المعمار الصحراوي.. هوية بصرية تروي ذاكرة المغرب العميق
تاريخ النشر: 14th, August 2025 GMT
يزخر المغرب بعدد هائل من النماذج المعمارية الضاربة في قدم الحضارة. ذلك أن هذا التعدد المعماري الذي تحبل به مدن المغرب، شمالا وجنوبا، يجد ملامحه في الطابع المركب لهذا البلد الذي تعاقبت عليه جملة من الحضارات العريقة وانصهرت فيما بينها لتكون خليطا معماريا مذهلا.
فهذا الزخم من التراث المادي واللامادي، هو الذي قاد المفكر عبد الكبير الخطيبي إلى تدبيج عبارته الشهيرة "المغرب المتعدد" وعيا منه بقيمة المغرب وقدرته مقارنة ببلدان عربية أخرى، على اجتراح أفق بصري مختلف ومغاير.
والحقيقة أن أول شيء يشُد الزائر للمغرب، أنه يجد نفسه أمام فن معماري نادر، إذ كلما اختلفت الفضاءات والجغرافيا، يجد السائح نفسه أمام صرح معماري متنوع. بيد أن هذا الاختلاف لا يمكن دراسته وتأمله بمنأى عن سياقه التاريخي والمنابع الفنية التي منها يمتح جمالياته، وذلك لأن البعد الجغرافي وفيزيونومية الفضاء يلعبان دورا بارزا في تحديد طبيعة الأنماط المعمارية وغلبة الهوية المحلية على تضاريس القباب والجدران والتيجان والأحجار وغيرها.
حكمت بلاد المغرب دول متعاقبة، من بينها الوندال والرومان والفينيقيون والبيزنطيون إلى جانب دول إسلامية مثل المرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين وصولا إلى العلويين. فهذا الزخم من الحضارات أعطى للمغرب صورة البلد المتعدد في هويته والغني في ممارساته الفنية. غير أن الجانب المعماري، يظل أحد العناصر الثقافية المشكلة للهوية البصرية المغربية، حيث يعثر السائح على أنماط متعددة من المباني والمواقع الأثرية والبنايات المعمارية التي تظهر عمق وأصالة البلد.
ففي الدار البيضاء مثلا، تتراص المباني المعمارية الحديثة لتُعطي للمدينة بهجة معمارية متناغمة تجد ملامحها فيما يسمى بـ"الآرت ديكو" (Art Deco). وهو نمط معماري غربي استرعى انتباه المعماريين الفرنسيين، فجعلوا من شارع محمد الخامس مختبرا بصريا منذ مطالع القرن الـ20. في حين يعثر المرء في فاس ومكناس على نوع من العمارة العسكرية التي تلعب فيها الأبراج والقناطر والأسوار دورا كبيرا في حماية المدينة من الغارات الخارجية.
إعلانفي كل مدينة تقريبا، ثمة نموذج معماري مختلف، لكنه أحيانا يتكرر حين نكون في حضرة المعمار الكولونيالي الخاص بالقرن الـ20 مثل الدار البيضاء وطنجة والرباط. فهذا النموذج يتشابه من ناحية تصميمه ومعالمه إذ يرتبط بشكل كبير بمفهوم الحداثة.
في حين نعثر في مدن أخرى، مثل ورزازات وزاكورة وبني ملال ومراكش، على أنواع أخرى من العمارة التي تمتح جمالياتها وصناعتها من الهوية البصرية المحلية، سواء على مستوى التصميم أو الهندسة أو حتى المواد المستعملة في بناء بعض المعالم المعمارية.
إن المعمار التقليدي بالمغرب ابن بيئته وحضارته، فهو لا يستعير هوية الآخر، كما هو الشأن الاستعماري، بقدر ما يظل مرتبطا بعنصر الفضاء الذي ينتمي إليه.
على هذا الأساس، يظهر المعمار الصحراوي في كونه من النماذج المهمة التي وإن كان يعتبره الباحثون والمهندسون تقليديا، فإننا نجد في التصميم المعماري المعاصر نوعا من المحاكاة لهذا المعمار، بحكم بساطته وجمالياته على مستوى احترام البيئة وإعطاء البعد المحلي مكانته التي يستحقها.
لقد ساهم التراكم التاريخي الذي عرفه المغرب منذ مرحلة ما قبل التاريخ، في اجتراح أفق معماري أكثر غزارة وتنوعا. ذلك أن المعمار المغربي أضحى عبارة عن خليط يستمد هويته من الحضارات الأخرى المرتبطة بالثقافة الإسلامية ونظيرتها الغربية. لكن يبقى كل نمط معماري له حدود التأثير والتأثر والأفق البصري الذي ينهل منه.
يرى الباحث في التاريخ القديم نور الدين أزديدات أن المعمار الصحراوي يتميز بعدة مميزات "تتمثل الأولى في الانسجام مع المناخ لا سيما وأن مناخ الصحراء جاف، وبالتالي فإن الإنسان الصحراوي اعتمد في عملية التشييد على مواد محلية مثل التراب المدكوك والحجارة وجذوع النخيل، حتى توفر تلك المباني نوعا من العزل الطبيعي وتحميه من الرياح لدرجة يصبح فيها الفضاء المعماري باردا في الصيف ودافئا في الشتاء".
أما الميزة الثانية في نظره، "فتتمثل في أن هذا البناء يكون على شكل قصبات وقصور وتبنى بشكل ملتصق ومتراص مع بعضها البعض، كما أنه يكون محصنا بأسوار خارجية وبأبراج وأبواب، إذ يكون هناك باب رئيسي واحد، يشكل مدخلا للقصر، وهو ما يعكس لنا طابعا دفاعيا واجتماعيا، خاصة أن هذا القصر أو القصبة، يتم تشييدهما فوق التلال وذلك كنوع من الهاجس الأمني، كما يكون هذا النمط المعماري بجوار بعض الأودية وعيون الماء، لأن هذا الأخير يعتبر أساس الحياة".
كما أن القصر نفسه، لا يكون عبارة عن مسكن فقط، بل مؤسسة اجتماعية واقتصادية وسياسية، حيث تجد فيه المسجد والساحات والمرافق وغيرها من الفضاءات التي تتواشج فيما بينها لتكون نموذجا بصريا موحدا ينسجم مع البيئة الصحراوية وجمالياتها ونظمها الاجتماعية والسياسية والقبلية.
وعن السبب الذي يجعل المغرب رائدا في هذا النمط المعماري، يقول أزديدات إن "قدم الاستقرار هي التي جعلت هذا النمط يكون رائدا، لأن هذا الاستقرار البشري القديم جعل الإنسان يطوّره ويتفاعل مع البيئة وحتى مع المجموعات البشرية التي تكون مستقرة في تلك المنطقة أو مستوطنة أو حتى الوافدة. فهناك نوع من التأثير والتأثر بين اليهود والأمازيغ والعرب والذي جعل الجانب المعماري يتأثر بهذا التلاقح".
إعلانويكمل الباحث في التاريخ القديم قائلا "أما الأمر الثاني، فيكمن بشكل أساس في الخبرة التقنية المحلية المتمثلة في البناء عن طريق اللوح والآجر المجفف أو البناء بالحجارة أو الزخرفة لدرجة أن هذه العناصر تطوّرت وأصبحت ملائمة للبيئة الصحراوية، بما جعلها تصبح نمطا رائدا في الجنوب المغربي، إذ نعثر على هذا النمط على طول واد درعة والمتمثل في قصورها وقصباتها وتمتد حتى تخوم الصحراء وتونس وليبيا وموريتانيا أيضا، خاصة أن الهندسة المعمارية بالصحراء تنهل من مرجعيات وظيفية وجمالية وأيضا المناخية وذلك بالاعتماد على مواد مثل الطين الحجارة والجبص والخشب وغيرها من المواد التي تتماشى مع التقلبات المناخية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات دراسات اجتماعي هذا النمط أن هذا
إقرأ أيضاً:
تحريات لكشف هوية المتهمين بمطاردة سيارة فتيات بطريق الواحات
يجري رجال المباحث بمديرية أمن الجيزة، تحريات لكشف هوية المتهمين بمطاردة سيارة تقودها فتاة وبصحبتها صديقاتها، بمدينة 6 أكتوبر، مما أسفر عن اصطدامها بسيارة نقل، عقب إغلاق الطريق أمامها، والتسبب في إصابتهن.
ورد بلاغ لمديرية أمن الجيزة يفيد وقوع حادث مروري بطريق الواحات في مدينة 6 أكتوبر، مما أسفر عن إصابة فتيات يستقلن السيارة.
وتبين من خلال الفحص والمعاينة والتحريات الأولية، أن سيارة تقودها فتاة وصديقاتها، تعرضن لمطاردة من جانب شباب يقودوا 3 سيارات ملاكي بطريق الواحات، في مدينة 6 أكتوبر، وتسبب مطاردتهم لسيارة الفتيات في اصطدامها بسيارة نقل، مما أسفر عن تهشم السيارة الملاكي الخاصة بالفتيات، وإصابتهن.
تم نقل المصابات إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم وإزالة آثار الحادث، وجاري تكثيف التحريات لكشف هوية المتهمين، وفحص مقطع فيديو رصد الواقعة، ويظهر فيه أرقام اللوحات المعدنية الخاصة بسيارات المتهمين، وأخطرت النيابة المختصة للتحقيق.