صراحة نيوز- أ.د. أحمد منصور الخصاونة

مع اقتراب موعد افتتاح جلسات مجلس النواب، تتكاثر مشاهد التكتلات الحزبية، وولائم الدعوات والعزايم، واللقاءات البروتوكولية والمجاملات التي يتبادل فيها الساسة الابتسامات أمام الكاميرات، التي تطغى أحيانًا على جوهر العمل السياسي، فيما تُدار المداولات خلف الكواليس بروح الاصطفاف والتنسيق الشخصي أكثر من روح التخطيط الوطني الجاد.

وفي خضم هذا المشهد المألوف، تتولد لدي فكرة قد يعتبرها البعض ضربًا من الخيال، لكنها برأيي رؤية مستقبلية قابلة للتحقق: إنشاء حزب سياسي كامل يُدار بالذكاء الاصطناعي، بلا موظفين، بلا أمانة عامة، وبالتأكيد بلا عزايم او ولائم أو مصافحات شكلية.

هذا الحزب لن يكون نتاج مزاجات شخصية أو توازنات عشائرية او اقليمية او مناطقية، أو حسابات انتخابية آنية، بل سيكون نتاج منظومة معرفية متكاملة تُغذّى بجميع القوانين والأنظمة والتعليمات والمراسيم، إضافة إلى أرشيف شامل للمواقف السياسية والتشريعية للنواب والحكومات منذ تأسيس الدولة وحتى اللحظة الراهنة. سيتولى الذكاء الاصطناعي تحليل النصوص، وفك شفرات التصريحات، وقراءة النوايا من بين السطور، وتحليل تعابير الوجة، وحركات الايدي، ليضع أمامنا صورة واقعية ودقيقة للمشهد السياسي، بعيدًا عن الضبابية والمجاملة.

وسيكون الحزب قادرًا على التقاط نبض المزاج السياسي والاقتصادي والاستثماري، واقتراح المسارات الأكثر فاعلية للخروج من أزماتنا المتلاحقة، سواء في مجال المياه أو الطاقة أو النقل أو الأمن الغذائي او الاقتصاد او التعليم والاستثمار. كما سيكون مؤهلاً للتعامل بحرفية مع الإقليم الملتهب،واقتراح ردات فعل تتنتاسب مع المواقف، وابتكار حلول لمشاكلنا الداخلية دون الارتهان للضغوط الخارجية أو الانحياز بمنأى عن الاصطفافات الضيقة وشراء المواقف.

الأهم أن هذا الحزب لن يعرف الاصطفافات الشخصية أو شراء المواقف، وسيكون قادراً على فهم مواقف الشعب والنواب على حد سواء، واضعًا العدالة الاجتماعية في مقدمة أولوياته، وساعيًا لتكريس الشفافية في جميع الآليات من التعيين واتخاذ القرار، الى توزيع موارد الدولة بعدالة. لن يتلون بالوسطية الرمادية التي تذيب المواقف في عبارات فضفاضة، بل سيكون حاسماً، واضح الرؤية، محدد الموقف، لأنه – ببساطة – سيعرف النوايا ويستشرف ردود الأفعال.

بل وسيذهب أبعد من ذلك، إذ سيقوم بتصنيف الأخلاق السياسية في الوطن والإقليم على حد سواء، واضعًا أمامه سجلًا تاريخيًا شاملًا لكل موقف وتصريح وتحرك، ليفرز المشهد السياسي فرزًا دقيقًا لا يخضع للعواطف ولا للضغوط. سيحلل السلوك السياسي في ضوء المعطيات التاريخية والجيوسياسية، مستندًا إلى وقائع موثقة لا إلى روايات متناقلة، ليضع معايير صارمة تحدد بوضوح من هو المواطن المخلص والنائب والمسؤول الصادق في التزامه، ومن هو الخصم حتى وإن ارتدى ثوب المجاملة، ومن هو المنتمي بفكره وضميره للوطن، ومن هو المتنفع الذي يرى الكرسي وطن ويتقن فن تغيير المواقف تبعًا لمصالحه.وسيتجاوز ذلك إلى تحليل مواقف الدول، فيرصد من هي الدولة التي تدعمنا فعلًا وتضع مصلحتنا ضمن حساباتها الاستراتيجية، ومن هي الدولة التي لا تتمنى لنا الزوال، بل ترى في استقرارنا ركيزة لاستقرار المنطقة، فيميز بين الشراكات الصادقة والتحالفات الشكلية.

وسيكون هذا التصنيف ديناميكيًا يتجدد مع كل حدث ومستجد، بحيث لا يُترك أي مجال للتلون أو التخفي وراء الشعارات. فالأرقام والبيانات لا تجامل، والحقائق لا تتغير لمجرد تبدل المقاعد أو الألقاب. وبهذه الآلية، سيتمكن الحزب من تقييم التحالفات بدقة متناهية، ورصد المخاطر قبل أن تتحول إلى أزمات، ووضع خطط للتعامل معها بموضوعية كاملة، تحصّن القرار الوطني من الاندفاعات العاطفية أو الحسابات الضيقة. ومع تطور التكنولوجيا، قد نصل إلى اليوم الذي يُسمح فيه للروبوتات بالانضمام إلى هذا الحزب، لتصبح العملية السياسية مزيجًا من الإبداع الإنساني والدقة الرقمية، بعيدًا عن التناقضات التي تُثقل واقعنا السياسي. سيكون لدينا عندها حزب بلا مصالح شخصية، وبلا ولاءات ضيقة، يضع المصلحة العليا فوق أي اعتبار، ويصنع قراراته بناءً على التحليل والبيانات لا على المزاج والهوى.

إنها دعوة لتخيل مستقبل سياسي تتحرر فيه مؤسسات العمل العام من قيود المجاملة، وتنطلق من معايير الكفاءة والشفافية، حيث تدار شؤون الدولة بعقل واعي وحسابات دقيقة، لا تضع في ميزان القرار إلا مصلحة الوطن العليا. مستقبل تُبنى فيه السياسات على البيانات والتحليل العميق، لا على الانطباعات العابرة أو الحسابات الضيقة، ويكون هدفها الأول والأخير هو خدمة الوطن والمواطن.

وفي عالم يتغير بسرعة هائلة، وتتشابك فيه المصالح وتتعاظم التحديات، قد يكون هذا الحزب هو طوق النجاة الذي يعيد للسياسة معناها النبيل، وللاقتصاد دوره الحقيقي في تحقيق التنمية المستدامة، ولخدمة الوطن والمواطن جوهرها الأصيل. حزب يملك الجرأة على كسر الحلقة المفرغة من الأزمات، ويمنحنا فرصة واقعية للخروج من دوامة الإخفاقات في جميع مجالاتنا نحو أفق أوسع من الأمل، وأرض أكثر استقرارًا، وحاضر يُبنى على أسس علمية، ومستقبل يتشكل بإرادة واعية.

إنه حلم سياسي جديد، لكنّه ليس مستحيلاً … فالتاريخ نفسه يثبت أن الأفكار الجريئة هي التي تصنع التحولات الكبرى، وأن من يملك الرؤية والوسيلة قادر على أن يغيّر مجرى الأحداث، ويكتب فصلاً مختلفًا من حكاية الوطن.

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون نواب واعيان علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي نواب واعيان تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن هذا الحزب التی ت

إقرأ أيضاً:

الدكتور فايز الربيع يستضيف رؤساء وأعضاء المجلس المركزي والمكتب الدائم والمكتب السياسي والمحكمة الحزبية للميثاق بحضور رئيس مجلس النواب

صراحة نيوز – استضاف الدكتور فايز الربيع في دارته مساء الأثنين رؤساء وأعضاء المكتب الدائم والمكتب السياسي والمحكمة الحزبية لحزب الميثاق الوطني، بحضور رئيس المجلس المركزي الدكتور يعقوب ناصر الدين ورئيس مجلس النواب أحمد الصفدي ورئيس كتلة الميثاق النيابية النائب الدكتور إبراهيم الطراونة.

وقال رئيس المجلس المركزي لحزب الميثاق الوطني الدكتور يعقوب ناصر الدين إن الميثاق الوطني لم يعد حزبا عابرا بل أصبح بسبب انتشاره على الساحة السياسية الأردنية حزبا فاعلا لديه رؤية ورسالة واضحة تقوم على ثوابت وطنية راسخة يؤمن بها جميع الأردنيين، مشيرا الى ان الحزب سيطلق في المستقبل القريب مبادرة تعريفية بالميثاق وبرامجه ورسالته وخطته الاستراتيجية تحت عنوان “من نحن”.

من جانبه قال رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي إن حزب الميثاق الوطني منذ تأسيسه يسعى الى تعزيز مكانته وحضوره الحزبي والسياسي على الساحة الأردنية، وهو ما أكسبه ثقة الأردنيين، وهذا يتطلب تعزيز العمل السياسي الذي هو نتاج لمنظومة التحديث السياسي التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني ضمن مسارات الإصلاح الثلاث السياسية والاقتصادية والإدارية.

بدوره أكد أمين عام حزب الميثاق الوطني بالوكالة عبيد ياسين أن الميثاق الوطني سينطلق لميادين العمل السياسي والحزبي في جميع محافظات المملكة لمواصلة التعريف بالحزب ورؤيته وآلية عمله وتطلعاته المستقبلية، مشيرا الى أن الإعلام يعتبر شريكا أساسيا للحزب في ايصال رسالته للمواطنين، وابراز الجهد الذي يقوم به.

رئيس كتلة الميثاق النيابية النائب الدكتور إبراهيم الطراونة أكد أهمية دور حزب الميثاق الوطني على الساحة السياسية المحلية، مشيرا الى أن نواب الميثاق هم الذراع السياسي للحزب وعمله يأتي في إطار أهداف واستراتيجية الميثاق، إضافة إلى أن كتلة الميثاق النيابية تمارس دورها التشريعي والرقابي الذي كفله لها الدستور، من خلال التشاور الدائم مع مجالس ومكاتب ولجان الحزب.

من جانبه أكد رئيس المحكمة الحزبية الدكتور حازم النسور أهمية المحكمة ودورها في العمل الحزبي ومؤسسة الحزب من خلال وضع أسس وتشريعات لآلية عمل المحكمة عبر القنوات القانونية داخل الحزب وضمن الأنظمة المعمول بها، موضحاً بأن حزب الميثاق الوطني أصبح يُشار له بالبنان على الساحة الحزبية المحلية.

من جنبها أكدت المهندسة سناء مهيار على دور المرأة الفاعل في الميثاق الوطني، والتي تم منحها مكانة متقدمة داخل الحزب، وهو ما أكسبها حضوراً مميزا جنباً إلى جنب مع زملائها لتكون بذلك شريكا في صناعة قرارات ورؤية واستراتيجية وبرامج الحزب، مؤكدة أن المرحلة القادمة ستشهد دوراً أكثر فاعلية للمرأة الميثاقية .

مقالات مشابهة

  • ‏«الإصلاح والنهضة»: انتخابات الشيوخ كشفت حاجتنا إلى ‏تطوير الأداء السياسي والتنظيمي
  • عاجل | الخارجية الأردنية: ندين تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه متعلق بما تسمى رؤية إسرائيل الكبرى
  • نفاع يطلب من اعضاء المكتب السياسي في حزب عزم تقديم استقالاتهم تمهيدا لإعادة تشكيلة
  • بعد فوزه.. فايز أبو حرب: شكرًا للمواطنين وقيادات الحزب ودوري تحت القبة لخدمة الوطن
  • «صحة الجبهة الوطنية» تتبنى رؤية لمحو الأمية الصحية
  • “صحة الجبهة الوطنية” تناقش مستقبل القطاع الخاص في الصحة وتتبنى رؤية لمحو الأمية الصحية
  • الدكتور فايز الربيع يستضيف رؤساء وأعضاء المجلس المركزي والمكتب الدائم والمكتب السياسي والمحكمة الحزبية للميثاق بحضور رئيس مجلس النواب
  • المفتي: ثورة الذكاء الاصطناعي من أكبر التحديات التي عرفها العصر الحدي
  • وزير العدل: تمكين الشباب في عام المجتمع رؤية وطنية لمستقبل مزدهر