عربي21:
2025-08-11@18:17:40 GMT

هل فرملَ قيس سعيد قيادة اتحاد الشغل؟

تاريخ النشر: 11th, August 2025 GMT

ظل الاتحاد العام التونسي للشغل منذ تأسيسه قوة فاعلة في المستوى الاجتماعي كما في المستوى السياسي، وظل محافظا على استقلاليته ورمزيته وعلى "شرفه النضالي"، معتزّا بتاريخ مؤسسيه ومردّدا كلمة الشهيد فرحات حشاد: "أحبك يا شعب".

شارك اتحاد الشغل في معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار الفرنسي وقدم زعيمه شهيدا، كما خاض معركة العدالة الاجتماعية وقدم تضحيات في مواجهة سلطة بورقيبة، سواء في مواجهات 1978 أو فيما يُعرف بـ"أحداث الخبز" سنة 1984.



ظلت قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل في مختلف مستويات الهيكلة تحظى بصفة "النضال"؛ لكون مهمتها الأساسية هي الدفاع عن حقوق العمال في وجه رأس المال، وأيضا عن حقوق الأجراء سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص.

لم يكن قادة اتحاد الشغل يأخذون مواقف قيس سعيد من الأحزاب والمنظمات مأخذ الجد، فقد كان واضحا في حملته التفسيرية أثناء رئاسية 2019، بكونه لا يؤمن بالأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات، ولا يرى العلاقة إلا مباشرة مع الشعب الذي يعرف كل شيء ويخط دستوره على الجدران
تحولت العلاقة بالسلطة بعد مجيء ابن علي في 1987 إلى علاقة تعاقدية، حيث يتم اتفاق بين السلطة والقيادة النقابية على نسبة في الزيادة تتجدد كل ثلاث سنوات، فلم تشهد العلاقة مواجهات ولا إضرابات مؤثرة في قطاعات حيوية.

بعد 2011 تحول قادة اتحاد الشغل إلى ما يشبه قوة معارضة للسلطة، مارست الضغط في أقصى مستوياته وانتزعت زيادات مهمة وخاضت إضرابات قوية في مختلف القطاعات استطاعت شلّ حركة الاقتصاد وتحدي السلطة، بل وإذلالها أمام الشعب في مناسبات عدة. وقد بدا واضحا للمراقبين أن قيادة الاتحاد تحولت من مهمتها الاجتماعية إلى مهمة سياسية، حتى أضحت أشبه ما تكون بحزب عقائدي في مواجهة سلطة ضعيفة وعاجزة.

وقد شهد الأمين العام السابق للمنظمة حسين العباسي في كتابه "تونس والفرص المهدورة" بكون قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ومنذ البداية؛ أقامت علاقتها مع حكومة حمادي الجبالي على التوجس والعداوة، وقد جاء في كتابه بالصفحة 157: "كانت هناك مؤشرات كثيرة على تقدم الإسلام السياسي الذي لم يكن يخفي العداوة لبعض الأحزاب وبعض المنظمات ومن ضمنها الاتحاد العام التونسي للشغل. وعلى الرغم من أن الاتحاد لم يكن طرفا في انتخاب المجلس التأسيسي، فقد كانت هناك هجومات على قيادات الاتحاد، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الاتحاد سيمر بفترات صعبة في مواجهة الإسلام السياسي".

وفي تناسل الفعل ورد الفعل، تعرض قادة اتحاد الشغل إلى حملات على صفحات الفيسبوك ثم تعرضت مقراته إلى إلقاء فضلات المنازل، قبل أن يكون الحدث الكبير يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2012 حين هاجم عدد من الشباب الغاضب ساحة محمد علي الحامي، حيث مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، ورُفعت شعارات منددة بممارسات القيادة المركزية للاتحاد بسبب دعواتها المستمرة للإضرابات.

لقد ضيّق قادة اتحاد الشغل على الحكومة يومها الخناق حتى تداعت للانهيار، ليكون الاتحاد طرفا رئيسا في تنظيم عملية "السقوط" تحت عنوان "الحوار الوطني"، بل وتسلم الأمين العام حسين العباسي يومها جائزة نوبل للسلام ضمن الرباعي الراعي للحوار.

لقد شجع أغلب قادة المركزية النقابية قيس سعيد على إيقاف مسار التدرّب الديمقراطي ثم باركوا تفعيله للفصل 80 من الدستور يوم 25 تموز/ يوليو 2021، كانوا يظنون أنه سيكتفي بإزاحة الإسلام السياسي من المشهد وأنه سيتخذ منهم شركاء في المرحلة الجديدة.

لم يكن قادة اتحاد الشغل يأخذون مواقف قيس سعيد من الأحزاب والمنظمات مأخذ الجد، فقد كان واضحا في حملته التفسيرية أثناء رئاسية 2019، بكونه لا يؤمن بالأجسام الوسيطة من أحزاب ومنظمات، ولا يرى العلاقة إلا مباشرة مع الشعب الذي يعرف كل شيء ويخط دستوره على الجدران.

شعر قادة الاتحاد بالإهانة حين لم يُدعَوا إلى حوار اجتماعي لتدارس الأوضاع الاجتماعية وللتحاور حول الأجور لمواجهة تدني القدرة الشرائية لطبقة واسعة من التونسيين، ولعلهم أرادوا أخيرا اختبار جدّية موقف قيس سعيد منهم حين دعوا إلى إضراب في وسائل النقل العمومي لثلاثة أيام تعطلت فيها مصالح الناس، وكانت فرصة لأنصار الرئيس لتنظيم وقفة احتجاجية في ساحة محمد علي يوم 07 آب/ أغسطس الجاري، رفعوا فيها شعارات مهينة لأولئك "القادة".

وعلى الرغم من المساندة الواسعة لاتحاد الشغل من عدة أحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية، فإن قيس سعيد أبدى بكل وضوح مساندته للمحتجين؛ مدافعا عنهم ونافيا أن تكون لهم نوايا اعتداء على منظمة حشاد، ولم يتردد في مهاجمة قيادات الاتحاد؛ موجها إليهم عبارات مسيئة مفادها أنهم لا يبالون بمشاكل الناس المعيشية وأنهم يجتمعون في النزل الفاخرة، بل ومهددا بوجود ملفات فساد لن يتأخر في فتحها وفي تفعيل القانون دون محاباة.

ردود فعل قيادة اتحاد الشغل كانت واضحة في اعتبار "الهجوم" ناتجا عن حملات تحريض وتشويه، وهو ما جاء في بيان صادر عن المكتب التنفيذي في نفس يوم الحادثة جاء فيه أنه "يُدين هذه الجريمة النكراء التي جاءت نتيجة حملات التجييش والتحريض التي يقوم بها أنصار الرئيس".

الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سمير الشفي، وفي حوار إذاعي، نسب الهجوم إلى من اعتبرهم "غوغائيين" و"غرباء" عن الاتحاد، واعتبر تصريح قيس سعيد بخصوص الحادثة "خاطئا"، معتبرا أن الهجوم على الاتحاد كان سببه عبر التاريخ هو وجود أزمات اجتماعية، وحمّل وزارة الشؤون الاجتماعية والحكومة مسؤولية غياب حوار اجتماعي، مؤكدا أن اتحاد الشغل لن يتخلى عن دوره في الدفاع عن حقوق العمال في ظل ارتفاع الأسعار.

القيادي البارز في المركزية النقابية سامي الطاهري كان أكثر وضوحا في تحميل المسؤولية للخطاب الرسمي، وقد نشر نصا مطولا على صفحته جاء فيه:

موقف قيس سعيد من القيادة النقابية يجد أيضا دعما واسعا في أوساط عموم الناس، لا فقط بسبب تقصير قيادة الاتحاد في خوض المعركة الاجتماعية، وإنما أيضا بسبب انخراط تلك القيادات في حسابات سياسية على حساب مهمتها الحقيقية
"الاعتداء الهمجي اليوم على مقر الاتحاد كان معلوما سلفا وكانوا يعدون له العدة منذ أيام ويحشدون عبر "اللايفات" ليلا نهارا ويوم الأحد، ورغم ذلك فشلوا ذريعا، ومن أقدم على الاعتداء هم "أنصار الرئيس" وفي رواية أخرى "أنصار المسار" كما يصرحون ويتبجحون، والوجوه معروفة ومكشوفة ومعلنة وموثقة. وإذا لم يكن ذلك كذلك فعلى السلطة بكل مستوياتها أن تتبرأ منهم وأن تتخذ الإجراءات القانونية لتتبعهم على الجرائم التي اقترفوها بهذا الاعتداء الجبان؛ لأن ما قاموا به مخطط ومنهج وممول ولم يكن لا عفويا ولا تلقائيا. المعتدون لا صلة لهم بالعمل النقابي ولا بهياكل الاتحاد.. الاعتداء جاء نتيجة تحريض وتجييش وبث إشاعات وتزييف أخبار وترديد خطاب سياسي رسمي يجرم الإضراب ويصنف المضربين خونة وعملاء يخدمون أجندا أسيادهم".

وكما وجد اتحاد الشغل مساندة واسعة بعد حادثة "الخميس الأسود" كما أطلق عليها "المحتجون"، فإن موقف قيس سعيد من القيادة النقابية يجد أيضا دعما واسعا في أوساط عموم الناس، لا فقط بسبب تقصير قيادة الاتحاد في خوض المعركة الاجتماعية، وإنما أيضا بسبب انخراط تلك القيادات في حسابات سياسية على حساب مهمتها الحقيقية، وأيضا لكون قيس سعيد استطاع أن يظهر أكثر حرصا في المسألة الاجتماعية سواء في مراجعة قانون التشغيل والدعوة إلى إلغاء التشغيل الهش، أو بالشروع في تسوية الوضعيات العقارية لمئات آلاف المساكن، أو بقرار ترسيم المتعاقدين وقتيا في مجال التعليم.

والسؤال هو: هل ينجح قيس سعيد في سحب الملف الاجتماعي من بين يدي قادة اتحاد الشغل؟ وهل يقدر على تقديم رؤية مجدية عمليا دون حاجة لمكاتب الدراسات المتخصصة داخل هياكل اتحاد الشغل؟

وفي الجانب الآخر، إلى أي حدّ سيصمد قادة الاتحاد أمام أشغال "التجريف" التي بدأها قيس سعيد مع الأحزاب وبعض الهيئات ولن يستثني منها منظمات عريقة لا يُخفي عدم اعتقاده بجدواها؟

x.com/bahriarfaoui1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء التونسي اتحاد الشغل إضرابات قيس سعيد تونس إضراب اتحاد الشغل نقابة قيس سعيد قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة رياضة صحافة مقالات رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد العام التونسی للشغل قیادة الاتحاد قیس سعید من جاء فی لم یکن

إقرأ أيضاً:

اتحاد الكتاب العرب يرفض الخطة الإسرائيلية لاحتلال قطاع غزة

أعرب الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، عن إدانته المطلقة للخطة الإسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة.

وندد الدكتور علاء عبد الهادي الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، ونقيب كتاب مصر - في بيان صادر مساء اليوم الجمعة - بأقوى عبارات التنديد، بالاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة وأعمالها الإجرامية في الأراضي المحتلة، خاصة خطة المجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر (الكابينت) لاحتلال قطاع غزة بالكامل، والتي تمثل انعكاسا حقيقيا للأهداف الإسرائيلية منذ بداية حرب غزة، بهدف تفريغ القطاع من السكان بالكامل واحتلال أراضيهم.

وأكد أن ما يحدث يمثل حلقة جديدة في سلسلة الانتهاكات المتتالية للقوانين الدولية، واعتداء صارخا على كل القيم الأخلاقية والأعراف الإنسانية.

وأضاف عبد الهادي: "باسم الأمانة العامة للاتحاد، التي تمثل عشرات الآلاف من المبدعين العرب، وباسم الأدباء والكتاب والشعراء والمبدعين والمثقفين المصريين، نرفض - بشكل قاطع - احتلال قطاع غزة ومحاولة طرد الشعب الفلسطيني من أراضيهم، وتصفية القضية الفلسطينية".

ودعت الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، المنظمات الدولية كافة إلى النهوض بمسئوليتها في ردع الخطة الإسرائيلية، مؤكدا أن "السكوت الدولي" على احتلال قطاع غزة من جانب الكيان الإسرائيلي يستدعي وقفة حازمة من المنظمات الدولية والجامعة العربية.

وشدد على مساندة الموقف الثابت للدولة المصرية التي قدمت كل ما تستطيع من أجل القضية الفلسطينية، خاصة موقف السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، الذي يثبت - كل يوم - أن مصر لن تتخلى عن الأشقاء الفلسطينيين، وأن القضية الفلسطينية تمثل امتدادًا للأمن القومي المصري، وأن مصر مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية للأشقاء في غزة، وترفض كل محاولات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل وتوسعها في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • اتحاد الإعلاميين اليمنيين: استهداف الصحافيين جريمة حرب
  • اتحاد الإذاعات العربية يدين جريمة استهداف الصحفيين في غزة
  • سلوتسكي: قادة أوروبا يستحقون الشفقة وهم يحاولون اللحاق بـ”القاطرة” الروسية الأمريكية
  • قيادة وكوادر مستشفى عمران العام للأمومة والطفولة تنظم وقفة تضامنية مع غزة
  • 30 حكماً في ورشة اتحاد اليد
  • مستشار الغنوشي يحذر من مخاطر هجوم أنصار قيس سعيّد على اتحاد الشغل
  • هل تتحول الأزمة بين السلطة واتحاد الشغل في تونس إلى مواجهة مفتوحة؟
  • الكوكي سعيد بالفوز فى أولى مباريات الدورى و لاعبي المصري فرضوا شخصيتهم
  • اتحاد الكتاب العرب يرفض الخطة الإسرائيلية لاحتلال قطاع غزة