سربرنيتسا- "أصعب ما في الأمر أنني لم أجد رأس ابني بعد، وعندما أجده، سأجد السلام". كلمات قليلة قالتها السيدة راميزا غورديتش للجزيرة نت، تتجلى فيها فظائع الإبادة الجماعية في سربرنيتسا.

قبل 30 عاما، كان لدى راميزا زوج وولدان وابنة. أما اليوم، فلديها ابنة فقط. قتلت القوات الصربية زوجها وولديها و32 آخرين من أقاربها خلال أيام المجزرة الستة الممتدة من 11 حتى 16 يوليو/تموز عام 1995.

ولا تزال تبحث عن عظام ولديها منذ ذلك الحين.

دفنت ابنها مصطفى عام 2005. أما ولدها مهر الدين، فدفنت بعض عظامه عام 2011، ثم وجدت جزءا آخر ودفنته عام 2022، لكن جسده لا يزال ناقصا. لم تتمكن الأم المكلومة من العثور على رأس ابنها. وتقول "لقد أنجبته جميلا مكتمل الجسد، لكنني لم أستطع بعد أن أدفنه كاملا".

راميزا كغيرها من الأمهات اللواتي فقدن أحباءهن خلال مجزرة سربرنيتسا، يناضلن من أجل تحديد مواقع المقابر الجماعية.

طريق الموت

ولا يزال "طريق الخلاص" أو كما يُطلق عليه "طريق الموت"، حيا في ذاكرة خير الدين ميشيتش. فقد نجا من موت محقق طال إخوته الأربعة حينما تمكن من سلوكه وصولا إلى المناطق الآمنة.

هذا الطريق، الذي يمتد طوله لنحو 100 كيلومتر، ويحتاج ما بين 6 إلى 10 أيام لعبوره، كان طريق الهروب المروع الذي سلكه آلاف الرجال والفتيان البوسنيين محاولين الفرار من الأراضي التي يسيطر عليها الصرب بعد سقوط سربرنيتسا. وجراء عمليات الإعدام والكمائن والقصف والأسر، سُمي "طريق الموت" بدلا من "طريق النجاة".

ويروي خير الدين للجزيرة نت عن نجاته، قائلا: "في 11 يوليو/تموز عام 1995، وتحت وابل من الرصاص، اضطررتُ إلى الفرار من المنزل الذي كنت أعيش فيه. مشاهد الناس يتدفقون نحو بوتوتشاري، وفي بولييم، لا أستطيع نسيانها". وشاهد خلال رحلة هروبه المرعبة عبر "طريق الموت" طوابير الجرحى، وأناسا يحملون المصابين تمسكا بأمل ضئيل للنجاة.

إعلان

ويتحدث خير الدين عن "كامينيتشكي بردو"، التي نصب فيها الصرب كمين بوكفا، أكبر كمين للفارين من سربرنيتسا: "كانت هناك مشاهد لا تُرى حتى في أكثر الأفلام رعبا. ترى الناس يموتون ولا تستطيع مساعدتهم بأي شكل من الأشكال. كان الأمر صعبا للغاية، خصوصا على الأقارب. يمكنك أن تتخيل أبا جريحا، أو رجلا أصيب أخوه، أو كلاهما جريحان، ولا يستطيعان مساعدة بعضهما البعض".

ذوو الضحايا بين شواهد القبور في المقبرة التذكارية بقرية بوتوكاري القريبة من مدينة سربرنيتسا (الفرنسية) كمين قاتل

قُتل اثنان من إخوة خير الدين في بداية الحرب، واثنان آخران خلال محاولتهما الفرار عبر "طريق الموت". ويستذكر آخر اللحظات التي رأى فيها أخاه صفوت: "آخر مرة رأيته فيها كانت في بوكفا. كنت على وشك توديعه ومعانقته قبل أن يباغته الصرب بطلقات نارية قاتلة".

ومما يزيد مأساته أنه حتى اليوم لم يعثر على شقيقه، ويضيف: "أبحث عنه منذ 30 عاما، ولم أتمكن حتى من معانقته ولو لمرة أخيرة".

وبوكفا منطقة ذات غابات جبلية كثيفة في بلدية زفورنيك. تقع على طول إحدى المراحل الأخيرة من طريق الهروب من سربرنيتسا إلى توزلا. وكان الكمين فيها موقعا لمقتل المئات وإصابة الآلاف من الفارين. ورغم عدم وجود أرقام نهائية دقيقة، يُقدر عدد من قتلوا فيه بألف شخص، في حين أُسر فيه ألف آخرون.

ويصفه أحد الناجين، قائلا: "كان بإمكانك سماع صراخ الناس يتوسلون النجدة. كانت الغابة تمطر رصاصا. رأيت أصدقاء يسقطون بجانبي. بقيت أزحف لساعات".

وفي هذا الكمين أيضا، رأى الناجي خيرو كاريتش للمرة الأخيرة إخوته الثلاثة سابان ورفيق ورؤوف، قبل أن يدفنهم في مقبرة ضحايا مجزرة سربرنيتسا في بوتوتشاري.

مواصلة البحث

في عام 2000، بدأت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بجمع ملفات الحمض النووي من عائلات المفقودين في يوغوسلافيا السابقة، بما في ذلك عائلات من سربرنيتسا، باستخدام تقنية قواعد البيانات المُخصصة. وقورنت الملفات بالحمض النووي المُستخرج من الرفات البشري التي عُثر عليها في مقابر جماعية وسرية.

وبحسب موقع اللجنة، أتاحت هذه التقنية تحديد هوية الضحايا بيقين علمي مطلق وإعادة تجميع الرفات البشرية التي عُثر عليها في مئات القبور. وتُجرى كل عملية استخراج رفات بدقة وعناية، فكل قطعة عظم تستخرج تصبح جزءا من فسيفساء علمية تُعيد هوية الضحايا وتكشف عن سرد حقيقي لما حدث.

أجرت اللجنة أول مطابقة لصبي يبلغ من العمر 15 عاما من سربرنيتسا عام 2001. بعد ذلك، ازداد عدد الأشخاص الذين تم التعرف عليهم. وقد قدم أكثر من 20 ألفا من أقارب المختفين في يوليو/تموز 1995 عينات وراثية ومعلومات ذات صلة بأقاربهم المفقودين، مما أتاح التعرف بشكل قاطع على هوية أكثر من 7 آلاف ضحية من ضحايا الإبادة الجماعية. ولا تزال عمليات التعرف جارية.

وفي 11 يوليو/تموز من كل عام بعد المجزرة، يدفن أهالي سربرنيتسا رفات الضحايا التي يجدونها. وأمس الجمعة، جرى دفن أجزاء من رفات 7 ضحايا في مراسم حظيت بتغطية إعلامية واسعة. ولم يتم العثور حتى الآن على نحو ألف من ضحايا أكبر المجازر على الأراضي الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات من سربرنیتسا طریق الموت یولیو تموز خیر الدین

إقرأ أيضاً:

فيصل سباعنة.. مسن فلسطيني يصارع الموت في الاعتقال الإداري

جنين- على قلق تتابع نادية سباعنة (أم إبراهيم) الأخبار "الشحيحة" حول تدهور الوضع الصحي لزوجها الأسير المسن فيصل سباعنة (65 عاما) من بلدة قباطية جنوبي مدينة جنين شمال الضفة الغربية، والمعتقل إداريا منذ 26 شهرا مضت في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

والاعتقال الإداري يتم بموجبه اعتقال الفلسطينيين وفقا لأوامر عسكرية إسرائيلية بذريعة وجود ملف سري يدين المعتقل، دون توجيه لائحة اتهام أو محاكمة، لعدة أشهر قابلة للتمديد عدة مرات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بيلاروسيا تفرج عن عشرات المعارضين بعد محادثات مع الولايات المتحدةlist 2 of 2استشهاد أسير فلسطيني داخل سجن عوفر الإسرائيليend of list

في حديثها للجزيرة نت، تحدثت أم إبراهيم عن تفاصيل الحالة الصحية التي يعانيها زوجها مؤخرا؛ إذ نُقل ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من سجن نفحة إلى مستشفى سوروكا إثر تعرضه لنوبة قلبية حادة، وذلك بعد أن كانت إدارة السجن قد رفضت نقله إلى المستشفى بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول حين باغتته النوبة للمرة الأولى.

وقالت إن الفحوصات لاحقا أظهرت وجود انسداد في الشرايين تزامنا مع التهاب حاد في المرارة، مما استدعى تدخلا طبيا عبر إحداث ثقوب في البطن وتثبيت أنابيب طبية، موضحة أن محاميا (لم تسمّه) زاره في 2 ديسمبر/كانون الأول الجاري وأكد أنه لا يزال يعاني من التهاب حاد في المرارة ويخضع للعلاج بالمضاد الحيوي عن طريق الوريد.

1️⃣ معاناة متراكمة وإهمال طبي يهدد حياة أسيرين فلسطينيين في سجون الاحتلال أحدهما مسن في ظروف قاسية#الجزيرة #ألبوم ⏬ pic.twitter.com/1mXeQMJgpl

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 9, 2025

مخاوف العائلة

أكثر ما يوجع عائلة الأسير الفلسطيني هو اعتداء المسعفين عليه بالضرب داخل سيارة الإسعاف أثناء نقله غير آبهين لوجعه وآلام قلبه ومرارته. وقالت الزوجة "رفض أبو إبراهيم البقاء في المستشفى لاحقا وفضل العودة لعيادة السجن، هربا من تكبيل يديه وقدميه في السرير على مدار الساعة، وهو ما اعتبره تعذيبا إضافيا لا يطاق".

إعلان

يعاني الأسير فيصل سباعنة من أمراض مزمنة سابقة للاعتقال، منها الضغط والسكري ومشاكل في الغضاريف، وقد أجرى عمليتي قسطرة سابقا، وأمضى في سجون الاحتلال ما مجموعه 15 عاما.

وسط هذه المعاناة والتفاصيل الموجعة أعربت أم إبراهيم عن "رعبها الحقيقي" من فقدان زوجها داخل الأسر، مضيفة "قلت للمحامي وللجميع أنا غير مستعدة نهائيا لسماع خبر استشهاده أو أن يقول لي أحد الله يرحمه".

وأشارت إلى أن زوجها رجل مسن ومريض، ومع ذلك يتم التعامل معه بإهمال طبي متعمد وتجويع ممنهج كجزء من سياسة الاحتلال تجاه الأسرى في العامين الأخيرين خاصة.

هذا الغياب الممتد لما يزيد عن العامين، انعكس بشكل جلي على زوجته التي بقيت وحيدة في المنزل بعد أن زوّجت أبناءها السبعة. ورغم التفاف الأبناء والأحفاد حولها ليلا ونهارا، فلا شيء يعوضها عن شريكها الذي خلف غيابه "فراغا قاتلا" كما وصفته، فتقول "أنا ما لي إلا زوجي، وزوجي ما له إلا أنا".

أبو إبراهيم الذي يتسم "بحنانه المفرط"، والذي تجمعه علاقة وصفتها زوجته "بالرائعة جدا" مع عائلته، هو جد لـ21 حفيدا.

وأوضحت أم إبراهيم -بمرارة- أن فترة اعتقاله الحالية شهدت الكثير من التغييرات والأحداث العائلية مثل ولادة 3 أحفاد جدد لم يرهم قط، ولا يعرف سوى أسمائهم، حيث حُرم من رؤية صورهم أو سماع أصواتهم، في ظل انقطاع كامل لأي وسيلة تواصل بصرية أو صوتية معه.

سباعنة أمضى في سجون الاحتلال ما مجموعه 15 عاما (الجزيرة)تعنت قانوني

بدوره أكد المحامي أشرف أبو سنينة المتابع لملف الأسير فيصل سباعنة أن الوضع الصحي للأسير سباعنة (65 عاما) يشهد تدهورا خطيرا ومستمرا منذ شهرين، حيث خضع لعملية جراحية ويعاني من التهابات حادة ومشاكل في الأمعاء.

وأشار أبو سنينة خلال حديثه -للجزيرة نت- إلى تدخل منظمة "أطباء بلا حدود" لمحاولة الضغط للإفراج عنه، إلا أن ذلك لم يسعف حالته حتى الآن، محذرا من خطورة حقيقية على حياته قد تؤدي إلى استشهاده، وهو ما تخشى العائلة وقوعه.

ولفت أبو سنينة إلى أنه ورغم وجود توصيات سابقة من المحكمة الإسرائيلية بإنهاء ملفه الإداري، فإن المخابرات الإسرائيلية ترفض الإفراج عنه وتواصل تجديد اعتقاله. وقال "قدم الدفاع طلبات لتعيين جلسة مستعجلة وللإفراج عنه نظرا لظروفه الصحية، إلا أن المحكمة لم تحدد موعدا للاستئناف حتى الآن".

وأكد المحامي على انعدام المسوغ القانوني لاستمرار اعتقاله، حيث إن الأسير رجل مسن ومريض يقضي وقته في العلاج، مما ينفي ذريعة كونه "خطرا على أمن المنطقة" التي يتذرع بها الاحتلال.

الشهيد الأسير صخر أحمد زعول (26 عاما) هو ثاني معتقل يرتقي في سجون الاحتلال خلال أسبوع مع تصاعد جرائم التعذيب والتنكيل بحق الأسرى الفلسطينيين https://t.co/1PznBS4Pnc

— بوابة اللاجئين الفلسطينيين (@refugeesps) December 14, 2025

تحذيرات رسمية

من جهتها، حذّرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين (رسمية) على لسان المتحدث باسمها ثائر شريتح، من التدهور الخطير الذي طرأ على الوضع الصحي للأسير فيصل سباعنة، مشيرا إلى أن الاحتلال يتعامل مع حالته بـ"لامبالاة" قد تودي بحياته. في تكرار لسيناريو الإهمال الذي أودى بحياة عشرات الأسرى سابقا.

إعلان

وأشار شريتح خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن سباعنة هو ضحية لسياسة "الاعتقال الإداري" التي يحتجز الاحتلال بموجبها أكثر من 3500 أسير فلسطيني بلا تُهم أو محاكمات، واصفا ما يجري بأنه "عقاب جماعي" وعنجهية تضرب بعرض الحائط كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، حيث بات كل مواطن فلسطيني مهددا بهذا الاعتقال التعسفي في أية لحظة.

وفي سياق الحديث عن واقع الحركة الأسيرة، كشف شريتح عن ارتقاء 86 شهيدا داخل السجون خلال العامين الماضيين، معتبرا ذلك "جريمة متواصلة ومتراكمة" تتغذى على غياب المساءلة الدولية. وأكد أن استمرار الصمت الدولي وعدم تدخل المؤسسات الحقوقية يمنح الاحتلال الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه.

وأوضح شريتح أن هيئة الأسرى طالبت مرارا، وعلى مدار عامين، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الصحية بالتدخل وتشكيل طواقم طبية لمعاينة الواقع الخطير داخل السجون، إلا أن الأسرى تُركوا للاستفراد بهم من قبل السجانين.

وقال "ما يتعرض له الأسرى من تعذيب وتنكيل ليس سلوكا فرديا، بل هو نتاج "سياسات ممنهجة" تحظى بدعم مالي وسياسي مباشر من حكومة نتنياهو وأعلى الأوساط العسكرية والسياسية في إسرائيل، التي ترفض التعامل مع أي جهة فلسطينية رسمية لمتابعة شؤون الأسرى".

مقالات مشابهة

  • والدة السباح يوسف محمد: هفضل وراء حق ابني.. وأنتظر نتائج تحقيقات النيابة
  • فيصل سباعنة.. مسن فلسطيني يصارع الموت في الاعتقال الإداري
  • الموت يفجع عادل إمام بوفاة شقيقته إيمان
  • الموت يفجع الزعيم.. عادل إمام يودع الغالية
  • جوتيريش: الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام في جنوب كردفان ترقى إلى جرائم حرب
  • عبر الخريطة التفاعلية.. ما أهمية المنطقة التي وقع فيها كمين تدمر؟
  • المنخفض الجوي يضاعف محنة النازحين بمخيمات غزة
  • في أنغولا.. متحف العبودية يشهد على أعظم فظائع التاريخ
  • غوتيريش: اجتماعات مرتقبة في جنيف مع طرفي النزاع في السودان
  • مركز حقوقي يكشف فظائع من انتهاكات الانتقالي خلال اجتياحه المحافظات الشرقية لليمن