صحيفة التغيير السودانية:
2025-11-23@13:54:05 GMT

لا سلام مع الحرب ولا وحدة مع القطيعة

تاريخ النشر: 8th, September 2025 GMT

لا سلام مع الحرب ولا وحدة مع القطيعة

حسب الرسول العوض ابراهيم

ألقى محمد حسن التعايشي رئيس وزراء حكومة “تأسيس” خطابه الأول قبل أيام وهو خطاب يستحق الوقوف عنده بعيدا عن الموقف من الحكومة ذاتها أو مشروعها السياسي المثير للجدل. فالخطاب في مضمونه بدا متماسكاً وواقعيا، حيث لامس قضايا السودان الكبرى دون مواربة مثل وقف الحرب، صون وحدة البلاد، بناء جيش قومي مهني وترسيخ الحكم الراشد القائم على الشفافية وسيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، كما أولى اهتماماً واضحا بقضايا الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وأمن وكهرباء ومياه إلى جانب استغلال الموارد الوطنية.

وهذه كلها مطالب مركزية فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجتها.

لكن الخطاب لم يخل من عيوب جوهرية ، إذ دعا إلى هدم السودان القديم وبناء سودان جديد من الصفر وكأن كل ما هو قائم غير صالح. هذا الطرح يبدو غير واقعي ولا ينسجم مع طبيعة المجتمع السوداني. فالبنية الاجتماعية رغم تصدعها مازالت تحمل جوهر الهوية الوطنية ولا بد من ترميمها عبر المصالحات والعدالة الانتقالية لا عبر القطيعة الكاملة. فالمشكلة لم تكن في دولة 1956 التي ولدت بقبول شعبي كبير آنذاك ، وإنما في فشل النخب التي أجهضت تجربتها وأساءت إدارتها. ومن ثم فإن الوفاء للتضحيات التي بُذلت في سبيل تأسيس تلك الدولة يقتضي إصلاحها وصيانتها لا هدمها ، وإلا فقد تقع حكومة “تأسيس” نفسها في ذات علل الماضي إن أعادت إنتاج أخطاء النخب السابقة .

في المقابل جاء خطاب حكومة بورتسودان برئاسة كامل إدريس قبل أشهر قليلة مخيبا للآمال إذ تبنّى نهج الاستمرار في الحرب وأشاد بالمليشيات المنخرطة في الحرب ولم يطرح أي رؤية جادة للسلام أو لإعادة بناء الدولة. كان خطابا موجهاً بالأساس إلى دعاة الحرب الذين لا يرون في السودان سوى ساحة صراع واقتتال ، ويخوِّنون القوى المدنية المناهضة له. ومع تكوين الحكومة ظهر جليا غياب الانسجام بين مكوناتها حيث جمعتها الرغبة في اقتسام السلطة أكثر مما جمعها أي مشروع وطني ، قبل أن تطفو إلى السطح ملفات الفساد والخلافات البينية.

وفقا لمعايير فلاسفة الفكر السياسي فإن نجاح أي دولة يتأسس على ثلاث ركائز أساسية : مؤسسات قادرة على فرض النظام وتقديم الخدمات وسيادة حكم القانون ، وآليات مساءلة فعالة. وإذا طبقنا هذه المعايير على حكومة “تأسيس” وحكومة بورتسودان نجد أن كلاهما يفتقد الشرعية والقدرة على بناء دولة حديثة. فالشرعية ليست بالضرورة انتخابية فقط، بل يمكن أن تستمد من “التراضي المجتمعي” وهو ما لا يتوفر لأي من الحكومتين.

المقارنة بين الخطابين تكشف تناقضا عميقًا ، حكومة “تأسيس” تقدم خطابا إصلاحياً واعدًا لكنه محكوم بوهم القطيعة مع الماضي ، بينما حكومة بورتسودان تقدم خطابًا تعبويا
حربياً يغرق البلاد في مزيد من الدماء والفساد. وإذا استطاعت حكومة “تأسيس” أن تنفذ برنامجها ولو جزئيًا في مناطق سيطرتها فقد تكسب ثقة قطاعات واسعة من المواطنين مما يضعف حاضنة حكومة بورتسودان وربما يفتح الباب لثورة داخل مناطق نفوذها. لكن في المقابل فإن نجاح “تأسيس” ولو على نطاق محدود قد يعزز احتمالات الانفصال، بما يشكل تهديدًا مباشرا لوحدة السودان.

نستطيع القول إن السودان اليوم يقف على حافة هاوية خطيرة ، بين خطاب تأسيس الذي يلوّح بانفصال جديد عبر وهم القطيعة مع التاريخ وخطاب بورتسودان الذي يغرق البلاد في مستنقع الحرب والفساد. وكلا المسارين يقود إلى الخراب ، فلا بناء دولة مع الانفصال، ولا وحدة وطن مع استمرار الحرب.

كاتب ومحلل سياسي
[email protected]

الوسومحسب الرسول العوض ابراهيم

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: حکومة بورتسودان

إقرأ أيضاً:

المجلس العربي يؤكد تمسكه بوحدة السودان وسيادته ويرفض أي مشروع للتقسيم

جدد المجلس العربي تمسكه بوحدة السودان وسيادته ورفض أي مشروع للتقسيم أو شرعنة الأمر الواقع المفروض بالقوة.

 

وأكد رئيس المجلس والرئيس التونسي الأسبق الدكتور المنصف المرزوقي -خلال ورشة عمل موسعة نظمها المجلس وخصصت لبحث تطورات الأزمة السودانية وسبل الخروج منها- المكانة الخاصة للسودان في الوجدان العربي.

 

واعتبر المرزوقي -في الورشة التي شارك فيها نخبة من الخبراء والفاعلين السودانيين والعرب في مجالات السياسة والحقوق والإعلام- وحدة السودان وسلامة أراضيه ركناً أساسياً في منظومة الأمن القومي العربي.

 

وشدد على أن المجلس العربي يمنح الملف السوداني أولوية متقدمة من خلال تنظيم لقاءات سودانية تهدف إلى تقريب وجهات النظر ودعم مسار وطني جامع، مع رفض واضح لأي مشاريع تستهدف تقسيم السودان أو فرض وقائع بالسلاح خارج إرادة الشعب.

 

واستعرض المشاركون في مداخلاتهم انعكاسات الحرب المندلعة منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وما نتج عنها من انتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور والفاشر ومناطق متعددة، بما في ذلك القتل الجماعي والقصف العشوائي والاغتصاب وتدمير البنى التحتية، إلى جانب واحدة من أكبر موجات النزوح واللجوء في العصر الحديث، حيث بات عشرات الملايين من السودانيين في حاجة عاجلة إلى المساعدات الإنسانية.

 

كما تناولت المداخلات التدخلات الخارجية التي أسهمت في إطالة أمد الحرب، خصوصاً الدعم الإقليمي الذي تتلقاه المليشيات المتمردة من تمويل وتسليح ودعم سياسي وإعلامي، ضمن مخططات تهدد وحدة السودان وأمن المنطقة.

 

وطرح المتحدثون عدداً من المبادئ التي اعتبروها أساسية لأي مسار للحل، من أبرزها التمسك بوحدة السودان وسيادته ورفض أي مشروع للتقسيم، إلى جانب تفكيك المليشيات واستعادة الدولة لاحتكار السلاح، وإعادة بناء جيش وطني موحد ومؤسسات مدنية قوية.

 

وطالبوا بوقف الانتهاكات وحماية المدنيين واعتماد العدالة الانتقالية والمساءلة مدخلاً للمصالحة ومنع تكرار الجرائم، بالإضافة إلى تفعيل الآليات القانونية الدولية، بما في ذلك إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإعداد ملفات توثيق مهنية، والنظر في استخدام الولاية القضائية العالمية لملاحقة المتورطين.

 

كما دعوا إلى إطلاق تحرك إعلامي سوداني عربي لكشف حقيقة معاناة الشعب السوداني ومواجهة حالة التعتيم مقارنة بأزمات أخرى، وإلى مبادرة إغاثية عربية واسعة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجاليات والهيئات الخيرية لمواجهة الكارثة الإنسانية.

 

وأكدوا أيضاً أن الحل يجب أن يكون سودانياً خالصاً ينبع من الإرادة الشعبية بعيداً عن الإملاءات الخارجية، معتبرين أن ما يشهده السودان يتجاوز البعد المحلي ويعبر عن محاولات ممنهجة لاستهداف وحدة دول المنطقة واستقرارها.


مقالات مشابهة

  • رغم اقتصاد الحرب .. حكومة كامل إدريس تعلن مخطط لتشييد مطار جديد بالسودان
  • أردوغان: السلام العالمي لن يتحقق من دون تأسيس دولة فلسطين
  • القاهرة تدعو المجتمع الدولي لدعم سياسي شامل يحفظ وحدة السودان
  • شبكة أطباء السودان: انتشار الذباب في بورتسودان يهدّد الصحة العامة
  • ما تلك إلا نماذج..!!
  • سلام مفروض…. وخسارة مؤكدة لاقتصاد الحرب والمجموعات المتطرفة
  • المجلس العربي يؤكد تمسكه بوحدة السودان وسيادته ويرفض أي مشروع للتقسيم
  • السلام العادل والمنصف.. دلالة العبارة في بيان حكومة السودان
  • ماذا قال القيادي بحكومة “تأسيس” إبراهيم الميرغني عن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب وعد فيها بالتدخل لوقف الحرب في السودان؟
  • وزراء حكومة الإمارات يزورون معرض دبي للطيران ويشاركون في فعالياته