النّوادي الثقافيّة الأولى في عُمان
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
لا توجد لدي – على الأقل – معلومات دقيقة عن تأسيس نوادٍ ثقافية مبكرة في عُمان عدا ناديين سيأتي ذكرهما. والنادي الثقافي يُعنى بالثقافة بشكلها الواسع. وقد كان هناك شيء من الانفتاح في بعض المسائل الثقافية – عند السلطان ومن يجالسه - كما يذكر محمد رشيد رضا (ت: 1935م) في زيارته للسلطان فيصل بن تركي بن سعيد (ت: 1913م) في مسقط عام 1907م، ويؤرخ ذلك رشيد رضا بقوله: «أقمت في مسقط أسبوعا كان يختلف إلي كل يوم وليلة منه وجهاءُ البلد وأذكياؤه، ويلقون علي الأسئلة الدينية والفلسفية والأدبية والاجتماعية.
ومع مجيء المصلح الليبي سليمان الباروني باشا (ت: 1940م) – وكان من المتأثرين بالمدرسة الإصلاحية ومن رموزها الأوائل ومن جمع بين الفقه والثقافة والسياسة – إلى عمان في عهد السلطان تيمور بن فيصل (ت: 1965م)، والإمام الخليلي (ت: 1954م) حث من الابتداء العمانيين على «ضرورة طلب العلم، ونبذ الجهل، وإصلاح المجتمع، والتمسك بأصول الإسلام»، بيد أنه لم يذكر أنه أسس ناديا ثقافيا لا في مسقط ولا في الداخل، وأسس مدرسته في سمائل، ومع هذا لقي معارضة شديدة من بعض الفقهاء ومن يساندهم من شيوخ القبائل والمجتمع. كما يذكر أبو إسحاق أطفيش (ت: 1965م) أنه أنشأ المدرسة البارونية في سمائل، إلا أن إصلاحاته تمت مواجهتها بالمعارضة من التقليديين والمنتفعين بدعوى «أن هذا الأمر بدعة، وكل بدعة ضلالة، ومن قائل: إن هذا من عمل النصارى لا نقبله، ومن قائل إن هذا لم نجد عليه آباءنا وأوائلنا، وهم أدرى منا بالأصلح في البلاد». كما لم أطلع حتى الآن على تأسيس نادٍ ثقافي من قبل الجبهة اليسارية في جنوب عُمان، وإن كنت لا أستبعد ذلك مبدئيا؛ فعند اليسار اهتمام مبكر بالمعرفة والثقافة، ولهذا كانت لهم إذاعتهم من عدن، ولهم منشورات وصحف ودوريات مبكرة منها «صحيفة الأرض»، و«9 يونيو».
أما عن قصة أوائل النوادي الجامعة بين الأدب والرياضة في مطرح فيرجع إلى الناشط اليساري البحريني عبد الرحمن الباكر (ت: 1971م) الذي يذكر في مذكراته «من البحرين إلى المنفى»: «اتخذت مطرح - وهي المدينة التجارية الثانية بعد مسقط – مقرا لي، وأخذت أدرس أحوالها، وأختلط بشبابها... وقد أرشدتهم إلى تأسيس نادٍ أدبي رياضي. وكتبت لهم القانون الأساسي، وأشرفت على انتخابات أول مجلس إداري للنادي، وأعطيتهم كل الكتب التي كانت معي، وهي كتب قيمة، مثل الكامل للمبرد، والأمالي للقالي مع ألفية ابن مالك لابن عقيل، وحديث الأربعاء للدكتور طه حسين، وبين الكتب والحياة للعقاد، وشعراء العراق المعاصرون لروفائيل بطي، وغيرها من أمهات الكتب التي لا أذكرها الآن، وكانت حوالي خمسة وعشرين كتابا»، وكان هذا قبل عام 1936م، لكن لا نعلم هل استمر النادي بعد رجوع الباكر 1936م أم توقف؟ وهل بقي شيء من التوثيق يحفظ هذه المرحلة؟ كذلك هل تبلور شيء من تأسيس المدرسة السعيدية 1936م في مسقط، في تأسيس ناد مجتمعي ثقافي أوسع من حصره على طلاب المدرسة؟ ما قبل 1970م يحتاج إلى شيء من البحث، والقرب من الرواية الشفهية، والتنقيب في بعض الوثائق المحفوظة، وما رميت إليه هو محاولة لبحث هذا الأمر بشكل أدق، وتتبع علمي أكثر شمولية؛ لأن التأريخ يحفظ لنا ناديا آخر في عام 1974م، أي النادي الوطني الثقافي في مطرح، وقد أسسه وزير الإعلام الأسبق حمد بن محمد الراشدي بمعية «يحيى بن سعود السليمي... في مطلع عام 1974م»، وكان أهليا، لكنه لم يدم طويلا؛ إذ توقف سنة 1977م، بيد أنه – كما يذكر الراشدي في مذكراته «بين بلاغين» - شكل «نقطة اجتماع والتقاء للمهتمين بالشأن الثقافي، والتواقين إلى وجود مكان يجمعهم للالتقاء والاطلاع وقراءة الإصدارات الثقافية من مطبوعات وكتب كنا نعمل على توفيرها؛ باعتبارها المدخل إلى تهيئة الجو الصحيح للتزود بشتى أنواع المعرفة». كما ارتبط النادي بتأسيس مجلة «الثقافة الجديدة»، ومن أهم الكتاب فيها حمد الراشدي، وأحمد الفلاحي، وحمود السيابي، ومحمد ناجي عمايرة، وأحمد بن سليمان الكندي. ويعلل الراشدي سبب توقف النادي بعدم «القدرة على تسديد الإيجار الشهري للمقر» ما «دب الفتور في المؤسسين الأوائل لضعف الأنشطة، وانعدام الدعم الحكومي»، «وقد أصدرت عبر المجلة نفسها صيحات استغاثة إلى كل من يعنيه الأمر؛ لضمان استمرار المجلة التي تراجعت دورية إصداراتها من شهرية إلى كل ثلاثة أشهر، أو حسبما تتوفر الإمكانات»، ليغلق «النادي الوطني الثقافي أبوابه [عام 1979م]، ونقلت ملفاته وأضابيره وبعض الموجودات الأخرى إلى مخزن مجاور لمنزل يحيى بن سعود في العرين، لتأتي النيران وتقضي على هذه الملفات والموجودات في حريق شب فيما بعد في ذلك المنزل».
مع بدايات الأندية الرياضية -وقد ارتبطت بالثقافة مبكرا- برزت أندية لها حضورها الثقافي، ولعل أبرزها نادي المضيرب 1977م، وارتبط بمجلة الغدير (1977-1984م)، وقد كتبتُ عنها مقالة مستقلة في جريدة عُمان يمكن الرجوع إليها. إلا أن التحول المنظم كان في عام 1983م مع تأسيس النادي الثقافي باسم النادي الجامعي، أي نادي الخريجين، وهو أول ناد رسمي أسس في عمان، وقد جمع بين الجانب الرسمي شرفيا والمدني إداريا. إلا أن المؤسسات الثقافية المدنية تأخرت إلى عام 2006م مع تأسيس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وما بين 1983م و 2006م كانت النوادي الرياضية، وبعض المكتبات الأهلية – وعلى رأسها مكتبة الندوة حينها في بُهلا – وبدأت تظهر بعض الصوالين كصالون سعيد خاطر الثقافي؛ تمارس دورا ثقافيا أفقيا حسب قدراتها. هذا لا يعني عدم وجود مؤسسات أو جمعيات تخصصية مبكرة مثل الجمعية التأريخية العمانية 1972م، والمنتدى الأدبي 1985م، والجمعية العمانية للسينما 2002م وغيرها. واليوم نجد انشراحة أكبر في إنشاء العديد من المبادرات والمقاهي والمراكز الثقافية، ونحن نقترب من إشهار مجمع عُمان الثقافي الذي يعتبر من أكبر ما تحقق في هذه النهضة المتجددة. وفي «رؤية عُمان 2040» ينبغي دراسة هذه المرحلة فيما يتعلق بالمشهد الثقافي وتطوره وتوثيقه في تأريخ عُمان المعاصر؛ ليدرس ويبنى عليه وفق تحولات المرحلة وتطورها تقنيا ومعرفيا.
بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
رئيس "الآثار المصرية" يكشف لـ"الوفد" أسرار المقبرة الضخمة في وادي الملوك
أكد الدكتور محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية واليونانية والرومانية، أن افتتاح مقبرة الملك أمنحتب الثالث بالوادي الغربي، أحد فروع وادي الملوك بغرب الأقصر، يُعد حدثًا أثريًا بارزًا، حيث تقع المقبرة الشهيرة المعروفة برقم (KV22)، وتُعد من أضخم وأجمل مقابر الملوك المصريين القدماء، إذ تضم أكمل نصوص “كتاب الموتى” ونقوشًا فريدة ذات طراز فني مميز. وأوضح أن أعمال الترميم استمرت لأكثر من 22 عامًا قبل أن تستعيد المقبرة رونقها الأصلي.
وأشار عبد البديع في تصريحات للوفد إلى أن اختيار توقيت الافتتاح جاء متزامنًا مع انطلاق الموسم السياحي الجديد، بهدف تحقيق أثر إيجابي على حركة السياحة في الأقصر، لافتًا إلى أن جميع التجهيزات اللازمة لافتتاح المقبرة تمت بدقة عالية، مع تنفيذ عمليات رصد بيئي مستمرة داخلها خلال فترة الافتتاح، لمتابعة أي تغيرات في المناخ أو نسب الرطوبة التي قد تؤثر على حالتها الأثرية.
وأضاف أن الملك أمنحتب الثالث يُعد من أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة، إذ ورث إمبراطورية قوية امتدت حتى جنوب الأناضول والعراق، وشهد عهده عصرًا من الازدهار والرخاء في شتى مجالات الدولة، واختار الوادي الغربي ليكون مقره الأبدي، تاركًا إرثًا فنيًا ومعماريًا خالدًا يجسد عبقرية الحضارة المصرية القديمة.
يشار إلى أن مراحل ترميم المقبرة بدأت منذ 22 عامًا بالعمل على صيانة وترميم نقوش المقبرة والسقف الخاص بالمقبرة وصولا لحجرة التابوت كذلك الأعمدة الموجودة داخل المقبرة وتم العمل أيضا على ترميم غطاء التابوت الجرانيت الأحمر والذي كان محطم لأكثر من 200 قطعة أما المرحلة الأخيرة فتركزت الأعمال في حفظ وصيانة حجرة الدفن "حجرة التابوت".