كيف تنجح حيلة حماس وتنجو من الفخ؟
تاريخ النشر: 7th, October 2025 GMT
رد حركة حماس على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يكشف وعيا سياسيا حادا بطبيعة الفخ الذي تحاول واشنطن وتل أبيب نصبه تحت غطاء وقف الحرب.
فالورقة سعت في ظاهرها لإرضاء غرور الرئيس ترامب، عبر إبراز التجاوب مع بند جوهري في مقترحه، وهو الإفراج عن جميع الأسرى والجثامين الإسرائيليين دفعة واحدة، لكنها ربطت ذلك بوقف العدوان وانسحاب كامل من القطاع، دون الانخراط في فخ "اليوم التالي" كما تريده واشنطن وتل أبيب.
فقد شددت على أن مستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة، هي قضايا لا تخص حماس وحدها، ولا يمكن أن تُناقش إلا في إطار وطني فلسطيني جامع، لا في صياغات مفروضة من الخارج. بهذا رسمت حماس خطا فاصلا بين الاستجابة للضغوط الإنسانية، وبين الوقوع في دائرة التصفية السياسية الأوسع التي تتخفى تحت شعارات وقف الحرب، والإعمار والسلام.
غير أن المشهد الذي تلا البيان يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات. فالرد الأميركي السريع، الذي وصف رد حماس بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح"، بدا وكأنه محاولة استثمار سياسي عاجل أكثر من كونه ترحيبا حقيقيا.
ترامب لم يخفِ رغبته في أن ينجز "صفقة" تضع اسمه على اتفاق يستعيد الأسرى الإسرائيليين، لكنه تجاهل أن جوهر الخطة التي يتبناها لا ينهي الاحتلال بل يعيد إنتاجه بآليات جديدة.
أما نتنياهو، فسارع إلى إعلان "التنسيق الكامل مع واشنطن لتطبيق الجزء الأول من الخطة"، مضيفا أن التنفيذ سيتم "وفق المبادئ التي وضعتها إسرائيل"، في إشارة صريحة إلى أن دولة الاحتلال ستظل صاحبة اليد العليا في تفسير البنود، وتعريف مفاهيم الأمن والانسحاب والتهديد.
بهذه السرعة المريبة، توافقت التصريحات الأميركية والإسرائيلية على "مرحلية" جديدة، تُنفذ فيها البنود التي تخدم إسرائيل أولا، بينما تُترك القضايا الكبرى بما فيها وقف الحرب والانسحاب وإدارة غزة والسلاح وتقرير المصير، للتفاوض والابتزاز، واستدعاء شياطين التفاصيل.
إعلانوهنا تفرض الذاكرة الفلسطينية أسئلتها المؤلمة، فمن قبل، أُخرجت منظمة التحرير من بيروت بضمان دولي ثقيل، لم يمنع المذابح التي وقعت، بعدما انسحبت القوات الدولية وتركت المدينة ومخيماتها للمجزرة.
ومن قبل، قيل للفلسطينيين في أوسلو إن الدولة ثمرة الاعتراف بإسرائيل، وخمس سنوات من "الحكم الذاتي"، فانقضت ثلاثون وبقي الاحتلال، وتمددت مستوطناته وضُمت القدس وتلاشت السيادة الفلسطينية عن الأرض. ولاحقا، اعترفت واشنطن بالقدس عاصمة للاحتلال وبضم الجولان، وباركت الضم الزاحف في الضفة.
ومؤخرا تساقطت صواريخ أميركا وإسرائيل على عواصم في الإقليم أثناء مسارات تفاوضية مفتوحة، بل واستُهدف المفاوضون أنفسهم، بينما نكثت إسرائيل أكثر من اتفاق لوقف النار في غزة ولبنان واستُؤنفت العمليات العسكرية بحجة "استكمال الأهداف".
وهذه ليست حوادث شاردة؛ بل مفتاحا لأسئلة مشروعة حول الضمانة الأميركية، التي لطالما أثبتت أنها مظلة تكتيكية تستبطن حقا دائما في نقض ما التزمت به ساعة تشاء.
وهذه الأسئلة ليست تشاؤما عدميا، إذ إن هناك ما يؤيدها في متون ما سُمي بـ"خطة ترامب لوقف الحرب"، فمن يقرأ الخطة يعرف أنها لم تُكتب لإنهاء العدوان، بل لإدارته بوسائل جديدة. فالخطة التي صُورت كوثيقة إنسانية تنشد السلام، هي في الجوهر محكومة بعقل استعماري يريد تبديل مسمى الاحتلال دون التخلي عن كنهه.
فوقف إطلاق النار – بحسب الخطة – يُفتح بمفتاح الأسرى، لكنه يُقفل مرة أخرى بشرط نزع السلاح والإدارة "الانتقالية" المفروضة من فوق غزة لا منها وإليها، ولتكتمل الحلقة، تحتفظ إسرائيل بمنطقة أمنية داخل القطاع وخارجه، تُترك تفاصيلها لتقديرات "الأمن" و"الميدان"، وبين السطور تُركت ثغرات محسوبة، بحيث تعاملت الخطة مع الدولة الفلسطينية كـ"طموح" مؤجل، بينما تم ربط الانسحاب بتقدم "إزالة التهديد"، ومعنى التهديد تُرك لخيال من يملك القوة.
وما أُحيط بالإعلان عن الخطة، قبله وبعده، من تسريبات وتعديلات، تكفل نتنياهو بالكشف عنه، من خلال ربط الانسحاب بنزع السلاح، وتأكيده على بقاء الجيش "في معظم أنحاء غزة"، وتأبيد فصل القطاع عن الضفة، وتبجحه بما أسماه عزل "حماس" عربيا ودوليا.
وفي ذات الوقت تم الدفع إلى الواجهة بأسماء لها باع في الاستعمار وتفتيت الدول، لتتولى إدارة "اليوم التالي" في غزة عبر "مجلس فوق وطني"، بينما تم التعامل مع عواصم عربية ومسلمة على أنها مخزن التعهدات، ومصدر التمويل، وذراع التنفيذ.
وبذلك تشكل اللبس عمدا؛ خطة واحدة تتعدد وجوهها، نسخة تروج للإنقاذ الإنساني، ونسخة أمنية تُبقي يد الاحتلال على الزناد، وبينهما سردية ثالثة توزع الأدوار على إقليم مبتزّ بملفات الداخل والحدود.
وحين نقرأ الرد الإسرائيلي على موافقة حماس على الإفراج عن الأسرى والجثامين دفعة واحدة، ونربطه بالمبادئ التي أعلن عنها نتنياهو خلال مؤتمر البيت الأبيض وما تلاه، يمكن قراءة التوجه الأميركي الإسرائيلي من زاوية تفاوضية؛ إننا أمام شروط قاطعة تسبق أي "مقابل" لصالح الفلسطينيين، وبالمقابل يبقى أي حق أو مكسب لهم معلقا بدون أي ضمانة.
إعلانوهذا هو عين منطق "الالتزامات التسلسلية"، حيث تُجزأ القضية الكبرى إلى خطوات صغيرة، بحيث يُسدد الثمن نقدا، فيما يُؤجل المقابل إلى آجال بلا تاريخ.
من هذه الفجوة تتسرب الخديعة، فالهدنة هنا ليس هدفها حماية المدنيين بقدر ما هي ممر نحو هندسة سياسية جديدة، تستبطن نزع القوة الصلبة للمقاومة، وتستبدلها بوصاية ناعمة وخشنة تعيد تعريف "الشرعية" و"التمثيل" و"الأمن" من خارج المجتمع الفلسطيني.
وكي نفهم وظيفة الخطة الأميركية الإسرائيلية، لا بد من فهم السياق الذي أُحيط بها، فإسرائيل، بعد عامين من حرب الإبادة المفتوحة على الشعب الفلسطيني، عجزت عن تحقيق أهداف الحرب كاملة؛ لم تستعد الأسرى، ولم تُصفِ المقاومة، ولم تفتّ في عزم الغزيين وصمودهم، برغم فداحة الثمن والتضحيات، ولم تستطع أن تفرض التهجير الجماعي.
وأميركا، التي وقفت مع آلة الحرب سياسيا وعسكريا، اكتشفت أن شرعية هذه الحرب تنزف في شوارع العالم، وفي قاعات الأمم المتحدة والقضاء الدولي، وفي تبرم الحلفاء قبل الخصوم.
هنا تظهر الخطة كجسر إنقاذ، تُخرج نتنياهو من عزلته المتزايدة، وتعيد تسويق الهيمنة الأميركية على شكل وصاية "إنسانية"، وتحول هزيمة القدرة على الحسم العسكري إلى محاولة حسم تفاوضي عبر شروط استسلام مؤطرة، وتفضي إلى تحقيق الأهداف ذاتها، ولو بشكل تدريجي أو بإخراج أقل إحراجا، أي إنها، بلغة الدعاية، "إعادة تسمية للشيء نفسه".
والأخطر من ذلك أن الخطة تأتي كمحاولة لاستهداف البنية الاجتماعية الفلسطينية من باطنها، إذ إنها تُجرم المقاومة، وتبرر الاحتلال والإبادة باسم مكافحة "الإرهاب"، بل وتعرض على المقاومين "العفو" إذا التزموا بـ"التعايش السلمي".
ويا لها من مفارقة نكدة! فمجرمو الحرب يعرضون عفوا عن مقاومة مشروعة في مواجهة أعتى احتلال عرفه التاريخ. إننا أمام محاولة لاختزال شرعية المقاومة وفكرة التحرر عبر "خطاب الإصلاح" و"حوار إزالة التطرف" اللذين نصت عليهما الخطة، في محاولة لتطويع الذاكرة ولغرس سردية جديدة في مناهج التربية؛ أن يصير الاحتلال "الأخ الكبير"، كما في رواية جورج أورويل.
إنها إعادة صياغة للهوية بحيث يكفّ الفلسطينيون عن التفكير بوطنهم المسلوب بفعل النكبة والاحتلال والإحلال، ويتخلون عن فكرة العودة وتقرير المصير.
كما أن الخطة تستهدف حق الفلسطينيين في أن يكونوا أصحاب القرار في شأنهم العام، وحقهم في أن تبقى المقاومة – بمعناها الواسع لا التنظيمي الضيق – عنصر توازن يمنع تحويلهم إلى مجتمع تحت اختبار التحلل.
فالخطة تجرد كل مرجعيات القرار الفلسطيني (السلطة والمقاومة) من صلاحياتها، وقد كان مثيرا للاستغراب كيف أن السلطة، التي استُبعدت من الخطة صراحة، عبر حصر "التمثيل" في اختصاص "مجلس فوق وطني"، رحبت بها وكأنها ترحب بحكم يقضي عليها. أهو غباء سياسي أم موقف مُكره؟ كلاهما خطر، خصوصا أن الخطة تفرغ مؤسسات السلطة من بقية معناها، وتحيلها على التقاعد عبر شروط "الإصلاح" المفتوحة والتي لا تنتهي.
هذه ليست معركة مصطلحات بل معركة تعريف للواقع. فما تفعله الخطة يمكن تسميته بـ"تبديل إطار"؛ أي نقل القضية من إطار التحرر الوطني من الاحتلال إلى إطار مكافحة "التطرف" و"الإرهاب" وإدارة "اليوم التالي".
إنها وصفة للتضليل والتغول، بحيث تُستعار لغة القانون لتغطية ما لا سند له في القانون الدولي، إذ لا يوجد في هذه الخطة مرجع أممي ملزم، ولا آلية زجر تحاسب من ينكث، ولا ضمان خارجي يشارك فيه الضحية بوصفه طرفا لا موضوعا للخطة.
إذن، على غزة أن تقرأ النص بالمقياس الذي علمتها إياه تجربتها، وأن تُحصن ردها الذي أعلنته من أي استدراج يفضي إلى التزامات تسلسلية تفرغه من مضمونه، فكل صيغة تفصلها عن الضفة وتستولد إدارة بدون أفق سياسي، هي وصفة للتفتيت والتصفية، وكل ترتيبات أمنية تمنح الاحتلال حق تعريف "التهديد"، هي بقاء للاحتلال المباشر واستمرار للإبادة، وكل حديث عن "خارطة سياسية" لا يضمن انسحابا كاملا ومقيدا بزمن ملزم، تحت رعاية قانونية أممية حقيقية، هو تخدير سياسي.
إعلانأعرف أن الناس في غزة يريدون وقف المذبحة الآن لا غدا، وهذا هو مطلب كل حي وحر خارج غزة ينبض قلبه بالإنسانية. ولا شك أن في العواصم العربية والإسلامية نوايا صادقة لوقف النار ولإغاثة المنكوبين، لكن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الصادقة، فالسؤال؛ هل نريد وقف الحرب؟ سؤال بدَهَي يجب ألا يُطرح، لكن السؤال الأخلاقي والسياسي؛ بأي ثمن؟ وعلى أي عقد قانوني؟ وتحت أي ضمانات؟ فمن الذي يضمن أن تسليم الأسرى أو المرونة ببعض بنود الخطة بشكلها الحالي ستوقف الإبادة؟ خصوصا أن جوهر الخطة مؤسس على نزع ما تبقى من قدرة المقاومة، مع بقاء الاحتلال سيدا في تعريف "التهديد" و"الالتزام".
فالخطة من حيث هي لا تضمن وقف الحرب؛ الضمانة الوحيدة محصورة بتعليق العمليات العسكرية ريثما يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وهو أمر سارع الرئيس ترامب للدعوة إليه حتى بدون نقاش ورقة حماس، ببساطة لأن لا أحد يمنح ضمانة حقيقية ما دام عنصر القوة الحاسم بيد من يملك العودة إلى الخيار العسكري، وما دام انسحاب الاحتلال مرتبطا بتقارير ميدانية هو من يملك تفسيرها، وما دام أن القوة الدولية التي تدعو الخطة إلى فرضها ستقودها أميركا، لا لحفظ السلام أو فك الاشتباك، بل لملاحقة المقاومين، وتفكيك ما تبقى من بنيتهم العسكرية بالنيابة عن قوات الاحتلال، مع احتفاظ الأخيرة بحقها في القيام بالعمليات العسكرية متى شاءت.
وهذا ما يجعل الحديث عن وقف النار؛ إن جاء، هشا وغير مضمون. فمن قال إن خطة بين أميركا وإسرائيل وحدهما، بلا سند أممي ولا ظهير عربي إسلامي حازم يستثمر في أدوات الضغط وأوراق القوة، وبدون انخراط فعلي للطرف الفلسطيني في صياغتها، ستوقف حرب الإبادة؟
ومن سيضمن ألا تُستأنف هذه الحرب بعد أن يستعاد الأسرى وتجرد المقاومة من بنيتها المسلحة؟ ومن سيضمن عدم تمدد الحصار والدفع بالتهجير تحت عناوين إنسانية تؤبد الاحتلال؟
ثمة حقيقة لا يجوز أن نمر عليها دون أن نُصرح بها. المقاومة في هذا المشهد المعقد محجوزة بين مطرقة الواقع وسندان الضغوط، محرجة لأن خياراتها محدودة؛ فهي أمام معادلة قوامها أن القبول بالأفخاخ التي تتضمنها الخطة يعني القبول بالاحتلال وبإخضاع سلاحها وجذر وجودها والتفريط بمستقبل القضية الفلسطينية، وأن رفضها يعني تحميلها وزر استمرار المذبحة أمام شاشات العالم.
هكذا وُضعت المقاومة في خانة لا تحسد عليها، وهذه المعادلة الصفرية نتاج اختلال ميزان القوة والانحياز الدولي لصالح إسرائيل، لكن أيضا نتاج سياسات خاطئة وسوء تدبير وتردد تورطت به بعض العواصم العربية والإسلامية، والتي رأت أن الضغط والمناورة بالضمانات قد يساعد على احتواء التداعيات الداخلية أو الإقليمية للحرب على غزة، وكأن المقاومة هي المسؤولة عن هذه التداعيات لا الاحتلال الإسرائيلي والدعم الأميركي غير المحدود.
وذلك مع أن الواقع يفرض علينا أن نتنبه إلى أن تطبيق خطة ترامب كما هي له تداعيات إقليمية لا تقل خطورة عن تداعيات الحرب نفسها، إذ إنها قد تفتح الباب لتعميم نموذج الوصاية على الجغرافيا العربية بذريعة "تجفيف مصادر التهديد". فما يُجرب اليوم في القطاع يمكن أن يُستنسخ غدا في الضفة، أو في لبنان، أو سوريا، أو في أي عاصمة عربية أو إسلامية أخرى.
فالمشروع الصهيوني في جوهره وظيفة إمبراطورية استعمارية لإدامة السيطرة على قلب العالم القديم. وكلما ضعُفت القدرة الأميركية على فرض الهيمنة المباشرة، ازداد الاحتياج إلى تحويل إسرائيل إلى مركز ثقل سياسي وأمني واقتصادي يجر المنطقة إلى فلكه.
ولنتأمل فقط فلتات "لورانس العرب" بنسخته الأميركية الجديدة، توم براك، الذي يقدم الرؤية الأميركية الصهيونية للمنطقة بدون مساحيق تجميل، إذ يبشر بالعودة بالدولة العربية إلى القبيلة، وباختزال المشروع الوطني الجامع، بكيانات حكم ذاتي تتوزع بين طوائف وعشائر وأعراق تمليها مبادرات إقليمية وخيارات دولية تؤسس لواقع "ما بعد الوطن"، حيث تصبح الأرض سلعة قابلة للمقايضة، والإنسان وظيفة مسخرة لخدمة مشاريع الهيمنة والإخضاع والاستلاب.
ومن يعتقد أن كلامه شطط بلا معنى، فعليه أن يراجع شريط الأحداث خلال عقدين من "الفوضى الخلاقة"، ويراقب مؤشر الانحدار في أي اتجاه يسير.
لكن نقد الخطة أو التشكيك بمستقبل جولة التفاوض الجديدة وحده لا يكفي. إذا كانت غزة مفصلا حقيقيا بين أمة يُفترض أنها تريد استعادة دورها ومنطقة تُستلب لعقود إضافية، فالمطلوب رؤية وخارطة عربيا وإسلاميا؛ فلا معنى لكل حديث عن الأمن الإقليمي دون قاعدة أخلاقية وقانونية توقف الإبادة، وتفكك منظومة الاستيطان، وتنهي الاحتلال.
إعلانومن هذا المنطلق، فإن التعامل مع خطة ترامب ليس شأنا فلسطينيا داخليا، بل لحظة اختبار كبرى لضمير الأمة بأسرها.
والرهان الحقيقي اليوم هو على قدرة الفلسطينيين، بفصائلهم وقواهم الوطنية، وبدعم ثقيل من العواصم العربية والإسلامية، على صياغة موقف موحد يفكك هذا الفخ، ويعيد ترتيب الأولويات على قاعدة التحرر ورفع الظلم، وصيانة الحقوق الفلسطينية المشروعة، لا على قاعدة الابتزاز السياسي والإنساني.
المطلوب ألا تُترك التفاصيل لواشنطن وتل أبيب كي تُعيدا صياغة الميدان وتحوِلا وقف النار إلى هدنة مؤقتة، وذلك لا يتحقق إلا برافعة عربية إسلامية تُفعل أوراق القوة وأدوات الضغط في وجه الولايات المتحدة الأميركية، بحيث يتم التمييز بين مظلتين رئيسيتين؛ مظلة إنسانية عاجلة توقف المذبحة وتفتح باب الإغاثة الآن بلا شروط سياسية تقيدها، ومظلة سياسية تُبنى على قواعد ثابتة؛ قوامها انسحاب كامل مقيد بزمن، وإقرار أممي ملزم، وإعادة الربط بين غزة والضفة تحت سلطة فلسطينية منتخبة يعاد بناؤها على أسس وطنية تحررية، وإنصاف لضحايا الحرب عبر التعويض والإعمار.
نحن أمام لحظة امتحان للأمة في وعيها ومكانتها؛ فالتفاوض لا يكون على ثوابت الشعب الفلسطيني، ولا إدارة لليوم التالي تحرم الشعب الفلسطيني من حق تقرير مصيره، وإنما برفض ما يُميت القضية باسم إنقاذها، وبصياغة وقف حقيقي للنار يحمي المدنيين ولا يسلم مفاتيح الغد، بحيث نعيد إلى السياسة معناها؛ بما هي تحرير للأرض والإنسان، لا إدارة للقبر المفتوح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الشعب الفلسطینی وقف الحرب وقف النار
إقرأ أيضاً:
آخر المستجدات حول المرحلة الأولى للمفاوضات بين المقاومة والكيان
مصر|يمانيون|وكالات
أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أنَّ هدف المفاوضات تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق وتهيئة ظروف إطلاق سراح الأسرى ودخول المساعدات إلى قطاع غزة.
وأشار عبد العاطي في تصريح صحفي، اليوم الثلاثاء، إلى أنَّ تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق يتطلب إعادة انتشار للقوات “الإسرائيلية” في قطاع غزة.
وأضاف، “بحثنا العمل على خرائط لإعادة انتشار قوات إسرائيل تمهيدًا للانسحاب من القطاع وفق مقترح ترمب”.
وشدد عبد العاطي على أن الدول العربية والإسلامية حريصة على نجاح خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة، مقدِّرًا ترحيب حماس بها.
وأمس الاثنين، انطلقت في العاصمة المصرية القاهرة، المباحثات غير المباشرة بين وفود من حركة حماس والعدو “الإسرائيلي” والولايات المتحدة وعدد من الدول الإقليمية، في إطار الجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق شامل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد مرور عامين على اندلاع الحرب الإسرائيلية المدمّرة ضد القطاع في السابع من أكتوبر2023.
وتعد هذه المرحلة من المفاوضات الأولى من نوعها منذ إعلان ترامب خطته لإنهاء الحرب في غزة، والتي تتضمن وقفًا دائمًا لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، وانسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من القطاع، تمهيدًا لإدارة فلسطينية انتقالية بإشراف دولي.
وقالت حركة حماس، في بيان مقتضب، بأن وفد الحركة برئاسة الدكتور خليل الحية رئيس حركة حماس في قطاع غزة إلى جمهورية مصر العربية لبدء المفاوضات حول آليات وقف إطلاق النار وانسحاب قوات العدو وتبادل الأسرى. ويعقد مسؤولون مصريون وقطريون اجتماعات مكوكية مع الطرفين لوضع آلية لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، في ظل استمرار القصف “الإسرائيلي” على عدة مناطق في قطاع غزة.
وأوضحت قناة “القاهرة الإخبارية” عن مصادر مصرية لم تسمها، ضمن مباحثات تستضيفها مصر لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة، بأن الوفود المشاركة في مشاورات وقف إطلاق النار بغزة وصلت إلى مدينة شرم الشيخ المصرية.
وأوضحت المصادر أن الجلسة المقررة ستبحث مجموعة من الخطوات التمهيدية، تشمل تحديد المبادئ العامة والضمانات التي تحكم المفاوضات، وتحديد آليات التنفيذ ومراحل وقف إطلاق النار.
وأشارت إلى أن ملف الضمانات ما يزال العقبة الأبرز، إذ تتمسك حماس بالحصول على ضمانة واضحة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، في ظل تجارب سابقة مع العدو لم يلتزم فيها بتعهداته.
ومن جانبها، شددت حماس على أنها أبدت موافقة مبدئية على بعض بنود الخطة الأميركية، لكنها ترفض أي صيغة لا تضمن وقفًا دائمًا للحرب وانسحابًا كاملاً من القطاع.
وأكد قيادي في الحركة أن “ما يجري في الدوائر الأميركية والإسرائيلية هو استعراض إعلامي أكثر من كونه التزامًا فعليًا”، موضحًا أن حماس أبلغت الوسطاء بوضوح استعدادها للابتعاد عن إدارة القطاع، والدخول في هدنة طويلة الأمد، شريطة أن تكون تحت رقابة عربية ودولية، دون الحديث عن نزع السلاح أو تسليمه.
وأشار القيادي إلى أن الحركة تتمسك بإطلاق سراح رموز وطنية فلسطينية ضمن أي صفقة تبادل، وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي والأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، مؤكدًا أن ملف الأسرى “ليس أولوية تفاوضية” بل جزء من رؤية أوسع لإنهاء الحرب وضمان الحقوق الوطنية .
وقالت حماس -في بيان لها- إنها وافقت على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، كما جددت تأكيدها الاستعداد لتسليم إدارة القطاع إلى هيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط)، تتولى الإشراف على شؤون غزة ضمن توافق وطني ودعم عربي وإسلامي. وشددت الحركة في الوقت نفسه على أن مستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني سيُناقشان حصريا في إطار فلسطيني جامع.