كيف تحولت الأزمة المالية بتركيا إلى تهديد وجودي للإعلام؟
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
تركيا- تعيش وسائل الإعلام التركية اليوم واحدة من أعقد أزماتها البنيوية والمالية، في مشهد لم يسبق أن جمع تحت وطأته هذا العدد من المؤسسات على اختلاف انتماءاتها السياسية.
فمن الصحف الكبرى التي شكلت لعقود واجهة المشهد الإعلامي، إلى المنصات الرقمية التي تمثل جيلا جديدا من الصحافة المستقلة، وصولا إلى القنوات التلفزيونية، بات الجميع يدفع ثمنا باهظا لتراجع الإيرادات وارتفاع التكاليف وتقلص الدعم.
وتتراوح المظاهر بين تأخر دفع الرواتب وتسريح جماعي للموظفين، وانتهاء بإغلاق أبواب بعض المؤسسات بالكامل.
وبينما لا تميز الأزمة بين مؤيد أو معارض، يسود القطاع شعور عميق بالهشاشة، وتطفو على السطح تساؤلات ملحة، فهل يصمد الإعلام التركي أمام هذه العاصفة الاقتصادية العاتية؟ وهل ما زال هناك متسع لصحافة حرة ومستقلة في بيئة تتهددها الانهيارات المالية والقيود السياسية على حد سواء؟
إغلاقات وتسريحات جماعيةتواصل الأزمة المالية في تركيا كشف هشاشة البنية الاقتصادية للإعلام المحلي، حيث تتساقط المؤسسات الكبرى واحدة تلو أخرى تحت وطأة العجز، وتتوالى موجات التسريح والإغلاق في كبريات المنصات الإعلامية.
وخلال الأشهر الماضية، اتخذت تطورات دراماتيكية مسارا متسارعا يعكس عمق الانهيار الذي يضرب القطاع، ويهدد بفقدان مئات الوظائف الصحفية وإضعاف ما تبقى من ركائز الصحافة المستقلة.
وفي طليعة المشهد، جاءت قناة "إيكول تي في" التي قرر مالكها رجل الأعمال مبارز منصيموف، الخروج كليا من سوق الإعلام وتحويل استثماراته إلى قطاع النقل البحري.
وبحسب معلومات نقلها الصحفي إسماعيل صايماز، أُغلق مكتب القناة في العاصمة أنقرة، وتستعد إدارتها للاستغناء عن نحو 250 موظفا في إسطنبول، مما يعني عمليا إنهاء عقود أكثر من 300 صحفي وإداري دفعة واحدة.
ولم تكن قناة "كي آر تي" أفضل حالا، إذ تراكمت رواتب العاملين فيها لعدة أشهر دون صرف، مما دفع طاقمها إلى وقف البث والاعتصام داخل مبنى القناة في خطوة احتجاجية حملت طابعا رمزيا على هشاشة الوضع المالي والإداري في القطاع.
إعلانأما قناة "فلاش خبر" التي تُدار تحت وصاية صندوق تأمين الودائع الحكومي بعد مصادرتها، فقد أعلنت عن فصل جماعي شمل 150 موظفا، مما أثار انتقادات حادة من نقابة الصحفيين التي اعتبرت ذلك تهديدا مباشرا لحرية العمل الصحفي وأمنه الوظيفي.
ولم تكن الصحف المتخصصة بمنأى عن الارتدادات. فقد أغلقت صحيفة "إيكونوميم" الاقتصادية مقرها الرئيسي، وتحولت إلى نظام عمل مرن يجمع بين الدوام الجزئي والعمل عن بعد، في محاولة لخفض النفقات.
وضمن مشهد نادر، أطلقت صحيفة "جمهوريت" العريقة نداء علنيا تطلب فيه من قرائها دعما ماليا مباشرا لمواصلة صدورها، في خطوة تعكس حجم الضائقة التي باتت تهدد بقاء الصحافة، حتى في مؤسسات تُعد من الأعمدة التاريخية للمشهد الإعلامي التركي.
أزمة بنيويةلا يمكن فهم الانهيارات المتتالية في قطاع الإعلام التركي دون العودة إلى الجذور الاقتصادية العميقة التي تغذيها. فالأزمة الحالية ليست عابرة أو ظرفية، بل نتاج تراكمات في بيئة اقتصادية متقلبة طغى فيها التضخم على كل ملامح الاستقرار، وتراجعت فيها الإيرادات إلى مستويات غير مسبوقة.
ويرى الصحفي التركي أتاكان سونماز أن الأزمة التي تضرب المؤسسات الإعلامية التركية اليوم لا يمكن فصلها عن التراجع الاقتصادي العام، لكنها في جوهرها أزمة بنيوية في نموذج تمويل الإعلام نفسه. وأوضح سونماز في حديث للجزيرة نت أن تراجع الإنفاق الإعلاني -وهو أول ما تخفضه الشركات في فترات الركود- فاقم الأزمة، لكن عمقها الحقيقي نابع من تأخر الإعلام التركي في التحول الرقمي.
فالكثير من المؤسسات -برأيه- لم تُعد هيكلة غرف أخبارها بما يتناسب مع الوزن المتزايد للمنصات الرقمية، كما أن سلوك المعلنين لم يتطور بالسرعة نفسها، إذ لا تزال كلفة الإعلان الرقمي في تركيا تعادل نحو عُشر نظيره في أوروبا، في حين أن تكاليف التشغيل باتت قريبة من المستويات الأوروبية، وهو ما جعل تمويل المؤسسات عبر الإعلانات أكثر صعوبة.
علاقة الإعلام بالسياسةوتكشف الأزمة خللا في علاقة الإعلام بالسياسة، إذ تحول التمويل السياسي إلى المصدر الأساسي لبقاء العديد من المؤسسات، مما جعلها رهينة للتقلبات والاصطفافات الحزبية، وعندما تتبدل الظروف السياسية أو تتراجع الرعاية الرسمية، تجد هذه المؤسسات نفسها في مأزق مالي خانق، كما حدث في الأشهر الأخيرة.
ويرى سونماز أن ما تعيشه تركيا اليوم هو أزمة مالية وسياسية متداخلة، ناتجة عن غياب الرؤية الإستراتيجية وسوء تقدير التحولات التقنية والاقتصادية. ويشبه الوضع الحالي ما عاشه القطاع خلال أزمة 2001 حين شهد تسريحات جماعية وإغلاقات واسعة.
أما عن سبل الخروج، فيرى سونماز أن الحل يبدأ بتبني نموذج تمويل مستقل ومستدام يقوم على الاشتراكات الرقمية والمحتوى المدفوع عوضا عن الاعتماد على الإعلانات أو الدعم السياسي، مع إصلاحات تشريعية تضمن توزيعا عادلا لعوائد الإعلانات الرقمية وتُمكن وسائل الإعلام المستقلة من البقاء.
وتبرز تحديثات محركات البحث الإلكترونية كعامل تقني غير مرئي، لكنه بالغ التأثير في تعميق معاناة المؤسسات المستقلة، وعلى رأسها الخوارزميات المعتمدة في محرك البحث "غوغل".
إعلانففي مطلع العام الجاري، أصدرت 9 مؤسسات إعلامية مستقلة تركية بيانا مشتركا حذرت فيه من "حظر خوارزمي" غير معلن تسبب في فقدانها نحو 98% من زيارات القراء التي كانت تصلها عبر خدمات "استكشف" و"أخبار غوغل" في يوم واحد فقط.
وقد وُصفت هذه التغييرات بأنها ضربة قاصمة للصحافة الرقمية المستقلة، إذ إنها لا تقوض فقط الحضور الجماهيري للمواقع، بل تمس مباشرة بعائداتها الإعلانية، في وقت تعاني فيه أصلا من ضيق مالي وهيكلي حاد.
ويقول الصحفي في قناة "إيكول تي في" التركية إيمري أكبولوت: إن مستقبل الإعلام المستقل بات مرهونا إلى حد كبير بخوارزميات شركات التكنولوجيا العالمية، إذ تحدد هذه الشركات ما الذي يظهر أمام الجمهور وما يُدفن في زوايا المنصات، وهو ما يجعل مهمة الصحافة المستقلة في دول مثل تركيا أكثر صعوبة، حيث تتركز ملكية الإعلام في أيدي عدد محدود من المجموعات الكبرى.
وأضاف أكبولوت في حديثه للجزيرة نت، أن هذا الواقع لا يعني غياب الأمل تماما، فبعض المبادرات الإعلامية الجديدة استطاعت كسر الهيمنة الخوارزمية جزئيا عبر نماذج دعم مباشر من الجمهور وبناء مجتمعات رقمية وفية لمحتواها.
لكنه شدد على أن التحدي الحقيقي يتمثل في قدرة الإعلام المستقل على إيجاد نموذج اقتصادي مستدام في الفضاء الرقمي يضمن له الاستمرار بعيدا عن الضغوط التجارية والسياسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الإعلام الترکی
إقرأ أيضاً:
شاب يتعرض لعملية سلب تحت تهديد السلاح في عمان
#سواليف
تعرّض شاب لعملية #سلب تحت تهديد #السلاح من قبل شخصين، سرقا منه مبلغ 1200 دينار، ولاذا بالفرار، وذلك في إحدى ضواحي عمّان.
وقال مصدر أمني إن المجني عليه كان واقفاً في أحد شوارع #العاصمة وهو يحمل حقيبة تحتوي على مبلغ مالي (1200 دينار) وبطاقات شخصية وبنكية، عندما اقترب منه شخصان، حيث قام أحدهما بتهديده بسلاح ناري، بينما اعتدى الآخر عليه بالضرب، ثم سرقا الحقيبة ولاذا بالفرار.
وأشار المصدر إلى أن الشاب تقدّم بشكوى، وقد باشرت #الأجهزة_الأمنية التحقيق في #الحادثة.