الخطاب الباليستي للرئيس المشاط
تاريخ النشر: 31st, August 2023 GMT
في كلمته من محافظة عمران أرسل الرئيس المشاط رسائله بمختلف الاتجاهات، وبعد أن حيا أبناء المحافظة العزيزة، وشكر جهودهم المشهودة في التصدي للعدوان، ومشاركتهم الفاعلة في الذود عن الدين والوطن، كشف الرئيس عن إنجازات جديدة على المستوى العسكري، وفاضحاً مخططات السفارة الأمريكية ضد بلادنا على المستويات الإعلامية والتنظيمية والحقوقية وغيرها.
في الحقيقة كانت كل فقرات هذا الخطاب مهمة، وبحاجة للحديث عنها بشكل مستقل، بدءا بالتجربة الصاروخية في البحر الأحمر، وهي تجربة حسب الرئيس ناجحة وبأفضل التقنيات التي تم التوصل إليها، وهنا يضع العدو ألف خط، وهو الذي يرصد بالتأكيد التجارب الصاروخية ويحسب لها ألف حساب، وسابقا كان الرئيس قد كشف عن صواريخ ارض بحر دقيقة في الإصابة وتتبع الأهداف المتحركة، وتصل إلى نقطة في المياه اليمنية، بل في البحر الأحمر، وصولاً إلى أبعد نقطة فيه.
هذه التجربة تقول إن القوات المسلحة اليمنية، لم تذهب مع إقرار الهدنة وما تلاها من خفض التصعيد إلى الراحة ولم تخلد إلى النوم، بل ظلت يقظة متحفزة، وبالذات في مجال التصنيع العسكري، والتطوير الحربي، لتمسك بزمام الأمور في أي تصعيد قادم، سواء بدأه العدو، أو جاء رداً على المماطلة الخبيثة لقوى العدوان في تنفيذ استحقاقات السلام الأساسية والمتعلقة بالملفات الإنسانية، ورفع الحصار وفتح المطار والموانئ وتسليم رواتب الموظفين وإطلاق الأسرى.
استخدام أحدث التقنيات في التجربة الصاروخية يعني أن الاستعدادات أكبر مما يتخيله العدو، وحديث الرئيس أنها أربكت القوى الأجنبية في البحر الأحمر، هذا يعني دقة رصد العدو وردود فعله إزاء هذه التجارب، وفي مرات سابقة وتجارب صاروخية بحرية، كان العدو عبر الوسطاء يسأل عما يجري، فيتم وضعهم في صورة أنها تجارب صاروخية ببساطة، اليمن لن تغمض عينيها عن مؤامرات الأعداء، ولن تتوقف عن تطوير قدراتها العسكرية.
في السياق العسكري أيضاً، كشف الرئيس المشاط عن معركة بحرية دارت في الأيام الماضية ضمن معادلة منع نهب الثروة، بالتحديد في سواحل عدن على خليج عدن، هناك حيث وصلت اليد الطولى للقوات المسلحة، بالطائرات المسيّرة، والصواريخ، ومنعت سفن اللصوص من مواصلة نهب الثروات الغازية، وتم إبلاغ الشركة المالكة لسفينتي سينمار جين، وبوليفار، أنه سيتم ضربها إذا حاولت الدخول لنهب الغاز اليمني، وكانت التحذيرات جدية، لتضع التحذيرات حداً لأربع محاولات باءت كلها بالفشل، وانتهت بمنعهات من الوصول إلى ميناء عدن، وهذه رسالة لكل من تسول له نفسه أن يواصل نهب خيرات بلدنا في ظل انقطاع رواتب الشعب، ومنعه من الحصول على أبسط الخدمات، وتحويل ثرواته النفطية والغازية، لتامين سبل العيش الكريم.
هنا نقطة مهمة جدا، يتم المرور عليها عادة مرور الكرام، وهي أن معادلة نهب الثروة، وإن كانت معادلة داخلية، إلا أنه يمكن أن تتطور لتصبح إقليمية، لمنع الأعداء من الاستفادة من ثرواتهم، حتى ينعم شعبنا بثرواته، وقد كان السيد القائد عبدالملك الحوثي واضحاً عندما حذر الرياض، بمعادلة نيوم والاستثمارات الاقتصادية مقابل عيش كريم لشعبنا، ووقف معاناته، ويمكن أن تدخل حيز التنفيذ في أي لحظة، ولا يوجد ما يمنعها أو يقف بوجهها. والأمر ليس مزحة!!!
أمام هذه المعطيات وما تضمنته من رسائل، فإن البلاد تدخل فعلياً في مرحلة جديدة، ويجب على السعودية والإمارات أن تعي جيدا طبيعة هذه التحذيرات، وجديتها، وإمكانيتها أيضاً، فلن تنفعها واشنطن عندما تصل النيران إلى مرتكزات الاقتصادات الهشة لديها. وقد أعذر من أنذر.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم تعود بهدوء الحسم وذكاء الخطاب
في سياق إقليمي بالغ الحساسية ، تعود الخرطوم مجددًا إلى الساحة السياسية والدبلوماسية، مدفوعةً بتحولات داخلية وضغوط خارجية، عبر مقاربة جديدة تتسم بقدر عالٍ من الاتزان السياسي والحنكة في الخطاب الدبلوماسي. حيث عكست الجولة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، التي امتدت من إشبيلية إلى القاهرة، ملامح هذا التحول في الأداء السياسي السوداني، بالنظر الي تتقاطع رسائل السيادة الوطنية مع ضرورات إعادة التموضع الإقليمي في أوقات شديدة الحساسية.
في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، بدت مشاركة الرئيس البرهان اختبارًا لمدى قدرة السودان على استعادة موقعه في الخارطة الدولية، من خلال طرح رؤية متماسكة تجاه إصلاح النظام المالي العالمي. وقد جاءت كلمته قصيرة وواثقة، رافضة التعامل مع السودان كدولة متلقية للمساعدات، في ما بدأ وكأنه إعادة تموضع سياسي ورسالة صريحة مفادها أن السودان، المنهك من الحرب، ليس على استعداد لبيع سيادته مقابل فتات الدعم الدولي، بل يسعى إلى شراكات عادلة ومتكافئة.
هذا الذكاء السياسي في الصياغة والموقف لم يكن معزولًا عن الواقع، بل متصلًا به عبر سلسلة لقاءات ثنائية، أبرزها مع الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، والتي شكلت انطلاقة لانفتاح جديد في السياسة الخارجية السودانية، عنوانه تنويع الشركاء والانخراط المتوازن مع الفضاءين العربي والإقليمي، بعيدًا عن المحاور الضاغطة والابتزاز السياسي.
وعلى طريق العودة، كانت القاهرة المحطة الأهم، إذ شكّلت زيارة البرهان ولقاؤه بالرئيس عبد الفتاح السيسي محطة مفصلية. فمصر التي تؤدي دورًا محوريًا في الملف السوداني، تواجه تحديات كبيرة في موازنة علاقاتها بين حليفها الاستراتيجي خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، والضغوط التي تمارسها الإمارات، الداعم الأكبر لحفتر على القاهرة.
يرى مراقبون بحسب اعلام محلي أن الموقف المصري بات يتأرجح بين ضغوط الإمارات، التي تدفع القاهرة لدعم حفتر وميليشياته في ليبيا، وبين الرؤية الاستراتيجية لمصر، التي تسعى إلى دعم الحكومة السودانية وتحقيق الاستقرار في السودان، بما يصب في خدمة الأمن القومي المصري، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود ومياه النيل.
هذا التناقض تجلّى بوضوح في دعم حفتر لميليشيا الدعم السريع، التي دخلت المثلث الحدودي بسيطرة عسكرية على أراضٍ سودانية، ما أثار استغرابًا واسعًا في الأوساط السياسية والإقليمية، وطرح تساؤلات حول جدية التزام القاهرة بتحالفها مع الخرطوم، في ظل دعم مباشر تلقته الميليشيات من قوات حفتر. هذا الوضع يضع مصر في موقف حرج، بين ولائها التقليدي لحفتر وضغوط حلفائها الإقليميين، وبين حاجة السودان إلى دعم مصري ثابت لإنهاء أزماته.
من هذا المنطلق، تكتسب زيارة البرهان إلى القاهرة أهمية خاصة، إذ تعكس مسعى الخرطوم لإعادة ترتيب الأوراق، وتعزيز التنسيق مع مصر، والتوصل إلى تفاهمات أمنية وسياسية تضمن احترام السيادة السودانية في المثلث الحدودي، وتحصين العلاقات بين البلدين من أي اهتزازات قد تنجم عن تضارب المصالح.
اللقاء الذي جمع البرهان والسيسي في مدينة العلمين حمل رسائل واضحة بشأن التزام مصر بدعم وحدة السودان واستقراره في مواجهة التحديات الإقليمية، إلى جانب التوافق على ضرورة التنسيق المشترك لمواجهة أي تهديدات محتملة تمسّ الأمن المائي والحدودي للبلدين.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة بحسب “منصة الخبر ” عن لقاء غير معلن ضمّ البرهان والمشير خليفة حفتر، بحضور السيسي. وإذا صحّ ذلك، فإنه يمثل أحد أبرز تجليات “دبلوماسية الضرورة”، التي تدفع الأطراف إلى فتح خطوط تواصل رغم التعقيدات والتدخلات. فمصر الحليف الوثيق لحفتر، تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الإقليمية وسندان التزامها المعلن بدعم الدولة السودانية ومؤسساتها.
وتُدرك الخرطوم أنها لا تستطيع تجاهل التهديدات القادمة من حدودها الغربية، وأن الحوار مع القوى الفاعلة في الميدان بات ضرورة للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن، خصوصًا في ظل تنامي التداخل بين ميليشيا الدعم السريع وقوات حفتر، وهو ما يُنذر بإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة لصالح قوى لا تخدم استقرار السودان أو مصر.
يتضح من مجمل هذه التحركات أن السودان يسعى إلى إعادة تموضع متوازن بين الانفتاح الدولي والمصالح الإقليمية، مستفيدًا من دبلوماسية هادئة وفعالة يقودها البرهان، ومؤسسًا لمرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي، تقوم على الواقعية السياسية، والحوار المباشر، ومعالجة الملفات الأمنية بمنطق المصالح المتبادلة، لا بمنطق الوصاية أو المجاملة.
وفي الداخل تبرز أهمية الإسراع في تعيين وزيرا للخارجية ضمن حكومة “الأمل” التي يقودها الدكتور كامل إدريس، بما يعكس انسجامًا بين المسارين السياسي والدبلوماسي. فالسودان بحاجة إلى صوت رسمي محترف ومتفرغ لإدارة تعقيدات المرحلة، وقيادة الملفات الخارجية بكفاءة في المحافل الدولية، ضمن ما يمكن تسميته بـ”معركة الخرطوم الدبلوماسية”.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، ومن دون ضجيج، تتحرك الخرطوم نحو إعادة صياغة موقعها السياسي بأسلوب متزن، يدمج بين الواقعية والندية، ويوازن بين ضرورات الداخل وحسابات الخارج. في زمن التشظي والضغوط، تعود الخرطوم كفاعل سياسي يدير خلافاته وخياراته بحكمة، ويعيد رسم خطوط سياسته الخارجية بأدوات جديدة.. إذا الطريق بدأ يُرسم بوعي: هدوء في الحسم، وذكاء في الخطاب.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 2 يوليو 2025م
Shglawi55@gmail.com