لجريدة عمان:
2025-12-05@19:30:45 GMT

الثقافة العمانية.. والانفتاح المتزن

تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT

ما الثقافة؟ وهل مارس العمانيون الانفتاح المتزن فيها عن وعي وقصد؟ لا نجد جوابًا ناجزًا؛ لسعة مفاهيم الثقافة والوعي والقصد، ولأنَّه لم تقم دراسة تحليلية حول الثقافة العمانية؛ خاصةً بتتبع جذورها، قد توجد بعض الدراسات عن ظواهر ثقافية معاصرة، بيد أنَّها تفتقد للتتبع التأريخي. إنَّ الثقافة امتداد عميق في الأمة، وبحسب الفرنسي جوستاف لوبون (ت:1931م) هي مكوّن السنن النفسية للأمة، والتي تطبعها بطابع أزلي ممتد، وتجعلها بطيئة التحول.

لقد تتبعت جانبًا من ثقافتنا عبر التاريخ في مقال «الفن.. والشخصية العمانية»، «عمان»، 20/ 5/ 2025م، وهذا المقال يأتي في السياق نفسه، ويحاول أنْ يقرأ اتزان الثقافة العمانية عبر عصورها المختلفة.

الثقافة.. نمط الحياة الذي يتمثّله المجتمع، بحيث يجد الفرد انسياقًا نفسيًا لممارسة معتقدات الجماعة وعاداتها وتقاليدها. وكل عنصر ثقافي له مبتدأ، قد تخفى بدايته وأسبابها، ويظل هو متمثَّلًا في المجتمع بالممارسة. إنَّ الثقافة يعتريها ما يعتري الكائن الحي من القوة والضعف، فهي تولد بسبب ما، فإنْ هيمنت على المجتمع العناصر الثقافية التي يولّدها نتيجة تفاعل أفراده في محيطهم فقط فهو منغلق ثقافيًا، وإنْ سادته العناصر الثقافية الدخيلة عليه فهو منفتح ثقافيًا، وكلا الحالين خللٌ في المجتمع وضعفٌ في ثقافته. وواقعًا.. لا يكاد يوجد مجتمع منغلق أو منفتح فقط، وإنَّما المجتمعات خليط منهما، وفي حالة تثاقف فيما بينها، وهذا هو الوضع الطبيعي، والاتزان فيه ينم عن تماسك المجتمع وازدهار الثقافة.

أما الوعي.. فإدراك المجتمع حالتَه الثقافية، فأفراده قد يدركون دخول عنصر ثقافي إليه، وقد لا يدركون، وغالبًا؛ يدركون دخول العناصر الصادمة، أو التي تحدث تحولًا واضحًا في سلوكهم الاجتماعي، بيد أنَّ هناك حالات تتسرب فيها عناصر ثقافية إلى المجتمع من حيث لا يشعرون، وهذه ظاهرة سائرة في المجتمعات، إلا أنَّ المنتِجة منها هي الأكثر تأثيرًا وتصديرًا لعناصرها، والمستهلِكة أكثر عرضةً للتأثر بالمجتمعات المنتِجة.

وبالنسبة للقصد.. فقد نعي تحولاتنا الثقافية، وما يرد إلينا ويصدر عنا من عناصر ثقافية، لكن لا نفعل ذلك دائمًا عن قصد، فغالبًا؛ يحصل وفقًا لظروف تفرضها علينا حاجة الاجتماع البشري. فنحن مثلًا لا نقصد إلى استيراد نوع محدد من الملابس، فضلًا عن إنتاجه، وإنَّما وجدناه في السوق فاقتنيناه وتزيينا به. إنَّ الوعي بالشيء لا يعني ضرورةً القصد إلى فعله. وهكذا هي الثقافة عمومًا، نجد أنفسنا نسبح في أبحرها، مع إدراكنا تنوّع مياهها واختلاف أمواجها.

المجتمع العماني.. بأطيافه المتنوعة -كغيره من المجتمعات- ينتج عناصره الثقافية، ويتثاقف مع المجتمعات. إلا أنَّه كثيرًا ما يوصف بالانغلاق، وهو شعور تسرّب إلى العمانيين أنفسهم؛ وإنْ أشار بعضهم بالتقصير إلى غيرهم، ويدللون عليه بضعف حضور أسماء الشخصيات العمانية في آداب العرب والمسلمين، وقلة معرفة إنجازهم العلمي، فكتبهم لا تدرجها معاجم المؤلفين في قوائمها، وبلادهم عمان يجهلها الكثيرون، وأما مدنهم وقراهم وأوديتهم ونجوعهم فهي أخفى من دبيب النمل عن أسماع الناس.

هذه الحالة استشعرها العمانيون على أقل تقدير منذ القرن السادس الهجري؛ عندما ذكر الصحاري سلمة بن مسلم العوتبي (ق:6هـ) في كتابه «الإبانة» قصة مصقلة بن رقبة، ناسبًا إياها إلى عمرو بن بحر الجاحظ (ت:255هـ): (لرُبَّما سمعت من لا علم له يقول: ومن أين لأهل عمان البيان؟ وهل يَعدِّون لبلدة واحدة من الخطباء والبلغاء ما يعدون لأهل عمان؟ منهم: مصقلة بن رقبة، أخطب الناس قائمًا وجالسًا ومنافسًا ومجيبًا ومبتدئًا). وبغض النظر عن عدم نسبة الجاحظ القصة إلى العمانيين، وأنَّ مصقلة من عبد قيس بالكوفة، فإنَّ شعور العمانيين بعزلتهم قديمة، ولا زلنا نلمسها عند غيرنا في أسفارنا. إنَّ الثقافة العمانية لم تكن أبوابها موصدة بهذا القدر من التصور..

بل هناك انفتاح متزن، وهذا ليس ممن شغفه وطنه حبًا.. بل هو استقراء للتاريخ.

لنبدأ من عمقنا الحضاري.. فالحضارة العمانية -التي بأساسها دينية- قامت على التجريد في المعتقدات؛ الأقرب إلى تنزيه الإله، والاقتباس الحذِر من معتقدات الآخرين، وهذا ما نجده قبل الميلاد بأدهر، بحسبما توفر من أدلة آثارية، فقد وجدت في عمان رموز دينية موشاة على الصخور، وقليل جدًا منها منحوت، وكثيرًا ما يكون الرسم تعبيرًا عن المعتقدات حينذاك قبل الكتابة. ومع وجود بعض الأنصاب المجردة؛ لم توجد أصنام كبيرة مشخّصة. إنَّ هذه الظاهرة قد لا تكون توحيدًا خالصًا؛ غير أنَّها -فيما يبدو- كانت حذرةً من الصنمية.

العناصر الثقافية التي خلّفتها أوابد حضارتنا القديمة؛ من مثل المباني المنقب عنها في باطن الأرض، وما وجد فيها من مرفقات، وما حفظته المكتبة الصخرية من رسمات على حيطانها، نجد كثيرًا منها متأثرًا بثقافة جزيرة العرب والعراق، ولا يند عنها إلا نادرًا. لقد ثبت من خلال الأختام واللقى الآثارية وقطع الفخار أنَّ عمان على اتصال قديم بحضارات السند والهند والصين وفارس، إلا أنَّ ثقافاتها لم تؤثر عميقًا على المشهد الحضاري العماني. ومَن يتفحص الحضارة العمانية يجد غالب تأثرها بحضارات اليمن والعراق، وهي مناطق يجمعها تشابه ثقافي عام أكثر من خصوصياتها، وأستثني المعتقدات الدينية التي لم تتأثر كثيرًا بتماثيل العراق واليمن، كما ألمحت إلى ذلك أعلاه.

وإذا أتينا إلى الانقلاب الثقافي الحاصل ما بين الميلاد والإسلام، فلا نجده يشذ عن هذا المسار، فقد اعتنق العمانيون من النصرانية المذهب النسطوري الأقرب إلى تنزيه الله، والتنزيه.. هو المعتقد الذي صبغ الدين في عمان. لذلك؛ كانت النسطورية أحد دوافع إسلام العمانيين السريع لمّا وصلتهم رسالة النبي الخاتم، فيما ترويه كتب التاريخ.

ومن ملامح اتزان الانفتاح الثقافي لتلك الحقبة؛ أنَّ العمانيين تفاعلوا مع العرب؛ نزاريين ويمانيين، القادمين إليهم من مملكة الحِيرة العربية، ورفضوا الثقافة الفارسية؛ مع أنَّ فارس كانت إحدى الامبراطوريتين المهيمنتين على العالم حينذاك، وكانت لها دساكر على السواحل العمانية الشمالية.

ومع بدء الإسلام.. توجس العمانيون من التحولات الثقافية التي حصلت نتيجة التداخل مع الحضارات التي استولى المسلمون على بلدانها، فلم يقبلوا في السياسة النموذج الفارسي الكسروي ولا النموذج البيزنطي القيصري، فظلوا محافظين على نموذجهم الملكي العربي؛ بتقاليده اليمانية التي تشكلت في مملكة الحِيرة.

ولمَّا وقع الصراع بين المسلمين على الحكم عقب وفاة نبيهم الأكرم، وتمخضت عنه نظريات سياسية ذات بُعد قَبَلي؛ فإنَّ العمانيين أسسوا نظامًا وسطًا للحكم يتسع أعراق المجتمع الإسلامي؛ يقوم على الاستقامة في الدين والكفاءة في الحاكم، فلم يبتلعهم الحلف القبلي الهادر، ولم يختلبهم العرق النسبي الآسر. كما أنَّهم انفتحوا على فكر المسلمين عامةً، فلم يتعصبوا لتيار دون آخر، فرووا عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان، وقتادة بن دعامة السدوسي (ت:118هـ) ومقاتل بن سليمان الأزدي (ت:150هـ)، واستفادوا من فقه المذاهب الإسلامية جميعها.

وفي الدولة الحديثة.. كان الاتزان حاضرًا، فشقت عمان لنفسها طريقًا وسطًا، لم تنغلق انغلاقًا يفرّط عليها منافع العصر، ولم تنفتح انفتاحًا يلاشي هُويتها، فقُرِنت وزارة الثقافة بالتراث في نهضتها المعاصرة، وهذه الوسطية واضحة في مرافق الحياة. ولمّا استوى مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق أدام الله مجده على دست الحكم، وصدرت أول «استراتيجية ثقافية» في سلطنة عمان عن وزارة الثقافة والرياضة والشباب؛ وعلى رأسها صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم حفظه الله، جمعت بين «ترسيخ الهُوية الثقافية، وتحقيق الريادة وتنميتها»، فنصت رسالتها على (تنظيم وتطوير العمل الثقافي وتهيئة البيئة المناسبة للإبداع بهدف ترسيخ الهوية الثقافية وتحقيق الريادة وتنميتها واستدامتها محليًا وعالميًا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثقافة العمانیة

إقرأ أيضاً:

حفاظا على الهوية الثقافية .. أنامل أزهرية تبدع فى مطروح | صور

اقيم بمكتبة مصر العامة بمطروح فعالية فنية مميزة،  تحت عنوان "أنامل أزهرية تجسد الهوية"،.

حيث  قدم طلاب الأزهر لوحة فنية متكاملة، جمعت بين الأصالة والتراث وقيم الاعتدال والجمال، لتؤكد أن الفن ليس بعيدًا عن رسالة الأزهر، بل هو امتداد لها يعزز الهوية ويصونها للأجيال.

محافظ مطروح يفتتح المعرض 

افتتح اللواء خالد شعيب، محافظ مطروح، والشيخ عطية سالم، رئيس الإدارة المركزية لمنطقة مطروح الأزهرية، معرض أنامل أزهرية تجسد الهوية"، ليكون أولى الفعاليات الميدانية التي تشارك بها المنطقة الأزهرية ضمن احتفالات المحافظة بالعيد القومي الـ110. 

 إبداع الطلاب 

ضم المعرض عشرات الأعمال الفنية التي جسدت عناصر التراث المطروحي والمصري؛ من زخارف إسلامية، ورموز تراثية، ومناظر طبيعية من بيئة الصحراء والبحر، إلى لوحات تحمل قيم التسامح والانتماء وحب الوطن. وجاءت الأعمال نتاج برامج متخصصة في التربية الفنية داخل المعاهد الأزهرية، حيث حرص القائمون عليها على تنمية مهارات الطلاب وصقل مواهبهم، وتشجيعهم على التعبير عن هويتهم من خلال الفن.

الحفاظ على الهوية

أكد مسؤولو الأزهر خلال الافتتاح أن المعرض يأتي في إطار دور الأزهر الشريف في دعم المواهب الشابة، وتفعيل الأنشطة التي تعزز الهوية والثقافة البصرية لدى الطلاب. كما أشاروا إلى أن مثل هذه الفعاليات تُسهم في بناء شخصية متوازنة، وتدعم قيم الانتماء والتعايش، وتبرز أن الفن جزء أصيل من بناء الوعي الوطني.

مشاركة مجتمعية واسعة

شهد المعرض توافد عدد كبير من الأهالي والمهتمين بالفنون والتراث، الذين أشادوا بمستوى الأعمال الفنية وقدرة الطلاب على تجسيد الهوية الأصيلة بطريقة معاصرة. كما مثّل المعرض فرصة لتوثيق التعاون بين الأزهر الشريف والجهات الثقافية بالمحافظة، وتعزيز دور الفن كجسر للتواصل بين الطلاب والمجتمع.

اهداف المعرض 

يهدف المعرض إلى إبراز المواهب الفنية والإبداعية لطلاب وطالبات الأزهر، مع تعزيز الوعي بالهوية الوطنية والتاريخية وربط الطالب الأزهري بتراثه وحضارته العريقة.

مشتملات المعرض 

تضمن المعرض ثلاثة أجنحة، حيث احتفى الجناح الأول بالعيد القومي لتعزيز التراث الشعبي، وعرض الجناح الثاني معروضات تجسد الحضارة الفرعونية القديمة لتعزيز الهوية التاريخية، بينما ركز الجناح الثالث على أعمال أعياد الطفولة والفنون البيئية ومنها إعادة التدوير،.

مشغولات يدوية 

وتميز المعرض باحتوائه على مشغولات يدوية لـ "الفتاة المنتجة" وورش فنية حية شملت النحت على النحاس، وقامت الطالبات المشاركات بشرح أعمالهن وربط تفاصيل اللوحات بقيم الانتماء والتراث.

خلق اجيال والتعبيرعن الهوية 

،اكد مدير ازهر مطروح الشيخ عطية سالم، أن الأزهر الشريف يولي اهتماماً كبيراً بالأنشطة الفنية والثقافية لتربية جيل متكامل الشخصية، قادر على التعبير عن هويته وقضايا وطنه بفن واعٍ ملتزم.

طباعة شارك مطروح محافظة مطروح اخبار المحافظات اخبار محافظة مطروح ازهر مطروح

مقالات مشابهة

  • الخناجر الفضية في عُمان.. هوية السلطنة الثقافية
  • صالون ثقافي بطنطا يستعرض دور قصور الثقافة في دعم وتمكين ذوي الهمم
  • رحلات حوثية عبر مطار صنعاء تحت غطاء الوساطة العمانية
  • افتتاح مركز تدريب الفنون ونصب ثقافي بالطفيلة
  • حفاظا على الهوية الثقافية .. أنامل أزهرية تبدع فى مطروح | صور
  • الإبادة الثقافية
  • وفد جامعة اللاعنف يزور وزير الثقافة: بحثٌ في تعاون ثقافي وفني
  • فصل جديد من الإنجازات للحكمة العمانية في الهوكي محليا وإقليميا
  • الجماهير العمانية والسعودية تزيّن الدربي الخليجي
  • أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا