فيلم «كنت وتركت».. رحلة بصرية بالذكاء الاصطناعي عن أثر الأمومة على الذات
تاريخ النشر: 11th, September 2025 GMT
تشارك المخرجة المصرية منار توحيد الزهيري، بفيلمها الوثائقي القصير«كنت وتركت» (I Left for You) في منصة Short Film Observatory Showcase 2025، وهي تظاهرة سينمائية عالمية تعرض أعمالًا قصيرة من أكثر من 30 دولة داخل جاليري مفتوح للجمهور، تمهيدًا لعروض خاصة للباحثين والمهتمين بالسينما لمناقشة الأساليب المعاصرة في صناعة الفيلم القصير.
ينطلق الفيلم من سؤال وجودي حول أثر الأمومة على الصحة النفسية للمرأة، وكيف يغيّر هذا الدور منظورها للحياة اليومية، وما يخلّفه من استنزاف نفسي قد يصل إلى حدود غير متوقعة. تستكشف الزهيري التداخلات الدقيقة بين المساحة الشخصية والمسؤوليات الأمومية، لتضع المشاهد أمام ثنائية متشابكة: الحب والرعاية من جهة، والتعب النفسي وفقدان الذات من جهة أخرى.
واعتمدت المخرجة على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الفيلم، مما أضفى بعدًا بصريًا معاصرًا يتماشى مع موضوع الدورة الحالية، والتي تتمحور حول: الذاكرة، الهوية، الضمير الإنساني، والتاريخ التشاركي، هذا التوظيف للتقنيات الرقمية الحديثة جاء كامتداد رمزي لفكرة التحولات الداخلية التي تعيشها المرأة في رحلتها مع الأمومة.
الفيلم لا يكتفي برصد حالة فردية، بل ينفتح على أفق أوسع يعكس تجربة إنسانية شديدة العمق، حيث تتحول الأمومة إلى مرآة للذات وللمجتمع معًا. إن طرح الاستنزاف النفسي كجزء من رحلة الحياة يفتح بابًا جديدًا للنقاش حول الصحة النفسية، وهو موضوع غالبًا ما يُغفل في تناولاته السينمائية داخل العالم العربي.
كما يكتسب الفيلم حضورًا مضاعفًا بمشاركته في Short Film Observatory Showcase، باعتبارها منصة دولية لا تكتفي بالعرض، بل تمنح الأفلام مساحة للنقاش النقدي والفكري حول اللغة السينمائية المعاصرة، وهو ما يعزز من قيمة الفيلم كجزء من حوار عالمي حول قضايا الهوية والذاكرة.
فيلم «كنت وتركت» عمل يضع الأمومة في قلب النقاش الفني والإنساني، كاشفًا عن المسافة الدقيقة بين العطاء والإنهاك، بين الهوية الفردية ودور الأم. ومن خلال لغة بصرية حديثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ينجح الفيلم في أن يكون تجربة معاصرة تُعيد تعريف العلاقة بين السينما والذاكرة الإنسانية.
اقرأ أيضاًأفلام سينمائية عالمية بقصر السينما في شهر أغسطس
أبطال «المشروع X» لـ «الأسبوع»: تجربة سينمائية مهمة.. واستخدمنا تقنيات عالمية
مهرجان الجونة: هدفنا الترويج للمدينة كوجهة سياحية سينمائية عالمية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: السينما الذكاء الاصطناعي تجربة إنسانية التعب النفسي
إقرأ أيضاً:
الحب والاحترام: من الذات إلى الدولة
لمسةالدارج حين تُذكر كلمة "حب" أن يتبادر إلى الذهن ذلك الانجذاب بين الرجل والمرأة، فيُختزل المعنى في غريزة النوع، غير أن هذا الفهم ضيق، فالحب في حقيقته كلمة جامعة لا تخصيص فيها، إنه شعور يتجاوز الجسد إلى الوجدان، ويتسع ليشمل الناس جميعا، أصدقاء كانوا أم رفقاء طريق، إنه تكامل وجداني وعقلي، يدفع الإنسان للتعاون مع الآخرين في بناء أو إصلاح أو إبداع، بينما الانجذاب بين الجنسين -إن اندمج بالحياة ومشاركاتها- فهو عشق أو مودة، أما المحبة فهي القبول النفسي والرضا العميق، والتسامح الذي يجعل الإنسان يرى في الآخر ما يتجاوز المحددات.
الحب والمحبة في القرآن
وردت كلمة حب في القرآن تسع مرات، وكلها تعبّر عن معانٍ مثلا: طاعة، ورهبة، وحرص، واحترام له. قال تعالى: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة: 195)، وقال: "وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة: 222)، وقال أيضا: "فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" (آل عمران: 76).
وهنا يتضح أن الحب في المفهوم القرآني ليس عاطفة سطحية، بل منظومة قيمية تجمع بين السلوك والإيمان، وفي المقابل، يصف القرآن أيضا شغف امرأة العزيز بيوسف عليه السلام: "قَدْ شَغَفَهَا حُبّا" (يوسف: 30)، وهو حب تغلب فيه الغريزة وتجند المنظومة العقلية للتخطيط لكن تفشلها بالاندفاع.
أما المحبة، فهي حالة عقلية لا تحتاج إلى تأسيس، وتستقر في النفس بثبات ورضا، قال تعالى: "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّة مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي" (طه: 39). فالمحبة هنا تتصل بالمنظومة العقلية، لا بالهوى. وقد أثرت هذه المحبة حتى في قلب فرعون، لكنها احتاجت إلى منطقٍ وسبب، كما قالت زوجه: "قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ. لَا تَقْتُلُوهُ".. (الآية). فكما نرى، هي تحتاج إلى رابط لتتجاوز العواطف السلبية.
الحب وتنمية العلاقات
فالاحترام أساس بناء ثابت أو غرسة نبات والحب هو القمة النامية للاحترام، فلا حب بلا احترام، وإن وُجد الاحترام بلا حب، فهو نبتة بلا قمة نامية؛ تبقى حية لكنها لا تزدهر، ومع ذلك، يبقى الاحترام قادرا على صنع ديمومة للعلاقات حتى حين يخفت وهج الحب.
أما الخوف من المآل أو ردة الفعل، فليس احتراما، بل بذرة كراهية. واحترام القانون مثلا ينتج إبداعا وفنا في إدارة الأعمال وتطويرها، بينما الخوف منه لا ينتج إلا رتابة وتقليدية، كذلك حب الحياة يثمر اكتشافات واختراعات، أما مجرد العيش بلا رؤية أو حب حقيقي للحياة، فهو مرور باهت أشبه بسحابة بيضاء لا تحمل مطرا تحجب الشمس ثم تنقشع.
احترام الذات
احترام الذات لا يعني التكبر أو الانعزال أو سوء الظن بالناس، إنه وعي بقدرك من غير تضخيم، وثقة دون غرور، أما من يحاول إثبات ذاته بالمخالفة أو التردد، فإنه يهدمها من حيث لا يشعر. فالتردد، وفقدان الثقة، توأمان في هدم الإنسان، فكم من فرص ضاعت بسبب الخوف من القرار! والتردد ليس تفكيرا، بل إرجاء للفعل، أما القرار السليم، فيُدرس ويُهَيَّأ له، ثم يُنفذ بثقة.
والكبار في التفكير لا يحتاجون إلى صراخ لإثبات الوجود؛ أسلوبهم الحوار، والنقاش الهادئ، والتبادل الفكري الحر، غير أن بعض الناس، بدعوى الكرامة أو الكبرياء، ينتظرون المبادرة من الطرف الآخر، فيضيع الوقت والعمر، وتضيع معه فرص الإصلاح أو الوصال.
ولعلنا نلخص هذا بكلمات: "غالبا تضيع الفرص بالتردد، ونفقد أجمل ما في الوجود ونحن نحاول إثبات الوجود"، فلا بد ونحن نسير في حياتنا أن نضع أولويات ونوازن بينها والا سنفقد حتما ما نظن أننا سنحصل عليه بنسيان الأولويات.
السلبية في الدول
كما في الأفراد، كذلك في الدول: التردد أخطر الأمراض، فدولة يتردد قادتها تصبح رهينة خيارات الآخرين في السلم أو الحرب، وإذا خشي صاحب القرار من طرح رأيه لأنه يخاف السخرية أو الرفض، فذلك انتحار سياسي بطيء، والأسوأ حين لا يكون له رأي أصلا لغياب التفكير الاستراتيجي والاستشراف في التخطيط أو لغياب الاهتمام سيان ضعف الكفاءة.
في كثير من الدول، تتحول المناصب إلى مكافآت سياسية، لا إلى مواقع مسؤولية علمية أو مهنية، وحين تُدار الدولة بالعلاقات لا بالكفاءات، يصبح القرار رهين المزاج لا الرؤية، عندها، لا تعني الأزمات نقص الموارد، بل نقص التفكير والتخطيط، وتتحول البيانات الرسمية الطويلة إلى محاولات تبرير وتوزيع للّوم على الآخرين.
إن السلبية ليست موقفا عارضا، بل منهج تفكير يبدأ من الفرد الذي يخشى القرار، وينتهي بالدولة التي تخاف المبادرة، ومثلما أن الحب بلا احترام يموت، فإن القرار بلا شجاعة يعد موؤودا؛ وما بين الاثنين، يمسي عالم فوضى، بلا حب، بلا حركة، بلا نهضة.
خلاصة القول:
إن الحب والاحترام ليسا من الكماليات المعبرة عن الرفاهية، وليس تعبيرا مخصصا للغرائز رغم أنها أساسا نوع من حلقات الحياة بمفهوم التفاهة بل أساس التوازن في الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية، فحيثما نبت الحب، نما الإبداع، وحيثما مات الاحترام، نمت السلبية، وما بينهما يقرر مصير الإنسان والدولة معا.