عماد الاكتئاب العربي ونُدماء كي الوعي
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
ما أن توقف إطلاق النار في غزة، حتى استأنفت بعض المنابر الإعلامية العربية المضي على سكة الردح الإعلامي الذي امتهنته طيلة عامي الإبادة الجماعية على غزة، لم تترك هذه المنابر مناسبة يومية وعلى مدار الوقت مهمتها للنيل من الفلسطينيين وقضيتهم. السمة الرئيسة لهذه الجهود الإعلامية، تعظيم شأن الاحتلال وتسخيف مقاومته، لا بل الإعجاب بفاشيته ووحشيته التي بإمكانها أن تأخذ "حق" هؤلاء الذين أحسّوا بعار ما يجري، خصوصا على الجانب الإعلامي، وفي شوارع غير عربية؛ ملايين البشر منددين بوحشية وفاشية الاحتلال ومطالبين بمقاطعته ومعاقبته، وبالقدرة الرهيبة لصمود الشعب الفلسطيني في مواجهته لأعتى فاشية في العصر الحديث.
الشعور بالصدمة والاكتئاب الذي عبّر عنه إعلاميو قنوات عربية، من قدرة الفلسطيني على مقاومة عدوه بأدواته البسيطة، وتسلحه بإرادة وأمل لدحر الاحتلال، هو شعور مشترك تقاسمه بعض الإعلام العربي مع دوائر ومنابر صهيونية، بتسخيف هذه الإرادة والتقليل من شأنها، ولم يكن وليد الصدفة لا قبل العدوان وأثناءه، ولا بعد وقف جرائم الإبادة، إنما هو خطوة تحمل في ثناياها مقومات نقلة نوعية في الانحدار الإعلامي العربي بعد جرائم الإبادة في غزة، والتي كان أحد أهدافها إنزال هزيمة ساحقة بوعي الفلسطينيين، وكي وعيهم ضرورة وواجب كما يقول بعض شراذم الإعلام العربي المتفقين تماما مع سياسات صهيونية تاريخية، عبّر عنها نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، والتي وضعها آباء الصهيونية من قبل كنهج وسياسة، لتوطين إسرائيل في العقل العربي، كقوة مهيمنة وظاهرة طبيعية بمقدورها بسط سيطرتها على شرق أوسط مهزوم ومقهور.
المهمة الصهيونية في سحق وعي الفلسطينيين وكسر إرادتهم لا تكتمل إلا مع قبول عربي بها، أو فرضها بقوة العدوان والسيطرة والتوسع، كما يحدث على الأرض في فلسطين وفي أماكن عربية أخرى، ووظيفة نخب الإعلام العربي أن تشكل نواة هذه المهمة الفاشلة بطبيعة الحال، والتي تسببت باكتئاب لأصحابها بتعبيرهم، ومن قبل لآبائها الصهيونيين، لكنها لم تتوقف عند حدود إلحاق الهزيمة بمقاومة الشعب الفلسطيني، وبارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي، فجعل إسرائيل وجرائمها واحتلالها إقرارا وطوعا ورضا بهيمنتها تحت مسمى "السلام" بعد كي وعي الفلسطينيين والعرب؛ يشكل لب المشروع الاستعماري الصهيوني في المنطقة العربية، وبدعم أمريكي وغربي؛ بات جزء منه مشروعا عربي للأسف.
طيلة العقود الطويلة من تجربة الشعب الفلسطيني في مقاومة هذا المشروع، وتعرضه لشتى الجرائم والمؤامرات المختلفة، منذ النكبة عام 1948، ثم هزيمة جيوش النظام العربي عام 1967، إلى كل جولات الصراع، كان يجري التركيز على نقطة مهمة لعزل قضية فلسطين عن عمقها العربي، وجعلها قضية نزاع فلسطيني إسرائيلي بحت. نقاط كثيرة سجلتها إسرائيل على جبهة النظام العربي، وفي إحداث شرخ كبير بين الأنظمة وقضيتها المركزية، خصوصا في مرحلة ما بعد مؤتمر مدريد (1991) وأوسلو (1993)، وسبقهما اتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر (1979)، وتعاد الكرّة اليوم بعد جرائم الحرب والإبادة في غزة. فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تحاول إسرائيل تسويق سرديتها بالخلاص من مقاومة الفلسطينيين التي تضمن سلاما يقوم على الإخضاع والهيمنة والقوة مع النظام العربي.
في الآلة الإعلامية الفظيعة لبعض النظام العربي، التي تخضع لما عجزت عنه قوة جرائم الإبادة والسردية الصهيونية، بجعل الفلسطيني والعقل العربي قابلين للتعايش مع جلاده خاضعا بالسحق وبالقوة الغاشمة، دلالات تنتج عدوانية تلقائية ضد "المقاومة"؛ كون الأخيرة هي مركز كل "كوارث" إسرائيل والنظام العربي التواقين للسلام والرخاء والتعايش كما صورتها السردية الصهيونية، وكأنه ليست الكارثة والمسؤولية وجود الاحتلال وممارساته الفاشية العنصرية، والقائمة على فكرة التطهير العرقي لسكان الأرض الأصليين وزرعها بالمستعمرات التي تتزوج فيها العبقرية الصهيونية بالموارد العربية كما تريدها إسرائيل والولايات المتحدة.
إذا، الامتعاض العربي والبعض الفلسطيني الرسمي هو من مقاومة هذا المستعمر، والمعبَر عنه من حناجر أبواق عربية، بالانحياز الكامل لأفكار اليمين الصهيوني، بنهاية القضية الفلسطينية وحقوق شعبها باعتبارها قضية تحرر وطني، واستبدالها بمشاريع تطبيع سياسي واقتصادي وأمني مع إسرائيل، هو امتعاض من عقلية شعب لم ولن تتأقلم وتخضع لمحتلها رغم كل ما أصابها. وإصابة بعض النخب والأبواق العربية المتصهينة بحالة الاكتئاب سبقها انهيار وانحلال عظيم لمنابر ونخب ثقافية وإعلامية عربية أثناء جرائم الإبادة، وأثناء صمود المقاومة ومواجهتها لآلة الدمار الصهيوني الهائلة، ما جعل هؤلاء في وضع مربك سمته الأساسية الحيرة وعدم الاطمئنان حتى من الاتفاق الأخير لوقف العدوان بدون حسم هزيمة المقاومة ورفعها الأعلام البيضاء.
الخاتمة الوحشية لجرائم الإبادة الصهيونية في غزة يعتبرها بعض نخب إعلام العار العربي، هزيمة مطلقة لفكرة "المقاومة" ومرادفا حرفيا لمعنى الانتصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، واعترافا بأفضلية الأسلوب الصهيوني الذي هتفت وروجت له أثناء الإبادة الجماعية بمسؤولية الضحايا عما حل بهم، وهي سردية تكررت وستتكرر في قادم الأيام عن جدوى مقاومة الفلسطينيين والتمسك بقضيتهم وحقوقهم، التي أصبحت في وسائل إعلام غربية وعند قطاع واسع من الرأي العام الدولي مرادفا قويا للكرامة الإنسانية ولعدالة القضية الفلسطينية وحق شعبها بالحرية، في الوقت الذي تتلاصق في ذهن إعلام عربي رسمي طقوس معزوفة صهيونية عن الشعب الفلسطيني ومقاومته، مع لغة تتناوب على اجترار مفردات فيهما من الأسرلة والعبرنة الركيكة ما يوحي بنبرة انتصارها على الضحايا.
كلمة أخيرة، مع خسارة إسرائيل الاستراتيجية في الغرب في ميدان سرديتها، "محاربة الإرهاب"، وارتكابها جرائم الحرب والإبادة في غزة، وانفلاتها المستعر على كل الوجود الفلسطيني، هناك من يحاول تعويض خسارتها عربيا بوابل من التزوير الصهيوني، وفرض ما أرادت إسرائيل وأُرغمت أنظمة عربية على قبوله في مهازل مؤتمرات "السلام" التي لن تكون نهاية المطاف بالنسبة للمخطط التوسعي الصهيوني، بل محطة على طريق التحقيق المطلق للصهيونية، كما يراه نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ونتنياهو، ومن ينطق باسمهم من ندمائهم العرب ومن يحاول أن يكون عماد روايتهم، وبغير إدراك أن للشعب الفلسطيني ولشعوب عربية كلمة عن حقها وبوصلتها.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة الاحتلال مقاومة وعي احتلال مقاومة غزة وعي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی النظام العربی جرائم الإبادة فی غزة
إقرأ أيضاً:
دول عربية وإسلامية تدين اقتحام إسرائيل مقر الأونروا في القدس
أدان وزراء خارجية دول عربية وإسلامية في بيان مشترك، اليوم الجمعة، اقتحام القوات الإسرائيلية لمقر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية.
وأكد وزراء خارجية مصر والأردن وإندونيسيا وباكستان وتركيا والسعودية وقطر، اليوم الجمعة، على الدور الذي لا غنى عنه لوكالة (الأونروا) في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين ورعاية شؤونهم.
وقال الوزراء إن اقتحام مقر الأونروا يمثل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحرمة مقار الأمم المتحدة، وهو ما يعد تصعيدًا غير مقبول".
كما يخالف الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في أكتوبر الذي ينص بوضوح على التزام إسرائيل كقوة احتلال بعدم عرقلة عمليات الأونروا، بل على العكس من ذلك، تسهيلها.
أشار البيان المشترك الصادر اليوم إلى أنه على مدار عقود، قامت "الأونروا" بتنفيذ ولاية فريدة من نوعها أوكلها لها المجتمع الدولي، تعنى بحماية اللاجئين وتقديم خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والمساعدة الطارئة لملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها.
وجاء في البيان "يعكس اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرار تجديد ولاية الأونروا لمدة 3 سنوات إضافية، الثقة الدولية في الدور الحيوي الذي تؤديه الوكالة واستمرارية عملياتها".
على ضوء الأزمة الإنسانية غير المسبوقة في قطاع غزة، يؤكد الوزراء على الدور الأساسي الذي تضطلع به الوكالة في توزيع المساعدات الإنسانية عبر شبكة مراكز التوزيع التابعة لها، بما يضمن وصول الغذاء والمواد الإغاثية والمستلزمات الأساسية إلى مستحقيها بعدالة وكفاءة، وفق البيان.
كما تعد مدارس الأونروا ومرافقها الصحية شريان حياة لمجتمع اللاجئين في غزة، حيث تواصل دعم التعليم وتوفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية رغم الظروف شديدة الصعوبة، وهو ما يدعم تنفيذ خطة الرئيس "ترامب" على الأرض وتمكين الفلسطينيين من البقاء على أرضهم وبناء وطنهم.
يؤكد الوزراء على أن دور الأونروا غير قابل للاستبدال، إذ لا توجد أي جهة أخرى تمتلك البنية التحتية والخبرة والانتشار الميداني اللازم لتلبية احتياجات اللاجئين الفلسطينيين أو لضمان استمرارية تقديم الخدمات على النطاق المطلوب.
وشدد الوزراء أن أي إضعاف لقدرة الوكالة سيترتب عليه تداعيات إنسانية واجتماعية وسياسية خطيرة على مستوى المنطقة بأسرها.
دعا الوزراء المجتمع الدولي إلى ضمان توفير التمويل الكافي والمستدام لها، ومنحها المساحة السياسية والعملياتية اللازمة لمواصلة عملها الحيوي في كافة مناطق عملياتها الخمسة.
قال الوزراء إن دعم الأونروا يمثل ركيزة أساسية للحفاظ على الاستقرار وصون الكرامة الإنسانية وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لقضيتهم وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.