«ترامب يُطلق الصواريخ.. .فهل تنفجر في وجهه؟!»
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
في زمنٍ فقدت فيه الحروب ملامحها، وتحوّلت فيه قرارات القتل الجماعي إلى تغريدات، وبلاغات الحرب إلى مؤتمرات صحفية مملة، استيقظ العالم ذات فجرٍ على رئيسٍ أمريكي يضغط الزر النووي كما يضغط زر "أعجبني" على تطبيق هاتفه. ترامب، الذي يحكم كما لو كان يقدّم موسمًا جديدًا من برنامج ترفيهي فاشل، قرر أن يُخرج آخر ما في جعبته من ألعاب نارية ويقذف بها على مفاعلات إيران، ربما بحثًا عن لحظة خلود.
في هذا العصر، لم نعد نحتاج إلى أسباب مقنعة لشنّ حرب، يكفي أن يشعر الرئيس بالملل، أو أن تنخفض نسبة شعبيته، أو أن يضجر من تغطية إعلامية لا تليق بـ"عظمته"، حتى يُرسل قاذفات الشبح، ويستدعي الصحفيين ليقول لهم: "لقد ضربناهم.. .من أجل السلام".
ثلاث ضربات جوية استهدفت مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، قيل إنها لمنع "القنبلة التي لم تُصنع بعد"، لكنها فجّرت في المقابل قنبلة سياسية داخلية في واشنطن، العاصمة التي تشبه مسرحًا للدمى حين يغيب النص وتعلو الأصوات.. .
الرئيس وأزرار اللعب بالنار
يبدو أن ترامب - الذي يعشق الظهور بمظهر "الرجل الحديدي" - لم يعد يفرّق بين أزرار التغريد وأزرار التدمير. فبعد سلسلة من التهديدات وتهويمات "الردع"، قرر أن ينفذ الضربة من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، مستندًا إلى تبرير غامض مفاده أن "الدفاع الاستباقي" لا يحتاج موافقة أحد.
لكن خلف الكواليس، ارتفعت تساؤلات أكثر خطورة: هل كان الدافع حماية الأمن القومي، أم تغطية على إخفاقات داخلية متراكمة؟ المواطن الأمريكي البسيط، الذي يُصارع أسعار الوقود وأقساط القروض، لا تعنيه الطرد المركزي في نطنز، بل يهمه أن تبقى ثلاجته ممتلئة، وأطفاله في مدارس آمنة.. .
الكونغرس.. .عاصفة دستورية
في قاعة الكونغرس، وبينما كان بعض الجمهوريين يصفقون للرئيس كما يُصفق لمهرّجٍ في سيرك، خرج ديمقراطيون يتهمونه بالانقلاب على الدستور. زعيمهم اتهمه بأنه "ضلّل الأمة"، بينما صاحت نائبة من نيويورك بأن ما حدث "يصلح أساسًا دستوريًا لعزله فورًا".
حتى بعض الجمهوريين بدوا مترددين، إذ قال نائب عن ولاية كنتاكي: "إعلان الحرب ليس من صلاحيات الرئيس وحده". كلمات قيلت على استحياء، لكنها تكشف أن الصدع يتّسع داخل الحزب نفسه.
وفي حين حذر أحد أعضاء مجلس الشيوخ من "تورط لا نهائي في حرب ليست حربنا"، تحدث آخرون عن الحاجة لإعادة النظر في قانون "صلاحيات الحرب" - ذاك القانون المهترئ الذي يُستخدم حين نرغب، ويُنسى حين يعلو دخان الصواريخ.. .
"ترامب غيت".. .هل يعيد التاريخ نفسه؟
في لحظة عبث سياسي، يبدو فيها التاريخ الأمريكي وكأنه يعيد نفسه، تُطرح الآن تساؤلات جدية: هل يكون ترامب، الرئيس الذي نجا من محاولات اغتيال إعلامي وسياسي متكررة، على موعد مع نهاية تشبه نهايات من سبقوه؟
فها هو يواجه الآن اتهامات تتجاوز "سوء التقدير"، إلى "تجاوز دستوري صريح"، في ملف إيران، الذي وصفه بعض المراقبين بأنه قد يتحول إلى فضيحة جديدة تُعرف باسم "ترامب غيت"، على غرار فضيحة "إيران غيت" في الثمانينيات، حين تلاعبت إدارة ريغان ببيع أسلحة لإيران في الخفاء!
وإن لم يكن ذلك كافيًا، فهناك من يقارن مسار ترامب بمسار ريتشارد نيكسون، الرئيس الوحيد في التاريخ الأمريكي الذي استقال قبل عزله رسميًا، على خلفية فضيحة "ووترغيت"، حين تم كشف تورطه في التجسس على خصومه داخل الحزب الديمقراطي.
هل تتكرر المشاهد؟ هل سنشهد خروجه من المكتب البيضاوي مدحورًا هذه المرة لا بطائرة رئاسية، بل بوثيقة إدانة شعبية وقانونية؟ الجواب معلّق في الهواء.. .تمامًا كصواريخه "الاستباقية".
أمريكا بين الحروب والكساد
الشعب الأمريكي لا يريد مجدًا نوويًا، بل يريد تغطية صحية مجانية وسوق عمل لا تبتلعه الروبوتات. الضربات الجوية - وإن بدت بطولية في نشرات الأخبار - لا تعني شيئًا لعامل المصنع الذي ينتظر راتب الأسبوع، أو للطالبة التي تسدد قروضها الجامعية من وظيفتين.
أما ترامب، فيبدو كمن يلعب آخر أوراقه: صدام خارجي يشعل به الداخل، أو يفجّر به لجنة عزله قبل أن تفتح ملفاتها. لكن هذه المرة، لا يبدو أن الجميع سيُصفق. فالعاصفة تهبّ من كل اتجاه، والصواريخ قد ترتد، لا على إيران.. .بل على مكتبه في الجناح الغربي.
وأمام هذه اللوحة المرتبكة، يبقى السؤال:
هل يكمل ترامب فترته الرئاسية محمولًا على أكتاف أنصاره المنتشين بالبارود؟
أم يُغادر البيت الأبيض محمولًا على وثيقة اتهام؟
هل ينجح في تصدير أزمته للعالم.. .أم يعود بها مضاعفة إلى الداخل؟
في أمريكا، كل شيء ممكن. فمن يطلق النار في الهواء، عليه أن ينتبه.. .فقد تسقط الرصاصة على رأسه.
وما بين زرّ الحرب وزرّ التغريدة، قد يُحكم على رئيس.. .أو يُكتب فصلٌ جديد من فوضى الإمبراطورية.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
[email protected]
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الذی ی
إقرأ أيضاً:
“عقل ترامب” السابق يحذر الرئيس الأمريكي ويهاجم نتنياهو: بحق الجحيم ..من أنت؟
#سواليف
في ما اعتبر مؤشرا على أن تصدعاً عميقاً يكبر داخل #معسكر_ترامب وداخل اليمين الأمريكي حول دور #واشنطن في #الشرق_الأوسط، وتحديداً بشأن العلاقة مع #الاحتلال_الإسرائيلي في ظل تصاعد #التوترات مع_إيران، نشرت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية تقريراً تناولت فيه التصريحات التي أطلقها كبير المستشارين الاستراتيجيين السابقين للرئيس الأمريكي دونالد #ترامب، #ستيف_بانون، والذي كان يوصف بأنه “العقل المفكر لترامب”، حينها، والتي هاجم فيها بشدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين #نتنياهو، متهماً إياه بمحاولة فرض أجندته على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خصوصاً فيما يتعلق بالصراع مع إيران.
وخلال ظهوره في برنامجه الإذاعي الشهير (في أوساط اليمين بشكل خاص) “غرفة الحرب”، وجه بانون انتقادات لاذعة إلى نتنياهو، متسائلًا: “من أنت بحق الجحيم لتحاضر على الشعب الأمريكي؟”.
بانون: الشعب الأمريكي لن يتسامح مع هذا الإملاء السياسي لنتياهو.. وعلى إسرائيل أن تتحمل مسؤولية خياراتها دون الاعتماد على الولايات المتحدة للدخول في مواجهات عسكرية لا يمكنها إنهاءها
مقالات ذات صلةوأضاف أن الشعب الأمريكي “لن يتسامح مع هذا النوع من الخطاب أو الإملاء السياسي”، مشيراً إلى أن على إسرائيل أن تتحمل مسؤولية خياراتها دون الاعتماد على الولايات المتحدة للدخول في مواجهات عسكرية لا يمكنها إنهاءها.
وأكد بانون، الذي يُعتبر من أبرز الأصوات في حركة “أمريكا أولاً” التي شكلت القاعدة الشعبية الأقوى لحملة ترامب، أن تدخل إسرائيل في التوجهات الأمريكية بشأن إيران يُهدد بإحداث شرخ داخل التحالف المحافظ، وقد يقوض احتمالات عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وقال بانون: “إذا تم جر الرئيس ترامب إلى هذه الحرب، فقد يكون ذلك نهاية لحركتنا. هذه ليست مزحة. هذا واقع يجب أن نواجهه بصراحة”.
وجاءت تعليقات بانون بعد تقارير إعلامية تحدثت عن موافقة ترامب سرًا على خطط عسكرية ضد إيران، لكنه لم يُصدر القرار النهائي بعد، على أمل أن تتراجع طهران عن مسارها النووي.
وفي هذا السياق، كان نتنياهو قد صرح لشبكة إيه بي سي نيوز قائلاً: “اليوم تل أبيب، غداً نيويورك”، في إشارة إلى ما يعتبره تهديدًا إيرانيًا يتجاوز حدود المنطقة، وهو ما رد عليه بانون بغضب، معتبرًا أن “إسرائيل تدفع الولايات المتحدة إلى سيناريو كارثي لا يمكنها الخروج منه”.
ولفتت “الانبدننت” هنا إلى أن بانون اتهم نتنياهو بإفساد مفاوضات إدارة ترامب مع إيران خلال فترته الرئاسية الأولى، مشيرًا إلى أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يكن يسعى إلى حل دبلوماسي، بل إلى تغيير النظام وتفكيك بنية الدولة الإيرانية”. ودعا بانون القيادة الإسرائيلية إلى تحمل مسؤولية أفعالها، قائلاً: “إذا كنتم ترون أن الهجوم على إيران ضروري، فقوموا بذلك وحدكم. كفى استخدام الولايات المتحدة كأداة لتصفية الحسابات الإقليمية”.
كما وجه بانون انتقاداته إلى وسائل الإعلام الأمريكية المحافظة، وخاصة قناة فوكس نيوز، التي قال إنها تحاول التأثير على ترامب لدفعه إلى الانخراط في الحرب. وبدا أنه يلمح بشكل مباشر إلى المعلق السياسي مارك ليفين، دون تسميته، معتبرًا أنه أحد أبرز الأصوات المؤيدة للتدخل العسكري والداعمة للاحتلال الإسرائيلي دون شروط.
واتهم بانون الشبكة، المملوكة لقطب الإعلام روبرت مردوخ، بأنها “سعت إلى تهميش ترامب سياسياً، وراهنت على شخصيات أخرى مثل رون ديسانتيس ونيكي هايلي، لكنها فشلت”.
بانون: أنا من أشد المؤيدين لإسرائيل، لكن إذا استمرت في جرنا إلى حرب إقليمية، فإن العلاقة الخاصة بينا ستكون على المحك، وقد تكون نهايتها ببساطة
وواصل بانون انتقاداته قائلاً: “إذا كان بعض المعلقين يرون أن انعزالية حركة “ماغا” ضرب من الحماقة، فليعلموا أننا لن نسمح بالتضحية بمصالحنا الوطنية في سبيل إرضاء أطراف خارجية”.
ووجه بانون انتقادات لاذعة إلى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، واصفا إياه بأنه من الأصوات الداعية الدائمة للحروب، ومتهما إياه بالضغط المستمر على ترامب للانخراط في المواجهات الخارجية.
وفي ختام حديثه٬ وجه بانون تحذيراً صريحا قال فيه: “أنا من أشد المؤيدين لإسرائيل، لكن إذا استمرت هذه الضغوط على الإدارة الأمريكية، وإذا استمرت إسرائيل في انتهاج سياسة الانفراد بالقرار وجر واشنطن إلى حرب إقليمية، فإن العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستكون على المحك. هذه قد تكون نهايتها ببساطة”.