الكتاب : الرجل الذي فهم الديمقراطية: حياة أليكسيس دو توكفيل

المؤلف : أولفييه زونز.

الناشر: Princeton University Press (2022).

عدد الصفحات : 472.

لغة الكتاب: الانجليزية.

لا يؤرخ هذا العمل للشخص ولا للفكرة، بل لتلك العلاقة الجدلية والبراجماتية المشتركة بينهما، التي أدت لاحقا إلى رفض الكثير من الميزات التي تولد مع الشخص مفضلا الفكرة على الامتيازات والمزايا والألقاب التي تمنحها.

فالحديث هنا عن مؤرخ ومنظر كبير لم يمارس الديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع مثلما يفعل الكثير من الناخبين، بل دخل معها في علاقة متوترة من التساؤلات التي لا تنتهي، حيث ولد في عام (1805م) بعد فترة قصيرة من الثورة الفرنسية في أسرة أرستقراطية من النورماندي، كما أصدر في سبيل ذلك الكثير من الأعمال المهمة، التي من شأنها أن تغير أفكاره وتساؤلاته بشكل كبير وغير مسبوق، وتؤثر لاحقا على التصور السياسي العام للديمقراطية كنظام حكم جديد في تلك الفترة.

تروي هذه السيرة الذاتية كيف طور توكفيل أفكاره في سياق الأحداث السياسية المشحونة في حياته. فمن حسن الحظ، ترك توكفيل سجلا مكتوبا وافرا: الخطب ومسودات الخطب ومجلد من المذكرات عن ثورة 1848م ودوره في الجمهورية الثانية. أضف إلى هذه المجلات الخاصة برحلاته المكثفة ليس فقط إلى أمريكا ولكن أيضا إلى إنجلترا وسويسرا وصقلية والجزائر، بالإضافة إلى ملاحظاته عن الهند، ومراسلاته الواسعة النطاق مع بعض أفضل العقول في جيله. في هذه المراسلات تظهر مشاعر توكفيل وأحكامه الشخصية، حيث غالبا ما قام بصياغة أفكاره وإعادة صياغتها حول الأحداث الماضية والحالية. لم يتراسل توكفيل مع مجموعة من المثقفين والسياسيين في فرنسا والولايات المتحدة وإنجلترا وألمانيا فحسب، بل كان يتواصل عن طريق الرسائل أيضا مع أفراد الأسرة والأصدقاء المقربين في سنوات المراهقة، وبالطبع مع الناخبين. كما اعتز العديد من مراسليه برسائله المتكررة، المكتوبة بحيوية في كتابه الذي بالكاد يمكن فك شفرته. فموهبته في الحفاظ على الصداقات، التي تدعمها المراسلات اليومية على مدى العمر، تعتبر ميزة ولها قيمة خاصة لكتُاب السيرة الذاتية.

فطوال حياته السياسية، ظل توكفيل يركز بشدة على الشؤون الحالية، ومستقبل الديمقراطية، والحاجة إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي. فبعد أن وضع نابليون بونابرت حدا لتجربة جمهورية قصيرة وأعاد نظاما استبداديا، تقاعد توكفيل من السياسة ووجه اهتمامه المستمر إلى «النظام القديم» وإلى الدراما شديدة التعقيد للثورة الفرنسية التي أنهت حياة أفراد آخرين من عائلة والدته. لكن توكفيل كتب تحفته، التي نُشرت تحت عنوان «النظام القديم والثورة» The Ancien Régime and the Revolution، حيث كان ينوي أن يكون الجزء الأول من عمل أكبر حول دورات الثورة ورد الفعل التي أصبحت لعنة تلاحق التاريخ الفرنسي، كما يرى.

بالإضافة لذلك، أظهر قراره المصيري بالسفر إلى أمريكا، في سن الخامسة والعشرين، عام 1831م، نقلة نوعية وقرارا صائبا. فهناك، لاحظ الواقع الملموس لديمقراطية فاعلة، وظلت أمريكا مركزية في فكره وأفعاله طوال حياته، بعد فترة طويلة من الرحلة وفي تناسق عكسي تقريبا مع مدتها، أدرك بشكل عميق إلى أي مدى أعطى مبدأ المساواة «اتجاها معينا للروح العامة وشكلا معينا للقوانين، وأسس مبادئ جديدة للحكم، وعزز عادات مميزة في المحكومين» ستشكل هذه الملاحظات الأساس لعمله الأكثر ديمومة، الديمقراطية في أمريكا، الذي أصدره عام 1835م.

كما انعكس ذلك عند عودته إلى فرنسا، سعى توكفيل لتحقيق طموحاته الفكرية والسياسية. في أقرب وقت ممكن بعد بلوغه السن القانونية للترشح لمنصب انتخابي، حيث قام بحملة لتمثيل المنطقة المحيطة بممتلكات أجداده في نورماندي في مجلس النواب الفرنسي. كما شارك في الجدل الكبير حول ملكية يوليو حول تمديد حق الاقتراع، والفصل بين الكنيسة والدولة، واستعمار الجزائر. كما موّل بشكل خاص لإلغاء العبودية في منطقة البحر الكاريبي الفرنسية، وإصلاح السجون وإعادة تأهيل المجرمين، وإصلاح الرعاية الاجتماعية، حيث بلغت مسيرته السياسية ذروتها في عام 1849م في ظل الجمهورية الثانية في أعقاب ثورة 1848م، عندما صاغ مسوّدة الدستور، ثم لفترة وجيزة كوزير للخارجية. كان توكفيل يعمل باستمرار على ربط عوالم الأدب والسياسة، والمشاركة في نقاشات الأكاديميات الأدبية، ونشر الجدل في الصحافة (أدار لفترة وجيزة إحدى الصحف)، والمشاركة في الحوارات في الصالونات الباريسية.

غير أنه رفض دائما استخدام لقب الكونت الخاص به، وكان منزعجا عندما خاطبه الآخرون بذلك. على الرغم من أنه أدرك أن لديه «غرائز» أرستقراطية، إلا أنه كان ديمقراطيا «بالعقل» وعمل بجد لدفع التحول الحديث الكبير من الأرستقراطية إلى الديمقراطية، حيث أصبح العضو الوحيد في عائلته الذي اختار الديمقراطية على الأرستقراطية. وهذا يتجسد في حديثه عن النظام الأرستقراطي، بقوله «تحتفظ العائلات بنفس المراكز لقرون، وغالبا ما تربط جميع المواطنين معا في سلسلة طويلة من الفلاح إلى الملك». بهذا المعنى، اختار توكفيل بدلا من ذلك الديمقراطية، التي «تكسر السلسلة»، و«تقطع الروابط»، وتدعو المواطنين الأفراد لتحقيق إمكاناتهم بأنفسهم. فهو في الكثير من الأحيان يعتبر نفسه «ليبراليا من نوع جديد». فهو في هذا السياق، لم يندفع في الثناء على الديمقراطية، ولم يبالغ في ذلك مطلقا؛ بل أثنى عليها وهي قيد التطبيق. بدأ توكفيل كتابه «الديمقراطية في أمريكا» عليها فقط وهو يصفها، بقوله إن الديمقراطية حقيقة، «حقيقة إلهية»، وهكذا أبعد نفسه عن مواقف المروجين والمعارضين لها (حيث كان لا يزال في عصره معارضون لها). ثم ذكر أن الديمقراطية التي كانت أسهمها في تصاعد في كل مكان، وقد وصلَت لقَّمة نضجها في أمريكا، ولم تكن بحاجة إلى من يروج لها، ولا يمكن كذلك معارضتها. فالديمقراطية يجب أن تحلل نقاط القوة والضعف فيها، ثم يمكن بعد ذلك مدحها على نحو مفيد بهدف التأكيد على رؤية المروجين لها ومواجهة أفكار المعترضين عليها.

يصف توكفيل نفسه بشكل مستمر، بأنه ليبرالي من نوع جديد، فهو بالرغم من مناصرته للديمقراطية إلا أنه لم يكن يريد التخلي عن المكاسب القديمة كما سبق القول، فهي تمنحه مكانة اجتماعية ووجاهة هو في حاجة لها، بينما تعني الديمقراطية في عصره «المساواة في الأوضاع»، كما كان يُنظر إليها في تلك الفترة على أنها لا تؤدي للترابط الاجتماعي الكبير، بل يعيش الإنسان في كنفها حالة مستمرة من التغيير، وبمعنى من المعاني يصبح الأفراد أقوياء وليسوا ضعفاء، وذلك بسبب الحرية السياسية التي تعتبر في الكثير من الأحيان محل نظر، الأمر الذي جعل توكفيل يرى بحسب مؤرخين آخرين، بأن «الشعب يهيمن على العالم السياسي الأمريكي كما يهيمن الرب على الكون» بما يعني من جهة أخرى «سلطة الأغلبية» التي رفضها لاحقا تحت ما أطلق عليه «استبداد الأغلبية».

أخيرا، يمثل إليكسيس دو توكفيل نموذجا للفرد الذي طرح تساؤلات طازجة ومباشرة على الديمقراطية، من رؤية نظرية آثرت التنازل عن الكثير من المكتسبات الموروثة من جهة، في مقابل الانحياز لحقوق جماعية كان لها أثر كبير على الشأن السياسي العام في فرنسا في تلك الفترة، الأمر الذي يجعل الفكرة مثل الكثير من الحالات أقوى من الامتيازات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من

إقرأ أيضاً:

لماذا استهدفت إسرائيل الرجل الثاني في القسام الآن؟

أعلنت إسرائيل استهداف قيادي بارز في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلال عملية عسكرية في قطاع غزة، في خطوة أثارت تساؤلات حول توقيتها ودلالاتها السياسية والأمنية، لا سيما أنها جاءت في ظل سريان اتفاق وقف إطلاق النار.

ورغم أن البيان الرسمي للجيش الإسرائيلي خلا من ذكر اسم القيادي المستهدف، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تداولت على نطاق واسع اسم رائد سعد، وقدمته بوصفه "الرجل الثاني" في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ونائب قائدها العام.

وفي هذا السياق، أوضح مراسل الجزيرة إلياس كرام أن عدم ذكر الجيش الإسرائيلي للاسم يعكس على الأرجح، عدم التيقن الكامل من نتائج محاولة الاغتيال، لافتا إلى أن البيانات الرسمية غالبا ما تتأخر إلى حين التأكد الاستخباراتي من نجاح العملية.

وبحسب كرام، فإن البيان الإسرائيلي اكتفى بالإشارة إلى استهداف "شخصية قيادية بارزة" في حماس، قال إنها كانت تعمل على إعادة تأهيل بنى عسكرية موجهة ضد الجيش الإسرائيلي، وهو الوصف ذاته الذي تبنته التسريبات المنسوبة لمصادر أمنية.

وتزامنا مع ذلك، حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على إبراز دور رائد سعد، مقدمة إياه باعتباره اليد اليمنى لقائد القسام الراحل محمد الضيف، وأحد المخططين الرئيسيين لهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في محاولة لتبرير عملية الاغتيال.

وفي السياق، أفاد مصدر في الإسعاف والطوارئ في قطاع غزة بارتقاء 4 شهداء وإصابة 10 آخرين حالة بعضهم خطرة جراء قصف الاحتلال سيارة مدنية جنوب غربي مدينة غزة.

انتهاك للاتفاق

ويشير مراسل الجزيرة إلى أن هذا الخطاب الإعلامي يأتي في وقت يفترض أن وقف إطلاق النار لا يزال ساريا، لكنه يتعرض، وفق توصيفه، لانتهاكات متكررة من جانب إسرائيل عبر عمليات قصف واغتيال وهدم منازل داخل القطاع.

وتبرز أهمية هذه العملية، إن ثبت نجاحها، من كونها قد تكون أرفع عملية اغتيال تطال قياديا في غزة منذ بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خاصة إذا صح توصيف سعد كمسؤول مركزي عن إعادة التصنيع والتسليح داخل الحركة.

إعلان

وفي هذا السياق، أشار كرام إلى أن إسرائيل تعتبر جميع قيادات حماس، السياسية والعسكرية، أهدافا مشروعة، ولا ترى في اتفاق وقف إطلاق النار أي حصانة لهم، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه، وهو ما يفسر استمرار دائرة الاستهداف.

لكن توقيت العملية يكتسب بعدا سياسيا إضافيا، مع تزايد الحديث عن ضغوط أميركية للانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وهو ما قد تسعى إسرائيل إلى عرقلته أو إعادة صياغته بشروطها الخاصة.

ويؤكد كرام أن إسرائيل، عبر هذا التصعيد، تحاول فرض نموذج أمني مشابه لما تطبقه في لبنان، حيث نفذت مئات عمليات الاغتيال ضد كوادر حزب الله منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار هناك في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

تضارب الروايات

وبشأن تضارب الروايات حول نجاح الاغتيال، أوضح كرام أن التسريبات الصادرة عن "مصادر أمنية" إسرائيلية تعود في جوهرها إلى الجيش نفسه، الذي يفضل التريث قبل إعلان رسمي، تفاديا لإحراج محتمل في حال عدم تأكيد النتائج.

وتستند هذه التسريبات إلى سرد موسع عن شخصية رائد سعد، ودوره المفترض في إعداد وثيقة "جدار أريحا"، التي تتهمه إسرائيل بوضعها كخطة لهجوم "السابع من أكتوبر"، رغم أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت قد اطلعت عليها سابقا دون التعامل معها بجدية.

كما تشير الروايات الإسرائيلية إلى أن سعد كان يتولى في المرحلة الأخيرة مهمة إعادة بناء القدرات العسكرية لحماس، وهو ما تستخدمه تل أبيب كمبرر مباشر لتنفيذ عملية الاغتيال، بزعم إحباط تهديدات مستقبلية.

وتحدث كرام عن محاولات سابقة لاغتيال سعد خلال الأسابيع الماضية، ألغيت في اللحظات الأخيرة لأسباب عملياتية أو استخباراتية، إلى أن اعتبرت إسرائيل أن "الفرصة الميدانية" باتت مؤاتية لتنفيذ العملية.

وفي خلفية المشهد، يربط كرام بين هذا التصعيد واستعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لزيارة واشنطن، حيث يتوقع أن يواجه ضغوطا أميركية للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، مع سعيه لفرض شروط أمنية مشددة.

مقالات مشابهة

  • بطل يتصدى لمنفّذ الهجوم الإرهابي في سيدني
  • تفاصيل عملية «العشاء الأخير» لاغتيال الرجل الثاني في حماس
  • ألمانيا.. مصادرة أكثر من 11 ألف ماسة من مسافر في مطار
  • كيف يهدد تشويه صورة الرجل الأسرة؟
  • الرجل الشقلباظ!
  • لماذا استهدفت إسرائيل الرجل الثاني في القسام الآن؟
  • عمرو أديب: السنوات القادمة ستشهد الكثير من الأحداث والتغيرات المهمة سياسيا بمصر
  • برج السرطان حظك اليوم السبت 13 ديسمبر 2025… كشف الكثير من الحقائق
  • هل لباس المرأة هو سبب التحرّش.. أم الرجل هو المسئول؟
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة