قال حاكم إقليم دارفور غرب السودان مني أركو مناوي إن الهجمات التي تتعرض لها مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور من قبل قوات الدعم السريع ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حسب تعبيره.

واتهم مناوي، في مقابلة مع تلفزيون السودان الرسمي، ما سماها بالمليشيا المتمردة، في إشارة لقوات الدعم السريع، باستهداف مواقع تجمعات المواطنين من الأطفال والنساء.

وتعهد مناوي بأن العمل يجري لفك الحصار عن الفاشر.

"أكلنا الأمباز.. أكل الحيوانات، لأن ما فيه خيار ثاني".
بعد أكثر من 18 شهراً من انقطاع الإمدادات، يعيش الناس في الفاشر على طعام الحيوانات. pic.twitter.com/ub31Inyi37

— AJ+ عربي (@ajplusarabi) October 16, 2025

صد هجوم على الفاشر

وأمس السبت، أعلنت مصادر عسكرية في القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش السوداني تصديها لهجوم بري واسع النطاق شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، شمال دارفور غربي السودان.

وقالت المصادر للجزيرة إن الجيش السوداني والقوة المشتركة تصدوا لهجوم بري شنته قوات الدعم السريع من 3 محاور رئيسية في محاولة لاختراق الدفاعات العسكرية.

وترافق الهجوم البري للدعم السريع مع قصف مدفعي مكثف استهدف أحياء سكنية عدة ومراكز لإيواء النازحين داخل المدينة المحاصرة منذ مايو/أيار 2024.

وأشار المصدر إلى تمكّن قوات الجيش والقوة المشتركة من تكبيد القوات المهاجمة خسائر "فادحة" في الأرواح والمعدات.

وتتهم الحكومة السودانية ومنظمات محلية ودولية الدعم السريع بشن هجمات متكررة على المناطق السكنية في الفاشر ومخيمات النازحين حولها.

وتحاصر قوات الدعم السريع الفاشر منذ مايو/أيار 2024، ورغم هجماتها المتكررة فإنها فشلت في كسر دفاعات الفرقة السادسة من المشاة في الجيش السوداني التي تدافع عن المدينة.

ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونا بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات قوات الدعم السریع الجیش السودانی

إقرأ أيضاً:

الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع.. كيف غيّر مسار الحرب ودمّر اقتصاد السودان؟

منذ عام 2023، دخل السودان مرحلة سوداء لم يشهد مثلها منذ استقلاله. تحوّلت البلاد إلى ساحة صراع مفتوح بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، فيما ظهرت بصمات إماراتية واضحة في كل مسارٍ غذّى النار بدل أن يطفئها. فمن تهريب الذهب إلى تمويل المليشيات، ومن الخطاب الإنساني إلى الجسور الجوية المريبة؛ لعبت أبو ظبي دورا حاسما في تعطيل أي مسار للسلام وإطالة أمد الحرب. اليوم، ومع كل يوم جديد من الانهيار الاقتصادي والدمار الإنساني، تتكشف خيوط الدور الإماراتي في إشعال السودان وتخريبه، تحت شعارات "الدعم الإنساني" و"الاستثمار"، بينما الحقيقة أنها حرب بالوكالة تُدار من وراء المال والنفوذ.

خلفت هذه الحرب عشرات الآلاف من القتلى وأكثر من 12 مليون نازح داخل السودان ولاجئ خارجه، فيما بات قرابة نصف السكان بحاجة ماسّة للمساعدات للبقاء على قيد الحياة.

والأخطر أن أصابع خارجية لعبت دورا مفصليا في تأجيج هذا النزاع؛ فقد ظهر دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لقوات الدعم السريع بوصفه أحد العوامل الحاسمة التي مكّنت هذه المليشيا من خوض حرب مدمّرة على هذا النطاق.

لقد أدى هذا الدعم الإماراتي، بشقّيه المالي والعسكري، إلى تعطيل شامل لمسيرة التنمية في السودان؛ اقتصاديا (عبر نهب الذهب المنظم وتخريب البنية الاقتصادية)، وسياسيا (إفشال الانتقال المدني وتفتيت الدولة)، واجتماعيا (زرع الصراع الأهلي والانقسامات القبلية)، وأمنيا (تعميق الفوضى المسلحة وإضعاف سيادة الدولة).

بدأت شرارة الصراع الحالي في نيسان/ أبريل 2023، حينما انقلبت قوات الدعم السريع على حليفها السابق، الجيش النظامي، في صراع على السلطة والنفوذ. سعى السودان قبلها للانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي بعد الإطاحة بعمر البشير عام 2019، لكن جاءت الحرب الأخيرة لتجهز على ما تبقّى من آمال الانتقال السلمي، حيث دعمت الإمارات طرف المليشيا (الدعم السريع) بالسلاح والمال خدمة لمصالحها الاستراتيجية، ضاربة عرض الحائط برغبة السودانيين في الديمقراطية والاستقرار.

وتشير تقارير دولية إلى أنه لولا الدعم الإماراتي المباشر والمتنوع، لما استطاعت مليشيا الدعم السريع شنّ حرب بهذا الاتساع والزمن. فمنذ الأيام الأولى للقتال، أقامت أبو ظبي جسورا لوجستية خفية لإمداد الدعم السريع بالأسلحة عبر دول الجوار (ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وغيرها)، متستّرة بغطاء المساعدات الإنسانية.

كما احتضنت الإمارات قادة المليشيا وأنشطتهم التجارية والإعلامية على أراضيها؛ إذ تُدار من دبي شبكة مصالح ضخمة تابعة لحميدتي وإخوته؛ تشمل شركات مالية ولوجستية تعمل واجهة لتدفق الأموال والسلاح بعيدا عن الرقابة.

ولعل أبرز مثال على ذلك كشف وزارة الخزانة الأمريكية في 2024 عن شبكة شركات مقرها الإمارات موّلت وسلّحت قوات الدعم السريع، بينها شركة قابضة تُدعى "كابيتال تاب" وفّرت للمليشيا أموالا ومعدات عسكرية. كما استخدمت عائلة حميدتي شركات إماراتية كواجهة لإخفاء تعاملاتها التجارية وتمويل عملياتها بعيدا عن العقوبات.

سياسيا، أدى هذا التدخل إلى إفشال الانتقال المدني الذي ناضل السودانيون من أجله بعد ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018، حيث أدّى تحالف المصالح بين حميدتي وأبو ظبي إلى تفجير الوضع عسكريا ومنع قيام أي سلطة مدنية مستقرة.

لقد قوّض الدعم الإماراتي فرص الاتفاق السياسي بين المكوّنات السودانية، بل وشجّع عصابات الدعم السريع على التنصّل من ترتيبات دمجها في الجيش الوطني والانقلاب على شركائها.

ولم يتوقف الأمر عند عرقلة مسار الديمقراطية، بل أدى إلى تفتيت الدولة نفسها؛ فبعد عامين من القتال، انقسم السودان فعليا لمناطق نفوذ متحاربة؛ تسيطر مليشيا الدعم السريع اليوم على أجزاء واسعة من إقليم دارفور الغني بالموارد، فيما يسيطر الجيش على وسط البلاد وشرقها. ويحذّر مراقبون من أنّ استمرار الوضع بهذا الشكل قد يمهّد إلى تقسيم فعلي للبلاد.

اقتصاديا، كان الثمن فادحا على بنية السودان الاقتصادية ومسار التنمية. فبدل أن تستثمر موارد البلاد الهائلة لتحسين معيشة الشعب، أصبحت تلك الموارد غنائم حرب بيد المليشيا ورعاتها، وعلى رأس هذه الموارد الذهب السوداني الذي يشكّل عصب الاقتصاد الوطني.

خلال سنوات الصراع، انخرطت قوات الدعم السريع في نهب منظم لذهب السودان وتحويل عائداته لتمويل عملياتها العسكرية. مع اندلاع الحرب 2023، سارعت المليشيا إلى السيطرة على أهم منشآت الذهب في البلاد: اقتحمت مناجم جبل عامر في دارفور -أحد أغنى حقول الذهب- واستولت على إنتاجه، كما هاجمت مصفاة السودان الرئيسية للذهب في الخرطوم ونهبت حوالي 1.6 طن من الذهب المكرر بقيمة تقارب 150 مليون دولار بحسب تقديرات حكومية. هكذا وبضربات خاطفة، وضع حميدتي يده على شريان الذهب السوداني الذي طالما تباهى بأنه ملك يده منذ سيطرته على جبل عامر في 2017.

وبدل أن تُستخدم هذه الثروة المعدنية في انتشال الاقتصاد السوداني من عثرته، تدفقت أطنان الذهب إلى خارج البلاد بطرق التهريب لتتحول إلى أموال وسلاح للمليشيا.

وتشير تحقيقات استقصائية إلى أن قرابة 90 في المئة من إنتاج السودان من الذهب يُهرَّب سرا إلى الخارج، مع كون الإمارات الوجهة الأولى لهذا الذهب المهرب.

فالإمارات تعد المشتري الرئيس للذهب السوداني منذ سنوات، إذ استوردت رسميا ما قيمته 2.3 مليار دولار من الذهب في عام 2022 وحده؛ بينما القيمة الحقيقية أكبر بكثير إذا ما احتسب الذهب المهرب. وبحسب مصادر في الخارجية الأمريكية، ينتهي المطاف بمعظم الذهب السوداني المُهرَّب في أسواق دبي، مما جعل هذا المورد الحيوي بمثابة شريان حياة مالي يغذي آلة الحرب.

لقد حوّل الدعم السريع الذهب إلى وقود للنزاع: تُشحن السبائك سرا على متن شاحنات وطائرات صغيرة عبر حدود السودان المليئة بالثغرات (مع تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وغيرها) لتصل الإمارات، حيث يتم تسييلها وتحويل عائداتها لشراء الطائرات المسيّرة والذخائر.

وفي الوقت الذي تتكدس فيه أرصدة قادة المليشيا في بنوك الخارج، يعاني الاقتصاد السوداني انهيارا شبه تام: انهارت العملة، وتوقف الاستثمار، وانهارت الخدمات الأساسية، وتراجعت صادرات البلاد المشروعة لصالح شبكات التهريب غير الشرعي.

بهذا المعنى، أسهمت الإمارات عبر شبكاتها وشركاتها في تخريب البنية الاقتصادية للسودان ومنع أي انتفاع وطني حقيقي بثرواته الطبيعية خلال سنوات الحرب.

لقد أدخلت هذه الحرب المدمّرة السودان في دوامة انهيار اقتصادي ومعيشي غير مسبوقة. فقد دمّرت البنية التحتية ومرافق الإنتاج في أنحاء البلاد جراء القصف والاقتتال، وتعطّلت سلاسل الإمداد والتجارة، ما أدى إلى شلل تام في الاقتصاد.

تشير التقارير إلى أن الخرطوم نفسها تحولت إلى ساحة خراب واسعة؛ البنوك والأسواق والمصانع تعرضت للنهب والتخريب المنظم على أيدي عناصر قوات الدعم السريع التي استحلّت العاصمة واعتبرتها غنيمة حرب. ومع انهيار الأمن وانعدام القانون، فرّ المستثمرون وأصحاب الأعمال، وتوقفت عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي التي تعد عصب حياة ملايين السودانيين.

النتيجة كانت انتشار الجوع والفقر على نطاق واسع، فملايين السودانيين اليوم يواجهون خطر المجاعة وانعدام الأمن الغذائي، بل إن منظمات أممية حذّرت من أن تكتيكات التجويع المتعمد التي انتهجتها أطراف النزاع -وعلى رأسها الدعم السريع- أدت إلى مجاعة فعلية في بعض المناطق. ضمن هذا المشهد القاتم، استغلّت الإمارات حالة الفوضى لمراكمة النفوذ الاقتصادي في السودان حتى وسط الحرب: فشركاتها العاملة في التعدين والزراعة ظلت تنقب عن الذهب وتستحوذ على أراضٍ زراعية.

وفي الوقت نفسه، كشفت العقوبات الأمريكية أن شركات إماراتية لعبت دور واجهة ماليّة لتمرير عائدات تجارة الذهب المنهوب وتمويل المليشيا. على سبيل المثال، شركة إماراتية تدعى "الزمرد والياقوت للذهب والمجوهرات" (AZ Gold) عملت على شراء ذهب السودان وتهريبه إلى دبي لصالح قوات الدعم السريع، واحتفظ شقيق حميدتي (القائم على مشتريات المليشيا) بحسابات مصرفية لتلك الشركة في الإمارات تحوي ملايين الدولارات.

هذه الوقائع الموثقة تؤكد تورط أطراف في أبو ظبي في إدارة اقتصاد الحرب في السودان، فبين تهريب الموارد وتمويل المليشيا، ساهم الدعم الإماراتي في إطالة أمد الصراع مقابل أرباح تجارية وسياسية، بينما كان الخراب الاقتصادي من نصيب الشعب السوداني.

أما المشهد الأمني فلم يكن أقل بؤسا. لقد أدى تدفق السلاح النوعي إلى أيدي مليشيا الدعم السريع إلى تعميق الفوضى المسلحة وإضعاف سيادة الدولة بشكل غير مسبوق.

ورغم قرار الأمم المتحدة بحظر السلاح على دارفور منذ سنوات، كشفت تحقيقات حديثة أن أسلحة صينية متطورة مثل القنابل الموجّهة (GB50A) ومدافع هاوتزر (AH-4) وجدت طريقها إلى مليشيا الدعم السريع عبر إعادة تصديرها من الإمارات.

في أيار/ مايو 2025، وثّقت منظمة العفو الدولية بالأدلة استخدام هذه القنابل صينية الصنع في هجمات بدارفور، مؤكدة أنها وصلت إلى السودان عبر الإمارات، في خرق فاضح لحظر التسليح الأممي.

ولم يقتصر الأمر على الأسلحة الصينية؛ فبحسب مصادر متعددة هناك أدلة وافرة على إمداد الإمارات قوات حميدتي بالأسلحة والذخائر الحديثة منذ ما قبل اندلاع الحرب. لقد حصلت المليشيا على طائرات بدون طيار مسلّحة ومركبات مدرعة حديثة تم شراؤها بتمويل إماراتي أو تم إرسالها مباشرة من مخازن أبو ظبي.

وكشفت تقارير صحفية أن شحنات أسلحة إماراتية سُيّرت تحت غطاء "مساعدات إنسانية" إلى السودان خلال النزاع، حيث حطّت طائرات في مطارات غربي السودان محمّلة بمواد عسكرية بدلا من مواد الإغاثة. حتى الطائرات المسيّرة القاتلة التي استخدمتها قوات الدعم السريع في قصف خصومها مصدرها الإمارات، إما شراء أو تزويدا مباشرا.

هذه الإمدادات غيّرت ميزان القوة على الأرض وسمحت للمليشيا بمواصلة القتال ضد الجيش النظامي رغم محاولات العزل والعقوبات الدولية. والنتيجة كانت تعميق حالة الفوضى الأمنية: فالدولة السودانية فقدت احتكارها للسلاح على أراضيها، وتحولت أجزاء كبيرة من السودان إلى ساحات معارك.

في المحصلة، أسهم الدور الإماراتي في إضعاف سيادة السودان بشكل جسيم، إذ باتت القرارات السيادية -كمنع دخول السلاح أو التحكم بالموارد- خارج سيطرة الحكومة، وتحوّل الدعم السريع إلى قوة عسكرية موازية للجيش تستقوي برعاتها الخارجيين.

إن الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي أفرزها هذا الواقع تفوق الوصف. فبدعمٍ خارجيٍ سخي، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات مروعة ضد المدنيين السودانيين، مزّقت النسيج الاجتماعي وزرعت الصراع الأهلي والانقسامات القبلية في طول البلاد وعرضها. في إقليم دارفور غربا -الذي له تاريخ دامٍ من الصراعات القبلية- شنت مليشيا الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها من بعض القبائل العربية؛ حملة تطهير عرقي ممنهجة ضد مجموعات سكانية مثل قبيلة المساليت، فدمّرت بلدات وقرى بأكملها وقتلت وأرهبت آلاف المدنيين على أساس الهوية الإثنية.

حتى وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أعلن رسميا أن ما ارتكبته قوات الدعم السريع في دارفور يصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، مؤكدا تورط المليشيا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأعمال تطهير عرقي طوال فترة الحرب.

تقارير هيومن رايتس ووتش وغيرها وثّقت نفس النمط الوحشي: قتل على الهوية، واغتصاب جماعي، وإحراق قرى، وتشريد قسري جماعي. ولم تسلم مناطق السودان الأخرى من فظائع الدعم السريع؛ ففي الخرطوم ومدن إقليم كردفان والنيل الأزرق، نُهبت الأحياء السكنية وانتشرت جرائم الاعتداء على المدنيين على نطاق واسع، مما خلّف جراحا عميقة في البنية الاجتماعية وعلاقات الثقة بين المكونات السكانية.

وعلاوة على العنف المباشر، اعتمدت قوات الدعم السريع تكتيك الحصار والتجويع كسلاح حرب يُعاقب به المجتمع المحلي في المناطق الخارجة عن سيطرتها.

فقد فرضت حصارا خانقا على مدن بكاملها مثل الجنينة والفاشر في دارفور، ومنعت دخول الغذاء والدواء إليهما لأشهر طويلة. مدينة الفاشر (عاصمة شمال دارفور) تعيش مأساة إنسانية منذ أكثر من عام؛ فمئات الآلاف من سكانها محاصرون تحت قصف يومي ومن دون إمدادات غذاء أو ماء كافية. يصف شهود عيان كيف قطعت قوات الدعم السريع الطرق ومنعت قوافل الإغاثة، بل وهاجمتها، ما أدى إلى مجاعة فعلية داخل المدينة المحاصرة. لجأ الناس هناك لأكل أوراق الأشجار وعلف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، بينما تنتشر الأمراض في ظل انهيار المستشفيات.

هذا العقاب الجماعي المتعمد حول الصراع إلى حرب إبادة بطيئة ضد المدنيين، وفاقم الانقسامات القبلية والمناطقية، حيث بات كل مجتمع محلي ينظر بمرارة إلى الآخر في ظل دوامة الثأر والعنف.

في المحصلة، ساهم الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع في إشعال نزاع دموي حرم السودان من أي فرصة للاستقرار والتنمية في الفترة 2023-2025. فعلى مدى عامين، أُنهكت مؤسسات الدولة وتمزق الاقتصاد وتعمّقت الجراح الاجتماعية، وعادت البلاد عقودا إلى الوراء. لقد تحول السودان -بفعل هذا الدعم العسكري والمالي الخارجي لمليشيا متوحشة- إلى ساحة حرب مفتوحة ومأساة إنسانية من أسوأ ما شهده القرن الحالي. ومع استمرار تدفق الذهب المهرب والذخائر القادمة من أبو ظبي إلى أيدي قوات الدعم السريع، يغدو أي حديث عن وقف الحرب أو تحقيق تسوية سلمية ضربا من الوهم.

إن مصير السودان وشعبه بات مرتهنا بأجندات قوى خارجية لا تقيم وزنا لمستقبل البلاد سوى بقدر ما يخدم مصالحها. وقد كشفت تجربة العامين الماضيين بوضوح أن الإمارات، عبر دعمها الأحادي للدعم السريع، كانت طرفا رئيسيا في تأجيج الصراع ومنع أي مسار للاستقرار.

هذا الموقف لم يعد خافيا على أحد؛ تقارير الأمم المتحدة والجهات الدولية باتت صريحة في اتهام أبو ظبي بلعب دور تخريبي في السودان. وفي حين تجاهر الإمارات بنفي تلك الاتهامات، فإن الوقائع على الأرض والتحقيقات الميدانية تؤكد حقيقة دورها الهدّام. لقد دفع السودان -دولة وشعبا- الثمن الأفدح بفعل هذا الدعم الخارجي المنحاز الذي أطال أمد الحرب ووسّع نطاقها. وسيظل السودان ينزف اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا ما دام هذا الدعم مستمرا، وما لم يتم كبح جماح التدخلات الخارجية التي حوّلت آمال السودانيين في بناء دولتهم إلى سراب. وبلا وقفٍ لهذا الدعم التخريبي ومحاسبةٍ للضالعين فيه، سيبقى استقرار السودان المنشود بعيد المنال.

الجامعة العربية، التي أنشئت يوما لتكون مظلة للوحدة والدفاع المشترك، تقف اليوم موقف المتفرج الصامت؛ لا بيان حاسما، لا لجنة تحقيق، لا موقف أخلاقيا.. الصمت العربي على ما يجري في السودان يرقى إلى التواطؤ، كيف يمكن لمؤسسةٍ تدّعي تمثيل العرب أن تتجاهل تدخّل دولةٍ عضوٍ في شؤون دولةٍ عربيةٍ أخرى بهذا الشكل الفجّ؟ أين الميثاق العربي المشترك؟ أين مبدأ عدم التدخل؟ أين الحد الأدنى من التضامن الإنساني؟

الإمارات اليوم تتصرف وكأنها فوق المساءلة، لكنها في حقيقة الأمر تُغرق نفسها في مستنقع لن تخرج منه سالمة. كلّ خطوة تخطوها في السودان، وكلّ شحنة سلاح تهبط لطائرات الدعم السريع، وكلّ كيلو ذهب يُهرَّب إلى دبي، هي مسمار في نعش مشروعها التوسعي الذي يقوم على الدم والنهب.

قد تشتري الإمارات صمت العواصم الغربية لبعض الوقت، لكنها لن تشتري ذاكرة الشعوب ولا ضمير التاريخ. العالم اليوم يرى ويسجّل، وما تفعله في السودان ليس "دعما إنسانيا" كما تزعم، بل عدوان اقتصادي وعسكري مكتمل الأركان يهدف لتدمير دولة عربية وإغراقها في الفوضى.

أبو ظبي التي نهبت ذهب السودان ومَوّلت مليشيا حميدتي لتقصف الخرطوم ودارفور، تتوهم أن المال سيغسل أيديها من الدم. شعب السودان لن ينسى من حاصر مدنه وموّل قتل أبنائه، ولن تغفر له القارة الأفريقية هذا الدور التخريبي الذي عطّل تنميتها وفتح أبواب الجحيم على أهلها.

التاريخ يكتب الآن بلغةٍ لا تعرف المجاملة أن من دعم القتلة سيُحاكم، ومن موّل الحروب سيتحمل وزرها..

مقالات مشابهة

  • الفاشر المنسية في أجندة الرباعية الدولية
  • الدعم الإماراتي لمليشيا الدعم السريع.. كيف غيّر مسار الحرب ودمّر اقتصاد السودان؟
  • مقتل قيادي في العدل والمساواة بمعارك الفاشر.. تصعيد يهدد بانفجار في دارفور
  • الجيش السوداني يعلن التصدي لهجوم شنّته "الدعم السريع" على الفاشر
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم واسع للدعم السريع على الفاشر وسط تحذيرات من كارثة إنسانية
  • الجيش و«المشتركة» يصدّان هجومًا عنيفًا للدعم السريع على الفاشر
  • حلفاء الجيش السوداني يصدّون هجوما بريا واسعا للدعم السريع في الفاشر
  • الجيش السوداني يصد هجوما عنيفا على الفاشر
  • هل اعتمدت الدعم السريع الاغتيالات لتعطيل حملة الجيش الشتوية؟