لا تتوقف الاعترافات الاسرائيلية عن التأثيرات السلبية للأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، بحيث أنها ساهمت بإضعاف مكانة دولة الاحتلال على مستوى العالم، بل وأضعفت قوتها على طاولة المفاوضات بشكل مباشر، في حين أنها تتعامى عن السبيل الوحيد لإنهاء الكارثة المتحققة في غزة، والمتمثلة بإعادة جميع الرهائن عبر اتفاق شامل يُنهي الحرب، ويُهيئ البنية التحتية السياسية لتشكيل حكومة فلسطينية بديلة.



وذكرت دانا وولف، خبيرة القانون الدولي والمفاوضات بجامعة رايخمان، أنه "في ظل انهيار سياسي غير مسبوق، وانضمام المزيد من الدول للدعوة للاعتراف بدولة فلسطينية، أعلنت إسرائيل من جانب واحد عن هدنات إنسانية في غزة، وهي في الواقع وقف إطلاق نار مؤقت لمدة عشر ساعات يوميًا للسماح بدخول وتوزيع المساعدات الإنسانية على الفلسطينيين في القطاع".

وأضافت في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أنه "بعد مرور ما يقرب من عامين على الحرب، ورغم سيطرة إسرائيل على معظم القطاع، فلا يزال عاجزا عن التعامل مع القضية الإنسانية، حيث تنظر دول العالم إليه بأنه الطرف المسيطر والمسؤول، وتبدو التفسيرات التي يقدمها مجرد أعذار واهية أمام صور الجوع والمعاناة، لأنه من منظور القانون الدولي، يُعدّ نقل المساعدات للمدنيين غير المشاركين قاعدة أساسية في قوانين الحرب".

وأشارت أنه "في الحالة الإسرائيلية، أصبحت مسألة المساعدات الإنسانية سلاحًا في يد حماس بهدف تقويض الشرعية الدولية للاحتلال، لأنه منذ بداية الحرب، أدّت اتهامات الحدّ من المساعدات لمواجهته دعوى قضائية من جنوب أفريقيا بتهمة "الإبادة الجماعية"، ومذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهذه أحداث غير مسبوقة، مُدمّرة له على الصعيدين القانوني والسياسي".

وأوضحت أنه "على الصعيد القانوني، لم تتعلم حكومة نتنياهو شيئًا من الحملة الأولى، حيث تتصرف بطريقة تُقدّم دليلًا على الإجراءات القاسية المُتخذة ضدها، ويتحدث الرئيس ترامب علنًا عن المجاعة في غزة بينما تُنقل المساعدات جوًا للسكان، مما يُلحق ضررًا بالغًا بمصالحه العليا، وسيُطاردها لسنوات قادمة، ويُعرّض جنودها المشاركين في القتال وصنع القرار للخطر قانونيًا".

وأضافت أنه "على المستوى السياسي، تُمثّل هذه النقطة الضعيفة التي تستغلها حماس بشكل منهجي، لأنه من خلال اللعب على أوتار الضائقة الإنسانية، تُدير حماس انهيار موقف إسرائيل على الساحة الدولية، وتُضعف قوتها على طاولة المفاوضات بشكل مباشر، فكل يوم يُبلّغ فيه عن حدث إنساني صعب، وكل صورة لطفل جائع، تُساعد جهود حماس لعزله عالمياً، ووقف إطلاق النار المؤقت الذي قرره دليل على ذلك".



وأكدت أن "التطورات الأخيرة في غزة تُظهِر الضعف المحيط بإسرائيل، ويفصل الهدنات عن إطلاق سراح الرهائن، ويسمح لحماس، التي تضررت عملياتها بشدة، بالحفاظ على قوتها السياسية، والحصول على ميزة لا تُطاق على إسرائيل، كل هذا يحدث في الوقت نفسه الذي تنهار فيه مفاوضات التوصل لاتفاق جزئي، وهو ما تُواصل حماس رفضه، وهذه المفاوضات لا تُضعف فقط آخر أدوات الضغط الإسرائيلية على حماس، بل تُلحق الضرر بالرهائن الذين ينفد وقتهم، وتُدخل تل أبيب في عزلة دولية".

وأشارت الكاتبة إلى أن "الرهائن الإسرائيليين دفعوا ثمن فشل هذا المسار، للمرة الألف، حيث تُدرك حماس أنهم ورقتها المتبقية الوحيدة، ولا تنوي إطلاق سراحهم مقابل وقف إطلاق النار وحده، ففي نهاية المطاف، مُنحت هدنة إنسانية دون إطلاق سراح رهينة واحد، وهي تُدرك أن الضغط الدولي يُصبّ في مصلحتها، وليس لديها أي مصلحة بالتخلي عن هذا الرصيد الاستراتيجي المهم، حيث أثبت التاريخ أن القضاء عليها لا يُمكن بالوسائل العسكرية فقط، بل يجب أن يكون قائمًا على أرضية سياسية".

وختمت بالقول إن "السبيل لإعادة جميع الرهائن لديارهم هو اتفاق شامل يُنهي الحرب، ويُهيئ البنية التحتية السياسية اللازمة لتشكيل حكومة فلسطينية بديلة، مدعومة بتحالف من الدول العربية المعتدلة، لأن أي حل آخر سيُعرّض سلامتهم للخطر، ويصبّ في مصلحة حماس، ويُلحق ضررًا بالغًا بمكانة إسرائيل الدولية، لدرجة الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية غزة الاحتلال نتنياهو غزة نتنياهو الاحتلال صفقة التبادل صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

رصد إسرائيلي للمخاطر السياسية والدبلوماسية للاعتراف الدولي بدولة فلسطينية

تعكس إعلانات فرنسا وبريطانيا ودول أخرى عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية تحولاً جذرياً في العلاقات الدولية تجاه دولة الاحتلال، صحيح أن هذه الخطوة قد لا تُسهم في دفع عجلة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع، لكنها عملية قد تُعرّض الاحتلال لعزلة سياسية، وإجراءات قانونية، وعقوبات على مستوى لم تشهده من قبل. 

البروفيسور عميحاي كوهين, الباحث بمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، وعضو هيئة تدريس في كلية "أونو" الأكاديمية، ذكر أنه "في الأيام الأخيرة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، وهو ليس الوحيد، إذ من المقرر أن يُقدّم رئيس الوزراء البريطاني خطة سياسية تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية بشروط معينة، كما تدرس كندا وأستراليا اتخاذ مثل هذه الخطوة".

وأضاف في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "هذه الدول قد تنضم لأكثر من 140 دولة أعلنت سابقاً اعترافها بدولة فلسطينية، مما يطرح السؤال عما يعنيه هذا الاعتراف الموسّع للدولة الفلسطينية، حيث يُحدّد القانون الدولي أربعة شروط واقعية لوجود الدولة: الإقليم؛ عدد سكان محدد؛ حكومة فعّالة تُسيطر على الإقليم؛ والاستقلال عن سيطرة أو إدارة العلاقات الخارجية لدولة أخرى". 



وأوضح أن "هناك شكّ كبير فيما إذا كانت السلطة الفلسطينية تفي بهذه الشروط الواقعية: من بين أمور أخرى، لا تسيطر السلطة على جميع جوانب الحياة فيها، وبعضها يخضع للقرارات الإسرائيلية، والموقف التقليدي في القانون الدولي هو أن الدولة إما أن تكون موجودة أو لا تكون، وإذا لم تستوف الشروط الواقعية لوجود الدولة، فإن الاعتراف بها لا معنى له". 

وأشار أن "هذا الموقف لا يأخذ في الاعتبار حقائق الدبلوماسية الحديثة، حيث تكون شرعية الادعاءات المتعلقة بحق وجود دولة مستقلة ذات أهمية كبيرة، في هذا الواقع، قد يكون للكتلة الحرجة من الدول التي تعترف بوجود دولة آثار واسعة النطاق، فالاعتراف بالدولة خطوة سياسية ودبلوماسية وقانونية".

وأكد أنه "من الناحية السياسية، يعكس الاعتراف بدولة فلسطينية دعمًا لرؤية الاعتراف بدولتين كوسيلة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو موقف تشترك فيه جميع دول العالم تقريبًا، ويُعدّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية دليلاً على تدهور مكانة الاحتلال على الساحة الدولية نتيجةً للحرب الدائرة في غزة، ومعاناة فلسطينييها هناك، والضم التدريجي للضفة الغربية، وتقارير العنف ضد المدنيين الفلسطينيين". 

وأشار أنه "من الناحية الدبلوماسية فإن هذا يُولّد شعوراً بالاستعجال لدى المجتمع الدولي للتدخل، واتخاذ إجراء دبلوماسي، ويتجلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية أن 135 دولة تُقيم علاقات دبلوماسية معها، ففي عام 2012، أيّدت 138 دولة منح "فلسطين" صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، ولم يُمنع قبولها كدولة كاملة العضوية في أبريل 2024 إلا باستخدام حق النقض (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن، ففي هذه الحالة، أيّدت فرنسا قبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، وامتنعت بريطانيا عن التصويت".

وأضاف أن "هذا الاعتراف الدبلوماسي بالدولة الفلسطينية سيؤدي لعواقب قانونية، على سبيل المثال، كان الاعتراف بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة الأساس لقرار المحكمة الجنائية الدولية بمنحها ولاية قضائية على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبناءً على هذا القرار، أصدرت المحكمة مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت".


 
وأوضح أن "الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحد ذاته لن يؤدي فورًا لإقامتها على أرض الواقع، ما دام الاحتلال لا يسمح بذلك، لكن عملية الاعتراف الجارية، بتداعياتها السياسية والدبلوماسية، وخاصة القانونية، مما سيُصعّب عليه بشدة ممارسة نفوذه على الساحة الدولية، وسيُثقل كاهل أفعاله في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن المتوقع أن تكون العواقب أشد وطأة مما شهدناه حتى الآن، وقد يُترجم الضغط السياسي عليه لإجراءات عملية كالعقوبات والإضرار بالعلاقات الاقتصادية مع العالم". 

وأشار أنه "علاوة على ذلك، سيُسهّل الاعتراف الدولي المتزايد على السلطة الفلسطينية عملية "تدويل" الصراع، مما يؤدي لتزايد تدخل المجتمع الدولي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع مطالبة الفلسطينيين من الدول الأجنبية بالمساعدة في الصراع ضد دولة الاحتلال، ويُعدّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية جزءًا من التسونامي السياسي الذي يشهده الإسرائيليون حاليًا". 

وأكد أن "إعلان شخصيات إسرائيلية سياسية بارزة عن نيتها ضم قطاع غزة وبسط السيادة الكاملة على الضفة الغربية سيؤدي لتكثيف ردود الفعل الدولية، وإشعار الدول بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لثني الاحتلال عن أفعاله الميدانية، ونواياه المستقبلية، صحيح أن الولايات المتحدة تُعيق في هذه المرحلة أبرز جوانب الضغط الدولي، إلا أن هناك أيضًا تراجعًا ملحوظًا في دعمه في الولايات المتحدة، وليس هناك ما يضمن استمرار الحماية الأمريكية". 

وختم بالقول إن "اعتراف فرنسا وبريطانيا، العضوين الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بدولة فلسطينية سيجعل الاحتلال يعتمد كليًا على استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو)، الذي لطالما ترددت في استخدامه، وفي حال امتنعت الولايات المتحدة من الدفاع عن الاحتلال مستقبلًا، فسيضطر للوقوف وحيداً في وجه الضغوط الدولية التي لم تستطع أي دولة تحمّلها".

مقالات مشابهة

  • شريطا الأسيرين الجائعين يربكان إسرائيل ويسعران سجالاتها
  • اعتراف اسرائيلي: الأسرى يتعفنون في أنفاق حماس والمجتمع العبري يتمزق من الداخل
  • أسبوع حاسم.. وسائل إعلام الاحتلال تتحدث عن تغيير بوجه الحرب في غزة
  • رصد إسرائيلي للمخاطر السياسية والدبلوماسية للاعتراف الدولي بدولة فلسطينية
  • إعلام إسرائيلي يستبعد التوصل إلى صفقة قريبة لوقف الحرب على غزة
  • عاجل | حماس: نؤكد مجددا أن المقاومة وسلاحها استحقاق وطني ما دام الاحتلال قائما وقد أقرته المواثيق والأعراف الدولية
  • بعد تفاقم عزلتها الدولية.. انتقاد إسرائيلي لسياسة التعامي عن تبعات حرب غزة
  • غزة في قلب العاصفة.. اعتراف بدولة فلسطين يعرقل وقف الحرب ويزيد الانقسام الدولي
  • سلوفينيا تتّجه لحظر التبادل العسكري مع إسرائيل.. وبرلين: الكارثة الإنسانية في غزة تفوق الخيال