأوسط إلى حين الاهتداء إلى بديل لما وصفه المبعوث الأمريكي توماس باراك بـ"الخطأ ذي الكلفة على أجيال بأكملها"!!

الرجل يشير إلى اتفاقية سايكس بيكو (1916م) هكذا نصا فصا!.. وأضاف في منشور له على منصة إكس أن الغرب فرض قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات وحدودا، مرسومة بالحبر، وأن اتفاقية سايكس بيكو قسمت سوريا و"المنطقة"، لأهداف استعمارية، لا من أجل السلام، وأن المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل "المنطقة" وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل.

* * *

يقولون إنه ليس هناك أفضل من الحروب لحلحلة الأوضاع غير القابلة للاستمرار أو التطور، وهذا صحيح، الحرب بالفعل هي المحرك للتطور التاريخي عبر الزمن.

لن نتحدث هنا عن حديثا تقليديا بسيطا، عن "مؤامرة" تقف خلف ما يجرى الآن في الشرق الأوسط، من حرب كبيرة بين إيران وإسرائيل.. لماذا؟.. لأن حاضر التاريخ وواقع الجغرافيا، كانا قد تجهزا تجهيزا لهذه الحرب.. حاضر "ما بعد 7 أكتوبر".. طوفان الأقصى، الذي تداعت فيه وبه وبعده الأحداث، وتفاعلت، إلى أن وصلت لتلك "المواجهة الضارية" التي يراقبها ويترقبها العالم اليوم، وهو يحبس أنفاسه.

* * *

7 أكتوبر لم تكن مؤامرة من تلك المؤامرات الخبيثة، الذي اعتاد الشرق طويلا، على تلقيها، ثم الاضطراب في حبائلها، ثم محاولة التعاطي معها، بعد "فوات الأوان".. لا لم تكن كذلك.. لقد تم تبادل أدوار تاريخي، بين الأطراف الفاعلة والمفعول بها، ذاك أن "الطوفان" كان قد وضع العدو في ذات "المربع" الذي اعتاد الشرق أن يقبع فيه طويلا، متلفتا في استكانة، ليلتقي بمصيره الذي قرره له غيره.

كلمات الشهيد محمد الضيف في التحضير للطوفان، بالغة الوضوح، بالنظر لفكرة "التطور التاريخي عبر الزمن"، حين قال: نستطيع أن نغير مجرى التاريخ، ويكون لنا السبق في هذه الفترة الزمنية، ونحقق يوما من أيام الله..

هذا نص تقفز الكلمات والعبارات فيه قفزا، لتعبر عن حقائق جادة وجديدة تماما، على الواقع وعلى الوعي بهذا الواقع.

وعبارة "هذه الفترة الزمنية" تشير بوضوح إلى أن هناك فترات زمنية لاحقة، ستقوم على هذه الفترة الزمنية التي ستؤسس لما بعدها.. وهو ما حدث ويحدث بالفعل.

* * *

نحن الآن أمام تاريخ يسقط، ليقوم مكانه تاريخ جديد، والآن، كما يقول الفيلسوف الإيطالي المعروف جرامشي، نمر بمرحلة "الوحوش الضارية" لإعادة إنتاج "الهيمنة".. أو في وضع قريب من ذلك.

سيبدو نتنياهو في هذه المشاهد الكبرى صعلوكا ضئيلا، ودعيّا، تائها، في مهمة الضلال، يلعب به "الآخرون"، متوهما أنه يلعب بهم
لكن الملفت هو أن هناك بالتأكيد من دفع بالمواجهة لتكون على هذا المستوى "الضاري" الذي لا يمكن أن يكون غيره، لصنع المراد والمطلوب. إذ أي نظام سياسي في التاريخ لا يمكن أن يحتمل الاستمرار في العيش، بعد أن يُقتل له، في ضربة واحدة، كل هؤلاء القادة.. وكل هؤلاء العلماء.. استباحة تامة للجغرافيا والتاريخ، وكل ما من شأنه أن يُقر بمستوى رهيب من الإهانة والاستهانة. ويبدو أنه، كان لا بد أن يكون ما كان.. ليكون بحجم وأثار، ما هو كائن الآن.

* * *

وهنا سيتقاطع خط الأحداث، مع هذا التصريح الصاعق في توقيته لتوماس باراك، ذاك السبعيني القادم من عمق أعماق "السياسة الخفية".. ليقوم وبهدوء عميق، بالإشراف على تنفيذ أدوار انتقال وتحول بالغة الأهمية، في أوقات بالغة الدقة والحساسية.

دراساته الأكاديمية العليا، وتاريخه السياسي الزاخر، ونشاطه الاقتصادي والمالي الضخم، كل ذلك يشير إلى أن الرجل يتواجد الآن حيث ينبغي أن يكون.. أين؟ سفيرا لأمريكا في عاصمة البلاد التي بات على الجميع أن تمتد خيوطهم فيها ومعها، ومنها وإليها.. (تركيا).. وسواء كنت مرحبا بذلك، أم معارضا لذلك، فهذا هو واقع الحال.

* * *

سيبدو نتنياهو في هذه المشاهد الكبرى صعلوكا ضئيلا، ودعيّا، تائها، في مهمة الضلال، يلعب به "الآخرون"، متوهما أنه يلعب بهم.

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء سايكس بيكو الشرق الأوسط خرائط نتنياهو الشرق الأوسط نتنياهو سايكس بيكو خرائط قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة تكنولوجيا سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن یکون

إقرأ أيضاً:

بعد أكبر تسريب بيانات فى التاريخ.. كيف تحمى حساباتك من الاختراق؟

في حادثة وُصفت بأنها “الأكبر على الإطلاق”، كشف باحثون في الأمن السيبراني عن تسريب ضخم شمل أكثر من “16 مليار بيانات تسجيل دخول” لحسابات مستخدمين حول العالم، شملت خدمات كبرى مثل جوجل، فيسبوك، آبل، ومايكروسوفت، المفاجأة أن هذه البيانات لم تُسرق من داخل الشركات نفسها، بل جُمعت على مدار سنوات من أجهزة مصابة ببرمجيات خبيثة تُعرف باسم “infostealers”..

ما الذي حدث بالضبط؟
وفقًا لتحقيق نشره موقع Cybernews، تم العثور على قاعدة بيانات تحتوي على أكثر من 16 مليار زوج من أسماء المستخدمين وكلمات المرور، جُمعت من “30 تسريبًا مختلفًا”،الغريب أن هذه القاعدة كانت معروضة على الإنترنت لفترة قبل أن يتم حذفها، ومع أن هذه البيانات تحتوي على عدد كبير من التكرارات، إلا أن المحللين يحذرون من أن خطورتها تكمن في تنوع الحسابات واستخدام نفس كلمة المرور لأكثر من موقع، مما يجعلها كنزًا للقراصنة.

لماذا تمثل هذه الحادثة خطرًا على المستخدمين؟
* أغلب الناس يستخدمون نفس كلمة المرور في أكثر من حساب.
* بمجرد اختراق بريدك الإلكتروني، يمكن الوصول إلى كل حساباتك الأخرى عبر خاصية “نسيت كلمة المرور”.
* البرمجيات الخبيثة قد تسرق أكثر من مجرد بيانات دخول، مثل مفاتيح المصادقة الثنائية أو حتى أرقام بطاقات بنكية مخزنة.

كيف تحمي نفسك؟ خطوات ضرورية الآن
1. “غيّر كلمات المرور فورًا”
ابدأ بالحسابات الأساسية (جوجل – فيسبوك – البريد الإلكتروني – الخدمات البنكية). وابتعد عن كلمات المرور المتوقعة مثل: 123456 أو Password1.

2. “فعّل المصادقة الثنائية (2FA)”
استخدام كود يصل إلى هاتفك أو تطبيق خاص (مثل Google Authenticator) يضيف طبقة حماية إضافية يصعب تجاوزها.

3. “لا تحفظ كلمات المرور في المتصفح”
يفضل استخدام “مدير كلمات مرور موثوق” مثل Bitwarden أو 1Password لتخزين كلمات المرور بطريقة مؤمَّنة ومشفَّرة.

4. “استخدم خدمة “Have I Been Pwned””
ادخل بريدك الإلكتروني لتعرف إن كان قد تسرّب في اختراق سابق.

5. “راقب جهازك باستمرار”
استخدم برامج مكافحة الفيروسات، وراقب أي تصرف غريب أو بطء غير مبرر قد يشير إلى وجود برمجية تجسّس.

اليوم السابع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • التيار يردّ على جعجع: خطاب غوغائي زوّر التاريخ والحقائق
  • وقفة.. نتنياهو يقود شعبه للانتحار معه
  • بعد أكبر تسريب بيانات فى التاريخ.. كيف تحمى حساباتك من الاختراق؟
  • نتنياهو: استهداف ترامب المواقع النووية الإيرانية سيغير التاريخ
  • نتنياهو: قرار ترامب الجريء بضرب إيران سيُغير التاريخ
  • نتنياهو: قرار ترامب باستهداف منشآت إيران النووية سيغير التاريخ
  • غطرسة القوة في مواجهة منطق التاريخ
  • نتنياهو: عمل مُهم يُبذل الآن لتحقيق النصر المُطلق
  • ميسي يشيد برونالدو: أسطورة لا تزال تسطر التاريخ