بوابة الوفد:
2025-12-15@06:26:20 GMT

د. أحمد محمد بيرس يكتب: رفع الذكر للنبي والأمة

تاريخ النشر: 10th, September 2025 GMT

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

يذكرنا المولد النبوي الشريف بالنعمة التي أنعم الله بها على هذه الأمة، وهي ميلاد الرسول الكريم ( حيث تمنن سبحانه في محكم كلامه بهذه النعمة فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128}( [التوبة 128]، وهذا ترغيب من الله تعالى في شكر هذه النّعمة.


والمتأمل في النصوص الشريعة الغراء وجد من العطايا الربّانية والمزايا الذّكية ما يدلّ قطعًا أن الأمة الإسلامية اقتبست من نبيّها ( خيرات وبركات، وورثت أوصافًا وأحوالًا موهوبةً من الله تعالى ومكتسبة، مصداقًا لقوله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ([الحج: 75].

قال الشافعي –رحمه الله تعالى-: "فكان محمدا ( خِيرتُهُ المصطفى لوحيه، المنتخبُ لرسالته، المفضلُ على جميع خلقه، بفتحِ رحمته، وختمِ نبوته، وأعمِّ ما أرسل به مرسلٌ قبله المرفوعُ ذِكرُهُ مع ذِكرِه في الأولى، والشافعُ المشفَّعُ في الأخرى، أفضلُ خلقه نفساً، وأجمعُهُم لكل خُلُق رَضِيَهُ في دينٍ ودنيا. وخيرُهم نسباً وداراً محمداً عبدَه ورسولَه وَعَرَّفَنَا نِعَمَهُ الخاصةَ، العامةَ النَّفعِ في الدين والدنيا"().

وعموم الأحكام تقتضي أنه طالما كانت التكاليف عامة في جميع الناس على حسب ما كلف بها رسول الله ( إلا ما خصّ به، كذلك المزايا والمناقب والعطايا، فما من مزيّة أعطيها رسول الله ( إلا وقد أعطيت أمته منها أنموذجًا على قدر اتباعها له، وهذا يظهر بالاستقراء، وأكّد أبو بكر بن العربي()، أن سنة الله  جرت في خلقه وبين عباده أنه إذا أعطى نبيًّا من أنبيائه شيئا أعطى أمته منه، وأشركهم معه في هذه المزايا والمناقب().

ومن هذه المزايا والمناقب التي نالتها الأمة الإسلامية من معالي المزايا المحمدية: رفع الذكر للنبي ( والأمة: 
فقال الله تعالى في حق النبي  (: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ  ([الشرح: 4]. وهذا من خصائصه ( معنى أن يكون محمدًا صاحب ذكر رفيع في الدرجة لا المكان كما ورد في حق إدريس، فالمراد هنا الرفعة في المكان إلى موضع عال وهذا أولى، ورفعة الدرجة أولى من الرفعة المقرونة بالمكان.

ومن صور رفع ذكر النبي ( أن قرن الله اسمه باسمه في النطق بالشهادتين، وفي كلمات الآذان في الشهادتين، وفي التشهد في فريضة الصلاة، وفي عقد الأيمان فصار ذكره ( مرفوعا منوها به، ولم يكن ذكر سائر الأنبياء، حتى امتدحه حسان بن ثابت فقال:
أغـرَّ عـليه للـنبـوةِ خـاتـمٌ        من اللهِ مشهـودٌ يـلـوحُ و يُـشهــدُ
ضمَ الإله اسم النبي إلى اسمهِ       إذا قال في الخمسِ المـؤذنِ: اشهـدُ
وشـق له مـن اسـمِهِ لـيـُجِـلّـه        فـذو العـرشِ محمودٌ وهـذا محمدُ.

وقد رفع الله ذكر أمة النبي ( ومدحهم والثناء عليهم في القرآن برفع ذكر نبيهم (. 
ومن صور رفع الذكر للنبي (، أنه لم يناده الله - سبحانه - باسمه أبدًا في القرآن العظيم، فلم ترد آية واحدة بصيغة (يا محمد) كما ورد في نداءات بقية الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام ـ، فقال الله تعالى في حق إبراهيم: ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا( [هود: 76]، وقال في حق نوح: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ( [هود: 48]، وقال في حق عيسى: (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ( [آل عمران: 55]، وهكذا مع كل الأنبياء، ولما ذكر اسمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان على سبيل الإخبار وأتبع بصفته، قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ( [الفتح: من الآية29].

كما أن توجيه الخطاب إلي نبينا ( في القرآن الكريم، دائما ما يكون بصيغة الرسالة: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ( [المائدة: من الآية41]، أو بصفة النبوة كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّه( [الأنفال: من الآية64]، هو من علامات رفع ذكره وعلو شأنه ـ( ـ .

ومن صور رفع الذكر للنبي ( والأمة، أن الله رفع ذكر كتابه المنزل عليه وجعل الله هذا الكتاب ذكر 
للنبي ( ولقومه، مصداقًا لقول الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ( [الزخرف: 43، 44]. فالقرآن الكريم ذكرٌ وشرفٌ وفخرٌ لمن آمن به، وأنه شرف لمحمد ( وأمته()، وهو آخر إرسال السماء لأهل الأرض، ولسان الصدق الذي نقل مراد الله للخلق.

وقد مثل القرآن الكريم أمة النبي ( بمثالين، أحدهما: في التوراة فقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ( . حتى جاء على لسان موسى (، أنه قال: "اللهم اجعلني من أمة أحمد". لما وجد في التوراة من الإشادة بذكرهم والثناء عليهم.

وضرب القرآن مثلًا آخر ضرب في الإنجيل حيث قال:  (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) (. [سورة الفتح: 29].

فالحمد لله بما أورثنا من  الأوصاف والأحوال الموهوبة منه تعالى، والمكتسبة  على ما وهب، ونسأله تعالى أن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل صالح يقربنا إلى حبه. 
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد المتوج بتاج وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم


بقلم أ.د/ أحمد محمد محمد بيرس
عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الله تعالى رفع ذکر

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: مصر والمصريون !!



هذا البلد الأمين ،الجميل، المتفرد فى مزاياه، وأيضًا المتفرد فى عيوبه، هذا البلد العظيم لا يمكن أن يختلف عليه أحد من المحللين بأنه رسخت فيه الأصول الطيبة وإلتصقت بأهله صفات الشعوب اللصيقة بأرضها، والمحبة والعاشقة لتراثها وترابها !!
هذا البلد (مصر) الإيمان فيه بالعقائد راسخ، ولم يتغير هذا البلد ولم يستطع غازى أن يغزوه بثقافته أو بتقاليده، أو ينزع عن أهله خواصهم وتميزهم !!.
هذا البلد حينما جائه "الإسكندر الأكبر" غازيًا، تدين بدين أهله!!، وذهب إلى معبد أمون فى واحة سيوة لكى يعلن نفسه خادمًا "للإله أمون" !
و حينما جائه "داريوس" ومساعده "قمبيز" غُزَاهْ" من "بلاد الفرس" قبل ألف عام قبل الميلاد، ذهبا إلى "الخارجة" عاصمة الوادى الجديد لكى ينشئا معبد (هيبس) ويتعبدوا فيه لألهة المصريين!!.
و حينما جائه "نابليون" غازيًا، ناداه المصريون بعد كفاحهم ضد الإحتلال الفرنسى بأنه مسلم، وحتى قائده (كليبر) والذى قتله سليمان الحلبى فى القاهرة كان يَدّعَى الإسلام.
و عندما إقترب "روميل" قائد قوات "هتلر" من صحراء العلمين من "القاهرة" إستعد المصريون بتسمية (هتلر) الشيخ (محمد هتلر)، نكاية فى الإستعمار الإنجليزى المحتل للبلاد !!
و لعل المصريون الذين رزقوا بأطفال فى هذه الفترة قد أطلقوا عليهم إسم "هتلر"، وأشهر من سمى فى هذه الحقبة الزمنية هو المرحوم اللواء / هتلر طنطاوى رئيس الرقابة الإدارية الأسبق!!.
هكذا هذا البلد يذيب كل من يغزوه ويُلْبِسه ثقافته وتقاليده.

و لعل مجئ "عمرو بن العاص" على رأس الحملة التى فتحت "مصر"، وإنقاذ المصريون من إضطهاد الرومان، وأعطى "أقباط مصر" حقوقهم وأعاد لهم حق الحياه فوق الأرض، بعد أن كانوا هاربين فى صحراوات "مصر" كلها حتى وصلوا إلى واحة (الخارجة) وأنشأوا مدينة (القبوات) وهى ما تعرف اليوم بأثار (البجوات) القبطية الشهيرة على يد "الأنبا أثناسيوس الأول "
جاء "عمرو بن العاص" إلى مصر بتكليف واضح وشديد الصراحة من أمير المؤمـنين "عمر بن الخطاب"، أهل "مصر" هم خير أجناد أهل الأرض،كما قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، "ومصر" هى البلد الوحيد المذكور فى القراّن الكريم أكثر من ثلاثة عشر مرة، وأهل "مصر"، أهدى رسول الله "زوجته" أم ولده الوحيد "إبراهيم" السيدة "ماريا القبطية"، "ومصر" هى بلد السيدة " هاجر" زوجة رسول الله "إبراهيم "هكذا جاء "عمرو بن العاص" بتوصية "بسأهل مصر" من خليفة رسول الله ووصايا الرسول قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى هذا البلد العظيم محروس بإرادة الله عز وجل !! ولن يضار أبدًا !!
  
[email protected]

مقالات مشابهة

  • ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: الجراد أحد الأدلة على الإعجاز العلمي في القرآن
  • ما سبب تسمية سورة الجن بهذا الاسم؟.. لصعوبة معرفة أقدار الخلائق
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (جلباب…)
  • 3 أمور ترفع قدرك عند الله.. مركز الأزهر يوضح
  • كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر يوضح
  • د.حماد عبدالله يكتب: مصر والمصريون !!
  • ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
  • اعتقاد خاطئ عن آية وأما بنعمة ربك فحدث
  • ما سر قل أعوذ برب الفلق؟.. علي جمعة: تحصنك من 8 شرور مهلكة
  • ما حكم الوضوء بماء المطر وفضله؟.. الإفتاء توضح