تصعيد خطير.. خبير أردني يكشف تداعيات قرار الكنيست بضم الضفة وغور الأردن
تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT
فلسطين – وصف أستاذ العلوم السياسية الدكتور الحارث الحلالمة قرار الكنيست الإسرائيلي بالموافقة على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن بأنه تأكيد على النوايا الإسرائيلية .
ووافق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 71 نائبا من أصل 120 على مقترح يدعو إلى ضم الضفة الغربية وغور الأردن، في خطوة تعكس توجها لتثبيت السيادة الإسرائيلية على المناطق المحتلة، وجرت في الكنيست مناقشات تمهيدًا للتصويت على هذا القرار الذي قدمه عدد من أعضاء الائتلاف الحاكم قبل بدء العطلة الصيفية.
وحظي المقترح بدعم كافة أحزاب الائتلاف الحاكم بالإضافة إلى حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض، وأكد وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين تأييده للمشروع معلنًا نيته التصويت لصالحه، في حين دعا رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات بنيامين، يسرائيل غانتس، الحكومة إلى تنفيذ القرار وتحويله إلى واقع عملي، مشيرًا إلى أن فرض السيادة على تلك المناطق يعد خطوة أساسية لتعزيز أمن إسرائيل.
وقال أستاذ العلوم السياسية بالأردن في حديثه، أن هذا القرار يشكل تأكيد على النوايا الإسرائيلية بالاستمرار في ضم الضفة الغربية لتكريس واقع جديد من شأنه أن يهدد كل فرص السلام والحلول السياسية التي تؤدي لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ووصف “الحلالمة” هذا الإجراء بانه يشكل استمرار لأعمال كرستها الحكومة اليمينية لتنفيذ مشروعها بقضم الأراضي والتوسع الاستيطاني والتضييق على حياة الفلسطينيين من خلال إقامة الحواجز ومنع المنظمات الدولية من العمل، خاصة وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين “الأونروا” والتضييق الاقتصادي على حياة الفلسطينيين لتهجيرهم.
يأتي قرار الكنيست في وقت تشهد فيه الضفة الغربية تصعيدا في التوترات، مع استمرار بناء المستوطنات وهدم المنازل الفلسطينية، وتشير تقارير دولية إلى أن عدد المستوطنات في الضفة الغربية قد ارتفع ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، مما يعيق إمكانية إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً.
وأشار إلى أن إسرائيل تسعى لتدمير البنية التحتية في مخيمات ومدن الضفة وتشريع قوانين داخل الكنيست تقضي على حل الدولتين، مؤكدا أن إسرائيل “لا ترى الفلسطيني كشريك للسلام” ضاربة بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية والقرارات ذات الصلة بالانسحاب من الاراضي المحتلة بعد الرابع من حزيران لعام 1967.
وشدد على أن هذا القرار رغم عدم الزاميته للحكومة لكنه يشكل أرضية تشريعية للدولة ويعطي الحكومة اليمينية الحالية الشرعية للاستمرار في الضم مما سيؤدي إلى توسع دائرة العنف وعدم الاستقرار.
وحذر الدكتور الحلالمة من أن استمرار سياسات الضم والتوسع الاستيطاني سيؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، مما قد يوسع دائرة العنف، كما أن تجاهل قرارات الشرعية الدولية يضعف الثقة في المؤسسات الدولية ويعيق أي مبادرات مستقبلية للسلام.
المصدر: RT
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
حين دخل السادات الكنيست.. خرجت فلسطين من المعادلة وبدأت هندسة الإقليم لصالح إسرائيل
في التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 1977 وقف أنور السادات على منصة الكنيست، في لحظة بدت للكثيرين آنذاك انقلابا كاملا في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي. كانت الزيارة بذاتها حدثا صادما، ليس لأنها كسرت حاجز العداء مع إسرائيل فقط، بل لأنها دشّنت مسارا جديدا أعاد تشكيل الإقليم كله، وفتح الباب أمام ترتيبات سياسية وأمنية ما زالت تفرض آثارها العميقة على مصر والمنطقة حتى هذه اللحظة، وبصورة أوضح في غزة اليوم.
لم تكن زيارة السادات مجرد خطوة دبلوماسية، بل كانت إعلانا عن خروج مصر من معادلة الصراع الشامل، ودخولها في إطار سلام منفرد يغيّر موازين القوى لمصلحة إسرائيل جذريا. فقد كانت مصر -بما تمثله من عمق جغرافي وديموغرافي وعسكري- رمانة ميزان الصراع. وبمجرد خروجها منه تحولت إسرائيل من كيان محاصر استراتيجيا إلى قوة متحررة من مخاوف الوجود، وأصبح الطريق مفتوحا لمشروع تمدد سياسي واقتصادي وأمني في محيط عربي منزوع القدرة على الردع. ولذا، لم تكن الزيارة حدثا عابرا، بل نقطة التحول الكبرى في تاريخ المنطقة المعاصرة.
أكبر تأثيرات الزيارة ظهرت أولا على القضية الفلسطينية. فمنذ 1948 وحتى 1977 كانت القاهرة القلب السياسي للمسألة الفلسطينية، وكانت الفصائل تدرك أن بقاء مصر في معادلة الصراع شرط أساسي للتوازن في مواجهة القوة الإسرائيلية، لكن حين ذهب السادات إلى إسرائيل دون توافق عربي، ثم وقع اتفاق كامب ديفيد، أُخرجت القضية الفلسطينية من إطارها العربي المشترك لتصبح "ملفا إداريا" تفاوضيا، يتولاه طرف فلسطيني منفرد في ظل موازين غير عادلة، ثم تحوّل تدريجيا إلى مشروع سلام يقوم على إدارة الصراع لا إنهائه. وبذلك تراجع البعد العربي للقضية، وتلاشى الإجماع، وتشرذمت أوراق القوة، وتحولت فلسطين من قضية أمة إلى "مسار تفاوض".
وفي المقابل، استعادت إسرائيل زمام المبادرة، فقد منحها الخروج المصري من الصراع حرية حركة كاملة مكّنتها من التوسع في الاستيطان، وتغيير الجغرافيا، وإعادة هندسة الضفة الغربية، وتقويض البنية المجتمعية الفلسطينية عبر تجزئة الأرض وتقطيع أوصالها. وبدون مصر كقوة رادعة، لم يعد هناك سقف عربي موحد لمواجهة هذا التمدد، فأصبح الفلسطيني وحده يواجه دولة تمتلك التفوق العسكري والسياسي والغطاء الدولي.
ولم يقف تأثير الزيارة عند حدود فلسطين، فقد أعادت رسم النظام الإقليمي نفسه. فبعد 1977 بدأت دول عربية كثيرة ترى أن الطريق لرضا واشنطن يمر عبر التفاهم مع إسرائيل، فضلا عن العديد من دول العالم التي اعادت علاقتها مع إسرائيل من بوابة العلاقات المصرية الاسرائيلية. وتحوّل الصراع العربي-الإسرائيلي من إطار صدامي إلى ما يشبه مسارا تفاوضيا متعدد المسارات، يفتقد العمق الاستراتيجي ويقوم على تنازلات متتالية. وهكذا شهدت المنطقة انفتاحا تدريجيا على إسرائيل انتهى بمرحلة التطبيع الواسع اليوم، والتي لم تكن لتحدث لولا أن السادات هو الذي فتح الباب أول مرة، وجعل كسر القطيعة "سابقة شرعية".
لكن الأثر الأخطر كان على الأمن القومي المصري نفسه، فقد فرضت كامب ديفيد ترتيبات أمنية قاسية قيّدت الوجود العسكري المصري في سيناء، وأعطت إسرائيل أفضلية استراتيجية على الحدود. ومع مرور الوقت تحولت سيناء إلى منطقة حساسة تستغلها إسرائيل للضغط على القاهرة عند الحاجة، بينما بقيت غزة محاصرة ضمن معادلة أمنية تتحكم فيها إسرائيل وتَعتبر مصر شريكا في إدارتها بحكم الجغرافيا. ومع اشتعال الحرب اليوم في غزة، بات واضحا أن آثار زيارة السادات لا تزال حيّة، فالحدود المصرية-الغزية تُدار بمنطق كامب ديفيد وربما تجاوزته، والقرار في ملف غزة لم يعد مصريا بالكامل، بل مقيدا بحسابات أمنية فرضها اتفاق السلام.
وفي الحرب الجارية على غزة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما بعدها، يظهر الإرث الأثقل لزيارة السادات: انفراد إسرائيل بإدارة المشهد الاستراتيجي دون رادع عربي فعّال، وغياب أي منظومة ردع إقليمي قادرة على منع الإبادة أو التهجير أو التفريغ الديموغرافي. لقد أنتج الموقف العربي المتهالك نتاجا مباشرا للسلام المنفرد، وسمح لإسرائيل بأن تصور الحرب باعتبارها "معركة أمنية" لا نزاعا سياسيا. ولو كان العرب -ومصر تحديدا- ما زالوا داخل إطار صراع موحد، لما استطاعت إسرائيل أن تخوض حربا بهذا القدر من الوحشية، ولا أن تطرح مشاريع كتهجير السكان نحو سيناء أو السيطرة على معبر رفح ضمن ترتيبات "اليوم التالي".
زيارة السادات لم تؤسس للسلام، بل أسست لميزان قوى مختلّ. وما نراه اليوم في غزة ليس إلا النتيجة المتأخرة لهذا الاختلال: إسرائيل تحارب دون خوف، وتفاوض دون شريك عربي قادر، وتخطط لغزة والضفة والمنطقة دون رقيب. أما مصر، فقد وجدت نفسها في مأزق استراتيجي؛ إذ تحاول حماية سيناء ومنع التهجير والحفاظ على مكانتها، في حين تفرض عليها ترتيبات السلام قيودا تجعل حركتها أضيق مما ينبغي لقوة إقليمية بهذا الوزن.
إن ذكرى 19 تشرين الثاني/ نوفمبر ليست لحظة احتفال، بل لحظة مراجعة عميقة: ماذا جنى الإقليم من السلام المنفرد؟ ماذا خسرت فلسطين حين خرجت مصر من الصراع؟ وماذا خسرت مصر نفسها من نفوذها الإقليمي وقدرتها على ردع أي تهديد جوهري؟ واليوم، بينما غزة تحترق تحت النار، يتبين أن الطريق الذي بدأ في 1977 انتهى إلى مشهد تحتاج المنطقة كلها إلى إعادة بنائه من جذوره.