لجريدة عمان:
2025-07-26@13:34:37 GMT

حين يوقظنا الألم

تاريخ النشر: 24th, July 2025 GMT

في بعض مراحل الحياة تمر النفس بحالة من الغياب، كأنها تنفصل عن الواقع فلا ترى الأشياء كما هي، ولا تدرك حجم ما يحدث من حولها فتمضي الأيام وتتشابك الأخطاء وتضيع الملامح ويفقد الإنسان قدرته على التمييز بين الطريق الصحيح والمسار المجهول، عندها كل شيء يصبح معتما حتى بصيص الأمل يبهت، ويصبح الألم هو الصدمة التي توقظنا بعد طول غفلة.

حين يوقظنا الألم، نبدأ في مراجعة أنفسنا ونتأمل قراراتنا ونتساءل كيف وصلنا إلى هذا المنحدر، وكيف تساهلنا مع المقدمات حتى صارت النهايات موجعة حينها ندرك أن كثيرا مما نحن فيه لم يكن قضاء محضا بل كان نتيجة قرارات غير محسوبة، ومواقف اتخذناها في لحظات ضعف أو اندفاع أو تسرع.

أحيانا يعيش الإنسان ضغوطا متراكمة لا يشتكي ولا يتكلم لكنه في داخله يختنق ومع ذلك يبتسم ظاهرا، بينما قلبه مملوء بالتعب لكنه يتظاهر بالقوة وهو يتمنى فقط لحظة راحة أو حضنا صادقا أو كلمة طيبة تشعره بأنه ليس وحده، وحين لا يجد ذلك يزداد اختناقه حتى ينفجر من الداخل. ولنأخذ مثالا قريبا من الواقع عن شاب بدأ حياته بطموح كبير، أراد أن يثبت نفسه وأن ينجح وأن يصنع شيئا يفتخر به فاندفع بكل طاقته نحو مشروع ما، أعطاه كل ما يملك من وقت وجهد وأمل. لكنه لم يخطط جيدا ولم يطلب المشورة ولم يستند إلى من لديه خبرة، ومع الوقت اصطدم بالعقبات وانتهى به الأمر في أزمة خانقة، حينها شعر بالخذلان من نفسه وأن كل شيء انهار فجأة.

هنا يتوقف الزمن لحظة، هذه اللحظة إما أن تكون بداية انهيار كامل، أو بداية وعي جديد، ذلك الوعي الذي لا يأتي في الراحة، بل يولد من التعب ومن الخطأ فنتعلم منه، ومن السقوط كي نتقن الوقوف بعدها، لذا علينا أن نعيد التفكير ونصحح قراراتنا ونتحمّل مسؤولية ما حدث دون جلد للذات، ولكن بفهم عميق لما كان يجب أن يكون.

جميعنا نعيش ضغوطا لكننا نختلف في طريقة التعامل معها، فالبعض ينكسر والبعض الآخر يتأمل ويتغير، هنا ندرك أن الفرق لا يكون في مقدار الألم، بل في نظرتنا له، وفي إرادتنا أن نتعلم وأن نطلب النصيحة، وأن نفتح قلوبنا لمن يرشدنا، قال الله تعالى: ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم﴾ فالمشورة ليست ضعفا وإنما وعي ونضج وهي ما يعيننا على رؤية الأمور من زوايا مختلفة.

إن الحياة لا تعطينا دائما ما نريد، لكنها دائما تعطينا ما نحتاج إليه كي ننضج، فبعض التجارب تؤلمنا كي توقظ فينا شيئا نائما، هنا علينا أن نثق بالله أولا ثم بأنفسنا ثانيا، وأن نعيد رسم الطريق بتأن وهدوء كي لا نسير وحدنا، ولا نكرر الخطأ ذاته ولا نغفل طلب العلم، واستشارة أصحاب الخبرة والتخطيط السليم والتنفيذ المتقن ثم نمضي.

ليست المشكلة في أن نخطئ، فذلك طبيعي ولكن أن نصر على الخطأ أو أن نتجاهله، أو أن نلقي باللوم كله على الظروف فذلك الخطأ بعينه، ولنعلم يقينا أن التعلم لا يكون في الكتب فقط، بل في المواقف وفي الألم وعدم الاستسلام وتكرار المحاولات التي لم تنجح حتى نتخطى سقوطنا وخطأنا بنجاح. حين نراجع أنفسنا بهدوء ونفهم ما مررنا به، تصبح كل تجربة فرصة، وكل خيبة درسا، وكل خسارة بداية جديدة، وحينها ندرك أن الألم ليس النهاية، بل جرس تنبيه لما يمكن أن نكونه لو أردنا أن ننهض بوعي.

فكّر جيدا، لا تكرر ما جربته دون نتيجة، لا تخجل من التراجع إذا اكتشفت أن الطريق خاطئ. خذ وقتك وراجع نفسك وابدأ من جديد، لكن هذه المرة بعين ترى وقلب أقوى وعقل أوسع.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حين يكون الحليب أغلى من النفط

بقلم الخبير المهندس :- حيدر عبدالجبار البطاط ..

الدول التي تحترم نفسها تبني حاضرها على الابتكار وتستثمر عقول أبنائها…
أما نحن فمشغولون بقمع الكفاءات وقتل الطموح ودفن الجهد الوطني تحت ركام الفساد والجهل.

في الأهوار وحدها أكثر من 35 ألف جاموسة
وحليبها يباع بـ5 آلاف دينار للتر الواحد
أي أن لتر الحليب أغلى من لتر النفط
ومع ذلك نبكي على ماضٍ ( تليد ) بدل أن نصنع مستقبلًا ( مجيد )

الجبايش وحدها كنز… لكننا لا نملك ارادة تعرف كيف تخطط وتستثمر
لان همهم السرقات فقط
لدينا الكيمر العراقي القشطة الأغلى في أسواق الخليج
ولدينا العنبر والتمر والمعادن المنسية
ولدينا كل شيء… إلا أننا نفتقد لمن يؤمن بأن الزراعة نفط لا ينضب.
العراق كان بلد الزراعة منذ ستة آلاف سنة
قبل أن يُخدر بالبترول !!
ويُربط مصيره بسعر برميل النفط وحسابات بورصة ودولار لا نملكه
( فمتى نستفيق )
متى نزرع عقلًا بدل أن نستورد طحيناً !؟
ومتى نكفّ عن الانتظار ونبدأ الاستثمار… في أنفسنا أولًا !؟

حيدر عبد الجبار البطاط

مقالات مشابهة

  • الطاقة النيابية:وزير الكهرباء فاشل وفاسد لكنه مدعوم من السوداني
  • غزة… آهات الجوع وندوب الإنسانية المنهارة
  • رحيل هالك هوجان.. قصة نهاية أسطورة المصارعة الحرة بعد سنوات من الألم
  • ترجمة خاطئة تُعلن وفاة مسؤول هندي.. وميتا تعتذر
  • حين يكون الحليب أغلى من النفط
  • تحذير في بريطانيا | استرجاع فوري لبخاخ مرضى الربو
  • عبدالله بوحبيب رحل بصمت لكنه ترك بصمات مدّوية
  • في عز الصيف.. اعرف الطرق الطبيعية لعلاج حروق الشمس
  • خطأ لا يغتفر.. حيثيات تأييد حبس المتهمين بانفجار خط غاز الواحات 10 سنوات