حان وقت التغيير في الشرق الأوسط..
تاريخ النشر: 15th, October 2025 GMT
لقد تحقّق المطلب الأساسي، وهو الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
غير أنّ خطة السلام الأمريكية ما زالت تعتمد على قضايا أوسع من مجرد وقفٍ لإطلاق النار، إذ تشمل مجمل المشهد في الشرق الأوسط. ولهذا، تمارس واشنطن أقصى ضغوطها على حركة حماس، بينما تحاول في الوقت نفسه التقارب مع مواقف الدول العربية الكبرى، وفي مقدّمتها السعودية وقطر ومصر.
لكن هذه الخطة المعقدة محمّلة بالتحفّظات، كما أنّ النهج الأمريكي القديم تجاه المنطقة يتداعى. فمنذ عام 1945، اعتمدت الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط على ثلاثة أعمدة وهي: شراء النفط، وبيع الأسلحة، وتغيير الأنظمة. وفي الدبلوماسية، فضّلت واشنطن اتفاقات السلام الثنائية مثل الاتفاق بين إسرائيل ومصر عام 1979، وبين إسرائيل والأردن عام 1994، واتفاقات أوسلو مع السلطة الفلسطينية (1993-1995).
وفي عهد الرئيس الحالي، واصلت الولايات المتحدة البناء على «اتفاقات أبراهام» (2020- 2021)، وهي سلسلة اتفاقيات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، شملت إعلانًا عامًا واتفاقاتٍ ثنائية مع الإمارات والبحرين والمغرب.
لكن مبيعات الأسلحة تبقى جوهر الهيمنة الأمريكية؛ إذ توفّر واشنطن ما بين 60 و80 بالمائة من واردات السلاح الفتّاكة لحلفائها (مثل إسرائيل والكويت والسعودية)، وما بين 50 و60 بالمائة لبقية دول المنطقة (كالإمارات والعراق وقطر).
وتستند هذه الهيمنة أيضًا إلى الاعتماد على المساعدات. فمنذ عام 1946 وحتى 2023، قدّمت الولايات المتحدة نحو 373 مليار دولار كمساعداتٍ خارجية للشرق الأوسط. قبل مأساة غزة، تركزت معظم هذه الأموال في أربع دول هي: إسرائيل (139 مليار دولار)، ومصر (83 مليارًا)، والعراق (70 مليارًا)، والأردن (24 مليارًا).
وبما أنّ الشرق الأوسط هو أكبر متلقٍّ إقليمي للمساعدات الأمريكية، كان من المتوقع أن تظهر نتائجها في ارتفاع الأمن وتحسّن الدخل الفردي، لكن العكس هو ما حدث. بل إن الشراكة العسكرية بين واشنطن وتل أبيب أدّت إلى آثارٍ مدمّرة على الدول العربية المجاورة. هذه الاضطرابات الشديدة جاءت مصحوبةً بسنواتٍ ضائعة، بل عقودٍ، لم يتحسن فيها الدخل الفردي في الدول التي تعتمد على المساعدات الأمريكية.
اضطرت مصر إلى مواجهة هذا الجمود من عام 1965 حتى 1975، ثم مجددًا في العقد الثاني من الألفية. وخسرت الأردن عقدًا كاملًا بعد حرب 1967، ثم أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى في الثمانينيات، ومرة أخرى في بدايات العقد الماضي. حتى إسرائيل نفسها لم تسلم من فترات الركود، كما ظهر في احتجاجات -غلاء المعيشة- الواسعة بعد تعثّر عملية السلام.
وفي إيران والعراق، تصاعدت الأزمات منذ حربهما الطويلة (1980-1988) حين زوّدتهما واشنطن بالسلاح معًا. ففي العراق، حيث دعمت الولايات المتحدة انقلاب 1963، كان متوسط الدخل الفردي عام 2010 مساويًا لما كان عليه في عام 1978. أما في إيران، التي شهدت أول انقلاب أمريكي- بريطاني عام 1953، فقد كبّلت العقوبات الأمريكية اقتصادها ومنعت أي نمو في الدخل الفردي ربع قرنٍ بعد الثورة الإسلامية، ثم تكرّر الجمود في العقد الماضي.
وفي سوريا، التي أطاح انقلابٌ مدعوم من واشنطن عام 1949 بمسارها الديمقراطي، بقي الدخل الفردي قبل أحداث 7 أكتوبر 2023 على حاله كما كان عام 1981، أي قبل 44 عامًا. أما في فلسطين، فقد عاد الدخل الفردي إلى مستواه في أوائل السبعينيات. وفي اليمن، ظل كما كان قبل 55 عامًا.
وعلى النقيض من هذا المسار، برزت الصين خلال العقد الأخير وسيطا سلميّا موثوقا في الشرق الأوسط. فإلى جانب استثماراتها الكبيرة في دول أنهكتها عقودٌ من الانقلابات والتدخلات الأمريكية، حققت بكين سلسلة إنجازاتٍ دبلوماسية لافتة.
فالدول المحورية في المنطقة، مثل مصر والسعودية وتركيا، تستند إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية لتعزيز البنية التحتية والتنمية. وتبقى السعودية من أكبر مورّدي النفط للصين، وقد بدأت تبيعه بعملاتٍ متعددة. ولسنواتٍ طويلة غذّت واشنطن العداء بين السعودية وإيران، لكن في مارس 2023، استأنفت الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية بوساطةٍ صينية.
وفي يوليو 2024، أدّت الصين دورًا حاسمًا في إعلان بكين الذي وقّعته 14 فصيلًا فلسطينيًا لتوحيد الصف الوطني. وبعد شهرٍ واحد، دشّنت بكين ما وصفته بـ«طريق الحرير الثاني» في المنطقة. وفي يوليو 2025، وسّعت الصين ومصر تعاونهما الثنائي في مختلف القطاعات الاقتصادية.
منذ عام 1945، زعزعت واشنطن استقرار دول الشرق الأوسط، وأشعلت حروبًا وانقلابات للحفاظ على هيمنتها. وحدها الحروب التي تلت أحداث 11 سبتمبر 2001 كلّفت أكثر من 8 تريليونات دولار وأودت بحياة أكثر من مليون إنسان. وقبل حرب غزة، كانت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل تبلغ 3.8 مليار دولار سنويًا، لكنها ارتفعت بعد 7 أكتوبر 2023 إلى 23 مليار دولار. وفي غزة واليمن، جعل هذا الدعم واشنطن شريكًا في هجماتٍ أودت بحياة عشرات الآلاف. فمنذ 2023 وحتى 2025، قُتل أو جُرح نحو 250 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، فيما نزح أكثر من 5.3 مليون شخص في المنطقة بسبب الحروب الإسرائيلية بعد ذلك التاريخ.
يمكن مقارنة هذه الكارثة بسياسات الصين في الشرق الأوسط، التي تركز على خفض التصعيد وتحقيق الاستقرار عبر الاستثمار والتنمية والتحديث.
لقد حان وقت التغيير الفعلي في الشرق الأوسط، وقت التنمية الاقتصادية الحاسمة بقيادة الصين ودول الجنوب العالمي. فـحروب الإبادة ليست حلا لتحديات القرن الحادي والعشرين.
دان ستاينبوك مؤسس مجموعة (ديفرنس)، ومؤلف كتابيْ «عقيدة الإبادة» (2025) و«سقوط إسرائيل» (2024).
عن صحيفة: تشاينا-دايلي الصينيّة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الشرق الأوسط ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
السفير معتز أحمدين: إسرائيل أول من ابتكر فكرة الميليشيات لزعزعة استقرار الدول
أكد السفير معتز أحمدين، المندوب الدائم الأسبق لمصر لدى الأمم المتحدة، أن إسرائيل كانت أول من ابتكر فكرة الميليشيات داخل الدول كجزء من استراتيجيتها لإضعاف الدول الوطنية وزعزعة الاستقرار في المنطقة، مشيرًا إلى أن هذه السياسة قديمة ومتجذّرة في العقيدة الإسرائيلية.
"الشرق الأوسط الجديد".. مشروع قديم بأهداف متجددةوخلال لقائه مع الإعلامية كريمة عوض في برنامج "حديث القاهرة" على قناة "القاهرة والناس"، أوضح أحمدين أن مفهوم "الشرق الأوسط الجديد" ليس وليد اللحظة، بل يُعاد طرحه كلما سعت إسرائيل أو الولايات المتحدة لتحقيق مصالح معينة في الشرق الأوسط.
أحمدين أشار إلى أن الحروب المستمرة والعداء الدائم من قبل إسرائيل تمثل الصورة الحقيقية لـ"الشرق الأوسط الجديد"، لافتًا إلى أن تل أبيب تتباهى بشن هجمات على سبع جبهات في آنٍ واحد، ما يعكس طموحها في فرض واقع إقليمي بالقوة.
"السلام بالقوة لا يصنع استقرارًا"وشدد على أن الحديث عن السلام وسط هذا المناخ ليس إلا سلامًا مفروضًا بالقوة والإكراه.