معوقات عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار سوريا وحلول دمشق البديلة
تاريخ النشر: 11th, September 2025 GMT
رغم الاستقرار النسبي الذي تعيشه سوريا منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد قبل نحو 10 أشهر، لا يزال ملف إعادة الإعمار متوقفا عند حدود النقاشات والوعود والاستثمارات المنفردة، دون أن يتوج بمؤتمر دولي لحشد التمويل على غرار تجارب بلدان أخرى خرجت من حروب ونزاعات.
ومع غياب إحصائيات دقيقة، تتراوح التقديرات بشأن كلفة إعادة الإعمار بين 300 و500 مليار دولار، وفقا لمصادر، منها تقارير الأمم المتحدة وتصريحات لمياء عاصي، وزيرة الاقتصاد السورية السابقة.
ويأتي غياب مؤتمر إعادة الإعمار رغم إعلان الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مما يطرح تساؤلات عن أسباب غياب المؤتمر، والرؤية الحكومية بشأنه، ونموذج إعادة الإعمار الذي ستنتهجه في المرحلة القادمة.
رغم الحاجة الملحة لإطلاق مسار دولي لإعادة إعمار سوريا بحسب بعض الخبراء، فإن الواقع الداخلي للدولة لا يزال يشكّل عائقا أمام تحقيق ذلك. فالمشهد المؤسسي في سوريا يعاني من هشاشة نتيجة سنوات الحرب، وتفتقر الأجهزة الإدارية إلى الكفاءة والبنية التنظيمية اللازمة لإدارة مشاريع إستراتيجية على مستوى وطني.
وفي ظل غياب مجلس تشريعي قادر على المصادقة على خطط الإعمار، تبدو العملية برمّتها مفتقرة للأساس القانوني والمؤسساتي الذي يُعد شرطا ضروريا لأي التزام دولي حقيقي، بحسب الخبير الاقتصادي فراس شعبو.
ويضيف شعبو للجزيرة نت أن الحديث عن مؤتمر لإعادة الإعمار ما زال مبكرا، فالدول الداعمة ما زالت تنظر إلى الواقع السوري كمرحلة انتقالية، ولا تُبدي استعدادا لضخ أموال في بيئة تفتقد إلى الاستقرار والرؤية الواضحة.
ومن الناحية الميدانية، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تفرض سيطرتها على نحو 35% من البلاد، في حين تخرج محافظة السويداء جنوبا عن نطاق سيطرة حكومة دمشق.
إعلانهذا الواقع الميداني، بحسب رأي الباحث في مركز الحوار السوري أحمد قربي، يمثّل العائق الأبرز أمام انعقاد مؤتمر لإعادة الإعمار.
ويرى قربي -في حديثه للجزيرة نت- أن "غياب الاستقرار السياسي الفعلي هو التحدي الأكبر، وهو ما يجعل فكرة المؤتمر نظرية أكثر منها عملية".
ويشار إلى أن البيان المشترك لمؤتمر بروكسل التاسع، الصادر في مارس/آذار الماضي، أكد أن أي دعم أوروبي لإعادة الإعمار يجب أن يُبنى على "حل سياسي شامل، يُراعي تطلعات جميع السوريين، ويحترم السيادة ووحدة الأراضي".
دعم دولي مشروط
ورغم التغيرات السياسية المتسارعة التي شهدتها سوريا بعد سقوط النظام، لا تزال الدول الغربية تُبقي موقفها من دعم المرحلة الانتقالية، بما في ذلك عملية إعادة الإعمار، مشروطا بتنفيذ سلسلة من المتطلبات السياسية.
من هذه المتطلبات الدعوة لمشاركة جميع الطوائف والأقليات في نظام الحكم، إلى جانب إجراءات أمنية تتعلق بملف مكافحة الإرهاب والمقاتلين الأجانب، وتهريب الكبتاغون.
وفي هذا السياق، يشير الباحث فراس شعبو إلى أن مسألة الإعمار لا تنفصل عن الحسابات السياسية الدقيقة، مشيرا إلى أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا تمنح تفويضا مجانيا لأي نظام، بل تضع شروطا واضحة تراقب التزام الحكومة السورية بها، مثل الإصلاح السياسي، واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، وتقليص النفوذ الإيراني.
ويرى شعبو أن إدارة الرئيس أحمد الشرع تدرك هذا الواقع جيدا، وتعلم أن الدخول في مرحلة إعادة الإعمار، التي تتطلب استثمارات هائلة، لن يكون ممكنا قبل عامين على الأقل، إلى حين توفر الحاضنة الإقليمية والدولية الكفيلة بتمويل هذا التحول.
في الوقت الذي تتباين فيه المواقف الإقليمية والدولية تجاه ملف إعادة الإعمار في سوريا، تبدو الحكومة السورية وقد بدأت ترسم معالم رؤيتها الخاصة لمسار الإعمار.
ويبدو أن دمشق تتجه نحو جذب الاستثمارات والاعتماد على الموارد الذاتية بدلا من المساعدات الدولية المشروطة والقروض التنموية.
وفي مقابلة مصورة مع مجلة "فوربس الشرق الأوسط"، أكد وزير الاقتصاد والصناعة السوري، محمد نضال الشعار، أن سوريا في المرحلة الحالية لا تفيدها مشاريع مثل مشروع مارشال الذي خصص لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أن هذا النموذج، أو ما يسمى بنموذج الدفعة الكبرى، لا يغطي كل المساحة المطلوب إعمارها في سوريا وهي تزيد على 60%.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المشاريع الكبرى مؤقتة، وسوريا تحتاج شيئا مستداما، وبحسب الوزير الشعار، فإن النظريات الاقتصادية التقليدية لن تنجح في سوريا إذا طبقت حرفيا.
وأكد أن "الحل هو العودة إلى الوراء والبدء بالخلية الاقتصادية الأولى في المجتمع السوري، وهي المواطن الفرد المنتج، من خلال تمكينه، سواء على مستوى ورشة عمل، أو عمل وظيفي، أو صناعي، أو تجاري، أو زراعي".
وعندما تتم استعادة كافة الموارد الاقتصادية السورية، يقول الشعار "سنقوم بعملية التمكين هذه من خلال الفرد، مرورا بالمشاريع الصغيرة ثم المشاريع المتوسطة، وبالتوازي مع ذلك يتم العمل على المشاريع الكبيرة مثل الموانئ والنقل".
إعلانوقال وزير الاقتصاد السوري إن "الفن هنا أن نربط كل هذه الخلايا الاقتصادية مع بعضها لتشكل قاعدة إنتاجية لتنهض بالبلد وترفعها إلى مرتبة أعلى، والأمر تراكمي، فكل مرتبة يتم البناء عليها إلى أن نصل إلى مستوى مستقل من التنمية والنهضة الاقتصادية".
وتعليقا على هذه المقاربة، أشار الخبير في الحوكمة والتنمية، عزيز حلاج، إلى أن الحكومة السورية تتبنى موقفا معلنا برفض اللجوء إلى القروض الدولية، معتبرا أن هذا الموقف يجعل من أي مؤتمر مانحين يفضي إلى التزامات مالية خارجية أمرا غير وارد في الوقت الراهن بحسابات الحكومة السورية.
وبدلا من ذلك، يضيف حلاج للجزيرة نت "تركز الجهود الحكومية على استقطاب مشاريع استثمارية كمشاريع الاستثمار السعودية والقطرية، وعلى توجيه المنح، إن وُجدت، لدعم صندوق التنمية الوطني".
ويضيف أن هذه الاستثمارات تحمل بعدا سياسيا يتمثل في بناء جسور تعاون مع المحيط العربي لسوريا، وإعادة رسم التوازنات الإقليمية من بوابة الاقتصاد.
بيد أن هذه الصناديق لا تزال بحاجة إلى مستويات عالية من الشفافية وإدارة مؤسساتية واضحة، كي تحظى بثقة الدول المانحة والجهات الرقابية، كما يضيف حلاج.
وفي خطوة وُصفت بالتاريخية أعلنت الحكومة في الرابع من سبتمبر/أيلول عن تأسيس "صندوق التنمية السوري" بموجب مرسوم رئاسي، ليكون كيانا سياديا وطنيا يهدف إلى تعبئة الموارد وتوجيهها نحو مشاريع التنمية وإعادة البناء، وتجاوزت التبرعات الأولية 60 مليون دولار خلال ساعات من الإطلاق، مع توقعات باستمرار تدفق المساهمات خلال الفترة المقبلة.
وفي هذا السياق، يؤكد محمد صفوت رسلان، المدير العام لصندوق التنمية السوري، في تصريح للجزيرة نت، أن "هذا التمويل ليس سوى البداية، نحن نراهن على التمويل الوطني من الحكومة والأفراد والمؤسسات".
ويضيف رسلان "الصندوق ليس مبادرة إسعافية، بل مشروع طويل الأمد يستهدف التنمية المستدامة، وربط السوريين في الخارج بمشاريع الإعمار في الداخل، فالنجاح مرهون بالشفافية والحوكمة الرشيدة".
وعن أهمية صندوق التنمية، يقول الخبير فراس شعبو إنه يشكل خطوة داعمة وجاذبة لاستثمارات أخرى، لأنه يعمل على تهيئة المناطق المستهدفة ليكون فيها نواة لنشاط اقتصادي من خلال إصلاح الطرقات والصرف الصحي، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات، وغيرها من البنى التحتية.
في المقابل، يعتقد الباحث أحمد قربي أن الحلول التي تلجأ إليها الحكومة حاليا هي حلول منطقية، مثل الاعتماد على القوى الذاتية، لكن هذه وحدها غير كافية.
وينوه قربي إلى أن وجود مدى منظور لدعم دولي قادم هو أمر مهم جدا لإعادة الاستقرار والإعمار في سوريا، لأن الاعتماد فقط على التمويل الذاتي لن يحل المشكلة وإن كان أساسيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الحکومة السوریة إعادة الإعمار للجزیرة نت فی سوریا إلى أن
إقرأ أيضاً:
تقرير دولي: بنغازي تفتح باب التنمية عبر الترفيه وسياحة المغامرات
تقرير دولي: بنغازي تتحول من ساحة حرب إلى فرصة للتنمية عبر الترفيه وسياحة المغامرات
ليبيا – سلّط تقرير تحليلي نشرته منظمة «ديموكراسي إن أفريكا» الدولية الضوء على التحول الذي تشهده مدينة بنغازي، من منطقة صراع إلى فضاء واعد للنهوض الاقتصادي عبر الترفيه وسياحة المغامرات، في مسار تقوده مبادرات شبابية محلية.
القفز المظلي كإشارة لتحول حضري
وأوضح التقرير، الذي تابعت صحيفة المرصد وترجمت أبرز ما ورد فيه من رؤى تحليلية، أن فعالية قفز مظلي نفذها شباب ليبيون فوق ساحل بنغازي خلال الأسبوع الماضي كشفت عن «قوة الرياح» بوصفها رمزًا لمسار المدينة نحو التنمية المستدامة، مؤكدًا أن الإبداع والعزيمة الهادئة باتتا سمة بارزة لدى شبابها.
تحدي الصورة النمطية عن بنغازي
وأشار التقرير إلى أن المقطع المصور للفعالية لاقى صدى واسعًا، متحديًا تصورات دولية راسخة عن المدينة التي عانت لأكثر من عقد من مواجهات مسلحة وانهيار مؤسسي وتفتت حضري وعدم استقرار.
إعادة بناء من القاعدة الشعبية
وبحسب التقرير، تشهد بنغازي عملية إعادة بناء نادرًا ما تُدرج في التحليلات الدولية، حيث يجسد مشروع القفز المظلي المحلي، الذي يقوده شباب، تحولًا مجتمعيًا من «منطقة حرب» إلى «منطقة رياح»، في إشارة إلى التحرك نحو الإمكانات والمشاركة المدنية والتنمية المستدامة انطلاقًا من القاعدة الشعبية.
دلالات سياسية للأنشطة اليومية
وأوضح التقرير أن هذه المبادرات برزت في ظل استمرار عدم اليقين بشأن التسوية السياسية في ليبيا، لافتًا إلى أن القفز المظلي، رغم بساطته الظاهرية، يحمل دلالات سياسية في بيئات ما بعد النزاع، حيث تعكس الأنشطة اليومية مؤشرات على التعافي وبناء الثقة.
مؤشرات جاهزية وسلامة عامة
وبيّن التقرير أن القفز المظلي يفتح نافذة على تعافي بنغازي الحضري، إذ يفترض وجود تنسيق فعال للطيران المدني، وقدرة على الاستجابة للطوارئ، ومعدات منظمة، ومستوى من السلامة العامة، إلى جانب إمكانات للتنويع الاقتصادي وخلق مسارات تنموية جديدة.
التنويع يبدأ بمبادرات صغيرة
وأضاف أن المبادرة تعكس بُعدًا استراتيجيًا، إذ إن التنويع الاقتصادي لا يبدأ بالضرورة بمشاريع بنية تحتية ضخمة، بل بمبادرات مجتمعية صغيرة تُنشئ سلاسل قيمة جديدة وتُظهر سبل عيش بديلة.
سياحة المغامرات فرصة غير مستغلة
ووصف التقرير سياحة المغامرات بأنها إحدى الفرص الواعدة في ليبيا، نظرًا لثرواتها الطبيعية والثقافية الاستثنائية، بما في ذلك نحو 1900 كيلومتر من السواحل، ومناظر صحراوية خلابة، وسلاسل جبلية، ومواقع تراثية عريقة، مؤكدًا أن هذا القطاع لا يزال غير مستغل بالشكل الكافي.
فرص عمل وانبعاثات منخفضة
وأشار التقرير إلى أن السياحة القابلة للتوسع بقيادة الشباب يمكن أن توفر فرص عمل للطيارين والمدربين وفرق الخدمات اللوجستية والمصورين وخدمات النقل والمقاهي والقطاعات المرتبطة، فضلًا عن مساهمتها في خفض الانبعاثات الكربونية.
الشباب ومحفز التعافي الاقتصادي
وأكد التقرير أن قيادة الشباب للمبادرة تكتسب أهمية خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة في ليبيا، معتبرًا أن الابتكار الشبابي قادر على تحفيز التعافي الاقتصادي وترسيخ أسس السلام على المدى الطويل، حتى مع جمود السياسة الوطنية.
الرياح والطاقة المتجددة
واختتم التقرير بالإشارة إلى أن «الرياح» التي حملت القافزين مظليًا فوق بنغازي ترمز لمسار تنموي جديد، لا يقتصر على الترفيه والسياحة، بل يمتد إلى إنتاج الكهرباء النظيفة، في مسار يصنعه فاعلون سياسيون ومواطنون مصممون على تجاوز تركة الصراع.
ترجمة المرصد – خاص