يمثل قطاع الصيد، ولا سيما الصيد التقليدي، ركيزة أساسية من ركائز الأمن الغذائي والاقتصاد المحلي في العديد من الولايات الساحلية، ومع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تتزايد التحديات التي يواجهها هذا القطاع، سواء من حيث الظروف المناخية القاسية، أو التغيرات البيئية المتسارعة، أو حتى الجوانب المتعلقة بسلامة الصيادين أثناء ممارسة مهنتهم الشاقة.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية تسليط الضوء على الإجراءات التي تتخذها وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه لضمان استمرارية هذا القطاع الحيوي، وتعزيز ثقافة السلامة بين العاملين فيه، إلى جانب إبراز الجهود المبذولة في مجالات الرقابة والدعم والتوعية.

تحديات بيئية

تتمثل التحديات البيئية التي تواجه قطاع الصيد البحري في فصل الصيف، خصوصًا فيما يتعلق بارتفاع درجات الحرارة وتغير التيارات البحرية، في مجموعة من العوامل الطبيعية التي تؤثر بشكل مباشر على وفرة المصيد واستدامة الموارد السمكية، وهي ارتفاع درجات حرارة المياه السطحية، حيث تؤدي الزيادة الملحوظة في حرارة مياه البحر إلى تغيّر في توزيع الكائنات البحرية؛ إذ تميل بعض الأنواع إلى الانتقال نحو الأعماق أو المناطق الأبرد، الأمر الذي يقلل من توافرها في مناطق الصيد المعتادة، كما يشهد موسم الصيف تغيرات واضحة في أنماط حركة التيارات البحرية، خاصةً على سواحل بحر العرب، ما ينعكس على مسارات هجرة وتكاثر العديد من الأنواع الاقتصادية المهمة، مثل السردين وأسماك التونة. وبفعل الظواهر الطبيعية غير المواتية مثل ظاهرة ازدهار الطحالب الضارة (المد الأحمر)، والتي تنشأ نتيجة تفاعل عدة عوامل بيئية، منها توافر المغذيات، وارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط التيارات البحرية. ويختلف تأثير الحرارة تبعًا لنوع الطحالب، إذ يزدهر بعضها في المياه الحارة بينما يفضّل بعضها الآخر درجات معتدلة. وتُعد هذه الظاهرة من أبرز التهديدات لمناطق الصيد لما تسببه من نفوق للأسماك وتدهور جودة المياه. كذلك انخفاض مستويات الأوكسجين المذاب حيث تؤدي الحرارة المرتفعة في بعض المناطق إلى انخفاض قدرة المياه على إذابة الأوكسجين، مما يؤثر سلبًا على صحة الأسماك ويزيد معدلات نفوقها. ومن التحديات البيئية الأخرى، تغير توزيع العوالق البحرية حيث إنها تمثل حلقة أساسية في السلسلة الغذائية البحرية، وأي اضطراب في توزيعها يؤدي إلى تغيّر أماكن تجمع الأسماك، مما يحد من كفاءة الصيد في المواقع المعتادة.

يقوم المركز برصد هذه التغيرات بصورة دورية من خلال الزيارات الميدانية وتحليل بيانات الأقمار الصناعية؛ بهدف توفير معلومات دقيقة تدعم قرارات الصيادين والجهات المختصة، وتسهم في تعزيز استدامة القطاع.

التغير المناخي

تم رصد تأثيرات واضحة للتغير المناخي على أنماط هجرة الأسماك وتوزيعها الموسمي، خاصة خلال الأشهر الحارة؛ فقد وثّقت الدراسات والمشاهدات الميدانية ارتفاعًا ملحوظًا في درجات حرارة سطح البحر في بحر العرب وسواحل سلطنة عُمان منذ ستينيات القرن الماضي، متأثرًا بظواهر مناخية مثل النينيو وتذبذب المحيط الهندي (Indian Ocean Dipole) وقد انعكس ذلك على الدورة البيولوجية للتغذية ونمو الأسماك، وأدى إلى تغيّر في أنماط التوزيع والهجرة لعدد من الأنواع البحرية.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك السردين الهندي (Indian Oil Sardine)، حيث ساهم ارتفاع درجات الحرارة في توسع نطاق توزيعه، إلى جانب الماكريل الهندي، نحو منطقة شبه الجزيرة العربية بما في ذلك السواحل العُمانية، في مؤشر واضح على تغير أنماط الهجرة المرتبطة بالمناخ. كما لوحظ أنه خلال فصل الصيف، يؤدي ارتفاع حرارة المياه السطحية إلى حدوث ظاهرة الطبقية الحرارية (Stratification) في عمود الماء نتيجة ضعف الرياح الناتج عن تغيرات الضغط الجوي السيبيري، مما يقلل من صعود العناصر الغذائية من الأعماق إلى السطح، ويؤدي بالتالي إلى انخفاض إنتاجية العوالق النباتية، وهو ما ينعكس سلبًا على إنتاج السردين في بحر عُمان.

خطط الاستدامة

وفي مواجهة هذه التغيرات، يجري العمل على تطبيق استراتيجيات مرنة ومستدامة لإدارة الموارد البحرية، تهدف إلى الحفاظ على استدامة الثروة السمكية وتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات البيئية المتسارعة، أبرزها: الإدارة التكيفية، حيث يتم تعديل السياسات وخطط الصيد استنادًا إلى البيانات البيئية والمناخية المستجدة، واستخدام النماذج العلمية والتوقعات البيئية لمواكبة التغيرات السريعة في درجات حرارة المياه، وحالة المخزونات، وأنماط الهجرة. حماية المناطق البحرية من خلال، إنشاء محميات أو مناطق يُنظَّم أو يُمنع فيها الصيد، لتكون ملاذًا آمنًا لتكاثر الأسماك واستعادة المخزونات الطبيعية، بما يعزز قدرتها على مواجهة الضغوط المناخية. تطوير وتحديث تقنيات الصيد وتشجيع استخدام تقنيات صيد أكثر كفاءة وأقل ضررًا على البيئة البحرية، مثل الشباك الانتقائية التي تقلل من صيد الأنواع غير المستهدفة وتحافظ على الموائل الطبيعية. الرصد البيئي والبحوث العلمية، إنشاء برامج مراقبة مستمرة لقياس المؤشرات البيئية مثل درجة الحرارة، ومستويات الأكسجين، والملوحة، والتنوع البيولوجي، وتوفير بيانات دقيقة تدعم اتخاذ قرارات وإجراءات استباقية. التعاون الإقليمي والدولي وتنسيق الجهود بين الدول المطلة على نفس المسطحات المائية لإدارة الأنواع المهاجرة بطريقة عادلة ومستدامة، مع تعزيز تبادل الخبرات والبيانات. بالإضافة إلى تربية الأحياء المائية المستدامة من خلال دعم الاستزراع السمكي بطرق صديقة للبيئة لتخفيف الضغط على المصايد الطبيعية، مع الالتزام بمعايير جودة المياه والحفاظ على صحة الأحياء المستزرعة.

وتشير الدراسات إلى أن هذه الظواهر أصبحت أكثر تكرارًا خلال العقود الأخيرة نتيجة التغير المناخي العالمي، ما يستدعي الإسراع في تبني هذه الاستراتيجيات لضمان استدامة الموارد البحرية وحماية النظم البيئية.

إرشادات السلامة

حول أهم إرشادات وإجراءات السلامة التي توصي بها الوزارة للصيادين خلال أشهر الصيف، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتزايد مخاطر ضربات الشمس والجفاف، تؤكد وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على ضرورة التزام الصيادين بجملة من التعليمات الوقائية التي تهدف إلى حماية الأرواح وضمان استمرار العمل في بيئة آمنة ومستدامة.

وتحرص أيضا على تعزيز ثقافة السلامة البحرية من خلال اللقاءات التوعوية المباشرة، والزيارات الميدانية، والمحاضرات التثقيفية التي تسلط الضوء على مخاطر العمل في الظروف المناخية الحارة، وتقدم إرشادات عملية للحد من تأثيراتها السلبية على صحة الصيادين، أبرزها ارتداء الملابس الواقية التي تغطي الجسم بشكل مناسب، مع استخدام أغطية الرأس مثل القبعات الواقية لتقليل التعرض المباشر لأشعة الشمس. والإكثار من شرب المياه والسوائل على مدار الرحلة لتفادي الجفاف، مع التأكد من حمل كميات إضافية من المياه على متن القوارب. وتوفير الظل على القوارب عبر تركيب مظلات أو أغطية واقية للتقليل من التعرض المباشر للشمس أثناء العمل. بالإضافة إلى تجنب العمل في أوقات ذروة الحرارة، ويفضل بدء الرحلات في ساعات الصباح الباكر أو ما بعد العصر. وإجراء الصيانة الدورية للقوارب والمحركات قبل الإبحار، لتفادي الأعطال المفاجئة التي قد تؤدي إلى التوقف في عرض البحر تحت أشعة الشمس لفترات طويلة. وكذلك التأكد من جاهزية أدوات السلامة البحرية، بما في ذلك سترات النجاة، وأجهزة الاتصال اللاسلكي، وحقيبة الإسعافات الأولية، للتعامل مع أي طارئ. كما أن من المهم متابعة النشرات الجوية والبحرية الصادرة عن الجهات المختصة قبل الخروج؛ لتجنب تقلبات الطقس أو الحالات البحرية الخطرة. والحرص على التواصل المستمر مع مراكز مراقبة السواحل واتباع تعليمات الجهات المعنية، خاصة في المناطق التي تشهد ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة.

ويساهم الالتزام بهذه الإرشادات في تقليل المخاطر الصحية والمهنية، ويعزز من سلامة الصيادين، بما يضمن استدامة نشاطهم البحري خلال أشهر الصيف الحارة.

إجراءات رقابية

تنفذ وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه زيارات ميدانية منتظمة من قِبل فرق التفتيش المختصة إلى موانئ الصيد. يتم من خلالها التحقق من صلاحية وتجهيزات معدات السلامة البحرية على متن القوارب، مثل سترات النجاة، وأجهزة الإطفاء، ووسائل الاتصال. ومراجعة التراخيص والتأكد من الالتزام بالأنظمة واللوائح المعمول بها في قطاع الصيد البحري. كما تتخذ الوزارة الإجراءات القانونية وتطبيق العقوبات بحق القوارب أو الصيادين المخالفين.

مبادرات وتسهيلات

كما تعمل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على تنفيذ حزمة من البرامج والإجراءات التي تهدف إلى حماية الصيادين وتحسين بيئة عملهم، بما يضمن استدامة نشاطهم في ظل ارتفاع درجات الحرارة. تشمل، توفير أكياس الثلج في الأسواق السمكية، وتوزيع صناديق الثلج على الصيادين، بما يساهم في تقليل الفاقد من الأسماك والحفاظ على جودتها سواء أثناء عمليات الصيد أو خلال مراحل التسويق. تحسين بيئة العمل في الأسواق والأسواق المركزية من خلال إنشاء وتطوير أسواق سمكية حديثة أو إعادة تأهيل الأسواق القائمة، مع تزويدها بوسائل التهوية والمظلات الواقية، بما يخفف من تأثير درجات الحرارة المرتفعة على الصيادين والباعة ويحسّن ظروف العمل خلال فصل الصيف. تأمين بنية تحتية متقدمة ودعم الإنتاج المحلي وتعزيز قدرات التصنيع والتجميد في قطاع الثروة السمكية عبر تشغيل مجموعة من المصانع المتخصصة في معالجة الأسماك، مما يقلل الاعتماد على عرض المنتجات في الهواء الطلق ويحد من تعرض الصيادين والباعة لأشعة الشمس المباشرة. ومن أبرز هذه المنشآت: مصنع غلا في مسقط، ومصنع صلالة في محافظة ظفار، ومصنع الأشخرة في شمال الشرقية، ومصنع صوقرة في محافظة الوسطى، إضافة إلى مركز الشويمية لتجميع الأسماك. وتوفر هذه المرافق بيئة عمل صحية وآمنة، وتدعم جودة المنتج السمكي وكفاءته التسويقية. بالإضافة إلى تنفيذ جولات تفتيشية للأسواق ومرافق الصيد، وتنظيم محاضرات ولقاءات توعوية لرفع وعي الصيادين بأهمية الالتزام بإجراءات السلامة، بما في ذلك الصيانة الدورية للمعدات وتجنب الخروج في أوقات ذروة الحرارة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزارة الثروة الزراعیة والسمکیة وموارد المیاه ارتفاع درجات الحرارة المیاه على فصل الصیف العمل فی من خلال

إقرأ أيضاً:

منتدى الشباب الإقليمي يدعوا للمشاركة في منتدى الشباب لمواجهة تحديات المياه والمناخ

انضم إلى قناتنا على واتساب

شمسان بوست / خاص:

دعى منتدى الشباب الإقليمي الشباب العرب الصحافيين والاعلامين والمهتمين بقضايا المياه والمناخ بالتقديم للمشاركة في المنتدى الذي سيعقد في تونس في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر 2025.
بحسب بيان صحفي للمنتدى اشار ان افتتاح منتدى الشباب  ياتي في اطار مواجهة التحديات المتزايدة للجفاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي سياق ذلك يفتتح (GreenXMENA 2025 ) باب التقديم للمشاركة. يُعد هذا المنتدى الأول من نوعه في المنطقة الذي يركز على قضايا المياه والمرونة المناخية، وسينعقد في تونس في الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر 2025.
يهدف المنتدى، الذي تنظمه شبكة الأصوات الخضراء للشباب العربي “AYGVN” و( Green Gate 4 MENA youth ) وبتمويل من الحكومة الهولندية، إلى تمكين أكثر من 150 شابًا وشابةً تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عامًا من 12 دولة عربية، وخاصةً من الفئات المهمشة وذوي الإعاقة، ليكونوا فاعلين في ابتكار حلول مستدامة ومتوافقة مع أهداف التنمية المستدامة (الهدف 6 “المياه النظيفة والصرف الصحي” والهدف 13 “العمل المناخي”).
يسعى ( GreenXMENA 2025 ) ، ليكون منصة لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون. سيناقش المشاركون ثلاثة محاور أساسية: الربط بين المياه والمناخ والمرونة، والعدالة والإنصاف في العمل المائي، وتمكين الشباب والتعاون متعدد القطاعات.
سيُقدم المنتدى فرصة للمشاركين لإعداد خارطة طريق وورقة سياسات شاملة ليتم عرضها في مؤتمرات دولية كبرى مثل مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ الذي سيعقد في البرازيل ومؤتمر الأمم المتحدة للمياه في دبي والمنتدى العالمي للمياه في الرياض، لضمان دمج وجهات نظر الشباب في الجهود الدولية.
كيفية التقديم: يمكن للشباب والشابات العرب التقديم للمشاركة عبر الرابط: https://n9.cl/n9qr1q. سيكون الموعد النهائي للتقديم في الساعة 11:59 مساءً من يوم 17 أغسطس 2025، بتوقيت فلسطين. سيتم إتاحة منح كاملة وجزئية للمقبولين، بالإضافة إلى خيار الحضور بتمويل شخصي.

صادر عن فريق المنتدى ( GreenXMENA 2025)
٧ / ٨ / ٢٠٢٥

مقالات مشابهة

  • أونروا: ازدياد مخاطر الجفاف في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه
  • أونروا: ازدياد مخاطر الجفاف في غزة بسبب ارتفاع الحرارة ونقص المياه
  • عُمان تؤكد دعمها الكامل لجهود مجلس الأمن لمواجهة التهديدات البحرية
  • احتجاجات غاضبة في تعز بسبب انقطاع المياه
  • الإمارات: الممرات البحرية ركيزة محورية للسلم والأمن الدوليين
  • منتدى الشباب الإقليمي يدعوا للمشاركة في منتدى الشباب لمواجهة تحديات المياه والمناخ
  • شاهد - التحولات التي أحدثها القرار اليمني في 19 مايو على موازين القوة البحرية
  • الطقس اليوم: استمرار الأجواء شديدة الحرارة وتحذير من اضطراب الملاحة البحرية
  • أعلى درجات الحرارة المسجلة في العالم خلال 2025 (إنفوغراف)