دولة الاحتلال بعد 77 عاما: هشاشة مزمنة تستدعي البلطجي الأمريكي
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
بعد أكثر من 77 عاما على زرع المشروع الصهيوني في خاصرة الأمّة العربيّة والإسلاميّة، وبعد ما تلقّته "إسرائيل" من دعمٍ مطلقٍ وغير مشروطٍ من القوى الغربيّة، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تزال هذه الدولة، التي سُوّقت طويلا كـ"معجزة أمنيّةٍ وعسكريّةٍ وتكنولوجيّةٍ"، عاجزة عن حماية نفسها دون تدخلاتٍ خارجيّةٍ سافرةٍ، وتحديدا من "البلطجيّ الأكبر" في العالم: أمريكا.
لقد حشد الغرب، منذ لحظة الإعلان عن قيام هذا الكيان عام 1948، كل أدواته السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة والثقافيّة، لتحصين هذا المشروع الاستيطانيّ الغريب عن المنطقة. تمّ استقطاب آلاف العقول اليهوديّة من أوروبا وأمريكا وروسيا، ودُفعت المليارات من ميزانيات الدول الداعمة لتشييد "دولةٍ" على أنقاض شعبٍ، فقط لأنّه لم يكن "أبيضَ بما يكفي" في عيون المستعمرين.
وخلال العقود الماضية، بنَت إسرائيل ترسانة عسكريّة ضخمة، ضمّت أسلحة نوويّة غير خاضعةٍ لأيّ رقابةٍ دوليّةٍ، وطوّرت القبة الحديديّة المضادّة للصواريخ، وصدّرت تقنياتها السيبرانيّة لأنظمةٍ قمعيّةٍ حول العالم. وتحوّلت أجهزتها الأمنيّة إلى مدارسَ يتدرّب فيها القامعون من أمريكا اللاتينيّة إلى أفريقيا وآسيا.
"الأسطورة" بدأت تتآكل، ومنذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تكشّفت حقيقة هشاشة هذا الكيان، وتبيّن أنه ليس سوى كيانٍ وظيفيٍ يعيش على الدعم الخارجيّ، لا يستطيع الصمود يوما دون إسنادٍ عسكريٍّ أمريكيٍّ مباشرٍ
لكن هذه "الأسطورة" بدأت تتآكل، ومنذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تكشّفت حقيقة هشاشة هذا الكيان، وتبيّن أنه ليس سوى كيانٍ وظيفيٍ يعيش على الدعم الخارجيّ، لا يستطيع الصمود يوما دون إسنادٍ عسكريٍّ أمريكيٍّ مباشرٍ، ولا يحسم أيّ معركةٍ دون غطاءٍ سياسيٍّ أوروبيٍّ، أو تمويلٍ اقتصاديٍّ غربيٍّ مستمرٍّ.
في عدوانه الأخير على غزة، ومع استمرار المجازر بحقّ المدنيين، كان الاحتلال بحاجةٍ ماسّةٍ لقوافل الذخائر الأمريكيّة، والطائرات التي نقلتها، والأساطيل التي غطّت تحرّكاته. ليس هذا فحسب، بل إنّه، في مواجهة إيران، عجز عن خوض أيّ مغامرةٍ عسكريّةٍ دون تدخّلٍ مباشرٍ من واشنطن، التي قصفت مواقع نوويّة إيرانيّة، بينها فوردو، نيابة عن "تل أبيب"، وبطلبٍ واضحٍ منها، في تصعيدٍ خطيرٍ يُنذر بانفجارٍ أوسع للمنطقة.
أيّ دولةٍ هذه التي لا تستطيع خوض معاركها بنفسها؟! وأيّ "قوّةٍ عظمى" هذه التي تحتاج إلى "عضلاتٍ مستأجرةٍ" لتثبيت وجودها؟!
في الضفة الغربيّة، يتجلّى الوجه الحقيقيّ للاحتلال: اغتيالاتٌ، واختطافٌ، وهدمٌ لبيوتٍ، ومصادرةٌ لأراضٍ، وتجريفٌ لممتلكاتٍ، وسرقةٌ لأموال الأسرى، وسط صمتٍ دوليٍّ مريبٍ. أمّا في غزة، فالمشهد أكثر كارثيّة: إبادةٌ جماعيّةٌ، ومجاعةٌ، وحصارٌ خانقٌ، وانهيارٌ شبه تامٍّ للمرافق الصحيّة والخدميّة.
صحيحٌ أنّ "تل أبيب" تملك ترسانة ضخمة، لكنها تفتقر لأيّ شرعيّةٍ أخلاقيّةٍ أو إنسانيّةٍ، وصحيحٌ أنّ طائراتها تقصف بدقّةٍ، لكنّها تعجز عن تحطيم فكرةِ الحرّيّةِ التي تسكن في القلوب
ومع ذلك، لم يتوقّف التغوّل، فها هو المسجد الأقصى يُغلق لأيامٍ متواصلةٍ، وتُقتحم مصليّاته ليلا، وتُلقى المصاحف على الأرض، ويُعتقل حرّاسه بلا تهمةٍ. لم يعد شيءٌ يُحترم في ميزان الاحتلال، لا مقدّسات ولا قوانين.
لكن ما لا تدركه إسرائيل، هو أنّ المقاومة ليست مجرّد صواريخَ، إنّها وعيٌ يتراكم، وأجيالٌ تتشكّل، وإرادةٌ لا تُكسر، وحلفاء جددٌ يظهرون من طهران إلى صنعاء، ومن كيب تاون إلى شيكاغو.. إنّها فكرةٌ لا تموت، مهما بلغ حجم القصف، واتّسع مدى الحصار.
إسرائيل، بعد 77 عاما من الزرع القسريّ، لا تزال تتصرّف كطفلٍ مدلّلٍ مشاغبٍ، يُزعج الجميع، ويستنجد دوما بـ"والده المتنمّر" لينقذه من خصوماته. لا استقلالَ في القرار، ولا سيادةَ حقيقيّة، ولا أمانَ مستداما.
صحيحٌ أنّ "تل أبيب" تملك ترسانة ضخمة، لكنها تفتقر لأيّ شرعيّةٍ أخلاقيّةٍ أو إنسانيّةٍ، وصحيحٌ أنّ طائراتها تقصف بدقّةٍ، لكنّها تعجز عن تحطيم فكرةِ الحرّيّةِ التي تسكن في القلوب.
هكذا ستسقط "الدولة" التي لم تنضج يوما، وستبقى فلسطين، لأنّها الجرح الذي لم يمت، ولأنّها الحقيقة التي لا تغيب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء إسرائيل المقاومة فلسطين إسرائيل امريكا فلسطين مقاومة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة تكنولوجيا سياسة رياضة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عسکری ة
إقرأ أيضاً:
لماذا إعادة احتلال قطاع غزة فخ إستراتيجي؟ خبير عسكري يجيب
فجرت خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية– لإعادة احتلال قطاع غزة خلافا بين القيادتين السياسية والعسكرية، في حين وصفها رئيس الأركان إيال زامير بأنها "فخ إستراتيجي".
ووفق الخبير العسكري العقيد حاتم كريم الفلاحي، فإن إعادة احتلال قطاع غزة تعني خطرا كبيرا على حياة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة نتيجة العمليات العسكرية.
وأشار الفلاحي -خلال فقرة الجزيرة لتحليل التطورات العسكرية في القطاع الفلسطيني- إلى أن المنطقة التي لم يدخلها جيش الاحتلال سابقا لا تزال تمتلك بنى تحتية كبيرة، إذ لم تتعرض إلى أضرار باستثناء عمليات القصف الجوي في الفترة الماضية.
وبناء على هذه المعطيات، فإن جيش الاحتلال سيواجه بـ"مقاومة شديدة وشرسة في هذه المناطق"، مما يعرضه إلى استنزاف كبير على مستوى المعدات والقوى البشرية والقتالية وكذلك المستوى النفسي.
وتتضمن خطة نتنياهو احتلال مدينة غزة ودير البلح ومخيمات المحافظة الوسطى (النصيرات والمغازي والبريج والزوايدة) أو تطويقها.
كما تأتي خطة إعادة احتلال القطاع في وقت يواجه فيه جيش الاحتلال مشكلة حقيقية على المستويات الإستراتيجية والعملياتية والمالية والاقتصادية وكذلك الإنسانية، حسب الخبير العسكري.
في المقابل، تبدو القيادة العسكرية مترددة كثيرا في الذهاب إلى خيار الاحتلال الكامل، مما يعني سيطرة عملياتية كاملة على قطاع غزة، وما يتطلب ذلك من انخراط قطاعات كبيرة من الجيش داخل القطاع المحاصر.
وبدلا من الاحتلال الكامل، يفضل زامير السيطرة على محاور جديدة في القطاع على غرار محوري موراغ ونتساريم وتطويق مدينة غزة ومحاصرتها مع القيام بعمليات توغل محدودة إلى مناطق مختلفة بحيث لا تؤثر على حياة الأسرى المحتجزين.
وإذا لم تستجب فصائل المقاومة للضغط العسكري، فإن خطة زامير تقضي وقتها الذهاب إلى السيطرة الكاملة على القطاع.
إعلانوتقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا بغزة -20 على الأقل منهم أحياء- في حين يقبع بسجون الاحتلال أكثر من 10 آلاف و800 فلسطيني يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم.
ومنتصف أغسطس/آب 2005، بدأت إسرائيل في إخلاء 21 مستوطنة كانت تحتل نحو 35% من قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترا مربعا، وذلك بعد 38 عاما من احتلال القطاع الساحلي الصغير.