غموض خطة ترامب متعمد والثمن سيكون أفدح من أي نكبة!
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
منذ ٢٩ سبتمبر يوم الإعلان عن خطة ترامب حتى اليوم لم تتوقف نخب الثقافة والإعلام الصهيونية الناطقة بالعربية عن تزييف وعي شعوبنا. تحت ستار نيراني كثيف يحجب رؤية العين وبصيرة العقل قام هؤلاء بالادعاء بأن غموض هذه الخطة وإبهامها هو غموض بنَّاء وغير متعمَّد، ويعبر فقط عن التعقيد الحاصل في الصراع وصعوبة حله حلًا شاملًا مرة واحدة والحاجة لتفاوض متدرج على عدة مراحل.
سنقتصر هنا على خبرة الغموض في الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية خاصة اتفاقيات أوسلو واتفاقياتها الفرعية مثل اتفاق غزة-أريحا، والخليل، وواي ريفر وشرم الشيخ وغيرها.
في كل هذه الاتفاقيات لم يكن الغموض صدفة، بل كان أداة سياسية مقصودة ومهندسة سلفًا يحقق للإسرائيليين كل أهدافهم، ويحرم الفلسطينيين من كل حقوقهم.
تتطابق خطة ترامب مع اتفاقات أوسلو في تحويل الغموض المتعمد إلى وسيلة جهنمية تمنح إسرائيل الفرصة كاملة لفرض واقع جديد تماما يجعل الدولة الفلسطينية مستحيلة. لا تحقق الخطة السلام، بل تنشئ مجرد هدنة مؤقتة طويلة أو قصيرة، ولكن لا تقضي على المصدر الحقيقي للصراع، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وليس التهديد الشيعي الإيراني المزعوم.
في اتفاق أوسلو واتفاقياته الفرعية أحكمت بدقة وتفصيل المطالب الأمنية التي تحقق أمن إسرائيل، وأبقي كامل السيطرة الأمنية والسيادة على الحدود في يد إسرائيل، وألزمت السلطة بالتنسيق الأمني. أحكم خناق الترتيبات الأمنية على الفلسطينيين باتفاقيات دايتون، وباتت سلطة المقاطعة منحصرة في إدارة حياة السكان اليومية، وليس تحقيق الاستقلال والتحرر الوطني كما نبهنا إدوارد سعيد.
في خطة ترامب نجد نفس الإحكام في الترتيبات الأمنية التي تخص إسرائيل والغموض فيما يتعلق بأمن غزة والفلسطينيين. تلزم الخطة المقاومة بنزع سلاحها وتلزم المقاومة بنزع سلاح غزة أي تدمير البنية التحتية العسكرية للمقاومة «الأنفاق وورش السلاح الفلسطينية» في المرحلة الثانية، لكنها لا تلزم إسرائيل بانسحاب نهائي وشامل، ولا بخرائط انسحاب محددة، بل تستخدم تعبيرات غامضة وفضفاضة، مثل خط انسحاب يتفق عليه ويربط بين الانسحاب وخطوات يتخذها الفلسطينيون؛ فإن ادعى الإسرائيليون ـ كما يفعلون دومًا ـ أن هذه الخطوات لم تتم بالشكل الذي يرضي مزاج إسرائيل لا يتم الانسحاب. ولا حديث أصلا عن رفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع الذي جعله أكبر سجن مفتوح والذي هو سبب رئيس من أسباب المواجهات العسكرية منذ ٢٠٠٨.
في اتفاق أوسلو واتفاقاته الملحقة ظهر الغموض الماكر في كل ما يتعلق بالحل السياسي، وخدع الفلسطينيون بتأجيل حسم قضايا الوضع النهائي للصراع مثل الأراضي، والحدود، والمياه، والاستيطان، والقدس، وعودة اللاجئين، وإحالتها بلغة مبهمة إلى مفاوضات تجري لاحقًا يعلم الجميع الآن بعد مرور ٣٢ سنة على أوسلو أن إسرائيل أوقفتها تمامًا من جانب واحد بحجة عدم وجود شريك سلام فلسطيني!! هذا الغموض سمح لإسرائيل بخلق أمر واقع على الأرض يدمر تمامًا فكرة الدولة الفلسطينية التي أوهم عرفات بأنه سيحصل عليها في نهاية المطاف من السلام مع إسرائيل. انتهى الأمر بانفجار الاستيطان وتضاعفه ٣ مرات في الضفة الغربية والقدس من أقل من ٢٥٠ ألف مستوطن إلى ٧٥٠ ألفًا، وبات الاحتلال ومستوطنوه يسيطرون على نحو ٧٧ ٪ من الضفة لا سيما الطرق الالتفافية والحواجز، وتقطيع الضفة لكانتونات معزولة. وكان ذلك كله بسبب صياغات أبهمت عمدًا في الاتفاقيات.
في خطة ترامب يبدأ الغموض والتعبيرات الفضفاضة، ولكن بصورة أسوأ بكثير من اتفاق أوسلو عندما يتعلق الأمر بالحقوق السياسية ومستقبل الدولة الفلسطينية، فتتحدث بشكل فضفاض خال من أي ضمانات عن: «تهيئة الظروف لفتح مسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية، وإطلاق حوار للاتفاق على أفق سياسي»!!
لا تحمل هذه الصياغة أي التزام حقيقي أو جدول زمني تمامًا مثل أوسلو، بل تؤجل القضية الأساسية ـ الدولة والسيادة ـ إلى مستقبل غير محدد، وشروط غامضة مثل «إصلاح السلطة الفلسطينية». ترامب يقول أمام قمة لزعماء العرب والمسلمين وآخرين من نحو ٣٠ دولة: «البعض يتحدث عن حل الدولتين، والبعض يتحدث عن دولة واحدة؛ لم أقرر بعد». يشكره نتنياهو قبل هذه القمة بساعة على موافقته على أن الضفة والقدس «يهودا والسامرة» أرض إسرائيلية، وأن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، يدوس ترامب في خطته على مئات القرارات الأممية التي وقعت عليها أمريكا نفسها عن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو ويمحوها كأنها لم تكن!!
ترامب الذي يعترف بأن إسرائيل فشلت في هزيمة حماس هزيمة مطلقة قائلا: «لو كانت قادرة على القضاء على حماس نهائيا لفعلت ذلك» يعود فيناقض نفسه، ويريد أن يفرض في الخطة استسلامًا على غرار حل الحرب العالمية الثانية التي هزمت فيها ألمانيا واليابان هزيمة تامة أمام الحلفاء. أضعفت المقاومة الغزية ولم تهزم، لكن ترامب يضع خطة استسلام تام بدون بدون قيد ولا شرط على طرف لم يهزم هزيمة كاملة! أي أنه يعطي لإسرائيل عبر رعب العرب والمسلمين منه وتسخيرهم في الضغط على حماس ما لم يستطع نتنياهو وجيشه تحقيقه بحرب الإبادة المعتمدة على الأسلحة الأمريكية التي تفاخر ترامب أنه أعطاها «لبيبي»، وأن الإسرائيليين استخدموها جيدًا. في الغالب كان رئيس أكبر دولة في العالم يتحدث عن نجاح الأسلحة الأمريكية في شن أكبر مجزرة في التاريخ البشري الحديث، أو حرب الإبادة الجماعية التي خلفت نحو ربع مليون شهيد ومصاب في غزة.
يعود الإحكام ويختفي الغموض عند حديث الخطة عن مجلس سلام دولي يحكم غزة، ويعيد من جديد الانتداب الاستعماري على فلسطين الذي انتهى قبل النكبة. يدمر ترامب إنجازين عربيين:
الأول هو حكم الفلسطينيين لأنفسهم عبر حكومة تكنوقراط وافقت بها حماس على التخلي عن حكم غزة عبر تفريغها من مضمونها على طريقة أوسلو التي حولت السلطة لإدارة بلدية؛ إذ يجعل هؤلاء الفلسطينيين التكنوقراط مجرد إدارة بلدية للشؤون اليومية تحت حكم مجلس السلام المزعوم، ومجلس خبراء أجانب وغير أجانب يعطون الفلسطينيين الأوامر السياسية والأمنية.
الإنجاز الثاني الذي تنسفه خطة ترامب هو خطة إعادة إعمار غزة العربية - الإسلامية التي كانت أصلًا خطة مصرية، فتحولها خطة ترامب لفصل غزة عن الضفة لتكمل ما فعله الاستيطان الإسرائيلي في الضفة من تدمير لإمكانية قيام الدولة الفلسطينية. في خطة ترامب لإعادة الإعمار يستولى على غزة وتحول من أرض محررة إلى منتجع عقاري يحقق مصالح كوشنر وويتكوف وبلير وغيرهم. اللافت أن ترامب رمى حمل التمويل على دول الخليج، وليس على قوة الاحتلال التي دمرت القطاع.
اختتم المقال باعتراف معلق إسرائيلي هو جاكي خوري الذي يصف خطة ترامب بأنها تقود إلى احتلال ناعم لغزة فيما احتلال الجيش الإسرائيلي للقطاع احتلال خشن عنيف.
واختتمه أيضا بالذكاء الاصطناعي الذي عندما سألته عن التشابه في الغموض بين خطة ترامب واتفاق أوسلو أجاب: إن الخطة هي نسخة محدثة من أوسلو؛ حيث تقدم ترتيبات إدارية وأمنية مؤقتة كحل، بينما تفرغ القضية الفلسطينية من جوهرها المتمثل في الأرض والسيادة وتقرير المصير.
حسين عبد الغني كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدولة الفلسطینیة اتفاق أوسلو خطة ترامب تمام ا
إقرأ أيضاً:
نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
#سواليف
أعلن #جيش_الاحتلال، اليوم الخميس، #اغتيال القيادي في #كتائب_القسام، الذراع العسكري لحركة #حماس، #رائد_سعد، في #غارة استهدفت سيارة على شارع الرشيد غرب مدينة غزة، في عملية أسفرت عن #استشهاد 5 #فلسطينيين على الأقل وإصابة نحو 20 آخرين.
ووصف جيش الاحتلال في بيان رسمي، سعد بأنه “الرجل الثاني” في #كتائب_القسام، والذي يتولى حاليا ملف إنتاج السلاح، وإعادة بناء القدرات العسكرية للجناح العسكري لحركة #حماس في قطاع غزة.
ويعد رائد سعد من مواليد العام 1972، وساهم في تأسيس الذراع العسكري لحركة حماس، وتدرج في شغل عدة مناصب ولعب أدوارا قيادية على مدار فترة عمله. وقبل #حرب_الإبادة_الإسرائيلية على غزة، كان سعد يُعتبر الرقم 4 في قيادة “القسام” بعد محمد الضيف ومروان عيسى اللذين اغتالتهما إسرائيل، وبعد عز الدين الحداد الذي تزعم المنظومة الأمنية الإسرائيلية توليه قيادة الذراع العسكرية لـ”حماس”.
مقالات ذات صلة البنتاغون يعلن حصيلة قتلاه الجنود والمصابين في كمين لداعش تعرضوا له في تدمر 2025/12/13وأصبح سعد الرقم 2 في “القسام” بعد عمليات الاغتيال التي طالت عددا كبيرا من أعضاء المجلس العسكري.
وشغل سعد قيادة لواء غزة، وهو أحد أكبر ألوية كتائب القسام، لسنوات حتى الفترة التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005 وحتى عام 2021، حينما تولى مهمة جديدة في الذراع العسكرية لـ”حماس”. وانتقل سعد عام 2021، وبعد معركة “سيف القدس” التي يطلق عليها الاحتلال اسم “حارس الأسوار”، لشغل منصب مسؤول ركن التصنيع في الحركة، وهو المسؤول عن وحدة التصنيع التي تُعنى بتطوير وإنتاج الأسلحة، مثل الصواريخ، والقذائف المضادة للدروع، وشبكة الأنفاق.
وأفادت وسائل إعلام عبرية بأن سعد أمضى في عام 1990 فترة اعتقال قصيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي على خلفية فعاليات تنظيمية. وفي بداية العقد الثاني من الألفية، أسس القوة البحرية التابعة لـ”حماس” في غزة، وتولى قيادتها. وبعد حرب عام 2014، انضم سعد إلى ما يُعرف بـ”هيئة الأركان” في “حماس”، وأصبح عضوا في المجلس العسكري المصغر للحركة.
وبحسب الإعلام العبري فقد “تم تعيينه قائدا لركن التصنيع، وفي إطاره أصبح مسؤولا عن إنتاج كافة الوسائل القتالية لصالح الجناح العسكري لحماس تمهيدا لعملية السابع من أكتوبر”. كما كان أحد مهندسي خطة “جدار أريحا”، التي هدفت إلى إخضاع فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، خلال طوفان الأقصى.
وزعم الإعلام العبري أن سعد عمل بعد ذلك “لإعادة إعمار قدرات “حماس” في إنتاج الأسلحة خلال الحرب، وكان مسؤولا عن قتل العديد من الجنود الإسرائيليين في قطاع غزة خلال الحرب، نتيجة تفجير عبوات ناسفة قام ركن التصنيع بإنتاجها”.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن الغارة التي استهدفت سعد جاءت بعد سلسلة محاولات اغتيال فاشلة خلال الفترة الأخيرة، من بينها محاولتان خلال الأسبوعَين الماضيين لم تنضجا في اللحظات الأخيرة، كما نجا من عدة محاولات اغتيال خلال الحرب.