لجريدة عمان:
2025-08-08@21:22:29 GMT

مُسِنُّونْ..

تاريخ النشر: 8th, August 2025 GMT

ينطلق الحوار ما بين الأجيال من خلال أمرين أراهما شخصيا على قدر كبير من الأهمية، أو هما الأساس الذي يمكن اعتماده كمنطلق لتقييم أهمية هذا الحوار القائم؛ أو ذلك الذي سيكون ويتجدد، وهذان الأمران هما الذاكرة المختزنة عند الأكبر عمرا، والرؤية التطلعية أو الاستشرافية عند من هم الأصغر عمرا، ولأن هنا؛ كما يبدو؛ تفاوتا نوعيا في الإدراك لدى الطرفين، فإن الحوار - في هذه الحالة- بلا شك؛ سوف يتعقد، فلا الأول: وهم الأكبر سنا، يمكنهم استشراف هذه الرؤية التطلعية التي يذهب إليها الأصغر سنا، بحكم محفزاتهم المعنوية المتوهجة، ولا هؤلاء الأصغر سنا؛ يمكنهم أن يعوا هذه التجربة الطويلة الممتدة التي تختزنها ذاكرة كبار السن بكل حمولتها المعرفية وخبرة الحياة، وهذه في حد ذاتها مشكلة معقدة، ليس يسيرا إطلاقا إيجاد نقطة التقاء متطابقة تجمع بينهما، والذي يحدث أن في مثل هذا الحوار المتباين في الرؤى والتقييمات، أن تتم مجموعة من التنازلات لدى الطرفين كنوع من المجاملة، أما القناعات فلن يتمكن أحد من زعزعتها أو التأثير عليها أو إرباكها وتكسير ثوابتها لأي طرف على الآخر، حيث يظل كل طرف متمسكا بالقناعة التي توصل إليها، ويؤمن بصحتها، ومن هنا يأتي تبادل التهم بين الطرفين في عدم قدرة كل طرف على فهم الآخر، وهي تهم؛ وإن عدها البعض تجاوز للقيم الأخلاقية؛ إلا أنها تظل حقيقة واقعية، ولا يجب نعتها بأنها «نكران للجميل» كما يحلو للبعض نعتها بذلك، هي تباين للإدراك لدى الطرفين، وليس نكرانا للجميل.

وينبئ هذه التباين لدى الطرفين من حقيقة إنسانية؛ قبل أن تكون ممنهجة - أي خاضعة لعرف ما - وهي أن هذا الإنسان الذي اعترك الحياة بحلوها ومرها، وعايش فيها من التجارب، وتعامل فيها من خلال كثير من المواقف، إذن؛ هو وصل إلى حالة من التشبع الذاتي، بحيث لا يعاني من أي فقر من معطيات الحياة المتاحة، ولذلك تتضاءل لدى هذا المسن كل الصور الاحتفالية المتاحة أمامه، ولا يرى فيها إلا صورا نمطية مملة، غير قادرة على لفت انتباهه، بعكس الأصغر سنا، الذي يرى فيها البهجة، والنضارة، والحركة، والنشاط، وضرورة أن يصل إليها ويستمتع بها، قدر الإمكان، ومعنى هذا أن حالة الهدوء التي يسعى إلى تحققها المسن، تتقاطع مع حالة الصخب لدى الشاب، فنقطة التقاطع هذه هي التي توسع حالة التباين بين الطرفين، ولذلك فكثيرا، وخاصة في المجالس؛ سواء العامة أو الأقل عددا «الخاصة» ينحشر المسن في زاوية، ويترك كل ذلك الصراخ من حوله، لشعوره أن ذلك لا يعنيه في شيء، حتى وإن كان الجمع يناقش أمورا على قدر كبير من الأهمية للحياة الحاضرة، للقناعة الموجودة عند هذا المسن، أنه قد تجاوز هذا الاهتمام الذي عليه الآخرون، وأنه الآن لا يعنيه الكثير مما هو مطروح للنقاش، وإن تكرم أحد وسأله عن رأيه تأتي الإجابة باهتة، عنوانها: «هذا زمنكم».

بينما في المقابل تنشط الذاكرة كثيرا عند هذا المسن، عندما ينتقل الحديث إلى شيء من الذكريات، حيث يستعيد من خلالها كل تفاصيل أنشطته التي كان يقوم بها، ويرى فيها نفسه، ويستحضر من خلالها زمنه الذي ولَّى، وفي خضم هذا الاستحضار، يتجاوز واقعه الحالي، وكأنه يستعيد مجدا لا يرى له مثيلا في هذه اللحظات التي يتقاسم مع الجيل الذي لا يزال يعيش في وسطه في لحظته الحاضرة، وأن كل ما هو منجز الآن، ويستمتع به لا يشكل له شيئا من الأهمية، ولذلك فما بين لحظة وأخرى يستعيد شيئا من الذكرى لترميم الفراغات الفاصلة بين الزمنين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: لدى الطرفین

إقرأ أيضاً:

ما الذي في المنطقة ؟

 

حركة الواقع اليوم من حولنا دالة على تهيئة مناخ حتى يكون صالحا لقبول فكرة جديدة في اليمن، فالاشتغال الإعلامي بلغ ذروته في سوالف الأيام وهو يسير وفق برامج واستراتيجيات بالغة الدقة والعناية، وضعها خبراء في علم النفس الاجتماعي وخبراء في علم النفس السياسي، وخبراء في سيكولوجية الجماهير وتلك علوم معاصرة تقوم على مناهج علمية تراكمت عند العلماء عبر قرون من الزمان، هذه العلوم والمعارف خرجت من عند المسلمين وربما كان العالم ابن خلدون هو مؤسسها الأول ثم تلقفها الغرب فتطورت على يديه تطورا عجيبا في حين ظل المسلمون عند نقطة البداية دون أن يتجاوزوها إلى النقطة التالية، فالعرب يمتازون بالثبات في التفكير ولا يكادون يتجاوزن الماضي إلا في حالات نادرة .

الغرب منذ بدأ التفكير في استعمار المنطقة العربية أرسل العلماء والخبراء لدراسة المجتمعات العربية، ولعلنا نتذكر فكرة الاستشراق كمصطلح شاع استخدامه في القرن التاسع عشر والقرن العشرين الميلادي، فالمستشرق جاء كي يقرأ المجتمع العربي والمسلم قراءة علمية وقد خرج بمصفوفة من الدراسات العلمية جعل مصالحه ومصالح الدول التي يستعمرها ترتبط ارتباطا عضويا لا فكاك له، وحين خرجت الشعوب ثائرة في منتصف القرن العشرين على المستعمر خرج المستعمر شكلا من خلال المظاهر العسكرية لكنه ظل يدير المنطقة من خلال مجموعة من العوامل منها الاقتصادي ومنها الإنساني والحقوقي واستبدل القوة الصلبة في السيطرة على الأنظمة والشعوب بالقوة الناعمة، لأنه كان يدرك طبيعة المجتمعات العربية وعوامل تحريكها من خلال المعرفة .

وبالعودة بالذاكرة إلى بداية الألفية الجديدة نتذكر جميعا الاشتغال المحموم على فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي كانت تديره وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك، والتي أصبحت مستشارا للأمن القومي الأمريكي فيما ببعد “كوندليزا رايس “، ذلك الاشتغال لم يكن عبثا ولا كان ترفا، بل كان استراتيجية تشتغل عليها دوائر صنع القرار الأمريكي يومذاك، وصلت فكرة الشرق الجديد إلى حالة الفشل وانسداد الأفق بعد نتائج حرب تموز في لبنان عام 2006م .

بعد فشل فكرة الشرق الجديد خرجت من مراكز البحوث الأمريكية فكرة الإسلام المعتدل، وتم استبدال فكرة الشرق الجديد بفكرة الخلافة، وتم اختيار تركيا بحكم عوامل تاريخية وحضارية وثقافية كي تقود المشروع الجديد تساندها قطر، وقد تم لها ذلك، بعد القيام بعدد من التغييرات في بنية النظام التركي حتى يتسق وظروف المرحلة والمشروع المزمع تنفيذه في الجغرافيا العربية، ولم تكن الانقلابات والاضطرابات التي حدثت في تركيا إلا سيناريوهات تم رسمها والتخطيط لها بعناية بهدف حركة الإقصاء التي نالت الكثير من الأسماء ذات التأثير في النظام التركي أو المتوقع إعاقتها لفكرة المشروع، وكانت منتقاة بجهد استخباري واضح بعد عمليات الانقلابات المزعومة في تركيا، هذا فضلا عن التغيير في بنية النظام من البرلماني إلى النظام الرئاسي، والترويج للمواقف الكبيرة من القضايا الكبيرة للرئيس التركي، وهي مواقف كانت مرسومة سلفا بهدف توسيع دائرة التأثير في نفوس المسلمين حتى تكون فكرة الخلافة وعودتها ذات معنى في الوجدان العام ومقبولة من المزاج المسلم .

لم يكن المسار السياسي وحده من يخطو الخطوات باتجاه أهداف مشروع الشرق الجديد القائم على أسس إعادة تقسيم الخارطة العربية على أسس طائفية وثقافية وعرقية حتى يشرعن للصهيونية الوجود في الخارطة العربية، وقد تظافر المسار السياسي مع المسارات الأخرى، ولعل المسار الثقافي هو الأبرز- كقوة ناعمة – يليه المسار الاقتصادي الذي شهد تحولا وأصبح نموذجا يروج له تيار الإخوان .

اشتغل الأتراك على البعد الثقافي اشتغالا كبيرا ومكثفا، ووصل حجم التأثير إلى مراتب عالمية فاقت التوقع، وتركز خطابهم الثقافي على فكرة الصناعة في التفكيك للمنظومات الاجتماعية كمسلسل “مهند ونور ” أو المنظومات السياسية كمسلسل ” مراد علمدار ” الذي كان يرسم موجات الربيع العربي في الوجدان العربي العام، وصولا إلى فكرة الخلافة التي بدأت الدوائر التركية بمساندة الاستخبارات العالمية في الاشتغال عليها بدءا من مسلسل ” آرطغرل ” وجميع تفرعاته التي تناقش فكرة الخلافة وتاريخها ومواقفها، وصولا إلى المسلسلات التي تناقش البعد الطائفي، هذا المهاد الذي يعمل على تفكيك التصورات التي صاحبت العقل العربي إبان حركة النهضة مطلع القرن العشرين وإحلال بدائل عنها عن طريق الدراما لم يكن عفو الخاطر، بل جاء وفق خطط واستراتيجيات مدروسة بعناية، وهو يفضي إلى تجزئة الأمة وتمزيقها وإحداث حالة الشلل التام في مختلف البناءات، وصولا إلى التمكين الكبير لدولة إسرائيل الكبرى التي يجدها اليهود في كتبهم كوعد يعملون على تحقيقه بشتى الطرق والوسائل .

فالرأسمالية تريد دولاً ضعيفة وغير فاعلة تعاني التشظي والانقسام حتى يسهل عليها فرض ثنائية الخضوع والهيمنة، ولذلك تدير حركة الانقسامات والحروب في المنطقة العربية وهي من خلال تفاوضها مع ايران وعقوباتها المتكررة عليها لا تريد ايرانا قويا متفوقا تقنيا وعسكريا بل تريد ذلك لإسرائيل فقط، وتريد التعامل مع ايران بالقدر الذي يخدم مصالحها ويوفر لها الحماية وتدفق الأموال .

ما يجب التفكير به واستيعابه هو أن هناك خبراء في العلوم الإنسانية المختلفة يحاربون إلى جانب جيوش دول الاستكبار العالمي، فالحرب ليست عسكرية كما قد يتبادر إلى الأذهان للوهلة الأولى فهي حرب ثقافية، وحرب تهجين، وتسطيح، وتعويم، وتفكيك، وتشكيك، ولا بد من تفعيل الجبهة الثقافية وتعزيزها بالرؤى والاستراتيجيات والإمكانات حتى تواجه عدوا لا يتصف بنزاهة الضمير ولا يتصف بشرف الخصومة.

مقالات مشابهة

  • برج الأسد حظك اليوم السبت 9 أغسطس 2025.. ابحث عن لحظات تقدّر فيها نفسك
  • امام وخطيب المسجد الحرام: حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيها والخير
  • عن خطة “احتلال غزة”.. فصائل المقاومة الفلسطينية: ستحرق من يتوغل فيها وستعيده مهزوما مكسورا
  • سكب عليها بنزين وولع فيها.. الحكم على حداد أنهى حياة زوجته
  • بلدان تحلو فيها تمضية العمر
  • ما الذي في المنطقة ؟
  • صلاة الضحى.. اعرف كيف تؤديها وماذا تقرأ فيها وآخر موعد لها
  • الروح لسه فيها أغاني.. رضوى الشربيني تدعم محمد منير في وعكته الصحية
  • بوح النيلين .. الدوحة تستضيف أمسية شعرية تنساب فيها الكلمات كالنيل