#موقف_عمومي
د. #هاشم_غرايبه
أثناء الخروج من المسجد، كان أحد المصلين ممسكا بفردة حذاء، ويتلفت يمنة ويسرة باحثا عن الفردة الأخرى، ويبدو أنه أسرف كثيرا في التحوط من سرقة الحذاء، فبالغ في إبعادها بعيدا عن أختها، لدرجة أنه نسي أين وضعها، في النهاية وجدها بعد أن ساعده آخرون، فسألته: هل سبق أن سرق حذاؤك من المسجد؟.
فقال: لا ولكن ذلك حدث مع آخرين، ولا أحب العودة الى البيت حافيا.
قصة سرقة أحذية المصلين من القصص الشائعة، وبالطبع لا يمكن أن يسرق مؤمن حذاء ولو كان بقيمة ألف دينار، فمن يترك بيته أو مكان عمله ليأتي للصلاة، لا يمكن أن يكون أتى لغير نوال الأجر من الله، وبالطبع لا يمكن أن يأتي بعمل يغضبه، فينال الإثم بدل المثوبة، لذا فمن يفعل ذلك فليس بمؤمن، وبالطبع فتظاهره بالإسلام هو للتخفي لأجل تحقيق غرض، وبالتالي لا يمكن أن يحسب عمله على المسلمين.
لو تتبعنا القصص المتعلقة بهذا الأمر، لوجدناها بنيت على حوادث قليلة نادرة، فسرقة الحذاء في هذا الزمن أمر تافه، لن تجلب نفعا لفاعلها، اذ أن الأحذية متوفرة، ولم يعد أحد يسير حافيا لقلة ذات يده، كما في العصور الغابرة، والحذاء الجيد لم يعد وقفا على الميسورين، فهو متوفر في سوق الأحذية المستعملة بأسعار زهيدة.
فما حقيقة الأمر إذاً؟.
من ينشر مثل هذه القصص وغيرها مما يثير الشبهات حول مدى تأثير الدين في تقويم النفوس هم معادو الدين، فهم يحاولون دوما الحط من شأن الدين وتسفيه فكر معتنقيه، تارة بتصويره على أنه فكر ماضوي متخلف، وتارة أخرى بأنه يحجر على العقل ويمنع حرية التفكير، كما أنهم يبررون عداءهم له بأنهم يرونه يثير النعرات ويولد المشاحنات بين اتباع المعتقدات المختلفة، وبأنه يخدر العقول ويدعو الى تقبل ظلم الظالمين وجورالحكام المستبدين.
بالطبع، فكل حججهم ساقطة فكل قياساتهم هي على الفكر الكنسي اللاهوتي، ويجيرونها على الإسلام بالقص واللصق، من غير تمحيص ولا تدقيق، الذي هو بعكس كل اتهاماتهم الباطلة.
هؤلاء المعادون وإن كانوا مسلمين اسميا بحكم سجل الأحوال المدنية، فهم غير منتمين للدين لأنهم لما يدخل الايمان في قلوبهم، إما نفاقا أو تكاسلا عن الالتزام بتشريعات الدين والعبادات، أو بخلا عن أداء الالتزامات المالية والأخلاقية التي يتطلبا التدين.
يدّعي هؤلاء ان الصلاح يمكن تحقيقه من دون الدين، بل يتهمون المتدينين أنهم يتاجرون بالدين للتغطية علىى فسادهم، أو لجذب الثقة، ويستدلون بقصة سرقة الأحذية من المساجد، على ذلك.
بداية يجب أن نفهم أن الدين هوالوسيلة الأفضل للصلاح، والضابط الأوثق للسلوكات، بل قد تكون الوسيلة الوحيدة لكل ذلك، حيث ان الوسائل البديلة كالوعظ والتوجيه التربوي واستثارة المحفزات الأخلاقية والوطنية، والخوف من العقوبة، قليلة النفع والاستجابة.
ويعترف معادو الدين بذلك حينما يتهمون المتدينين بأنهم يسعون بذلك لكسب ثقة الآخرين بحسن أخلاقهم، ومع ذلك فيمكن أن لا يحقق التدين الصلاح والاستقامة المفترضة، ولكن ذلك راجع الى الطبيعة الفردية وتغليب الأنانية لدى الشخص على المحفزات والردع التي يقدمها الدين.
ولفهم ذلك لنفترض أن شخصين دخلا كلية الطب، وكانا متماثلين في القدرات العقلية والتحصيلية وعلو الهمة والرغبة في التخرج كأطباء ناجحين، الجامعة أهلتهما كلاهما لذلك، وعلمتهما ان الطب مهنة انسانية، ويجب على الطبيب تقديم نفع الغير وخدمة المرضى على مدى المردود المالي المتحقق.
في الحياة العملية كلاهما كانا ناجحين من الناحية العلمية، لكن أحدهما كان جشعا محبا للمال ولجمع الثروة، واستغل أمواله في التسلق فحقق بإفساده مكانة مرموقة ومنصبا مؤثرا في المجتمع، والآخر كان رحيما بالناس يساعد المحتاجين ويرأف بحال المعوزين، فظل انسانا عاديا مغمورا وبعيدا عن أضواء الشهرة التي تحققها المناصب والمحسوبيات.
عندما نرى ذلك، هل نقول أن كلية الطب هي المسؤولة عن صنع الانتهازيين، أم نتهمها بأنها لا دور لها في تحقيق الصلاح، أم أن الأصوب أن نقول ان دورها أساسي ولا غنى عنه في غرس المثل العليا، لكن الفوارق الفردية في مدى التقبل والاستجابة، لها دور.
في النتيجة نخلص ان التدين يحقق الصلاح مع احتمال فشله مع البعض.
وقلة الدين تحقق الفساد مع احتمال أن ينجوالبعض منه. مقالات ذات صلة
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: موقف عمومي هاشم غرايبه لا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
“9 طويلة”.. ظاهرة يمكن القضاء عليها
في كل مرة يُخطف فيها هاتف على قارعة الطريق، أو تُزهق روح إنسان بريء وهو يدافع عن ماله، لا تُسرق الممتلكات ولا الأرواح فقط… بل يُختطف معها الإحساس بالأمان.
لم تكن “9 طويلة” مجرد تسمية شعبية لمجموعة من الجرائم، بل تحولت إلى واقع يومي مرير، وتهديد علني لسلطة الدولة وهيبة القانون. صارت المواتر، والأسلحة النارية والسكاكين جزءًا من مشهد بعض أجزاء ولاية الخرطوم، وصار المواطن العادي في كثير من الأحيان هدفًا سهلاً لعصابات تتحرك بثقة مقلقة، كأن الشارع لهم.
لكن مهما تفاقمت هذه الظاهرة، فهي ليست أقوى من الدولة، ولا أدهى من القانون.
“9 طويلة” يمكن القضاء عليها، لا بالبيانات ولا بالتمنيات، بل بالخطط الذكية، وبإرادة تنفيذ لا تتردد. المطلوب ببساطة أن نرفع هذه الظاهرة إلى مستوى الأولويات، وأن نُعلن بوضوح أن القضاء على “9 طويلة” هدف استراتيجي لا مساومة عليه، يتم تحقيقه في أو قبل نهاية العام 2025م.
وهنا تبرز أهمية أن يُصاغ هذا الهدف وفق منهجية الأهداف الذكية (SMART Goals)، بحيث يكون:
محددًا (Specific)
قابلًا للقياس (Measurable)
قابلًا للتحقيق (Achievable)
مرتبطًا بالأولويات (Relevant)
ومقيدًا بزمن (Time-bound)
حين نُخضع ظاهرة مثل “9 طويلة” لهذا النموذج، نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو الحل، لأننا نعرف ما نريد، ومتى، وكيف.
والحق يُقال، إن قيادة الشرطة لم تقصّر.
وفّرت المعينات، ودفعت بوسائل الحركة، وأبدت استعدادًا كاملاً لتبني هذه المعركة الأمنية كملف خاص يستحق كل الجهد.
وما تبقى الآن هو التطبيق الميداني المنضبط، ووحدة القيادة، وتكامل الجهود بين الإدارات المختلفة، بدءًا من الدوريات وحتى التحريات، ومن المعلومات وحتى غرف العمليات.
نحن لا نطلب المعجزات. نطلب فقط أن نعيش في مدينة لا يحكمها الخوف، ولا تتحكم فيها المواتر. أن تتمكن فتاة من المشي في الشارع دون أن تُمسك بحقيبتها كأنها في سباق نجاة، وأن يستخدم الناس هواتفهم دون أن يتلفتوا كل لحظة خلفهم.
“9 طويلة” لن تُهزم بالكلام، ولن تنتهي من تلقاء نفسها. ستبقى طالما سمحنا لها بالبقاء، وسترحل متى ما قررنا أن نهاجمها بالجدية التي ظهرت بها.
لقد آن الأوان أن نستعيد الشارع، وأن نعيد للمواطنين شعورهم البسيط والمشروع بالأمان. ما نطلبه ليس ترفًا… بل أبسط حقوقنا: أن نمشي آمنين.
✍️ عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان
٩ يوليو ٢٠٢٥م
إنضم لقناة النيلين على واتساب