لجريدة عمان:
2025-08-11@11:42:01 GMT

ليس باستطاعتنا لوم النملة الضاحكة!

تاريخ النشر: 10th, August 2025 GMT

في غابات «ألماتي» وطبيعتها حادة التضاريس، والمكسوة باخضرار فاتن، كانت أغنية «أجراس العودة» للفنان التونسي لطفي بوشناق ترن في رأسي، فمن بين ثنايا الجبال هائلة الارتفاع -في بلد محروم من أي صلة ببحر أو نهر- كانت الكلمات تنبعُ لتمضي مع مياه وادي «المارسان» شديدة البرودة، جراء ذوبان الثلوج على رؤوس الجبال البعيدة.

آنذاك جمعتُ الماء بين يدي وتذوقتُ عذوبته بينما ارتفعت نبرة بوشناق المُتهكمة: «أجراسُ العودةِ إنْ قُرِعَتْ أو لمْ تُقْرَعْ فلِمَ العَجَلَة؟»!

هناك في قلب آسيا الوسطى التي عبرها المغول والروس، عبرت الكلمات المُوجعة، التي كتبها الشاعر السوري عماد الدين طه عام ٢٠١٨، مُحتجا على صفقة القرن، الصفقة التي لا تني تُزهقُ تحت عجلاتها المُسننة أجنحة الحلم العربي دون خجل أو رأفة!

انهمرت ندفُ الثلج فوق جبل «شمبولاك» في قلب النزهة العامرة بالمسرات، فانتابتنا قشعريرة لا محدودة، تماما كما فعلت الكلمات الجامحة: «العربُ بأخطر مرحلة وجميع حروفهم علّة»!

وبينما كان السائق «أصلان» الذي تلقى تعليمه في القاهرة وهو في عمر السادسة عشرة، يتحدثُ عن أهمية وجود اتحاد بين الدول ذات الأصول التي تشتركُ مع تركيا في اللغة والثقافة من قبيل: أذربيجان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، لتغدو جسرا بين قارتي آسيا وأوروبا، زلزل بوشناق الأرض الصلبة من تحتنا لتُعيدنا إلى واقعنا العربي المزعزع: «أغرتهم كثرتهم لكن، وبرغم جُموعهم قِلّة»!

أشرف إبراهيم في برنامجه المهم «المُخبر الاقتصادي»، أشار إلى استغلال إسرائيل للمنصات الاجتماعية لجمع التبرعات لشراء آلات القتل -لا سيما منصة الفيس بوك- وذلك بدعم من شركة «ميتا»، ولن يغدو الأمر خفيا عندما نعلم أنّ «جوردانا كوتلر» مستشارة نتنياهو، ومائة جندي وضابط سابق ممن يمثلون صوت إسرائيل يعملون في هذه الشركة، هنالك حيث يُسمحُ للسردية الإسرائيلية أن تنمو، بينما تُحذفُ مئات آلاف القصص الخارجة من جحيم المعاناة الفلسطينية!

وأتعجب حقا من بعضنا ممن تنازل -عن أضعف الإيمان- وأعني إعادة نشر قصص فلسطين مُعللين الأمر باليأس والقنوط، وكأنّهم لا يُدركون حجم الإرباك الذي يمكن أن تُحدثه قصّة واحدة في الرأي العام وفي الجدار الذي نظنه صلبا، ولنا أن نتصور أيضا السؤال الصعب: ١٠ ملايين إسرائلي يتحكمون في أكبر منصات العالم، بينما ٤٥٠ مليون عربي تُكتم أصواتهم وتشوه هويتهم! لأنّنا لا نملكُ منصات خاصة بنا، كما فعلت الصين مثلا عندما خرجت من عباءة الغرب.. يا إلهي: ألسنا حقا على كثرتنا قِلة!

في وادي «بوتاكوفكا» حيث يُحاصرك المكان بفتنته الأخاذة، تسيلُ المياه من علٍ، ويغمرك صوت الطيور بحنين جارف إلى حقول الطفولة شاسعة الامتداد، حقول تلونها الفراشات واليعاسيب، هنالك وحسب يصفعك بو شناق بسخريته اللاذعة كمن يقتنصُ منك بهجتك المتوهمة: «وبوادي النمل إذا عبروا، ستموت من الضحك النملة».. في الحقيقة، لا يمكن لهذه الكلمات إلا أن تُصيبنا في مقتل!

ويتعالى العبث عندما يُشير إلى جُحا الذي اشترط بقاء مسمار الحائط، ليُعطي نفسه شرعية العودة لزيارة مسماره: «مسمارُ الحائطِ ملكُ جُحا... سمسارُ الحيّ... وفي غفلة»، تلك الرمزية لمسمار يمنحُ كل الذرائع لوجودٍ مشؤوم، بل يُحرضُ السماسرة -وما أكثرهم- على البيع والشراء، بينما نحنُ العرب لا يمكن لأكثر من كلمة «غفلة» إلا أن تصفنا على نحو جيد!

العار والخزي يُوجعنا كلما شهدنا مُدنا مثل لندن ونيويورك وباريس وبرلين، تنتفضُ بمئات الآلاف من البشر الرافضين للتجويع المُمنهج في غزة، وعندما تُغلقُ المعابر تُسير السفن لمصير غامض، رغم الصرامة الأمنية وما قد يخسرونه جراء مواقفهم المُشرفة، فالحراك الغربي -اتفقنا أو اختلفنا- تُشكلُ مجتمعاته المدنية أوراق ضغط عميقة على الدول، الأمر الذي دفع بعضها لأن تفكر رسميا بالاعتراف بدولة فلسطين.

قد يظن البعض أنّ الشاعر عندما قال: «بازارُ الأرضِ المُحتَلّة»، قال ذلك على نحو من المبالغة، إلا أنّنا نعيشُ ما هو أشد وحشية من بازار تُعرضُ فيه الأرضُ للمناداة عليها.. إنّهم يُحدثون قيامة وحشية على مرأى العالم ومسمعه، بينما الموقف العربي فاقدٌ لرمزيته، مكبلٌ بالقيود، ولذا ليس لنا أن نلوم النملة الضاحكة!

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

خبير إسرائيلي: كذب نتنياهو حول المشاهد بغزة يدفع الجنود للانتحار

القدس المحتلة - ترجمة صفا

قال أخصائي اجتماعي وهو ضابط سابق بالجيش الإسرائيلي إن ما يدلي به رئيس الحكومة ووزرائه حول المعلومات الكاذبة بشأن غزة يثير موجة من حالة نفسية لدى الجنود في غزة ويزيد من فرص انتحارهم.

الأخصائي تولي فلينت وهو خبير في علاج الصدمات النفسية، وكان برتبة مقدم في قوات الاحتياط العسكرية، وقد أُرسل لتقديم الدعم النفسي للجنود الذين خدموا في غزة.

في العام الماضي، وبعد أن عالج العديد من الجنود واطلع على معاناة سكان غزة الشديدة، توصل تولي إلى استنتاج مفاده أن الحرب لا جدوى منها وأنها جريمة ضد الإنسانية، لذلك رفض الاستمرار في الخدمة في الجيش  الإسرائيلي.

وقال في مقابلة صحفية لصالح "سكاي نيوز": في بداية الحرب، كنا نشهد عادةً اضطراب ما بعد الصدمة البسيط؛ حيث أشخاص يتحدثون عن الأهوال التي شهدوها في الأسابيع القليلة الأولى من هجوم المقاومة الفلسطينية على البلدات المحاذية للقطاع.

وأضاف: ولكن منذ الشهر الثاني للحرب، بدأ الناس يتحدثون عن ما يحدث على الجانب الفلسطيني، حتى الإسرائيليين الذين لم يتحدثوا عن حقوق الفلسطينيين، أو أي شيء من هذا القبيل، بدأوا يتحدثون عن حقيقة أنهم رأوا جثث أطفال، وكبار السن، ونساء."

وقال الأخصائي الاجتماعي: إننا واثقون تماما أننا نتعرض للكذب من المسؤولين في الحكومة إزاء ما يحدث في غزة.

وحول سؤاله خول كيف يشعر الجنود عندما يستمعون إلى رواية بنيامين نتنياهو بأنه لا يوجد مجاعة في غزة - وأن الصور التي نراها كذبة؟
أجاب: يشهد الجيش الإسرائيلي ما يحدث في غزة بطريقة لا يستطيع معظم العالم، بما في ذلك الصحافيون الدوليون، أن يشاهدوها وعندما تسمع حكومتك وقادتك يقولون أشياء غير صحيحة، تبدأ بالتفكير، هل يكذبون عليّ أيضًا؟"

وأضاف: "عندما تسمع رئيس وزرائك يكذب بشأن الأشياء التي رأيتها في غزة، والأشياء التي فعلتها في الوقت تلذي يتحدث الإعلام عن حرق المنازل والقتل والتجويع والفوضى، حينها تتضارب أفكار عقول الجنود".

، ويتحدثون عن "موعد نهائي" - وليس استعارة - موعد نهائي عندما يعبر الناس سيُقتلون بغض النظر عما إذا كانوا أطفالاً أو نساءً... يرون الناس يتضورون جوعاً ويرون أيضاً الفوضى".

ويقول الاختصاصي: بعد قرابة عامين من الحرب، تُثقل التكلفة البشرية كاهل الإسرائيليين، مشيرا إلى أن الأزمة الإنسانية المتفشية في غزة أصبحت مصدر قلق عام كما أن قادة الجيش والاستخبارات السابقين يعارضون الحرب.

كما نقل عن مجموعة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، في تقديرها المهني، أن "حماس لم تعد تشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل" - وكتبت إلى دونالد ترامب تطلب منه إجبار بنيامين نتنياهو على إنهاء الحرب.

ويقول تالي فلينت إن هناك تآكلًا في الثقة بين الجنود وقادتهم.

ويضيف: "عندما تعود إلى المنزل وتسمع الكثير من رؤساء الأركان السابقين، ورؤساء الأجهزة الأمنية السابقين في إسرائيل - يقولون "لم يعد لهذه الحرب أي هدف"... تقول لنفسك: "أسمع من رؤساء الأركان السابقين أنني أقتل أسرانا بشن الحرب وأن حكومتي لا تزال ترسلني إلى هناك؟"

ويختتم بالقول: عندما ترى الصور التي رأيتها بأم عينيك، وتقول حكومتك: "لا، هذه كذبة، لا، هذه دعاية"، فهذا يجعلك لا تثق بالجميع كما أن ذلك يضاعف من احتمالات العبء العقلي والأخلاقي على الجنود.

وبحسب أرقام نشرتها صحيفة "هآرتس"، فقد انتحر ما لا يقل عن 17 جنديًا منذ بداية العام الجاري. وتفيد التقارير بأن المسؤولين يخشون من تفاقم الظاهرة إذا لم تتم معالجة الأثر النفسي بشكل كافٍ.

كما تشير الأرقام الرسمية إلى أن ما لا يقل عن 28 جنديًا إسرائيليًا أنهوا حياتهم بحلول أوائل 2025، أي ضعف العدد تقريبًا مقارنة بالسنوات السابقة.

وأقرت قوات الجيش الإسرائيلي بأن 21 جنديًا انتحروا في عام 2024، و17 في عام 2023 (وأن أكثر من نصف الحالات الأخيرة كانوا من قوات الاحتياط.

مقالات مشابهة

  • خبير إسرائيلي: كذب نتنياهو حول المشاهد بغزة يدفع الجنود للانتحار
  • كريستال بالاس يفاجىء ليفربول ويحرز لقب درع الاتحاد
  • أنس الشريف .. صوت غزة الذي فضح جرائم الاحتلال
  • ( ملحمية…. إلى الملتفتة)…،،وعيال العفنات)
  • عندما يحزن الأبناء
  • «سند عائله أشرف ذكي».. روجينا تحتفل بعيد ميلاد ابنتها بهذه الكلمات
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: إذ تستعيد هذه الخطوة نهج المؤتمرات التي سعت لتقسيم سوريا قبل الاستقلال فإن الحكومة السورية تؤكد أن الشعب السوري الذي أفشل تلك المخططات وأقام دولة الاستقلال سيُفشل اليوم هذه المشاريع مجدداً ماضياً بثقة نحو بناء ا
  • مصدر مسؤول في الحكومة السورية عن مؤتمر قسد: هذا المؤتمر خرق للاستحقاقات التي باشرت الحكومة السورية في تنفيذها بما في ذلك تشكيل هيئة العدالة الانتقالية وبدء أعمالها، ومسار الحوار الوطني الذي أطلقته الحكومة السورية في شباط الماضي والمستمر حتى إيصال البلاد إ
  • الحزن عندما «ترتقي» أرواح بريئة نحو السماء !