السلام العادل والمنصف.. دلالة العبارة في بيان حكومة السودان
تاريخ النشر: 21st, November 2025 GMT
في خضم هذه الحرب التي أنهكت السودان، وبدّدت طاقاته، وجعلت أبناءه بين نزوحٍ ولجوء وانتظار، صدر أمس بيان حكومة السودان في التاسع عشر من نوفمبر 2025، مرحباً بجهود المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لإحلال السلام، ومؤكداً الاستعداد للانخراط الجاد في أي مساعٍ توقف نزيف الدم.
لكن ما لفت الأنظار حقاً هو تلك العبارة الدقيقة التي وردت في البيان: «السلام العادل والمنصف».
منذ اندلاع الحرب، تعددت المبادرات وتنوعت المقترحات، لكن أغلبها كان يسير في اتجاهٍ يُساوي بين الدولة والمليشيا، أو يخلط بين الجاني والمجني عليه. لذلك جاء هذا البيان ليقول بوضوح إننا مع السلام، ولكن ليس أي سلام؛ سلامٌ يقوم على الحق لا على المجاملة، وعلى سيادة الدولة لا على اقتسامها. فـ«السلام العادل» هو الذي يعيد للدولة هيبتها، ويحفظ للجيش مكانته، ويرفض منطق التسوية التي تكافئ من اعتدى على الوطن.
ومن نافلة القول إننا لسنا دعاة حرب ولا نرغب في استمرارها، فالحرب في ذاتها ليست هدفاً لأحد، ولا تسرّ أحداً، لكن السؤال كان دوماً عن طبيعة السلام الذي نبحث عنه. وقد جاء بيان مجلس السيادة اليوم ليحسم هذا الجدل بعبارته الواضحة: «السلام العادل والمنصف». فالموقف لم يتغير، وإنما صار أكثر وضوحاً وثباتاً، خالياً من المواربة أو الالتباس.
أما صفة «المنصف»، فهي تحمل بعداً إنسانياً وأخلاقياً عميقاً؛ إذ لا يمكن لأي سلام أن يعيش إذا تجاهل الضحايا أو طمس حقوقهم. المنصف يعني إنصاف الوطن أولاً، إنصاف جيشه الذي صمد، وشعبه الذي تهجّر، ونسائه وأطفاله الذين دفعوا ثمن الحرب دون ذنب. فالسلام المنصف لا يُبنى على النسيان، بل على الاعتراف والشجاعة في مواجهة الحقائق.
وفي القانون الدولي، يقال إن “السلام الحقيقي لا يولد إلا من رحم العدالة”، لأن العدالة ليست ترفاً سياسياً، بل شرطاً لبناء دولةٍ تستحق الحياة. ومن هنا جاءت دلالة العبارة في البيان، كتحصين للموقف الوطني من أي محاولات لفرض تسوية تُغفل جوهر العدالة أو تُضفي شرعية على التمرد.
ومن المهم في هذا المقام التذكير بأن جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ظلتا منذ اندلاع الحرب تؤكدان على دعم وحدة السودان وسيادته ومؤسساته الوطنية، وهو موقف يصب في جوهره في التفريق بين الدولة والمليشيا، ويعبّر عن وعيٍ عربيٍ عميق بأن استقرار السودان لا يتحقق إلا عبر مؤسساته الشرعية، لا عبر من خرج عليها بالسلاح.
إن عبارة «السلام العادل والمنصف» ليست مجرد توصيف دبلوماسي، بل رؤية وطنية تعبّر عن فلسفة الدولة في المرحلة القادمة. فالسودان لا يرفض السلام، لكنه يرفض سلاماً ناقصاً، يساوي بين الضحية والجلاد. إنه يدعو إلى سلامٍ يقوم على العدالة والإنصاف، ويعيد بناء الوطن على أسسٍ راسخة من القانون والكرامة.
فحين يقترن السلام بالعدل، يتحول من توقيعٍ على ورق إلى مشروعٍ وطني جامع، ومن هدنةٍ مؤقتة إلى بداية طريقٍ جديدٍ نحو السودان الذي نحلم به جميعاً.
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الخنجر:لا استقرار للعراق بوجود الجماعات المسلحة وغياب العدالة والقانون
آخر تحديث: 18 نونبر 2025 - 1:30 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- قال خميس الخنجر في كلمة ألقاها في منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط/ MEPS 2025 بنسخته السادسة الذي تنظمه الجامعة الأمريكية في مدينة دهوك.إن هذا المنتدى يأتي في لحظة حرجة تمر بها المنطقة والعالم بأسره، فالتقلبات الجيوسياسية وارتفاع منسوب التوتر الإقليمية والتحولات الاقتصادية العميقة تفرض علينا جميعا مسؤولية العمل المشترك لتخفيف المخاطر وصياغة مقاربات واقعية تعيد لمنطقتنا فرص التنمية والاستقرار.وأضاف أن هذه الضرورة تتطلب مقاربة جديدة تقوم على ثلاثة مبادئ ثابتة لا غنى عنها، وهي: سيادة الدول، ووحدة مؤسساتها، واحتكارها لأدوات القوة القهرية، فلا أمن إقليميا يتحقق إذا بقيت بعض الدول تُدار بأدوات تدار خارج إطارها المؤسسي، أو إذا استمر تجاوز حدود الدولة لصالح جماعات مسلحة، أو محاور تتعارض مع مصلحة شعوبها.كما لفت الخنجر الى أن طرح فكرة شرق أوسط جديد بسياقها الحديث لا تأتي في سياق التحولات الاجتماعية والثقافية التي تمر بها المنطقة، بل تأتي في سياق “كولونيالي” آخر.ونوه إلى أنه “في سياق محاولة هيمنة أخرى عبر اعادة رسم خارطة الشرق الأوسط سياسيا لمصلحة إسرائيل، وليست لمصلحة المنطقة وشعوبها، إذ لا يمكن خفض التوترات الاقليمية من دون حل عادل للمشكلة الفلسطينية عبر حل الدولتين، وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي السورية واللبنانية، ومعالجة القضية الكوردية في البلدان التي يتواجدون فيها”.وشدد الخنجر على أنه “لا يمكن الحديث عن خفض التوترات الإقليمية من دون انبثاق نظام إقليمي متفق عليه يضم الجميع، يحكم الجميع مندون هيمنة، أو فرض أمر واقع من دون تدخل خارجي في الشؤون الداخلية”. وتطرق رئيس تحالف سيادة الى اوضاع العراق، قائلا، إن “للعراق موقعا فريدا في معادلة الشرق الاوسط، وهو حلقة وصل طبيعية بين المشرق والخليج، وبين العالم العربي وجواره الإسلامي الأوسع”.وأشار إلى أنه “إن استطاعت الدولة العراقية أن تعيد بناء مؤسساتها على أسس راسخة، فإن العراق سيكون عامل استقرار إقليمي بدلا من أن يبقى ساحة تتقاطع فوقها الصرعات”، مبينا أن “رؤيتنا الوطنية تنطلق من مبدأ واضح وهو أن العراق المستقر لا يكتمل الا بدولة يتساوى فيها جميع مواطنيها أمام القانون”.وتابع الخنجر بالقول إن “رؤية المكون السني تندمج داخل هذه الرؤية الوطنية العامة، فهي رؤية تدعم الدولة القوية، وتدعم سيادة القانون، واحترام الدستور، وتدعو الى شراكة متوازنة بين كل العراقيين في حاضرهم ومستقبلهم”.وخلص بالقول إلى أن “أبناء محافظتنا التي تضررت خلال السنوات الماضية لا يطالبون بمعاملة خاصة، بل يطالبون بدولة عادلة تعيد الاعمار، وتنشئ المشاريع التنموية، وتمنح الشباب فرصا حقيقة للمشاركة والانتاج، وتسمح بعودة النازحين الى مدنهم وقراهم دون قيد أو شرط، ومعرفة مصير المغيبين، والتوازن في الدولة، وإطلاق سراح السجناء الابرياء”.