الدولة والمسئولية الاجتماعية.. توازن بين السلطة والخدمة
تاريخ النشر: 7th, September 2025 GMT
تُعد الدولة كيانًا سياديًا يتمتع بسلطة تنظيمية وتشريعية تهدف إلى إدارة شؤون المجتمع، والحفاظ على النظام العام، وأن الدولة ليست مجرد آلة للسلطة، بل هي في جوهرها مسؤولة عن خدمة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير مقومات الحياة الكريمة، لذا أتسأل ما بين الحريات الفردية، وتدخل الدولة من يضع الحدود؟
مفهوم الدولة ودورها الأساسي:
الدولة هي الإطار القانوني والسياسي الذي يُنظم حياة الأفراد داخل حدود جغرافية معينة، وتمتلك الدولة ثلاث سلطات رئيسية التشريعية، والتنفيذية، والقضائية والتي تهدف إلى سن القوانين وتطبيقها والفصل في النزاعات وغيرها، أن دور الدولة لا يقتصر على هذه الجوانب السياسية، بل يمتد ليشمل مسؤوليات إجتماعية تتمثل في توفير التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، والحماية الاجتماعية، وتمكين الفئات الضعيفة.
ما هي المسؤولية الاجتماعية للدولة؟
تشير المسؤولية الاجتماعية إلى إلتزام الدولة تجاه المجتمع، خاصة في دعم العدالة، وتقليل الفجوات الطبقية، وحماية البيئة، وتحقيق التنمية المستدامة، وتتحقق هذه المسؤولية من خلال سن سياسات عادلة يتم فيها توزع الموارد بشكل منصف، وتوفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، وتعزيز حرية التعبير والرأي، والاهتمام بالفئات الهشة مثل ذوي الإعاقة، وكبار السن والفقراء، لذلك الدولة ليست سوى تعاقد اجتماعي يتخلى فيه الأفراد عن جزء من حريتهم طوعًا لضمان حرية الجميع.
التوازن بين السلطة والخدمة - السلطة كوسيلة لا غاية:
السلطة تُمنح للدولة لتستخدمها في تنظيم المجتمع، لكنها ليست غاية بحد ذاتها، وعندما تتغوّل السلطة وتتحول إلى وسيلة للسيطرة بدلاً من الخدمة، تخرج الدولة عن إطارها الاجتماعي، وتتحول إلى أداة قمع بدلًا من رعاية، لذلك القائد العظيم هو من يرى في سلطته أمانة لا امتيازاً له.
الخدمة كمبدأ أخلاقي وقانوني:
تقديم الخدمة واجب قانوني وأخلاقي، والمواطنون يدفعون الضرائب ويمنحون الدولة الشرعية، وبالتالي فإن مقابل ذلك هو توفير مستوى معيشي لائق، وخدمات تحفظ الكرامة الإنسانية، وأفراد بالمجتمع ليس عبيدًا بل شركاء.
الشفافية والمساءلة:
التوازن بين السلطة والخدمة يتطلب آليات واضحة للمساءلة والشفافية، فالدولة التي تُخضع نفسها للمحاسبة تُشرك المواطن في صناعة القرار، وتمنع إحتكار السلطة.
ومن هذا المنطلق، إن الدولة الناجحة هي التي تُجيد استخدام سلطتها لتحقيق الصالح العام، وتجعل من مسؤوليتها الاجتماعية حجر الزاوية في سياساتها، فالتوازن بين السلطة والخدمة ليس مجرد شعار، بل هو أساس بناء مجتمع عادل ومتماسك، وفي زمن تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تصبح الحاجة ملحّة إلى دولة مسؤولة، وشفافة، وعادلة وتضع المواطن في قلب اهتمامها، وختامًا السلطة مسؤولية، والخدمة شرف؛ فاجعل من سلطتك جسراً لا عرشاً، "من لا يخدم، لا يستحق أن يقود" - نلسون مانديلا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: زينب محمد شرف خدمة المواطنين
إقرأ أيضاً:
«جيل زد»: صوت العدالة الاجتماعية المتجدد
يعيش العالم بدء ثورة «جيل زد» الذي يفاجئ الجميع بمطالبه وطرق احتجاجه الذكية، وهو هنا يختلف عن باقي الثورات السابقة، لأنه لا يحمل برنامجا وفكرا سياسيا واضحا، بقدر ما يحمل شعار العدالة الاجتماعية، وذلك في وقت تراجعت فيه خدمات قطاعات حيوية مثل، الصحة والتعليم والشغل بعد جائحة كورونا.
وكما هو معلوم، «جيل زد» الذي يشمل المولودين ما بين 1996-2012 هو الترتيب ما قبل الأخير في تصنيف الأجيال منذ الحرب العالمية الثانية، في انتظار تسمية الجيل الذي يترعرع الآن، أي ما فوق 2012 إلى نهاية العقد الحالي. وهذا الترتيب الجيلي يسهل عملية دراسة كل جيل على حدة، لرصد التطورات والاختلافات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومدى تأثير عناصر مثل، البرامج الحديثة في التواصل الاجتماعي.
وإذا كان الباحثون يركزون بعد الحرب العالمية الثانية على تأثير المذياع، وأصبحوا منذ الستينيات يركزون على قنوات التلفزيون، ولاحقا على الإنترنت وما حملته من برامج تواصلية مثل، يوتيوب وفيسبوك، وعلاقة بالإنترنت، إذا كان فيسبوك رئيسيا في الربيع العربي، وفي نجاح الرئيس باراك أوباما في ولايته الأولى سنة 2008، يكتشف العالم خاصة الذين ليسوا من «جيل زد» برنامج ديسكورد الذي بدأ كبرنامج خاص بالألعاب ليتحول إلى لعبة سياسية حاسمة في تحديد المسار المستقبلي لبعض الدول.
وهكذا، بينما كان العالم يفتخر بالمستوى الثقافي للأجيال السابقة، منذ الحرب العالمية الثانية حتى نهاية القرن العشرين ومنها جيل 68 اليساري، وينعت الجيل الحالي الذي يسمى «جيل زد» بالسطحية والضياع، وكأنهم أبطال فيلم «هائمون في الصحراء» للتونسي نصير لخمير، يعلن هذا الجيل حضوره القوي عبر احتجاجات وصلت إلى ثورات في بعض الدول. والمتأمل للخريطة العالمية سيجد أن هذا الجيل وقع حضوره في النيبال ومدغشقر وكينيا وباراغواي والمغرب والبيرو، كمحطات احتجاجية وفي دول أخرى في الولايات المتحدة وهونغ كونغ. إن المتأمل في خطابات وشعارات وأفكار «جيل زد»، سيجد صعوبة في رصد معالم أيديولوجية واضحة، هل هي يسارية أم محافظة أم ليبرالية أم بيئية؟ وإنما سيعثر على مزيد من الأفكار والطروحات التي تتمحور وتجتمع حول برنامج واضح حول الحقوق الجوهرية مثل، الحق في التعليم والصحة والشغل، وهي الحقوق التي تؤكد عليها مختلف المواثيق الدولية، بما فيها الأمم المتحدة قبل الحقوق السياسية.
«جيل زد» يشعر بالضياع، يرى أن الأجيال التي سبقته قد حققت مستوى مقبولا من العيش، ويرى مستقبله أسود
إن «جيل زد» يشعر بالضياع، يرى أن الأجيال التي سبقته قد حققت مستوى مقبولا من العيش، ويرى مستقبله أسود لعاملين، وهما: انتشار الفساد بشكل كبير في الدول التي يعيش فيها، حيث يسود نهب ممتلكات الشعب، من دون حسيب ولا رقيب، إلى مستوى أنه يمكن التشكيك في الوحدة الترابية للوطن، ولا يمكن التشكيك في فساد نخبة من المسؤولين الفاسدين! أما العامل الثاني، فيتعلق بالرؤية القاتمة والسوداوية للمستقبل، التي تثيرها الطفرة المتسارعة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. فهذه الثورة الرقمية، رغم إنجازاتها المبهرة، تحمل في طياتها تهديدا مباشرا وحقيقيا لملايين الوظائف حول العالم.
في هذا الصدد، يمكن التوقع بأن تقضي هذه التكنولوجيا خلال السنوات المقبلة على عشرات الملايين من فرص العمل في مختلف القطاعات. وقد بدأت ملامح هذا التحوّل تظهر بالفعل من خلال موجات تسريح الموظفين والعمال التي تضرب كبرى الشركات. وفي خضم هذا المشهد المقلق، يطفو سؤال جوهري على السطح:
أين سيعمل مئات الملايين من البشر في المستقبل، وعلى رأسهم «جيل زد»؟ جيل يشكّل نحو ربع سكان العالم، يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة لا تزال ملامحها غامضة بين وعود التكنولوجيا ومخاطرها، وهو الذي يعاني من الزبونية والمحسوبية في العمل في بلاده.
عكس ما يعتقد الكثيرون بضياع «جيل زد» فكريا، فهذا الجيل يعيد ترتيب الأولويات، ومن باب المقارنة، إذا كان الأمن القومي لأي دولة يقوم على ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي ما أمكن في الغذاء والدواء والسلاح، فإن استقرار المجتمع كمكمل، يقوم أساسا على توفير التعليم والصحة والشغل، وليس الكماليات التي يحلم بها الحاكم. ومن ضمن ما حملته موجة «جيل زد» في المغرب، وهي أول موجة في العالم العربي، ماذا سيستفيد المغرب من بناء أكبر ملعب في العالم استعدادا لكأس العالم 2030 وهو الغارق في الديون، الذي لا يتوفر على دوري من مستوى إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا، بينما في ترتيب الصحة عالميا يحتل المركز 94 ضمن مئة دولة شملت الدراسة والمقارنة؟
إن مطالب «جيل زد» في العالم، ولاسيما لدى أمم الجنوب تعتبر، من باب المقارنة الفكرية، بمثابة حركة وطنية ضد الاستعمار، وفي هذه الحالة يمثله فساد الطبقة الحاكمة في العديد من الدول، التي لا تقل وحشية عن طبقة المستعمرين، بل تتجاوزها أحيانا. والحركات الوطنية ضد الاستعمار الخارجي تنصهر فيها مختلف التيارات الفكرية والسياسية، لأن الهدف يكون واحدا هو طرد المستعمر. وعلى ضوء هذا، ينتمي ناشطو «جيل زد» إلى مختلف التيارات الفكرية، وما يجمعهم حاليا هو ضمان ما هو جوهري، الصحة والتعليم والشغل ومحاربة فساد الطبقة السياسية الكلاسيكية، التي أصبحت رهينة المؤسسات المالية الأجنبية مثل، صندوق النقد الدولي. وإذا ما تحققت مطالب العيش الكريم، حتما عدد منهم سيلتحق بتنظيمات سياسية توافق توجهاته الأيديولوجية. حركة زد هي محدودة زمنيا مثل حركة مقاومة الاستعمار، ينتهي دورها بمجرد تحقيق الهدف لتبدأ مرحلة أخرى مختلفة.
ستكون انتفاضات «جيل زد» في دول الجنوب أكثر منها في الغرب، في هذا الأخير يتمتع الشباب مثل باقي المواطنين بأعلى معدلات الصحة والتعليم، ونسبيا بالمساعدات الاجتماعية للمحتاجين، بينما في الجنوب تغيب هذه الحقوق الشرعية في الكثير من الدول. «جيل زد» في الغرب له مطالب يغلب عليها السياسي بينما في الجنوب يطالب «بالعدالة الاجتماعية» الصحة والشغل والتعليم.
القدس العربي