في الوقت الذي تتجه فيه أنظار المستثمرين إلى التطورات الاقتصادية العالمية، تصاعدت التساؤلات حول الدور الذي تلعبه الصين في القفزة غير المسبوقة لأسعار الذهب، والتي دفعت الأوقية إلى تجاوز حاجز 4,345 دولارًا للمرة الأولى في التاريخ.
ومع تزايد مؤشرات التباطؤ الاقتصادي العالمي، وارتفاع وتيرة التوترات بين واشنطن وبكين، كشف مجلس الذهب العالمي عن تفاصيل مثيرة تؤكد أن بنك الشعب الصيني يواصل شراء الذهب للشهر الحادي عشر على التوالي، بالتوازي مع تخفيض حيازاته من السندات الأمريكية بما قيمته 600 مليار دولار، وهو ما فُسر بأنه تحول استراتيجي نحو الذهب كملاذ آمن بعيدًا عن الدولار الأمريكي.

مشتريات بنك الشعب الصيني.. سياسة جديدة لتنويع الاحتياطيات

في خطوة تُعدّ الأكبر منذ أكثر من عقد، أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أن الصين أضافت كميات جديدة من الذهب إلى احتياطاتها خلال شهر سبتمبر، لتواصل بذلك سلسلة من المشتريات المستمرة منذ نوفمبر من العام الماضي.
ووفقًا للأرقام المعلنة، ارتفعت احتياطات الصين من الذهب إلى 74.06 مليون أوقية نقية بنهاية سبتمبر، مقارنة بـ 74.02 مليون أوقية بنهاية أغسطس، في حين بلغت القيمة الإجمالية للاحتياطي الذهبي 283.29 مليار دولار، ارتفاعًا من 253.84 مليار دولار في الشهر السابق.

ويُفسر هذا التوجه على أنه إعادة تموضع استراتيجي للاقتصاد الصيني في مواجهة التقلبات المحتملة في النظام المالي العالمي، خصوصًا مع الضغوط الأمريكية واستمرار التوترات التجارية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي.

بيع السندات الأمريكية.. رسائل صينية إلى واشنطن

في الوقت ذاته، ووفق بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، خفّضت الصين حيازاتها من سندات الخزانة الأمريكية في مايو الماضي إلى 756.3 مليار دولار، مقارنة بـ 757.2 مليار دولار في أبريل، لتسجل بذلك أدنى مستوى منذ مارس 2009.
وكانت الصين حتى وقت قريب أكبر دائن أجنبي للولايات المتحدة، لكنها تراجعت مؤخرًا خلف اليابان التي تمتلك نحو 1.135 تريليون دولار من السندات، تليها المملكة المتحدة بـ 809.4 مليار دولار.

ويرى خبراء الاقتصاد أن بيع الصين للسندات الأمريكية بهذا الحجم، وإعادة توجيه السيولة نحو الذهب، يمثل تحولًا استراتيجيًا في السياسة المالية لبكين، هدفه تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع الأصول في مواجهة التوترات السياسية والاقتصادية المستمرة مع واشنطن.

التحليل الفني للذهب.. الأسواق تترقب الخطوة التالية

بعد تسعة أسابيع من الارتفاع المتواصل، دخلت أسعار الذهب في مرحلة من التذبذب الطبيعي وسط عمليات بيع لجني الأرباح.
فقد سجلت الأونصة انخفاضًا بنسبة 0.2% لتصل إلى 4219 دولارًا بعد أن لامست مستويات قياسية بلغت 4380 دولارًا يوم الجمعة الماضي.

ويقول محللون في شركة جولد بيليون إن السوق يترقب هذا الأسبوع بيانات التضخم الأمريكية إلى جانب المفاوضات التجارية بين واشنطن وبكين، لتحديد اتجاه الأسعار خلال الفترة المقبلة.

كما انخفض الذهب بنحو 1.8% يوم الجمعة الماضي، في أكبر تراجع منذ مايو، بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية استمرار الحرب التجارية مع الصين لفترة أطول، رغم تأكيده أن المحادثات المقبلة ما زالت قائمة.

ترامب بين التصعيد والتهدئة.. الأسواق تتفاعل بحذر

قال ترامب في تصريحات صحفية إن الرسوم الجمركية المفروضة على الصين “غير مستدامة”، معلنًا أنه يعتزم لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية خلال الأسبوعين المقبلين.
كما أكد وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت أن هناك جولة محادثات جديدة مع المسؤولين الصينيين خلال الأسبوع الجاري.

هذه التصريحات أعادت بعض الهدوء إلى الأسواق المالية العالمية، مما أدى إلى تراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن مؤقتًا، بينما اتجهت بعض التدفقات إلى الأصول عالية المخاطر.

في المقابل، ما زالت مخاوف الإغلاق الحكومي الأمريكي واستمرار الرهانات على خفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي عوامل داعمة لاستمرار الطلب على المعدن الأصفر.

الملف الجيوسياسي.. من أوكرانيا إلى الشرق الأقصى

وفي سياق متصل، يواصل المشهد الجيوسياسي العالمي الضغط على الأسواق.
فقد كشفت تقارير أن واشنطن تسعى للتوسط لوقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، في حين أجرى ترامب اتصالات بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لبحث إمكانية التنازل عن بعض الأراضي لموسكو، وهو ما أثار موجة جديدة من الجدل السياسي.

هذه التطورات أعادت إلى الأذهان المخاوف من اتساع رقعة الصراعات الدولية، ما يعزز بدوره الاتجاه نحو الذهب كخيار آمن في مواجهة الأزمات.الذهب في مرحلة حساسة من تاريخه

قال سمير عبد العزيز، الخبير بأسواق الذهب، في تعليقه على الارتفاعات الأخيرة بأسعار المعدن الأصفر، إن المشهد الحالي في سوق الذهب يعكس حالة من عدم اليقين الاقتصادي التي يعيشها العالم نتيجة الضبابية في السياسات النقدية الأمريكية، والتوترات الجيوسياسية الممتدة في أكثر من منطقة.

عوامل رئيسية تدعم صعود الذهب

وأوضح عبد العزيز أن الذهب يستمد قوته في الوقت الراهن من ثلاثة عوامل رئيسية:

توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية، والتي تدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول الدولارية والاتجاه نحو الملاذات الآمنة.

التوترات التجارية والسياسية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تعيد المخاوف من تراجع النمو العالمي.

زيادة مشتريات البنوك المركزية حول العالم للذهب كجزء من خططها لتنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الدولار.

سعر الأوقية يسجل مستوى تاريخي عند 4,345 دولارًا

وأشار الخبير إلى أن الأسعار التي يشهدها السوق الآن، والتي تجاوزت 4,345 دولارًا للأوقية، تعد مستويات تاريخية غير مسبوقة، مضيفًا أن الذهب “دخل مرحلة حساسة جدًا من التداولات” بعد موجة الصعود القوية التي شهدها خلال الأشهر الماضية، والتي بلغت أكثر من 60% منذ بداية العام.

تصحيح فني طبيعي بعد موجة الصعود الكبيرة

وبيّن عبد العزيز أن التحركات الحالية للسوق تُظهر سلوكًا تصحيحيًا طبيعيًا بعد القفزات الكبيرة، مشيرًا إلى أن ما يحدث من تذبذب في الأسعار بين 4,330 و4,370 دولارًا هو “عملية تصحيح فني متوقعة” وليست بداية لانخفاض طويل المدى.

ترقب عالمي لبيانات التضخم الأمريكية

وأضاف أن الأسواق تترقب بشدة بيانات التضخم الأمريكية المقبلة، معتبرًا أنها ستكون “نقطة فاصلة” في تحديد اتجاه الذهب في المدى القصير، إذ إن أي تراجع في معدلات التضخم سيدعم بشكل أكبر سيناريو خفض الفائدة وبالتالي استمرار ارتفاع الذهب، بينما قد يؤدي ثبات التضخم أو ارتفاعه إلى تباطؤ المكاسب مؤقتًا.

استقرار ملحوظ في السوق المحلي المصري

وفيما يتعلق بالسوق المحلي، أكد عبد العزيز أن أسعار الذهب في مصر أصبحت أكثر استقرارًا خلال اليومين الماضيين مع هدوء حركة الأونصة عالميًا، إضافة إلى استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.

وأشار إلى أن الأسعار الحالية جاءت على النحو التالي:

عيار 18: 5002 جنيهًا للجرام

عيار 21: 5838 جنيهًا للجرام

عيار 24: 6669 جنيهًا للجرام

وأوضح أن هذه المستويات تعكس توازناً مؤقتًا في السوق المحلي بعد موجة من التذبذبات التي شهدها الذهب خلال الأسابيع الماضية، لافتًا إلى أن حركة الأسعار تتأثر مباشرة بتغيرات الأونصة عالميًا وسعر الدولار محليًا.

الذهب يظل الملاذ الآمن في أوقات الأزمات

وشدد الخبير على أن الذهب سيظل الملاذ الآمن الأول للمستثمرين طالما استمرت حالة القلق في الأسواق العالمية، مضيفًا: “طالما هناك حروب، توترات تجارية، وتغيرات مفاجئة في السياسات النقدية، سيبقى الذهب هو الملاذ الأكثر أمانًا لحفظ القيمة.”

التصحيحات السعرية لا تعني نهاية الصعود

وختم عبد العزيز حديثه قائلًا: “رغم أن الذهب قد يشهد بعض التصحيحات السعرية في المدى القصير، إلا أن الاتجاه العام لا يزال صاعدًا على المدى المتوسط والطويل، خاصة مع توقعات استمرار خفض الفائدة وتزايد عمليات الشراء من البنوك المركزية. لكن من الخطأ الاعتقاد أن الارتفاع سيكون بلا توقف، فالذهب كأي أصل استثماري يحتاج إلى فترات تصحيح ليحافظ على زخمه.”

الذهب في صدارة المشهد الاقتصادي العالمي

وسط عالم مضطرب سياسيًا واقتصاديًا، يواصل الذهب ترسيخ مكانته كـ أداة دفاعية أساسية ضد التقلبات.
فمن الصين التي تعزز احتياطاتها، إلى المستثمرين الذين يبحثون عن الأمان، يبدو أن المعدن الأصفر يستعد لمرحلة جديدة من الصعود المدروس، خاصة مع استمرار البنوك المركزية في الشراء وتنامي المخاوف من ركود اقتصادي عالمي.
ومهما شهد السوق من تصحيحات مؤقتة، يبقى المؤكد أن الذهب ما زال يتألق كأحد أكثر الأصول استقرارًا وثقة في زمن الأزمات.

طباعة شارك الذهب سوق الفائدة الأوقية التضخم

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الذهب سوق الفائدة الأوقية التضخم ملیار دولار الذهب فی دولار ا

إقرأ أيضاً:

روسيا تحقق مكاسب قدرها 142 مليار دولار من الذهب خلال عامين

الثورة نت /..

أظهرت بيانات للبنك المركزي الروسي اليوم الأحد، أن احتياطيات روسيا من الذهب ارتفعت قيمتها بنحو 142 مليار دولار خلال عامين بفضل ارتفاع أسعاره .
ووفقا لتحليل أجرته وكالة “نوفوستي” الروسية للأنباء لبيانات البنك المركزي، فإنه في الأول من أكتوبر 2023، كانت هناك سبائك ذهبية في الخزائن بقيمة 140.5 مليار، بينما وصلت قيمتها في 1 أكتوبر 2025 إلى 282.1 مليار.
وجاء ذلك نتيجة ارتفاع الأسعار في الأسواق، حيث تضاعفت أسعار الذهب خلال هذه الفترة، من 1800 دولار للأوقية إلى 4300 دولار.
ومع ذلك، انخفض المخزون المادي بشكل طفيف بمقدار حوالي 6.2 طن. وفي الأول من سبتمبر، بلغ حوالي 2326.5 طن.
وبلغت حصة الذهب من الاحتياطيات في بداية أكتوبر 39.5%. وارتفعت حصة العملات الأجنبية بنسبة 0.6% على مدار عامين، لتصل إلى 431.1 مليار دولار.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار الذهب عالميا مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية
  • 51.22 مليار دولار صافي مشتريات العرب والأجانب من أذون الخزانة بالبورصة
  • أسعار الذهب اليوم الاثنين 20-10-2025
  • الذهب يرتفع هامشيا مع ترقب بيانات التضخم الأمريكية ومحادثات التجارة
  • روسيا تحقق مكاسب قدرها 142 مليار دولار من الذهب خلال عامين
  • الذهب يرتفع 350 جنيهًا خلال أسبوع
  • مسجلا أعلى مستوى تاريخي.. الذهب يرتفع 350 جنيهًا خلال أسبوع
  • ارتفاع التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوى له منذ 5 أشهر
  • أفضل أداء أسبوعي منذ 17 عامًا.. الذهب يتجاوز 4300 دولار للمرة الأولى