الرُشد والغَيّ في علاقات العرب مع غيرهم
تاريخ النشر: 17th, August 2025 GMT
الأنفة ورفض الظلم وحب العدل أخلاق وقيم مغروسة في الثقافة العربية وفي سلوك العرب منذ أقدم العصور. ذلك ما يوثقه الشعر والأدب العربي منذ ما قبل الإسلام، ثم زادها الإسلام رسوخا وثباتا. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاق». لذلك كانت الشعوب العربية من أكثر الشعوب استمرارية في مقاومة الغزاة والمستعمرين، منذ ما قبل غزو المغول وغزوات الفرنجة إلى الاستعمارين القديم والجديد.
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية شارك العرب في حركة التحرر من الاستعمار وساندوا الشعوب الأخرى في نضالها من أجل الاستقلال ومقاومة الهيمنة الأجنبية. ولذلك اعتبر العرب شعوب الملايو وفيتنام والهند الصينية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية شركاء لهم في النضال ضد القوى الاستعمارية. وكان قادة حركات التحرر ومقاومة الإمبريالية في العالم، مثل ماو تسيتونغ وهوتشي منهْ وبتريس لومومبا وتشي جيفارا وفيديل كاسترو ونيلسون منديلا رموزَ كفاحٍ ورسلَ حريةٍ تحتفي بهم الشعوب العربية. وفي الربع الأخير من القرن العشرين عندما غزا السوفييت أفغانستان لم تكتف الشعوب العربية بالاحتجاج باللسان على ذلك الغزو، وإنما حمل بعض العرب السلاح وشاركوا في إخراج الجيش السوفييتي من تلك البلاد، بغض النظر عن الأهداف الأخرى للدول المعادية للاتحاد السوفييتي. وحين غزت أمريكا أفغانستان خلال الربع الأول من القرن الحالي ساند العرب الشعب الأفغاني مرة أخرى في دحر الغزو الأمريكي الذي استمر عشرين عاما. كما ساند العرب شعب البوسنة والهرسك في مواجهة العدوان الذي تعرض له خلال العشرية الأولى من هذا القرن. بل إن من العرب من شارك في القتال هناك، وقُتل بعضهم دفاعا عن حق البوسنيين في الحياة. وفي الحرب الدائرة حاليا بين روسيا وأكرانيا يبدي كثير من العرب تعاطفا مع روسيا، وليس ذلك اعترافًا بشرعية احتلالها لأجزاء من أراضي أوكرانيا، وإنما اعتقادا منهم بأنه كان لروسيا خلال العقود السابقة مواقف داعمة للعرب في صراعهم العادل ضد الهيمنة الغربية والعدوان الصهيوني.
إن حرب الإبادة التي تشنها «إسرائيل» حاليا على الشعب الفلسطيني في غزة تضع العلاقات بين الشعوب العربية والشعوب الأخرى على المحك. ومع أن الوقوف في وجه الظلم أرومة العرب ومحتدهم، لكن الغيرة على الأرض والعرض هي أيضا من أخلاقهم وصفاتهم. وبما أن الوقوف مع الحق ومقاومة الظلم يجب أن يكون متبادلا بين الشعوب، فعلى العرب اعتماد الواقعية في علاقتهم مع الأمم الأخرى.
لذلك، وفي إطار قضية فلسطين التي هي قضية العرب المركزية، يجب أن لا ينسى العرب مواقف إندونيسيا وماليزيا والمالديف وباكستان وإيران وتركيا، وما عبرت عنه شعوبها وهي تخرج إلى الشوارع بمئات الآلاف ترفع الصوت عاليا ضد الظلم والعدوان. كان أقوى المواقف جميعا موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي جاهدت بالأنفس والأموال وأصبحت شريكا مباشرا في الصراع ضد الصهاينة. كما اتخذت شعوب وحكومات عدد من دول أمريكا الجنوبية مواقف قوية ضد العدوان، لا سيما كوبا وكولومبيا والبرازيل وتشيلي. وفي أفريقيا اتخذت جمهورية جنوب أفريقيا موقفا قويا ومتميزا، كيف لا وهي الشريك في الكفاح ضد العنصريتين، العنصرية الصهيونية المتوحشة في فلسطين والعنصرية البائدة في جنوب أفريقيا. ولن تنس الشعوب العربية كذلك مواقف شعوب أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، التي خرجت إلى الشوارع لدعم حقوق الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف حرب الإبادة على غزة.
أما في أوروبا فإنها تشهد طوفانا من البشر في كثير من مدنها يهتفون بالحرية للفلسطينيين من النهر إلى البحر، الأمر الذي شكل ضغطا على الحكومات هناك. ونتيجة لذلك استجابت كثير من الدول لإرادة شعوبها واتخذت خطوات ستساعد الشعب الفلسطيني على استرداد حقوقه. وكانت النرويج وإيرلندا وأسبانيا وسلوفينيا في مقدمة الدول الأوروبية التي أعلنت الاعتراف بفلسطين، واتخذت مواقف سياسية قوية وخطوات اقتصادية ملموسة ضد إسرائيل. كذلك اتخذت فرنسا وهولندا وبريطانيا ومالطا وغيرها مواقف إيجابية، وعبرت عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين.
لكن مواقف بعض الدول والشعوب، التي كان العرب يعتبرونها شركاء لهم في مواجهة الهيمنة والاستعمار، ما تزال مواقف غامضة، وربما محبطة وتثير تساؤلا حول جدوى وعقلانية نظرة العرب إليها. وهنا لا بد من الإشارة إلى دولتين أوروبيتين هما البوسنة والهرسك وألبانيا. كلتا الدولتين محكومتين بنظامين ديمقراطيين غربيين، وغالبية سكانهما مسلمون، وقدم العرب الكثير من أجل الدفاع عن شعب البوسة، إلا أن مواقف هاتين الدولتين من القضايا العربية سلبي بشكل عام، حيث أنهما تصوتان في الأمم المتحدة في غير صالح فلسطين، كما أن كلا الدولتين شارك في الغزو الأمريكي للعراق بقوات عسكرية.
وفي نفس السياق أيضا لا بد من التطرق إلى مواقف ثلاث دول مهمة هي فيتنام والصين وروسيا، لأن العرب ينظرون إلى الدول الثلاث على أنها شريكة لهم في التصدي للهيمنة الغربية ومقاومة العدوان الصهيوني المستمر. لكن المؤسف أن الدول الثلاث اكتفت حتى الآن بالعمل السياسي في الأمم المتحدة، سواء تجاه حرب الإبادة الحالية على غزة أو تجاه العدوان الغربي على العراق وليبيا. وإضافة إلى ذلك فإن الصين وفيتنام تقيمان علاقات اقتصادية قوية مع «إسرائيل». ورغم حرب الإبادة الحالية على عزة فإن تلك العلاقة لا تزال قوية وربما في نمو، وذلك على عكس ما تقوم به بعض الدول الأوروبية التي بدأت تفرض عقوبات على إسرائيل. أما روسيا فموقفها أكثر غرابة، وهي التي كانت الشعوب العربية تتوق إلى تحقق سعيها لإيجاد نظام عالمي متعدد الأقطاب ليحل محل نظام القطب الواحد الحالي، وهو النظام الذي أصبح العرب أكبر المتضررين منه. لم تتخذ روسيا خلال الثلاثين سنة الأخير أي موقف فعال يوقف العدوان الإسرائيلي، مع أنه يمكنها فعل الكثير لكونها دولة عظمى، ولما لها من تأثير على اليهود ذوي الأصول الروسية الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان إسرائيل. ومما يثير الاستغراب أكثر أن الرئيس الروسي اتصل مؤخرا بنتنياهو، المجرم المطلوب من محكمة الجنايات الدولية، عارضا عليه أن يتوسط بشأن الحرب في غزة، فكيف يستقيم التفاوض مع مجرم؟! خلاصة القول هي أن على العرب أن يبنوا علاقاتهم مع الدول والشعوب على أساس من المعاملة بالمثل، فليس سواء من قال وفعل، ومن اكتفى بالقول ولم يفعل.
أخيرا، تساءل أحدهم قائلا؛ لم تقل شيئا عن تطبيع بعض العرب العلاقة مع الكيان الصهيوني، ولا عن شماتة بعض العرب بأهل غزة والتحريض عليهم! فقلت لله الأمر من قبل ومن بعد.
د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي و قضايا التنمية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشعوب العربیة حرب الإبادة
إقرأ أيضاً:
وزير مصري سابق يؤكد ترشيحه لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية
مصر – كشف وزير الخارجية المصري الأسبق السفير نبيل فهمي، حقيقة الأنباء المتداولة حول ترشيحه لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وفي تصريحات لموقع “صدى البلد”، أكد السفير نبيل فهمي أنه تم بالفعل ترشيحه من قبل وزارة الخارجية لتولي هذا المنصب المرموق، إلا أن تفاصيل هذا الأمر مخول لوزارة الخارجية فقط بالحديث عنه، خاصة أن مثل هذه الإجراءات تمر بخطوات عديدة.
وأشار فهمي إلى أن إجراءات توليه منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، تمر بعدة مراحل أولها فقط إجراء الترشيح من قبل الخارجية، ثم تعقبها العديد من الإجراءات والخطوات لحين تولي المسؤولية.
كما نقلت مجلة “المجلة” عن دبلوماسي عربي أن نبيل فهمي سيكون الأمين العام المقبل للجامعة العربية، خلفا لأحمد أبو الغيط الذي تنتهي ولايته في يونيو 2026.
وكان نبيل فهمي قد شغل منصب وزير الخارجية في مصر من يونيو 2013 إلى يوليو 2014، كما عمل سفيرا في واشنطن من 1999 إلى 2008.
وفي يونيو المقبل، تنتهي ولاية أبو الغيط من منصب الأمين العام للجامعة العربية، الذي تسلمه في مارس 2016 خلفا لوزير الخارجية الأسبق نبيل العربي.
جدير بالذكر أن ميثاق جامعة الدول العربية ينص في مادتيه العاشرة والحادية عشرة على أن “القاهرة هي المقر الدائم للجامعة”، مع إمكانية انعقاد مجلس الجامعة في أي مكان آخر يحدده المجلس نفسه، حيث يعقد المجلس اجتماعاته العادية مرتين سنويا في مارس وسبتمبر، ويجتمع بشكل غير عادي عند الحاجة بناء على طلب دولتين من الدول الأعضاء.
المصدر: “صدى البلد”