نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرًا كشف فيه كيف تحولت مجموعة هويون الكمبودية من شركة مالية شرعية إلى منصة ضخمة للجرائم الإلكترونية وغسيل الأموال، وُصفت بأنها "أمازون للمجرمين"، حيث تُباع عبرها عملات مزورة وأدوات قرصنة وخدمات غير قانونية على تيليغرام.

وأوضح الموقع أن الإعلانات تُعرض بلا توقف في زوايا ما يُعد أكبر سوق للبضائع غير المشروعة في العالم؛ لبيع عملات مزورة وخدمات غسيل الأموال وتقنيات قرصنة، ويكفي أن يجيد المستخدم اللغة الصينية ويفهم مصطلحات عالم الجريمة السرية.



وأفاد الموقع أن الإعلانات تُنشر في غرف دردشة عامة تديرها مجموعة هويون الكمبودية، المعروفة بين الجالية الصينية بتقديم خدمات مالية وتحويل أموال، وتصف ذراعها الإلكترونية "هويون باي" نفسها بأنها "علي باي كمبوديا". وتنتشر رموز كيو آر الخاصة بها في المطاعم والمتاجر.

وأضاف الموقع أن مجموعة الخدمات التي تسهّلها الشركات التابعة لهويون أكثر قتامة بكثير. فعلى الرغم من نفي هذه الشركات المتكرر لأي صلة بأنشطة إجرامية، وصفتها وزارة الخزانة الأمريكية مؤخرًا بأنها "حلقة محورية" في عمليات غسيل ما لا يقل عن 4 مليارات دولار من عمليات الاحتيال وسرقة العملات المشفّرة.



ويعتمد هذا التقرير، الذي يستند إلى أكثر من عشرين مقابلة مع مسؤولين حكوميين ومطلعين من داخل الشركة وضحايا مزعومين، بالإضافة إلى وثائق داخلية، على توضيح كيف ساعدت شبكة هويون فعليًا في تسريع نمو صناعة الاحتيال الإلكتروني في آسيا لتصبح صناعة ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.

عمليات متغيرة الشكل

ووصف الموقع تاريخ شركة هويون بالغامض، إذ تشير مصادر إلى تأسيسها في كمبوديا سنة 2014، بينما سُجلت رسميًا في هونغ كونغ سنة 2018. ولا تقدم إفصاحات مالية، وتعمل كواجهة لشبكة شركات مرتبطة بعلاقات غير شفافة ومديرين متداخلين.

وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أن "هويون باي"، و"هويون كريبتو"، و"هاووانغ غارنتي" لعبت دورًا أساسيًا في نقل أموال غير مشروعة لصالح منظمات إجرامية، بينها مجموعة لازاروس الكورية الشمالية. وأكدت أن هذه الكيانات تعمل فعليًا كجهة واحدة، محذرة من غياب أو ضعف سياسات مكافحة غسيل الأموال ومعرفة العميل، ومعلنة عزمها حظر "هويون" من النظام المالي الأمريكي.

وأفاد الموقع أن تايلاند أعلنت في حزيران/ يونيو عن فتح تحقيق مع مجموعة هويون بشأن تحويل أموال ناتجة عن المقامرة والاحتيال، فيما أغلقت شركة تيليغرام عشرات مجموعات الدردشة المرتبطة بهويون. كما جمّدت "تيذر" محافظ تابعة لـ"هويون غارنتي" تحتوي على نحو 30 مليون دولار من عملة "تيذر"، مؤكدة استعدادها لاتخاذ إجراءات فورية عند الإبلاغ عن محافظ إضافية.

وقد أعلنت شركتا "هاووانغ غارانتي" و"هويون كريبتو" إغلاقهما، فيما صرّح البنك الوطني الكمبودي أن "هويون باي" تم تصفيتها في حزيران/ يونيو بسبب انتهاكات جسيمة للأنظمة، وسُحب ترخيصها بالكامل بحلول 19 من الشهر ذاته. ورغم ذلك، قالت "هويون باي" في بيان لاحق إنها ملتزمة بالتعاون مع السلطات الأمريكية والدولية، وتعمل على معالجة مشكلات الامتثال وتحسين الشفافية.

غير أن الأنشطة عبر الإنترنت وشهادات شخصين مطّلعين على عمل هذه الشركات تشير إلى أن الوحدات الثلاث ما تزال تواصل عملها بشكل ما، متجاوزةً الاضطرابات والضغوط التنظيمية من خلال تغيير أسمائها أو توجيه العملاء إلى شركات تابعة.

وبعد إعلان "هاووانغ غارنتي" إغلاقها، ازداد نشاط المعاملات المشفّرة المرتبطة بكيانات هويون، بحسب شركة "تشين أناليسيس". ولا تزال إحدى مجموعاتها على تيليغرام نشطة، ويُوجّه العملاء إلى "تودو غارنتي"، التي تملك فيها "هاووانغ" حصة 30 بالمائة.

وأضاف الموقع أن "هويون كريبتو" يوجّه المستخدمين إلى مزود جديد يُدعى "كيكس"، يُديره موظفون سابقون من "هويون كريبتو"، وفق مصدر رفض كشف هويته. ويتطابق تصميم موقع "كيكس" مع الأول، بينما عادت الرسائل المرسلة إلى عناوين البريد الإلكتروني في الموقعين دون تسليم.

ويكشف استمرار نشاط "هويون" عن صعوبة إغلاق الأسواق اللامركزية، ويعكس مرونة الشبكة وقدرتها على تجاوز القيود. وتشير وثائق داخلية إلى أن "مهربي الأموال" استهدفوا ضحايا في لا يقل عن 12 دولة، فيما أظهرت سجلات أن بعض فروعها عملت في بولندا وكندا واليابان.

الجوهر السريّ

وذكر الموقع أن "هويون إنترناشونال باي" كان يُدير جزءًا كبيرًا من عمليات الاحتيال اليومية داخل مجموعة "هويون"، وفقًا لوثائق داخلية وشهادات مصدرين مطلعين. وشملت مهامه الإشراف على الأسواق الإجرامية عبر تيليغرام، وتلقي مدفوعات مقابل ربط المحتالين بمنفذي عمليات غسيل الأموال.

وتابع الموقع أن موظفي "هويون إنترناشونال باي" كانو يعملون من مقر الشركة في بنوم بنه مستخدمين أسماء مستعارة، وسهّلوا الربط بين شبكات غسيل الأموال. وتظهر وثائق اطّلعت سجلات مفصلة لضحايا عمليات احتيال نفّذتها مجموعات استعملت خدمات الشركة.

انفجار الصناعة

وقال الموقع إن محاولات الاحتيال الإلكتروني في الازدهار خلال العقد الثاني من القرن الـ21، انطلاقًا من مجمّعات احتيال في دول جنوب شرق آسيا مثل كمبوديا وميانمار ولاوس، مستهدفة ضحايا عالميين، رغم أن بدايات الجريمة الإلكترونية تعود إلى القرن الـ19.

وأدارت العديد من هذه المجمّعات عصابات إجرامية يقودها صينيون، وكانت تعتمد على ضحايا الاتجار بالبشر للعمل فيها قسرًا، للاحتيال على أشخاص في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان. وفي كثير من الحالات، تم إغراء الضحايا من خلال مخططات استثمار وهمية في العملات المشفرة أو علاقات عاطفية مزيفة تُعرف باسم "ذبح الخنازير".

وفي سنة 2024؛ ارتفعت عائدات عمليات "ذبح الخنازير" بنسبة 40 بالمائة، ما أثار تساؤلات عن مصادر الأدوات المستخدمة مثل الجوازات المزورة والبرمجيات الخبيثة. وخلصت السلطات إلى أن أسواقًا إلكترونية جديدة وسهلة الوصول، بعكس مثيلاتها الغربية، تقف خلف هذا النمو السريع في الاحتيال الإلكتروني.

وقال الموقع إن إعلانًا من سنة 2023 عرض أوراق نقدية صينية مزيفة مضمونة لاجتياز أجهزة الكشف، إلى جانب هواتف مهرّبة وأجهزة مخترقة وخدمات لفك تجميد الحسابات. كما رُوّج لخدمات مرتبطة بالاحتيال مثل إنشاء مواقع استثمار وهمية وبيع أدوات لتعذيب العمال المتاجر بهم، وطُلب الدفع بالعملات المشفرة.

وقد قدّر تقريران حديثان أن البنية المرتبطة بـ"هويون"، بما فيها "هويون غارانتي" و"هويون باي"، تعاملت مع أصول رقمية تتجاوز 96 مليار دولار منذ سنة 2021، ما يجعلها تتفوق على "هيدرا ماركت" الروسية، أكبر سوق إلكتروني سابق قبل إغلاقه من قبل السلطات الأميركية والألمانية.

عمليات متطورة

وكشف الموقع أن موظفي "هويون إنترناشونال باي" شاركوا في مراقبة المعاملات وتسوية النزاعات، وأن المنصة كانت تجني عمولات من عمليات البيع. كما منحت خطوط ائتمان كبيرة لفرق غسيل الأموال ذات أداء مرتفع، مما يكشف تورطها العميق في العمليات.

وأشار الموقع إلى أن دليل داخلي من سنة 2022 أعدته "هويون إنترناشونال باي" أورد تعليمات لتوثيق بيانات الضحايا في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، موضحًا كيفية التعامل مع المخاطر، خصوصًا عند تواصل الضحايا مع الشرطة أو اعتقال الوسطاء، مع التنبيه على إبلاغ المدير فورًا في حال الاعتقال.

دليل "التحكم في المخاطر"

وتُظهر الوثائق استخدام "هويون إنترناشيونال باي" نظام ترميز متقدم لتتبع غاسلي الأموال والمحتالين حسب المناطق المستهدفة، مثل "إي زد 3" لأوروبا و"يو إس26" للولايات المتحدة، واحتفظت بسجلات تفصيلية عن الضحايا شملت أحيانًا بيانات حساباتهم البنكية. وفي تايوان، تضمنت السجلات ملاحظات دقيقة مثل تبرير التحويلات كـ"شراء طعام للحيوانات"، وأكد هاريس تشين، المدعي العام في تايوان والمتخصص في تحقيقات الجرائم الإلكترونية، مطابقة التفاصيل مع قضايا أُدين فيها متورطون بغسيل الأموال.

محمية من التدقيق

وتشير السجلات المحدودة لشركات "هويون" في كمبوديا، مثل "هويون باي" و"هاوانغ غارانتي"، إلى إدارتها من قبل مدراء صينيين ومحليين نافذين، في ظل توسع نفوذ رأس المال الصيني بالبلاد. ووفق موظف سابق، تسود اللغة الصينية داخل مكاتب الشركة أكثر من الكمبودية.

وذُكر اسم هون تو، ابن عم رئيس وزراء كمبوديا هون مانيت، كمدير لشركة "هويون باي" المنحلة.

ويُعرف عنه امتلاكه منزلاً محصنًا في بنوم بنه ويحتفظ بطيور نادرة. خضع سابقًا لتحقيق أسترالي بتهمة تهريب مخدرات داخل شحنات خشب، لكنه نفى التهم ولم يُلاحق قضائيًا.

صلات هويون

وقال الموقع إن العديد من هذه الشركات غيرت أسماءها مرارًا، أو أُغلقت ثم أعادت فتح نشاطها على منصات جديدة.

وأضاف الموقع إن هي يانمينغ، المُدرج كمالك لـ "هويون كريبتو" في بولندا، يظهر أيضًا في السجل التجاري الكمبودي كمدير لبنك باندا التجاري، وهو من المؤسسات المالية الكبرى في البلاد. وكان كل من هون تو ولي شيونغ - الذي تولى إدارة ما لا يقل عن أربع من شركات هويون - عضوين في مجلس إدارة البنك حتى استقالتهما في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأفاد مسؤولون أجانب بأن شركات هويون كانت بمنأى عن التدقيق في كمبوديا، حتى ألغى البنك المركزي ترخيص "هويون باي" في أيلول/ سبتمبر الماضي. وعقب إعلان القرار، تدافع العملاء لسحب أموالهم، فرفعت الشركة الفائدة على ودائع "تيذر" من 2 بالمائة إلى 7.3 بالمائة.

غير أن حالة الذعر لم تدم طويلًا؛ إذ أعلنت الشركة سريعًا عبر إحدى قنواتها على وسائل التواصل أنها ستنقل خدمات الدفع والبلوك تشين إلى اليابان وكندا، حيث سبق لبعض وحدات هويون أن حصلت على تراخيص تجارية.

واعتبر الموقع أن حظر "هويون" من النظام المالي الأمريكي، كما تحاول وزارة الخزانة الأمريكية أن تفعل، لا يُشكّل تهديدًا كبيرًا كما يبدو. فعلى وجه العموم، لا تتطلب عمليات الاحتيال الإلكتروني وجودًا ماديًا، ويجيد غاسلو الأموال مهارة تحويل الأموال عبر حسابات وهمية، مضيفًا أن "هويون" تتمتع أيضًا بمستوى إضافي من الحماية: عملتها الخاصة.

واختتم الموقع بالإشارة إلى أنه تاريخيًا، كانت تُجرى العديد من عمليات الدفع باستخدام العملة الرقمية المستقرة "تيذر"، لكن بعد أن بدأت شركة "تيذر" بتجميد المحافظ الرقمية المشبوهة المرتبطة بـ"هويون"، أقدمت شركة "هويون كريبتو" في السنة الماضية على إصدار عملة مستقرة جديدة أطلقت عليها اسم "الدولار الرقمي من هويون".




المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي قرصنة اقتصاد تجارة قرصنة المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتیال الإلکترونی غسیل الأموال الموقع أن من عملیات الموقع إن إلى أن

إقرأ أيضاً:

مدير الشركة السودانية الموارد المعدنية: جاهزون لمباشرة أعمالنا من أبراج المعادن بالخرطوم

أعلن المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية، محمد طاهر عمر، عن الجاهزية الكاملة لعودة العاملين بالشركة إلى مزاولة نشاطهم من مقر أبراج المعادن بحي المجاهدين بشارع مدني في ولاية الخرطوم، بعد اكتمال أعمال الصيانة والتأهيل التي استغرقت ثلاثة أشهر.وأوضح المدير العام أن المبنى سيضم كافة إدارات الشركة، إلى جانب وزارة المعادن وهيئة الأبحاث الجيولوجية، مؤكداً أن البيئة أصبحت مهيأة بالكامل للعمل من داخل الولاية.جاء ذلك خلال اجتماع مشترك عقده السبت مع لجنة تأمين الموقع واللجان الفنية، حيث استمع إلى تقارير مفصلة عن الجهود المبذولة في إعادة تأهيل الأبراج وتهيئتها.وأشاد محمد طاهر بالجهود الكبيرة التي قامت بها القوات المسلحة والأجهزة النظامية والمستنفرين في تحرير ولاية الخرطوم، موجهاً شكره الخاص لمنسوبي الشركة الذين شاركوا في عمليات التحرير إلى جانب القوات المسلحة، وأسهموا في تأمين الموقع والوصول السريع إليه.وأكد أن الشركة الآن على أتم الاستعداد لمباشرة مهامها التشغيلية والإدارية من الخرطوم.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • مراسل «سي بي سي»: نجاح مهرجان العلمين بفضل جهود الشركة المتحدة «فيديو»
  • فرص وظيفية شاغرة في الشركة السعودية للخدمات
  • في مقدمتها الاحتيال.. زيادة هائلة في الجرائم الاقتصادية بألمانيا
  • مختص: يجب توثيق عقد الإيجار لتفادي عمليات الاحتيال.. فيديو
  • أكثر 10 لغات انتشارا في العالم بعام 2025.. ما ترتيب اللغة العربية؟
  • مدير الشركة السودانية الموارد المعدنية: جاهزون لمباشرة أعمالنا من أبراج المعادن بالخرطوم
  • موظفو مصافي الجنوب يحتجون ويطالبون الشركة باحتساب الشهادات الدراسية
  • أولوية الصلاة تشعل حربا عجيبة بين كمبوديا وتايلند
  • ماليزيا تتوسط لعقد اجتماع حدودي بين كمبوديا وتايلاند